المواضيع الأخيرة
لا تنسوا أن تتصفحوا أيضا بعض أقسام المنتدى:
بوابة الخواطر الأدبية للكاتب ش ق بن عليةبحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 62 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 62 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 634 بتاريخ الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 22:39
أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب سيدي الشيخ
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 94
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 94
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. (94)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} هَذَا مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الْقَتْلِ وَالْجِهَادِ. وَالضَّرْبُ في الأرضِ: السَّيْرُ فِيها، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إِذَا سِرْتُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِ، مُقْتَرِنَةً بِفِي. وَتَقُولُ: ضَرَبْتُ الْأَرْضَ، دُونَ (فِي) إِذَا قَصَدْتَ قَضَاءَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ يَتَحَدَّثَانِ كَاشِفَيْنِ عَنْ فَرْجَيْهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ)). وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَرُّوا فِي سَفَرِهِمْ بِرَجُلٍ مَعَهُ جَمَلٌ وَغُنَيْمَةٌ يَبِيعُهَا فَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَقَّ عَلَيْهِ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ. قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (السَّلَامَ). فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ: وَحَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دِيَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ غُنَيْمَاتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَهُوَ فِي سِيَرِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَمُصَنَّفِ أَبِي دَاوُدَ وَالِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقَاتِلَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، وَالْمَقْتُولُ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ فَدَعَا عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ عَلَى مُحَلِّمٍ فَمَا عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا سَبْعًا ثُمَّ دُفِنَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ ثُمَّ دُفِنَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ ثُمَّ دُفِنَ ثَالِثَةً فَلَمْ تَقْبَلْهُ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ أَلْقَوْهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنْهُ)). قَالَ الْحَسَنُ: أَمَا إِنَّهَا تَحْبِسُ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ وَعَظَ الْقَوْمَ أَلَّا يَعُودُوا. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنِّي مُسْلِمٌ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ! قَالَ: ((وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ))؟ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ)). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ أَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ؟ قَالَ: ((لَا فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ)). فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَقُلْنَا: لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ، فَدَفَنَّاهُ ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. فَقُلْنَا: لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا، فَدَفَنَّاهُ ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ. فَتَغْلِيظُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مُحَلِّمٍ، وَنَبْذُهُ مِنْ قَبْرِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِإِسْلَامِهِ فَقَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِأَجْلِ الْحِنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْقَاتِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَالْمَقْتُولُ مرداس ابن نَهِيكٍ الْغَطَفَانِيُّ ثُمَّ الْفَزَارِيُّ مِنْ بَنِي مُرَّةَ من أهل فَدْك.
وَقِيلَ: كَانَ مِرْدَاسُ هَذَا قَدْ أَسْلَمَ مِنَ اللَّيْلَةِ وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَهْلَهُ، وَلَمَّا عَظَّمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْأَمْرَ عَلَى أُسَامَةَ حَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ أَلَّا
يُقَاتِلَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ.
وَقِيلَ: الْقَاتِلُ أَبُو قَتَادَةَ. وَقِيلَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ حِينَ مَاتَ هُوَ مُحَلِّمٌ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ جَرَتْ فِي زَمَانٍ مُتَقَارِبٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْجَمِيعِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَدَّ عَلَى أَهْلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمَ وَالْجَمَلَ وَحَمَلَ دِيَتَهُ عَلَى طَرِيقِ الِائْتِلَافِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ أَمِيرَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ: لَهُ غَالِبُ بْنُ فَضَالَةَ اللَّيْثِيُّ. وَقِيلَ: الْمِقْدَادُ. حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَبَيَّنُوا} أي تأملوا وتثبَّتوا، يُقَالُ: تَبَيَّنْتُ الْأَمْرَ وَتَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٍ. وَالتَّبَيُّنُ والتَّثَبُّتُ فِي الْقَتْلِ وَاجِبٌ حَضَرًا وَسَفَرًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ السَّفَرُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ الَّتِي فِيهَا نَزَلَتِ الْآيَةُ وَقَعَتْ فِي السَّفَرِ. وقال الفارسي: التَثبُّتُ هو خِلافُ الإِقدامِ والمُرادُ التَّأنِّي، والتَثَبُّتُ أشدُّ اختصاصاً بِهذا المَوضعِ، يَدُلُّ عليْه قولُه: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} النساء: 66. أي: أشدُّ وقعاً لهم عَمَّا وُعِظوا به بأَنْ لا يُقدِموا عليه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} قالَ البُخاريُّ: السَّلَمُ والسِلمُ والسلامُ واحدٌ، وقرى بِهَا كُلُّهَا، وقَالُوا: "السَّلَمَ" هَاهُنَا أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ وَالتَّسْلِيمِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} فَالسَّلَمُ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ. أَيْ لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى بِيَدِهِ وَاسْتَسْلَمَ لَكُمْ وأظهر دعوتكم لست مؤمنًا. وقيل: السلامُ قولُه السَّلَامِ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ سَلَامَهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ مُؤْذِنٌ بِطَاعَتِهِ وَانْقِيَادِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِانْحِيَازُ وَالتَّرْكُ. ويُقَالُ فُلَانٌ سَلَامٌ إِذَا كَانَ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا. وَالسِّلْمُ (بِشَدِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ) الصُّلْحُ.
