ســـــــــيدي الشــــــــــيخ
منتدى سيدي الشيخ يرحب بكم...أهلا وسهلا
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Hakkou11
الرجاء الدخول بالنسبة للأعضاء ...أو التسجيل بالنسبة للزوار
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Sidich12

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ســـــــــيدي الشــــــــــيخ
منتدى سيدي الشيخ يرحب بكم...أهلا وسهلا
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Hakkou11
الرجاء الدخول بالنسبة للأعضاء ...أو التسجيل بالنسبة للزوار
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Sidich12
ســـــــــيدي الشــــــــــيخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» حكـــــــــــــــــــــــــــــم الغاب
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:36 من طرف دين نعيمي

» من يعرف لنا المكاحلية ؟؟
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالخميس 21 يناير 2021 - 15:10 من طرف الدين

» من شيوخ سيدي الشيخ
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالخميس 21 يناير 2021 - 8:39 من طرف الدين

» ممكن شجرة سيدي حمزة بن بوبكر قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ ؟
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالخميس 21 يناير 2021 - 6:17 من طرف الدين

» قراءة في كتاب "الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط" لأحمد الشنقيطي وبوبكرية الأقلال فقط
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 18:23 من طرف chikh

» لماذا تجاهل المؤرخون هذه الفترة من حياة سيدى الشيح ؟!
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالسبت 4 أبريل 2020 - 22:02 من طرف mahmoudb69

» شجرة أولاد سيدي محمد بن عبد الله
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالسبت 4 يناير 2020 - 5:54 من طرف الدين

» من روائع محمد ولد بلخير
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالجمعة 29 نوفمبر 2019 - 11:30 من طرف دين نعيمي

» سيدي أحمد المجدوب
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالجمعة 11 أكتوبر 2019 - 15:30 من طرف Azziz

» صدور كتاب جديد.....
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 14:24 من طرف Azziz

» ممكن التواصل مع الأستاذ سي بلمعمر
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالإثنين 7 أكتوبر 2019 - 23:43 من طرف Azziz

» الرحال اللاجئون قديما
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالجمعة 27 سبتمبر 2019 - 19:18 من طرف Azziz

» المرحوم / الحاج محمد عدناني في سطور
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:59 من طرف محمد بلمعمر

» كيف أتأكد من أنني أنتمي إلى قبيلة سيدي الشيخ?
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالثلاثاء 19 فبراير 2019 - 22:00 من طرف manadh

» المنن في مناقب سيدي محمد بن عبد الرحمان
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالسبت 26 مايو 2018 - 5:43 من طرف الدين

» كتاب " امارة اولاد سيدي الشيخ"
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالجمعة 25 مايو 2018 - 17:46 من طرف محمد بلمعمر

» قصائد بوشيخية .
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالجمعة 6 أبريل 2018 - 9:53 من طرف محمد بلمعمر

» القصيدة التي أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالأحد 1 أبريل 2018 - 21:17 من طرف manadh

» شهداء معركة تازينة باليض.....
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالخميس 1 مارس 2018 - 22:22 من طرف manadh

» أفضل الصلاة وأزكى التسليم على إمام الانبياء
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) I_icon_minitimeالإثنين 19 فبراير 2018 - 11:04 من طرف بكري

تصويت

هل ترحبون بفكرة تصنيف الأبيض سيدي الشيخ ضمن التراث الوطني.

المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_rcap294%المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_lcap2 94% [ 94 ]
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_rcap24%المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_lcap2 4% [ 4 ]
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_rcap22%المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Vote_lcap2 2% [ 2 ]

مجموع عدد الأصوات : 100

أنت الزائر رقم .
real time tracking
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط سيدي الشيخ على موقع حفض الصفحات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 634 بتاريخ الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 22:39
http://sidicheikh.sosblog.fr

أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب سيدي الشيخ



الزوار
المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2) Pageviews=1

المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2)

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

رائع المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2)

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الخميس 13 مايو 2010 - 12:34

والصوفيَّةُ يُدْرِكونَ هذا كلَّه ، ويُبصرونَهُ ، لكنّهم يُبصرون الظاهرَ في هذهِ المَظاهرِ ، فلا يَقفونَ عندَها ، ولا يُحْجَبون بها ، فوظيفتُها أَنْ تَدُلهَّم على ربِّهم ، وتُوصِلَهم إلى الحقِّ وحَسْبُ ، وهم في ذلك إنّما يتّبعون الرسولَ الكريم {عليه الصلاةُ والسلام} الذي يقول : (لم أنظرْ قَطُّ إلى شيءٍ إلاّ أبصرتُ اللهَ فيه) أو (إلا رأيتُ اللهَ أقربَ إليَّ منه) . (27) ويقتدون بصحابتِهِ الكرام {رضي الله عنهم وأرضاهم} فهاهو أبو بكرٍ الصِدّيقُ {رضي الله عنه} يقول :(ما رأيتُ شيئاً قطُّ إلاّ رأيتُ اللهَ قبلَهُ) . (28) وسُئلَ بِمَ عَرَفْتَ ربَّك ؟ فأجاب :(عَرَفْتُ رَبِّي بِرَبّي ، ولولا ربّي لما عَرَفْتُ ربّي) (29) وأمّا الفاروقُ عمرُ بنُ الخطّابِ {رضي الله عنه} فإنّه يقول : (ما رأيتُ شيئاً إلاّ رَأيتُ اللهَ فيه) . (30) وأمّا سيّدُنا عُثمانُ ابنُ عفّانَ ، ذو النورين {رضي اللهُ عنه} فيقول :(ما رأيتُ شيئاً قَطُّ إلاّ رأيتُ اللهَ بعدَهُ) . (31) وسُئلَ سيّدُنا عليٌّ {كرَّم الله وجهَه} بمَ عَرَفتَ ربَّك ؟ فقال : (عَرَفْتُ ربّي بما عَرَّفَني به نفسي ، لا يُدْرَكُ بالحواسِّ ولا يُقاسُ بالناسِ ، قريبٌ في بُعْدِه ، بعيدٌ في قُرْبِهِ ، فوق كلِّ شيءٍ ولا يُقالُ تحتَهُ شيءٌ ، فسبحان مَنْ هو هكذا ولا هكذا غيرُه) . (32)

وبناءً على ذلك يقول ابنُ عطاءِ اللهِ السكندريُّ في إحدى حِكَمـهِ

(فمن رأى الكونَ ولم يشهدْهُ فيه ، أو عندَهُ ، أو قبلَهُ ، أو بعدَهُ فقد أَعْوَزَهُ وُجـودُ الأَنوارِ ، وحُجِبَتْ عنه المعارفُ بِسُحُبِ الآثارِ) . (33) ويقول الإمامُ الجِيليُّ :



اِجْنِ الثمــارَ فإنّمـــــــــــا غُرِستْ لكي تجَنيهــــا

واشربْ من الثغرِ المــــُدا...................... مَ فَخَمْرُ فيها .. فيهـا

وأدِرْ كؤوسَكَ راشـــــــداً رغــمَ الذي يَطويهـــــــا

أَبْدَتْ محَاسنَها سُعــــــــ ..................... ـــادُ فلا تكنْ مُخْفيهــا

ودَعِ اغْتِــرارَك بالسِوى ليسَ السِوى يَدْريهـــــــا وكُلِ اللُّبابةَ وارْمِ بالـــــــ ....................... ـــقِشْرَةِ الذي يُبْديهــــا