وَالْمُسْلِمُ إِذَا لَقِيَ الْكَافِرَ وَلَا عَهْدَ لَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَصَمَ بِعِصَامِ الْإِسْلَامِ الْمَانِعِ مِنْ دَمِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ: فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ. وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ قَالَهَا مُتَعَوِّذًا وَخَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، وَأَنَّ الْعَاصِمَ قَوْلُهَا مُطْمَئِنًّا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ عاصم كَيْفَمَا قَالَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ لِأُسَامَةَ: ((أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. أَيْ تَنْظُرُ أَصَادِقٌ هُوَ فِي قَوْلِهِ أَمْ كَاذِبٌ؟ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ. وَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ بَابٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُنَاطُ بِالْمَظَانِّ وَالظَّوَاهِرِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَاطِّلَاعِ السَّرَائِرِ. فَإِنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ أَيْضًا حَتَّى يُعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إِشْكَالٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَافِرِ يُوجَدُ فَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمِنًا أَطْلُبُ الْأَمَانَ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ وَلَا يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنَا مُؤْمِنٌ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الْعَاصِمَةِ الَّتِي عَلَّقَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْحُكْمَ عليه بِهَا فِي قَوْلِهِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
فَإِنْ صَلَّى أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، أَمَّا أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا وَرَاءُ هَذِهِ الصَّلَاةِ؟ فَإِنْ قَالَ: صَلَاةُ مُسْلِمٍ، قِيلَ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَالَهَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ، وَإِنْ أَبَى عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَلَاعُبٌ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَنْ يَرَى إِسْلَامَهُ رِدَّةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ لَيْسَ بِرِدَّةٍ. وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، يُكَلَّفُ الْكَلِمَةَ، فَإِنْ قَالَهَا تَحَقَّقَ رَشَادُهُ، وَإِنْ أَبَى تَبَيَّنَ عِنَادُهُ وَقُتِلَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "فَتَبَيَّنُوا" أَيِ الْأَمْرَ الْمُشْكِلَ، أَوْ "تَثَبَّتُوا" وَلَا تَعْجَلُوا الْمَعْنَيَانِ سَوَاءٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَتَى مَنْهِيًّا عَنْهُ.
قَوْلُهُ تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} أَيْ تَبْتَغُونَ أَخْذَ مَالِهِ: وَيُسَمَّى مَتَاعُ الدُّنْيَا عَرَضًا لِأَنَّهُ عَارِضٌ زَائِلٌ غَيْرُ ثَابِتٍ. يُقَالُ لجَمِيعِ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَرَضٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ ما رواه ابنُ ماجة، ورواه البيهقي في السنن الكبرى: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَتْ خُطْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ يَقْضِي فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلَا وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ، وَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ مِنَ اللهِ عَلَى حَذَرٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَإِنَّكُمْ مُلَاقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا بُدَّ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)). وَالْعَرْضُ (بِسُكُونِ الرَّاءِ) مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَكُلُّ عَرْضٍ عَرَضٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عَرَضٍ عَرْضًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ـ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)). وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ:
تَقَنَّعْ بِمَا يَكْفِيكَ وَاسْتَعْمِلِ الرِّضَا ....... فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي
فَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ إِنَّمَا ..... يَكُونُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ
فَإِنَّ الْمَالَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُتَمَوَّلُ. وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الْعَرَضُ مَا نِيلَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا} وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ. والعَرَضُ أيضاً ما يَعْتَرِضُ الْإِنْسَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَالْعَرَضُ مِنَ الْأَثَاثِ مَا كَانَ غَيْرَ نَقْدٍ. وَأَعْرَضَ الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ وَأَمْكَنَ. وَالْعَرْضُ خِلَافُ الطُّولِ.
وقَوْلُهُ: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ} عِدَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَمِنْ حِلِّهِ دُونَ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، أَيْ فَلَا تَتَهَافَتُوا.
قولُه: {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} أَيْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ عَنْ قَوْمِكُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِ الدِّينِ وَغَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُمُ الْآنَ كَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَوْمِهِ مُتَرَبِّصٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ، فَلَا يَصْلُحُ إِذْ وَصَلَ إِلَيْكُمْ أَنْ تَقْتُلُوهُ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا أَمْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى كَذَلِكَ كُنْتُمْ كَفَرَةً.
قولُه: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بِأَنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ هُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُسْلِمُ لِحِينِهِ حِينَ لَقِيَكُمْ فَيَجِبُ أَنْ تَتَثَبَّتُوا فِي أَمْرِهِ.
اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْقَوْلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً". قَالُوا: وَلَمَّا مَنَعَ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَسْتَ مُؤْمِنًا مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِمْ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَلَوْلَا الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَعِبْ قَوْلَهُمْ. قُلْنَا: إِنَّمَا شَكَّ الْقَوْمُ فِي حَالَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ تَعَوُّذًا فَقَتَلُوهُ، وَاللَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ غَيْرَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)). مُتَّفقٌ عليه عن أبي هريرة.
وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (الْبَقَرَةِ) وَقَدْ كَشَفَ الْبَيَانَ فِي هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ طَرِيقٌ إِلَيْهِ إِلَّا مَا سُمِعَ مِنْهُ فَقَطْ. وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا أَيْضًا مَنْ قَالَ: إِنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ مَتَى أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْخَلْقِ بِأَنْ خَصَّهُمْ بِالتَّوْفِيقِ، وَالْقَدَرِيَّةُ تَقُولُ: خَلَقَهُمْ كُلُّهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمَا كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمِنَّةِ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ مَعْنًى.
قَوْلُهُ: {فَتَبَيَّنُوا} أَعَادَ الْأَمْرَ بِالتَّبْيِينِ لِلتَّأْكِيدِ. وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} تَحْذِيرٌ عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ، أَيِ احْفَظُوا أنفسَكم وجَنِّبوها الزَلَلَ المُوبِقَ لكم.
قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ} قرأ الأخوان من التثبُّت، والباقون من البَيان، وقد قوبِل بالعجلة في قولِه عليه الصلاةُ والسلام: ((التبيُّنُ مِن اللهِ والعَجَلَةُ من الشيطان)) وهو يُقَوِّي قراءةَ الأَخويْن. وتَفَعَّلَ في كِلْتا القِراءتيْن بمعنى اسْتَفْعَلَ الدالِّ على الطلب أي: اطلبوا التَثبيتَ أوِ البَيان.