ثمَّ فصّلَ الشيخُ الجيليُّ ، في ذلك ،وبيّنَ مصدَرَه ومرجِعَه فقال : ((والاسمُ الظاهرُ في المرتَـبَةِ الرحمانيّةِ هو الرحمنُ ، وهو اسمٌ يَرْجِعُ إلى أسمائِه الذاتيَّة وأَوصافِهِ النَفْسيَّةِ ، وهي سبعةٌ : الحياةُ ، والعلمُ ، والقُدْرَةُ ، والإرادةُ، والكلامُ ، والسمعُ ، والبصرُ ، والأسماء الذاتيّة كالأحديّةِ والواحديّةِ والصَمَديّةِ والعظمةِ والقُدّوسيّةِ وأَمثـالهِا ، ولا يكونُ ذلك إلاّ ــ واختصاصُ هذه المرتبةِ بهذا الاسمِ ــ للرحمةِ الشاملةِ لكلِّ المراتِبِ الخَلْقيَّةِ ، فصارتِ الرحمةُ عامَّةً في جميعِ الموجوداتِ ، مِن الحضرةِ الرحمانيَّةِ ، فأوّلُ رحمةٍ رَحِمَ اللهُ بها الموجوداتِ أَنْ أَوْجَدَ العالَمَ مِنْ نفسِه، قال تعالى : (وسخّرَ لكم ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعاً مِنْهُ) . (34) ولهذا سَرَى ظُهورُهُ في الموجوداتِ فظَهَرَ كمالُهُ في كلِّ جُزءٍ وفَردٍ مِن أَفرادِ وأَجزاءِ العالَمِ ، ولم يتعدّدْ بتعدُّدِ مَظاهِرِهِ ، بل هو واحدٌ في جميعِ تلك المظاهرِ ، أَحَدٌ على ما تَقْتَضيهِ ذاتُهُ الكريمةُ في نفسِها...وسِرُّ هذا السَريانِ أَنْ خَلَقَ العالَمَ من نفسِه ، وهو لا يَتَجَزّأُ فكلُّ شيءٍ مِن العالَمِ هو بكمالِهِ ، واسمُ الخَليقةِ على ذلك الشيءِ بحُكْمِ العارِيَةِ ... فمَثَلُ العالَمِ مَثَلُ الثَلجِ ، والحَقُّ {سُبْحانَه وتَعالى} الماءُ الذي هو أصلُ هذا الثلجِ فاسْمُ تِلْكَ الثَلْجَةِ على ذلك المُنْعَقِدِ مُعارٌ ، واسْمُ المائيَّة عليهِ حَقيقةٌ) . (35) ثمَّ يقولُ في ذلك المعنى نظماً :



ما أنتَ إلاّ واحـــدُ الحُسْنِ الذي

تمَّ الكَمَـــــــــالُ لهُ بِلا نُقصـــــــــانِ



فلئن بَطنْتَ وإنْ ظَهَرْتَ فأنتَ في

ما تَسْتَحِقُّ مِن العُـلا السُبْحــــاني

(36)

وله في نفس المعنى نظمٌ آخر ، يقول :

تجلّيتَ في الأشياءِ حين خَلَقْتَها

فهاهي مِيطَتْ عنكَ فيها البَراقِـــعُ

وما الخلقُ في التِمْثالِ إلاّ كَثَلْجَةٍ

وأَنْتَ بها الماءُ الذي هو نافـــــــــــعُ

ولكن بِذَوْبِ الثلجِ يُرْفَعُ حُكْمُهُ

ويُوضَعُ حُكْمُ الماءِ والأَمـرُ واقــــعُ

تجمَّعتِ الأضدادُ في واحدِ البَها

وفيهِ تَلاشَتْ وهو عَنْهُنَّ سَاطِــعُ

محاسنُ مَن أنشـــــاه ذلك كلّـــــــــــــه

فوحّـدْ ولا تُشركْ بهِ فهـو واسِــعُ

وأَطْلِقْ عِنــــــانَ الحَقِّ في كلِّ ما تَرى

فتلكَ تجليّـــــاتُ مَنْ هو صـانـــعُ

(37)

أمّا ابنُ الفارِضِ {رحمه الله} فإنَّه يقولُ في تائيَّتِهِ الكبرى من ديوانه، مُؤكِّداً هذا المعنى ، ولكن بأسلوبٍ آخرَ :



وسِرُّ جمالٍ منكَ ، كلُّ مَـــــــــلاحــةٍ

بِـــــــــهِ ظَهَــــــــرَتْ للعــالَمينَ فَتَمَّتِ

جَلَتْ في تجلّيها الوُجودَ لنــــــــاظِري

ففي كلِّ مَرْئيٍّ أَراهـــــا بِرُؤيَـــــــــــــة

وطاحَ وُجودي في شُهودي وبِنْتُ عن

وُجودِ شُهـودي ماحِيــــــاً غيرَ مُثْبِتِ

وصَرّحْ بإطلاقِ الجَمـــــــــــــــــالِ ولا تَقُلْ

بِتَقْييـــدِهِ مَيْلاً لِزُخْـــــرُفِ زِينَـــــــــــــةِ

فكلُّ مليــــحٍ حُسنُــــــــهُ من حُسْنِـهــــــــا

مُعـــارٌ لهـا ، بل حُسْنُ كلِّ مليحَــــــــةِ

بها قيسُ لُبْنى هــــــــامَ بلْ كلُّ عاشـــــــقٍ

كَمَجْنونِ ليـــلى أَوْ كُثَيِّرِ عَـــــــــــــــــزَّةِ

وتَظهرُ للعُشّــــــــــــــــــاق في كلِّ مَظْهــــــرٍ

من اللَّبْسِ في أَشكالِ حُسْنٍ بَديعـــــــــةِ

ففي مَـرَّةٍ قَيْســــاً وأُخـرى بُثَيْنَـــــــــــــــــةً

وآوِنَـــــــــــة تُـــدْعى بِعَـــــزَّةَ عَــــــــزَّتِ

وما ذاك إلاّ أنْ بَدَتْ بمظـــــــاهــــــــــــــــرٍ

فَظَنّــوا سِواهــــــــا وهي فيهـــــا تجَلَّـتِ



وما القومُ غيري في هواهـا وإنمـّــــــــــــــــا

ظَهَــرَتْ لهــــم للَّبْسِ في كلِّ هيئـــــــــــةِ

بَدَتْ باحتجـــــابٍ واخْتَفَتْ بمظـــــــاهرٍ

على صِبَـــغِ التَلوينِ في كلِّ بَـــــــــــــرْزَةِ

(38)

يشير إلى ظهور هذا الجمال المطلق وسَريانِه في كلِّ التعيينات الجميلة ، مع بقائه هو على ما هو عليه من الإطلاق ، وهذا الذوقُ هو الذي يكشف ، لمن تحقّقَ به ، أنَّ الوجودَ الواحدَ المطلقَ قد تَعَشَّقَ ذاتَه، وسرى في عين العاشقِ وعين المعشوق ، فهو لُبْنى وبثينةٌ وعَزَّةٌ ، وهو قيسٌ وكثيِّرٌ وجميلٌ . وأنشدوا في هذا المعنى أيضاً :



اللهُ اللهُ ..لا عقـلٌ يُصــــــــــوِّرُهُ والكونُ يُثْبِتُــهُ في سائرِ الصُـوَرِ

والشرعُ يُطلقُهُ وقتاً ويَحْصُرُهُ والوهْــمُ يَعبُدُه في صورةِ البَشَرِ
(39)


وأنشدوا أيضاً في نفس هذا المعنى:



فمَا تَرى عينُ ذي عينٍ سِوى عَدَمٍ

فَصَـــــــحَّ أَنَّ الوُجــودَ المُــــدْرَكَ اللهُ

وما يَـــــــرى اللهَ غــيرُ اللهِ فاعتَبِروا

قَوْلي لِيُعْلَمَ مَنْحــــــــــــاهُ ومَغْــــــزاهُ

(40)