وقولُه: {لِمَنْ ألقى} اللام هنا للتَبْليغِ، و"مَنْ" موصولةٌ. أو مفصولةٌ، و"ألقى" هنا ماضي اللفظِ، إلّا أنَّه بمعنى المُستقبلِ، أيْ: لِمَنْ يُلْقي، لأنَّ النهيَ لا يكونُ عَمَّا وقع وانقضَى، والماضي إذا وقع صلة صَلَحَ للمُضِيِّ والاستقبال. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: "السَّلَم" بفتح السين واللّامِ مِنْ غيرِ ألفٍ، وقرأ باقي السبعةِ: "السلام" بألفٍ، ورُوي عن عاصمٍ: "السِّلْم" بكسر السِين وسُكونِ اللامِ. فأمَّا "السلام" فالظاهرُ أنَّه التَحِيَّةُ. وقيل: الاسْتِسْلامُ والانْقيادُ، والسَّلَم ـ بفتحِهِما ـ الانقيادُ فقط، وكذا {السلم} في الآية: 208. من سورةِ البقرة. بالكسر والسكون. وقرأ الجَحدَرِيُّ بفتحِها وسُكونِ اللّامِ، وقد تَقَدَّم القول فيها في البقرة. والجملةُ مِن قولِه "لست مؤمناً" في محلِّ نصبٍ بالقولِ. والجمهورُ على كسرِ الميمِ الثانيةِ مِن "مؤمناً" اسمُ فاعلٍ وأبو جعفر بفتحِهِا اسمَ مفعولٍ، أي: لانُؤَمِّنَكَ في نفسِك، وتُروى هذه القراءةُ عن عليٍّ وابنِ عبّاسٍ ويَحيى بنِ يَعْمُرَ.
قولُه: {تَبْتَغُونَ} في مَحَلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "تقولوا" أي: لا تقولوا ذلك مُبتَغينَ.
قولُه: {كذلك} هذا خبرٌ لـ "كان" قُدِّمَ عليْها وعلى اسْمِها أي: كنتم مِنْ قبل الإِسلامِ مثلَ مَنْ أَقدَمَ ولم يَتَثَبَّتْ. وقولُه: {فَمَنَّ الله} الظاهرُ أنَّ هذِهِ الجُملةَ مِن تتمَّةِ قولِه: "كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ" فهي معطوفةٌ على الجملةِ قبلَها. وقيل: بل هي من تتمَّةِ قولِه: "تبتغون" والأوّلُ أظْهر:
وقولُه: "فتبيِّنوا" قُرِئتْ كالّتي قبلَها فقيلَ: هي تأكيدٌ لَفظِيٌّ لِلأُولى، وقيل: ليستْ للتأكيدِ لاخْتِلافِ مُتَعَلَّقِهِما، فإنَّ تقديرَ الأوّلِ: "فتبيَّنوا في أمر مَنْ تقتلونَه"، وتقدير الثاني: فتَبَيَّنوا نِعمةَ الله، أو تثبَّتوا فيها، والسياقُ يَدُلُّ على ذلك، ولأنَّ الأصلَ عدمُ التأكيدِ. والجُمهورُ على كَسرِ همزة "إنَّ الله"، وقُرِئ بفتحِها على أنَّها معمولةٌ لـ "تبينَّوا" أو على حذفِ لامِ العِلَّةِ، وإنْ كان قد قُرِئَ بالفَتْحِ معَ التَثْبيتِ فيَكونُ على لامِ العِلَّة لا غير. و"المَغانم": جمعُ "مَغْنَمٍ" وهو يَصلُحُ للمصدرِ والزمانِ والمكانِ، ثمَّ يُطلَقُ على كلِّ ما يُؤخَذُ مِنْ مالِ العَدُوِّ في الغَزْوِ، إطلاقاً للمَصْدَرِ على اسْمِ المَفعولِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} هَذَا مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الْقَتْلِ وَالْجِهَادِ. وَالضَّرْبُ في الأرضِ: السَّيْرُ فِيها، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إِذَا سِرْتُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِ، مُقْتَرِنَةً بِفِي. وَتَقُولُ: ضَرَبْتُ الْأَرْضَ، دُونَ (فِي) إِذَا قَصَدْتَ قَضَاءَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ يَتَحَدَّثَانِ كَاشِفَيْنِ عَنْ فَرْجَيْهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ)). وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَرُّوا فِي سَفَرِهِمْ بِرَجُلٍ مَعَهُ جَمَلٌ وَغُنَيْمَةٌ يَبِيعُهَا فَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَقَّ عَلَيْهِ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ. قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (السَّلَامَ). فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ: وَحَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دِيَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ غُنَيْمَاتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَهُوَ فِي سِيَرِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَمُصَنَّفِ أَبِي دَاوُدَ وَالِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقَاتِلَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، وَالْمَقْتُولُ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ فَدَعَا عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ عَلَى مُحَلِّمٍ فَمَا عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا سَبْعًا ثُمَّ دُفِنَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ ثُمَّ دُفِنَ فَلَمْ تَقْبَلْهُ ثُمَّ دُفِنَ ثَالِثَةً فَلَمْ تَقْبَلْهُ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ أَلْقَوْهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنْهُ)). قَالَ الْحَسَنُ: أَمَا إِنَّهَا تَحْبِسُ مَنْ هُوَ شَرُّ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ وَعَظَ الْقَوْمَ أَلَّا يَعُودُوا. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنِّي مُسْلِمٌ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ! قَالَ: ((وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ))؟ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ)). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ أَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ؟ قَالَ: ((لَا فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ)). فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَقُلْنَا: لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ، فَدَفَنَّاهُ ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. فَقُلْنَا: لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا، فَدَفَنَّاهُ ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ. فَتَغْلِيظُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مُحَلِّمٍ، وَنَبْذُهُ مِنْ قَبْرِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِإِسْلَامِهِ فَقَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِأَجْلِ الْحِنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْقَاتِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَالْمَقْتُولُ مرداس ابن نَهِيكٍ الْغَطَفَانِيُّ ثُمَّ الْفَزَارِيُّ مِنْ بَنِي مُرَّةَ من أهل فَدْك.