وكان أبو يزيدٍ البَسْطاميُّ {رضي الله عنه} يقول : (الحقُّ عَيْنُ ما ظَهَرَ ، وليس ما ظَهَرَ عَيْنُ الحقِّ) . (41) وقد شبَّهَ أبو الحسنِ الشاذليُّ {رضي الله عنه} الخلقَ بالينابيب التي تَبْدو لِعَيْنِكَ صاعدةً هابطةً في حَرَكَةٍ دائبةٍ ، إذا ما نظرتَ إلى نافِذَةٍ تدخلُ أشعّةُ الشمسِ منها ، يقول : (إياك أنْ تَشهدَ معَ اللهِ خلقّاً ، وإنْ كان لا بُدَّ من شهودكِ لهم ، فاشْهَدْهم كالينابيبِ التي في كُوَّةِ الشَمْسِ ، تَراهم مُتحرّكين صاعدين وهابطين ، وإذا قَبَضْتَ عليهم لم تجدْهم ، مَشهودون في الشُهودِ مفقودون في الوُجود) . (42) ولنا في هذا المعنى :





راودتُ قلبي على السلوانِ فاعتــــــذرا

وقال : ما حيلتي إذْ لم أكُنْ حَجَرا؟

قلبٌ أنا للهـــوى والعشــقِ أوجَــــــــدَهُ

ربُّ الجمَالِ الذي قد أَبْــدعَ الصُوَرا

مَن لَوّن الحُسْنَ إغْراءً لعاشقِــــــــهِ؟

مَنْ ألْهَبَ القلبَ أمْ مَنْ أَطْلَقَ البَصَرا

مَن رَعْرَعَ الوَرْدَ مَزْهُوّاً بوجنتِــــهِ؟

أمْ مَن أَعارَ الدُجا مِن حُسْنِهِ قَمَرا

(43)

وفي هذا المعنى يقول العلاّمة أحمد حيدر : (إنَّ الصِفاتِ الإبداعيَّةَ هي مَظاهرُ أفعالِ اللهِ ، ولا قِوامَ لها إلا بموجدِها) . (44)

وأقوالُ السادةِ الصوفيَّةِ في ذلك أكثر من أن تُحصى ، شعراً كانت أو نثراً، إذ إنَّ مهمّةَ التصوفِ الأولى هي تدريبُ النفس على رؤية الحقِّ {تبارك وتعالى} واحداً في وجوده ، وإزالةُ جميعِ الحُجُبِ عن عين البصيرة لشهودِ وحدانيّتِهِ {جلَّ في علاه } ، يقولُ الإمام الغزالي (رضي الله عنه ) بعد أن سرد حكاية هجر عمله في المدرسة النظامية ببغداد ، والتخفّي والاعتكاف مدّة عامين في مئذنة العروس في الجامع الأمويِّ بدمشق وكان يدعو بهذا الدعاء (اللهم عرّفنـي إليك ودلّنـي على من يدلُّنـي عليك ) يقول : (( فلمّا علِمَ الله {تبارك وتعالى} صدقي دلّنـي على شيخي يوسف النسّاج ، فما زال يصقل مِرآةَ قلبـي حتّى رأيتُ اللهَ {تبارك وتعالى} في المنام ، فقال لي يا أبا حامد دع شواغلك واصحبْ قوماً جعلتُهم في أرضي محلُّ نظري ، فقلتُ : بِعِزّتك إلاّ أذقتنـي بردَ حُسْنِ الظنِّ بهم ، فقال : قد فَعَلتُ )) . (45) فلما استيقظتُ قَصصتُ رؤياي هذه على شيخي يوسف النسّاج فقال لي : يا أبا حامد هذه ألواحُنا في البداية ..) والقصّة بكامل تفاصيلها موجودة في كتابه المسمّى (المنقذ من الضلال) . وهذه هي ثمرةُ التصوّف وغايته ، وهذه هي وظيفةُ الشيخ : أن يسير بك حتى يزجّ بك في أنوار الحضرة الربّانيّة، ثم يقول (ها أنت وربّك) فإذا أصبحت ترى الله متجلّياً في كلِّ شيءٍ حسّاً وشهوداً فقد و صلتَ وكَمُلَ إيمانُك .