وَقِيلَ: كَانَ مِرْدَاسُ هَذَا قَدْ أَسْلَمَ مِنَ اللَّيْلَةِ وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَهْلَهُ، وَلَمَّا عَظَّمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْأَمْرَ عَلَى أُسَامَةَ حَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ أَلَّا
يُقَاتِلَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ.
وَقِيلَ: الْقَاتِلُ أَبُو قَتَادَةَ. وَقِيلَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ حِينَ مَاتَ هُوَ مُحَلِّمٌ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ جَرَتْ فِي زَمَانٍ مُتَقَارِبٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْجَمِيعِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَدَّ عَلَى أَهْلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمَ وَالْجَمَلَ وَحَمَلَ دِيَتَهُ عَلَى طَرِيقِ الِائْتِلَافِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ أَمِيرَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ: لَهُ غَالِبُ بْنُ فَضَالَةَ اللَّيْثِيُّ. وَقِيلَ: الْمِقْدَادُ. حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَبَيَّنُوا} أي تأملوا وتثبَّتوا، يُقَالُ: تَبَيَّنْتُ الْأَمْرَ وَتَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٍ. وَالتَّبَيُّنُ والتَّثَبُّتُ فِي الْقَتْلِ وَاجِبٌ حَضَرًا وَسَفَرًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ السَّفَرُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ الَّتِي فِيهَا نَزَلَتِ الْآيَةُ وَقَعَتْ فِي السَّفَرِ. وقال الفارسي: التَثبُّتُ هو خِلافُ الإِقدامِ والمُرادُ التَّأنِّي، والتَثَبُّتُ أشدُّ اختصاصاً بِهذا المَوضعِ، يَدُلُّ عليْه قولُه: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} النساء: 66. أي: أشدُّ وقعاً لهم عَمَّا وُعِظوا به بأَنْ لا يُقدِموا عليه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} قالَ البُخاريُّ: السَّلَمُ والسِلمُ والسلامُ واحدٌ، وقرى بِهَا كُلُّهَا، وقَالُوا: "السَّلَمَ" هَاهُنَا أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ وَالتَّسْلِيمِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} فَالسَّلَمُ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ. أَيْ لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى بِيَدِهِ وَاسْتَسْلَمَ لَكُمْ وأظهر دعوتكم لست مؤمنًا. وقيل: السلامُ قولُه السَّلَامِ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ سَلَامَهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ مُؤْذِنٌ بِطَاعَتِهِ وَانْقِيَادِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الِانْحِيَازُ وَالتَّرْكُ. ويُقَالُ فُلَانٌ سَلَامٌ إِذَا كَانَ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا. وَالسِّلْمُ (بِشَدِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ) الصُّلْحُ.
وَالْمُسْلِمُ إِذَا لَقِيَ الْكَافِرَ وَلَا عَهْدَ لَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَصَمَ بِعِصَامِ الْإِسْلَامِ الْمَانِعِ مِنْ دَمِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ: فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ. وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ قَالَهَا مُتَعَوِّذًا وَخَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، وَأَنَّ الْعَاصِمَ قَوْلُهَا مُطْمَئِنًّا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ عاصم كَيْفَمَا قَالَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ لِأُسَامَةَ: ((أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. أَيْ تَنْظُرُ أَصَادِقٌ هُوَ فِي قَوْلِهِ أَمْ كَاذِبٌ؟ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ. وَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ بَابٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُنَاطُ بِالْمَظَانِّ وَالظَّوَاهِرِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَاطِّلَاعِ السَّرَائِرِ. فَإِنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ أَيْضًا حَتَّى يُعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إِشْكَالٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَافِرِ يُوجَدُ فَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمِنًا أَطْلُبُ الْأَمَانَ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ وَلَا يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنَا مُؤْمِنٌ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الْعَاصِمَةِ الَّتِي عَلَّقَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْحُكْمَ عليه بِهَا فِي قَوْلِهِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
فَإِنْ صَلَّى أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، أَمَّا أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا وَرَاءُ هَذِهِ الصَّلَاةِ؟ فَإِنْ قَالَ: صَلَاةُ مُسْلِمٍ، قِيلَ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَالَهَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ، وَإِنْ أَبَى عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَلَاعُبٌ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَنْ يَرَى إِسْلَامَهُ رِدَّةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كُفْرٌ أَصْلِيٌّ لَيْسَ بِرِدَّةٍ. وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، يُكَلَّفُ الْكَلِمَةَ، فَإِنْ قَالَهَا تَحَقَّقَ رَشَادُهُ، وَإِنْ أَبَى تَبَيَّنَ عِنَادُهُ وَقُتِلَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "فَتَبَيَّنُوا" أَيِ الْأَمْرَ الْمُشْكِلَ، أَوْ "تَثَبَّتُوا" وَلَا تَعْجَلُوا الْمَعْنَيَانِ سَوَاءٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَتَى مَنْهِيًّا عَنْهُ.
قَوْلُهُ تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} أَيْ تَبْتَغُونَ أَخْذَ مَالِهِ: وَيُسَمَّى مَتَاعُ الدُّنْيَا عَرَضًا لِأَنَّهُ عَارِضٌ زَائِلٌ غَيْرُ ثَابِتٍ. يُقَالُ لجَمِيعِ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَرَضٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ ما رواه ابنُ ماجة، ورواه البيهقي في السنن الكبرى: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَتْ خُطْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ يَقْضِي فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلَا وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ، وَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ مِنَ اللهِ عَلَى حَذَرٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَإِنَّكُمْ مُلَاقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا بُدَّ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)). وَالْعَرْضُ (بِسُكُونِ الرَّاءِ) مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَكُلُّ عَرْضٍ عَرَضٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عَرَضٍ عَرْضًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ـ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)). وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ:
تَقَنَّعْ بِمَا يَكْفِيكَ وَاسْتَعْمِلِ الرِّضَا ....... فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي
فَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ إِنَّمَا ..... يَكُونُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ
فَإِنَّ الْمَالَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُتَمَوَّلُ. وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الْعَرَضُ مَا نِيلَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا} وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ. والعَرَضُ أيضاً ما يَعْتَرِضُ الْإِنْسَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَالْعَرَضُ مِنَ الْأَثَاثِ مَا كَانَ غَيْرَ نَقْدٍ. وَأَعْرَضَ الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ وَأَمْكَنَ. وَالْعَرْضُ خِلَافُ الطُّولِ.
وقَوْلُهُ: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ} عِدَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَمِنْ حِلِّهِ دُونَ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، أَيْ فَلَا تَتَهَافَتُوا.
قولُه: {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} أَيْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ عَنْ قَوْمِكُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِ الدِّينِ وَغَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُمُ الْآنَ كَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَوْمِهِ مُتَرَبِّصٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ، فَلَا يَصْلُحُ إِذْ وَصَلَ إِلَيْكُمْ أَنْ تَقْتُلُوهُ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا أَمْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى كَذَلِكَ كُنْتُمْ كَفَرَةً.
قولُه: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بِأَنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ هُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُسْلِمُ لِحِينِهِ حِينَ لَقِيَكُمْ فَيَجِبُ أَنْ تَتَثَبَّتُوا فِي أَمْرِهِ.
اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْقَوْلُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً". قَالُوا: وَلَمَّا مَنَعَ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَسْتَ مُؤْمِنًا مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِمْ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَلَوْلَا الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَعِبْ قَوْلَهُمْ. قُلْنَا: إِنَّمَا شَكَّ الْقَوْمُ فِي حَالَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ تَعَوُّذًا فَقَتَلُوهُ، وَاللَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ غَيْرَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)). مُتَّفقٌ عليه عن أبي هريرة.
وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (الْبَقَرَةِ) وَقَدْ كَشَفَ الْبَيَانَ فِي هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ طَرِيقٌ إِلَيْهِ إِلَّا مَا سُمِعَ مِنْهُ فَقَطْ. وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا أَيْضًا مَنْ قَالَ: إِنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ مَتَى أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْخَلْقِ بِأَنْ خَصَّهُمْ بِالتَّوْفِيقِ، وَالْقَدَرِيَّةُ تَقُولُ: خَلَقَهُمْ كُلُّهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمَا كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمِنَّةِ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ مَعْنًى.
قَوْلُهُ: {فَتَبَيَّنُوا} أَعَادَ الْأَمْرَ بِالتَّبْيِينِ لِلتَّأْكِيدِ. وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} تَحْذِيرٌ عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ، أَيِ احْفَظُوا أنفسَكم وجَنِّبوها الزَلَلَ المُوبِقَ لكم.
قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ} قرأ الأخوان من التثبُّت، والباقون من البَيان، وقد قوبِل بالعجلة في قولِه عليه الصلاةُ والسلام: ((التبيُّنُ مِن اللهِ والعَجَلَةُ من الشيطان)) وهو يُقَوِّي قراءةَ الأَخويْن. وتَفَعَّلَ في كِلْتا القِراءتيْن بمعنى اسْتَفْعَلَ الدالِّ على الطلب أي: اطلبوا التَثبيتَ أوِ البَيان.
وقولُه: {لِمَنْ ألقى} اللام هنا للتَبْليغِ، و"مَنْ" موصولةٌ. أو مفصولةٌ، و"ألقى" هنا ماضي اللفظِ، إلّا أنَّه بمعنى المُستقبلِ، أيْ: لِمَنْ يُلْقي، لأنَّ النهيَ لا يكونُ عَمَّا وقع وانقضَى، والماضي إذا وقع صلة صَلَحَ للمُضِيِّ والاستقبال. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: "السَّلَم" بفتح السين واللّامِ مِنْ غيرِ ألفٍ، وقرأ باقي السبعةِ: "السلام" بألفٍ، ورُوي عن عاصمٍ: "السِّلْم" بكسر السِين وسُكونِ اللامِ. فأمَّا "السلام" فالظاهرُ أنَّه التَحِيَّةُ. وقيل: الاسْتِسْلامُ والانْقيادُ، والسَّلَم ـ بفتحِهِما ـ الانقيادُ فقط، وكذا {السلم} في الآية: 208. من سورةِ البقرة. بالكسر والسكون. وقرأ الجَحدَرِيُّ بفتحِها وسُكونِ اللّامِ، وقد تَقَدَّم القول فيها في البقرة. والجملةُ مِن قولِه "لست مؤمناً" في محلِّ نصبٍ بالقولِ. والجمهورُ على كسرِ الميمِ الثانيةِ مِن "مؤمناً" اسمُ فاعلٍ وأبو جعفر بفتحِهِا اسمَ مفعولٍ، أي: لانُؤَمِّنَكَ في نفسِك، وتُروى هذه القراءةُ عن عليٍّ وابنِ عبّاسٍ ويَحيى بنِ يَعْمُرَ.
قولُه: {تَبْتَغُونَ} في مَحَلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "تقولوا" أي: لا تقولوا ذلك مُبتَغينَ.