يقول أبو يزيدٍ البسطاميّ {رضي الله عنه} : (لـو أنَّ العرشَ وما حواهُ مليون مرَّةٍ في زاويةٍ من زوايا قلب العارف ، ما أحسَّ به) . (46) وكيف يحِسُّ بمخلوق قلب وسع الخالق العظيم ؟! يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : (( لم يَسعْنـي أرضي ولا سمائي، ووسعنـي قلب عبدي المؤمن اللّين الوادع )) . (47)

يقول الجنيد {رضي الله عنه} : (إنَّ المُحْدَثَ إذا قُرنَ بالقديمِ لم يبق له أَثَرٌ وقلبٌ يَسَعُ القديمَ كيف يُحِسُّ بالمُحْدَثِ موجوداً ؟!) . (48)

ويقول أبو الحسن الشاذلي {رضي الله عنه} : (إنّا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان ، فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان ، وإنّا لا نرى أحداً من الخلق، هل في الوجود أحدٌ سوى الملك الحقّ ؟) . (49) وثمّةَ مقامٌ يسميه العارفون مقامَ جمعِ الجمعِ، يَفنى فيه العبدُ بحضرة ربِّه فناءً كلِّيّاً ، فإذا نظرَ فإلى ربّهِ,وإذا سمعَ فإنما يسمَعُ ربَّهُ وإذا تحرك فبه وهكذا .

يقولُ الشيخُ الأكبرُ {قدّس اللهُ سِرَّه } : (واعلمْ أنَّ كلَّ حُبٍّ لا يحكمُ على صاحبِهِ بحيثُ أنْ يُصِمَّهُ عن كلِّ مسموعٍ ، سِوى ما يَسمَعُ من كلامِ محبوبِهِ ، ويُعْميهِ عن كلِّ مَنْظورٍ ، سوى وَجْهِ محبوبِهِ ، ويُخرسُهُ عن كلِّ كلامٍ إلاّ عن ذكرِ محبوبِهِ وذكرِ مَن يُحِبُّ محبوبُهُ ، ويَخْـتِمُ على قلبِهِ فلا يَدخُلُ فيهِ سوى حُبِّ محبوبِهِ ، وَيرْمي قُفْلَهُ على خِزانَةِ خَيالِهِ فلا يَتَخَيَّلُ سوى صورةِ محبوبِهِ ، إمّا عن رؤْيةٍ تَقَدَّمتْهُ ، وإمّا عن وصْفٍ يُنشئُ مِنْهُ الخيالُ صورةً ، فيكونُ كما قيلَ:



خيالُكَ في عينـي وذكرُك في فمي

ومَثْـواكَ في قـــــلبـي فأين تغيبُ ؟

فبه يسمعُ ولهُ يسمعُ ، وبه يبصرُ ولهُ يبصِرُ ، وبه يتكلَّمُ ولهُ يتكلّم ... ويتابعُ الشيخُ : ولقد بلغَ بي قوَّةُ الخيالِ أنْ كان حُبّي يُجَسِّدُ لي محبوبي من خارجٍ لعينـي كما كان يتجسَّدُ جبريلُ لرسولِ الله {صلّى اللهُ عليه وسلَّم} فلا أقدِرُ أنْظُرَ إليه ، ويخاطبنـي وأُصغي إليهِ وأفهمُ عنهُ ، وقد تركنـي أيّاماً لا أُسيغُ طعاماً، كلَّما قُدِّمتْ لي المائدةُ يَقِفُ على حَرْفِها وينظرُ إليَّ ويقولُ لي بلسانٍ أسمعُهُ بأُذنيَّ : تأكُلُ وأنتَ تُشاهدُني ؟! فأمتنعُ مِن الطعامِ ولا أجدُ جوعاً وأمتلئُ منهُ، وقد سمنتُ وعَبَلْتُ من نظري إليه ، فقامَ لي مقامَ الغذاءِ وكان أصحابي وأهلُ بيتـي يتعجَّبون من سِمَنـي مع عدم الغذاءِ ، لأنّي كنتُ أبقى الأيامَ الكثيرةَ لا أذوقُ ذَواقاً ، ولا أجِدُ جوعاً ولا عطَشاً ، لكنَّه كان لا يبرَحُ نُصْبَ عينـي في قيامي وقعودي وحركتـي وسُكوني ..ثم يضيفُ : واعلم أنَّه لا يستغرقُ الحُبُّ المُحِبَّ كلَّهُ إلاّ إذا كان محبوبَهُ الحقُّ تعالى).