قولُه: {كذلك} هذا خبرٌ لـ "كان" قُدِّمَ عليْها وعلى اسْمِها أي: كنتم مِنْ قبل الإِسلامِ مثلَ مَنْ أَقدَمَ ولم يَتَثَبَّتْ. وقولُه: {فَمَنَّ الله} الظاهرُ أنَّ هذِهِ الجُملةَ مِن تتمَّةِ قولِه: "كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ" فهي معطوفةٌ على الجملةِ قبلَها. وقيل: بل هي من تتمَّةِ قولِه: "تبتغون" والأوّلُ أظْهر:
وقولُه: "فتبيِّنوا" قُرِئتْ كالّتي قبلَها فقيلَ: هي تأكيدٌ لَفظِيٌّ لِلأُولى، وقيل: ليستْ للتأكيدِ لاخْتِلافِ مُتَعَلَّقِهِما، فإنَّ تقديرَ الأوّلِ: "فتبيَّنوا في أمر مَنْ تقتلونَه"، وتقدير الثاني: فتَبَيَّنوا نِعمةَ الله، أو تثبَّتوا فيها، والسياقُ يَدُلُّ على ذلك، ولأنَّ الأصلَ عدمُ التأكيدِ. والجُمهورُ على كَسرِ همزة "إنَّ الله"، وقُرِئ بفتحِها على أنَّها معمولةٌ لـ "تبينَّوا" أو على حذفِ لامِ العِلَّةِ، وإنْ كان قد قُرِئَ بالفَتْحِ معَ التَثْبيتِ فيَكونُ على لامِ العِلَّة لا غير. و"المَغانم": جمعُ "مَغْنَمٍ" وهو يَصلُحُ للمصدرِ والزمانِ والمكانِ، ثمَّ يُطلَقُ على كلِّ ما يُؤخَذُ مِنْ مالِ العَدُوِّ في الغَزْوِ، إطلاقاً للمَصْدَرِ على اسْمِ المَفعولِ.
رد: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 94
السيرة الذاتية للشاعر عبد القادر الأسود
مولده ونشأته :
ولد الشاعر عبد القادر الأسود في بلدة أرمناز وهي بلدة قديمة لها ذكر في كتب التاريخ والتراجُم والمعاجم ، تُشْتَهَرُ بصناعتي الزجاج والخزف منذ القدم .
أبوه {محمد} عمل فلاحاً ثمَّ تاجراً ، فهو من أُسرة متوسِّطة الحال وأُمّه كذالك ، ولا نعرف من آبائه مَن نبغ من قبل ، وإن كان علم الوراثة الحديثُ قد قرَّر بأن الموهبة قد تختفي أجيالاً ثم لا بدّ من أن تظهر وإن في الجيل السابع .
تحصيله العلمي وأساتذتُه وأشياخُه:
تعلم في {كُتّاب} البلدةِ علوم القرآن ، كغيره من الأطفال ثم تلقى علومه الأولى في مدرسة مدينته وفيها تعرّف على أستاذ التربية الدينية الشيخ : أديب الكيلاني الحموي ، وكان أحد مريدي الشيخ عبد القادر عيسى ، شيخ الطريقـة الشاذلية في حلب ، فعرفه بالشيخ وانتظم في سلك السادة الصوفية ، جذبه إلى أناشيدُهم وأنغامهم ، وهو المفطور على حب الأنغام والمترعرع عليه ، لأن بيئته غنية بهذا الفن ، وهو {ذو صوت جميلٍ يُجيدُ تخريجَه على أصولِ المقامات القديمةِ المُعْرِقَةِ في التجويد} كما جاء في مُقَدَّمة لأحد دواوين الشاعر {زَحليات} بقلم الأديب والشاعر الزَحْلِي الكبير ، الدكتور جوزيف صائغ (ص14).
انتقل إلى {حلب} ليَدرُس في دار المعلمين ، وهناك أصبـح قريباً من شيخه فأخذ عنه الكثير من علوم الدين واللغة إضافة إلى التصوف.
تخرج من دار المعلمين عام1969 ليلتحق بخدمة العلم ، وكان على موعد مع القدر الذي رتَّب لـه خدمـة في وحـدة الحسابات المركزية للجيش في قلب دمشق ، وسنحت له الفرصة ليَعُبّ من مناهل علمائها ، فدرس على كوكبة منهم شتى أنواع المعرفة ، من فِقه وحديث وعلوم قرآنيّة ولغويّة وفلسفيّة ، ومن هؤلاء الأعلام : الدكتور: محمد سعيدرمضان البوطي ، ومفتي الجمهورية العربية السورية السابق الشيخ أبو اليسر عابدين،والشيخ محمد تيسير المخزومي ، والشيخ عبدالوكيل الدروبي ، هذا بالإضافة إلى ما تحصّل له من علوم التصوف على الشيخ عبد الرحمن الشاغوري ، شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق ، وخليفة الشيخ الكبير السيد محمد الهاشمي ، حينها ، وعلى يديه دخل الخلوة التي تعتبر الخطوة الأهمّ على طريق المعرفة بالله .
انتسب إلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1994، فأصبح عضواً في جمعية الشعر ، ثم عضواً في رئاسة فرع الاتحاد بإدلب ، ثم انتخب رئيساً للفرع عام 2005.
نشر نتاجُه في العديد من الدوريات العربية داخل القطر وخارجه.
حصل على العديد من الجائز التقديريّة.
حياتُه وشعره:
الشاعر عبد القادر الأسود محب للجمال عاشق طروب ، كما يبدو في شعره الذي ينسجه على طريقة الأقدمين ، يُجدّد ويُحدّث ، ولكنه يبني حداثته على قواعد متينة أصيلة ، رقيق الحاشية ، شعره مطبوع ، طَرَق جميع أبواب الشعر ، من غزل ووصف وحكمة، وله في الكتابة للأطفال باع طويل ، وإن تميز بغزله العذب الرقيق الذي شدا ببعضه المطرب الراحل أديب الدايخ وبه اكتسب مجداً وشهرة ، لاسيما في بلاد المغرب العربي ، ولُحن له العديد من المسرحيّات الغنائيّـة والأناشيد والأغاني للأطفال والناشئة والكبار .
ومن الذين لحّنوا له الباحث الموسيقي الراحل الأستاذ عبد الرحمن الجَبَقْجي ، صاحب دار التراث الموسيقي بحلب ، والأستاذ درغام قحفظان موجه التربية الموسيقية في مديرية تربية إدلب ، والأستاذ رضوان رجب المؤلف والملحن الموسيقي المعروف .
أقام الشاعرُ بضع سنين في مدينة زحلة بلبنان فخصّها بديوان " زحليات" الذي ضمّ شعره فيها .
مؤلفاتــــُه :
أ ــ المطبوعـة :
1ــ تأملات : صدر عن دار الثقافة بدمشق عام 1993.
2ــ عبير الخيال: صدر عن دار الثقافة بدمشق عام 1993.
3ــ عبير المجد صدر عن دار الكاتب العربي بدمشق عام 1994.
4ــ عبير البراعم صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1996.
5ــ مولد المجد صدر عن دار التراث بحلب عام 1997.
6ــ قوافي المجد صدر عن دار بال بحلب 2000.
7ــ سلسلة مدرسية لتعليم الخط العربي شعراً صدر عن دار الناشر العربي
بصيدا لبنان عام 1992.
8 ــ الأجفان الدامية .
ب ــ المخطوطات المنجزة :
1ــ ديوان زَحليّــات .
2ــ ديوان عبير الوحي.
3ــ ديوان عبير الروح.
4ــ سبع مسرحيات شعريّـة للأطفال والناشئة.
5ــ مجموعة أناشيد للأطفال والناشئة.
6ــ كتاب مدرسي لتعليم الحرف العربي وإتقان الخط العربي ، شعرا.ً
7ــ البحر في الإأدب العربي ، بحث ودراسة أدبية .
8ــ المرأة في الغزل الصوفي ، بحث ودراسة أدبية .
ج ــ مخطوطات قيد الإنجاز :
1ــ الشواعر بين الماضي والحاضر ، معجم يضم شاعرات العرب .
2 ــ فوائد الشواهد ، نسبتها ومناسبتها .
3ــ الميامين : سلسلة قصصية تاريخية للفتية .
منقول من ملتقى الصداقة الثقافي
مولده ونشأته :
ولد الشاعر عبد القادر الأسود في بلدة أرمناز وهي بلدة قديمة لها ذكر في كتب التاريخ والتراجُم والمعاجم ، تُشْتَهَرُ بصناعتي الزجاج والخزف منذ القدم .
أبوه {محمد} عمل فلاحاً ثمَّ تاجراً ، فهو من أُسرة متوسِّطة الحال وأُمّه كذالك ، ولا نعرف من آبائه مَن نبغ من قبل ، وإن كان علم الوراثة الحديثُ قد قرَّر بأن الموهبة قد تختفي أجيالاً ثم لا بدّ من أن تظهر وإن في الجيل السابع .
تحصيله العلمي وأساتذتُه وأشياخُه:
تعلم في {كُتّاب} البلدةِ علوم القرآن ، كغيره من الأطفال ثم تلقى علومه الأولى في مدرسة مدينته وفيها تعرّف على أستاذ التربية الدينية الشيخ : أديب الكيلاني الحموي ، وكان أحد مريدي الشيخ عبد القادر عيسى ، شيخ الطريقـة الشاذلية في حلب ، فعرفه بالشيخ وانتظم في سلك السادة الصوفية ، جذبه إلى أناشيدُهم وأنغامهم ، وهو المفطور على حب الأنغام والمترعرع عليه ، لأن بيئته غنية بهذا الفن ، وهو {ذو صوت جميلٍ يُجيدُ تخريجَه على أصولِ المقامات القديمةِ المُعْرِقَةِ في التجويد} كما جاء في مُقَدَّمة لأحد دواوين الشاعر {زَحليات} بقلم الأديب والشاعر الزَحْلِي الكبير ، الدكتور جوزيف صائغ (ص14).
انتقل إلى {حلب} ليَدرُس في دار المعلمين ، وهناك أصبـح قريباً من شيخه فأخذ عنه الكثير من علوم الدين واللغة إضافة إلى التصوف.
تخرج من دار المعلمين عام1969 ليلتحق بخدمة العلم ، وكان على موعد مع القدر الذي رتَّب لـه خدمـة في وحـدة الحسابات المركزية للجيش في قلب دمشق ، وسنحت له الفرصة ليَعُبّ من مناهل علمائها ، فدرس على كوكبة منهم شتى أنواع المعرفة ، من فِقه وحديث وعلوم قرآنيّة ولغويّة وفلسفيّة ، ومن هؤلاء الأعلام : الدكتور: محمد سعيدرمضان البوطي ، ومفتي الجمهورية العربية السورية السابق الشيخ أبو اليسر عابدين،والشيخ محمد تيسير المخزومي ، والشيخ عبدالوكيل الدروبي ، هذا بالإضافة إلى ما تحصّل له من علوم التصوف على الشيخ عبد الرحمن الشاغوري ، شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق ، وخليفة الشيخ الكبير السيد محمد الهاشمي ، حينها ، وعلى يديه دخل الخلوة التي تعتبر الخطوة الأهمّ على طريق المعرفة بالله .
انتسب إلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1994، فأصبح عضواً في جمعية الشعر ، ثم عضواً في رئاسة فرع الاتحاد بإدلب ، ثم انتخب رئيساً للفرع عام 2005.
نشر نتاجُه في العديد من الدوريات العربية داخل القطر وخارجه.
حصل على العديد من الجائز التقديريّة.
حياتُه وشعره:
الشاعر عبد القادر الأسود محب للجمال عاشق طروب ، كما يبدو في شعره الذي ينسجه على طريقة الأقدمين ، يُجدّد ويُحدّث ، ولكنه يبني حداثته على قواعد متينة أصيلة ، رقيق الحاشية ، شعره مطبوع ، طَرَق جميع أبواب الشعر ، من غزل ووصف وحكمة، وله في الكتابة للأطفال باع طويل ، وإن تميز بغزله العذب الرقيق الذي شدا ببعضه المطرب الراحل أديب الدايخ وبه اكتسب مجداً وشهرة ، لاسيما في بلاد المغرب العربي ، ولُحن له العديد من المسرحيّات الغنائيّـة والأناشيد والأغاني للأطفال والناشئة والكبار .