(50)

وقد سمعتُ من شيخِنا ، العارفِ بالله ، المرشدِ الكاملِ ، الشيخ عبد الرحمن الشاغوري {رحمه الله تعالى} : أنَّ هذه الحالُ من السُكْرِ ، أو البُهْتِ ، دامـتْ على الشيخِ الأكبرِ (قُدِّس سِرُّه) ذات مرَّةٍ ستَّةَ أشهُرٍ ، ولمّا أَفاقَ مِنْ سُكْرِهِ سأل مَنْ حولَه إنْ كانوا قد لاحظوا تَغَيُّراً في سلوكِهِ خلالَ هذه الفترة ، فقالوا لاشيءَ سوى أنّهم كانوا ينظرون في عينيْه فيرونهما جامدتين لا تتحرَّكان وقد كان يقوم بأعمالِهِ وواجباتِه المعتادة على أكملِ وجْهٍ ، وذلك لأنّه كان قد حفِظَ اللهَ في صَحْوِهِ فحفِظَهُ في سُكْرِهِ . وإلى هذا الركنِ الركين استندتُ حينمَا قلتُ :



قلبـي لِعِـــــــزِّكَ يخشَـــــــعُ ولكَ الجَـــوارحُ تَخْضَـــــــعُ

يا مَن وَعَتْـــــــهُ مَسـامِعي في كلِّ صَـــــوْتٍ يُسْمَــــــعُ

يا مَنْ رأَتْـــــــهُ بَصــــــيرتي في كلِّ نُـــــــــورٍ يَسْطـــــــعُ

في الشمْسِ إمّـــــــا أَشرَقتْ والبـــــــدرِ إمّــــــــــا يَطْلــــــعُ

في كلِّ وَجْــــــــهٍ مُشْـــــرقٍ نَضِرٍ تَجَـــــــــلّى المُبْـــــــــدِعُ

في الزَهرِ يَبْسِـم للنَـــــــــدى وأَريجُــــــــــــــهُ يَتَضــــــــــوَّعُ

في كلِّ غُصْــــنٍ مُـزْهِـــــــرٍ فـــــوق الرُبا يَتَرَعْـــــــــــــرعُ

في الطَيرِ يَغْــــدو جائعـــــاً ويَـــــــروحُ إمّــــــا يَشْبَــــــــعُ

فَتَــراهُ يَشْـــــدو داعيــــــــــاً فـــــوق الغُصونِ يُرَجِّـــــــــعُ

كلٌّ دَرى تَسْبيحَـــــــــــــــــهُ ولِربِّـــــهِ يَتَضَـــــــــــــــــــــــرَّعُ

(51)

وقلتُ أيضاً في ذات المشهد :

في كلِّ نَفْحَــــــــةِ عِطْــــرِ في كلِّ نَسْمَةِ فَجْـــــــــرِ

في كلِّ وَجْنَـــــــةِ زَهْــــــرٍ في كلِّ بَسمَــةِ بَـــــــدْرِ

في كلِّ لحـــــــنٍ أَثــــــــيرٍ وكلِّ وجْــــــهٍ أَغَـــــــرِّ

منْكَ الجَمَـــــــالُ تَجَـلّى ومهدُ حسْنِكَ صَدْري

* * *

في الطيرِ إنْ راح يَشدو في الغصنِ يَحْنـو عَلَيْـهِ

في الوَرْدِ إنْ ماس يزهو في القلبِ يَهفو إليْــــــهِ

في النهْرِ والمــــاءُ يجري والخيرُ في راحَتيْـــــــهِ
منكَ الجَمَـــــالُ تَجَــلّى ومَهْدُ حُسْنِكَ صَدْري