ومن الذين لحّنوا له الباحث الموسيقي الراحل الأستاذ عبد الرحمن الجَبَقْجي ، صاحب دار التراث الموسيقي بحلب ، والأستاذ درغام قحفظان موجه التربية الموسيقية في مديرية تربية إدلب ، والأستاذ رضوان رجب المؤلف والملحن الموسيقي المعروف .
أقام الشاعرُ بضع سنين في مدينة زحلة بلبنان فخصّها بديوان " زحليات" الذي ضمّ شعره فيها .
مؤلفاتــــُه :
أ ــ المطبوعـة :
1ــ تأملات : صدر عن دار الثقافة بدمشق عام 1993.
2ــ عبير الخيال: صدر عن دار الثقافة بدمشق عام 1993.
3ــ عبير المجد صدر عن دار الكاتب العربي بدمشق عام 1994.
4ــ عبير البراعم صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1996.
5ــ مولد المجد صدر عن دار التراث بحلب عام 1997.
6ــ قوافي المجد صدر عن دار بال بحلب 2000.
7ــ سلسلة مدرسية لتعليم الخط العربي شعراً صدر عن دار الناشر العربي
بصيدا لبنان عام 1992.
8 ــ الأجفان الدامية .
ب ــ المخطوطات المنجزة :
1ــ ديوان زَحليّــات .
2ــ ديوان عبير الوحي.
3ــ ديوان عبير الروح.
4ــ سبع مسرحيات شعريّـة للأطفال والناشئة.
5ــ مجموعة أناشيد للأطفال والناشئة.
6ــ كتاب مدرسي لتعليم الحرف العربي وإتقان الخط العربي ، شعرا.ً
7ــ البحر في الإأدب العربي ، بحث ودراسة أدبية .
8ــ المرأة في الغزل الصوفي ، بحث ودراسة أدبية .
ج ــ مخطوطات قيد الإنجاز :
1ــ الشواعر بين الماضي والحاضر ، معجم يضم شاعرات العرب .
2 ــ فوائد الشواهد ، نسبتها ومناسبتها .
3ــ الميامين : سلسلة قصصية تاريخية للفتية .
منقول من ملتقى الصداقة الثقافي
moubark- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 214
نقاط : 4363
تاريخ التسجيل : 16/02/2013
رد: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 94
شكرا شاعرنا الكبير عبد القادر الاسود لتواجدك في منتدى سيدي الشيخ الجزائري وفي الحقيقة لم انتبه لهذا الحضور الا صبيحة هذه الجمعة سررت كثيرا بتواجدك بيننا وأرجو أن تساهم في ترقية منتدانا بمشاركاتك النيرة ولي عودة ان شاء الله
moubark- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 214
نقاط : 4363
تاريخ التسجيل : 16/02/2013
رد: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 94
العفو سيدي تستحق كل التقدير ووافرالاحترام ...عبد القادر الأسود كتب:اشكرك أخي العزيز مبروك على كرم حضورك وكريم ترحيبك
من خلال سيرتكم الذاتية استشرفت تواصلك بالعلم والعلماء فاطمأن
قلبي أن أدعوك للمشاركة في هذا الموضوع المتواجد بالمنتدى من
أجل التعليق عليه وبالمناسبة هو متداول في كثير من المنتديات .
https://sidicheikh.yoo7.com/t4571-topic#27635
moubark- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 214
نقاط : 4363
تاريخ التسجيل : 16/02/2013
مواضيع مماثلة
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 92
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 97
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 99
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 100
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 97
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 99
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 100
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:36 من طرف دين نعيمي
» من يعرف لنا المكاحلية ؟؟
الخميس 21 يناير 2021 - 15:10 من طرف الدين
» من شيوخ سيدي الشيخ
الخميس 21 يناير 2021 - 8:39 من طرف الدين
» ممكن شجرة سيدي حمزة بن بوبكر قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ ؟
الخميس 21 يناير 2021 - 6:17 من طرف الدين
» قراءة في كتاب "الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط" لأحمد الشنقيطي وبوبكرية الأقلال فقط
الأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 18:23 من طرف chikh
» لماذا تجاهل المؤرخون هذه الفترة من حياة سيدى الشيح ؟!
السبت 4 أبريل 2020 - 22:02 من طرف mahmoudb69
» شجرة أولاد سيدي محمد بن عبد الله
السبت 4 يناير 2020 - 5:54 من طرف الدين
» من روائع محمد ولد بلخير
الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 11:30 من طرف دين نعيمي
» سيدي أحمد المجدوب
الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 15:30 من طرف Azziz
» صدور كتاب جديد.....
الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 14:24 من طرف Azziz
» ممكن التواصل مع الأستاذ سي بلمعمر
الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 23:43 من طرف Azziz
» الرحال اللاجئون قديما
الجمعة 27 سبتمبر 2019 - 19:18 من طرف Azziz
» المرحوم / الحاج محمد عدناني في سطور
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:59 من طرف محمد بلمعمر
» كيف أتأكد من أنني أنتمي إلى قبيلة سيدي الشيخ?
الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 22:00 من طرف manadh
» المنن في مناقب سيدي محمد بن عبد الرحمان
السبت 26 مايو 2018 - 5:43 من طرف الدين
» كتاب " امارة اولاد سيدي الشيخ"
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:46 من طرف محمد بلمعمر
» قصائد بوشيخية .
الجمعة 6 أبريل 2018 - 9:53 من طرف محمد بلمعمر
» القصيدة التي أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 1 أبريل 2018 - 21:17 من طرف manadh
» شهداء معركة تازينة باليض.....
الخميس 1 مارس 2018 - 22:22 من طرف manadh
» أفضل الصلاة وأزكى التسليم على إمام الانبياء
الإثنين 19 فبراير 2018 - 11:04 من طرف بكري