(52)

قال ابنُ عجيبة (أحسنَ الله إليه): (جمعُ الجمعِ وهو غايةُ المعرفةِ ، فأوّلُ المعرفةِ دِلالةُ الصُنعةِ على الصانِعِ ووسَطُها دِلالةُ الصانعِ على الصنعةِ، وغايتُها تلاشي كلِّ ما دون الحقِّ {كلُّ مَنْ عليها فان * ويبقى وجهُ ربِّكَ ذو الجلالِ والإكرامِ}) . (53)

وقال في البحر المديد : ((و للعارفين في هذا مقامان : مقام عين الجمع، ومقام إفراد القديم من الحدوث . فمِن حيث الوحدة والقِدم تتصاغر الأكوان في عزّةِ الرحمن ، وسطوات عظمته ، حتى لا يبقى أثرها . ثم قال: ومِن حيث الجمع باشَرَ نورُ الصفةِ نورَ العقلِ ، ونورُ الصفةِ قائمٌ بالذات ، فيتجلّى بنورِه لفعلِه من ذاتِه وصفاتِه ، ثم يتجلّى من الفعلِ ، فترى جميعَ الوجوهِ مرآةَ وجودِه ، وهو ظاهر لكل شيءٍ ، من كل شيءٍ للعمومِ بالفعلِ ، وللخصوصِ بالاسمِ والنَعتِ ، ولخصوصِ الخصوصِ بالصفةِ ، وللقائمين بمشاهدةِ ذاتِه بالذات ، فهو تعالى منزّهٌ عن البيْنونةِ والحلولِ والافتراقِ والاجتماعِ ، وإنما هو ذوقُ العِشْقِ ، ولا يعلم تأويلَه إلاّ العاشقون.

وحاصل كلامه : أنّك إن نظرت للوحدةِ لم يبقَ مَن تَحْصُلُ معه المَعيَّةُ ؛ إذْ لا شيءَ معَه ، وإنْ نظرتَ من حيثُ الجمعِ والفَرْقِ أُثْبِتَ الفرقُ في عينِ الجمعِ فتَحصلُ المَعِيَّةُ منه له جمْعاً ، ومنْه لأَثَرِهِ فَرْقاً ، ولا فرقَ حقيقةً ، فافهم ، ولا يفهم هذا إلاّ أهلُ العشقِ الكاملِ ، وهم أهلُ الفناء )) . (54)

كما قال ابنُ الفارض :



فلم تَهْوَني ما لم تكن فيَّ فانيــــــــــــــاً

ولم تَفْنَ ما لم تجْتَــــلِ فيكَ صورتي

(55)

وللشيخ عبد الغني النابلسي{رحمه الله تعالى} في هذا المعنى :

ظهر الوُجودُ بسائرِ الأشياءِ متجلِّياً جَهْراً بغير خَفـاءِ

والكلُّ فيه هالكٌ قد قال إلاّ ..وجهَـــهُ الباقي عظيم بَقـــاءِ

واعلم بأنّك لا ترى منه ســــوى ما أنتَ رائيـــــهِ مِـنَ الأشياءِ

إذْ أنت شيءٌ هــــالكٌ في نُورِهِ والنــورُ يحــرُقُ حلَّـةَ الظَلْمَــــــــاءِ

والفيءُ يكشفُ أَنَّ ثمةَ شاخصاً متحكِّمـــاً فيهِ بغيرِ مِــــــــــــــــراءِ

(56)

إذاً هم ينظرون إلى الخلق بعين الحقِّ ، ولولا إثباتُ الحقّ للخلق بخطابِهِ لهم ما ثَبُتَ عندَهم وجودُ الخلقِ البَتَّةَ ، فعِلَّةُ العِلَلِ عندَهم رؤيةُ الخلق يقول الشَشْتُري {رحمه الله تعالى}:



طهّرِ العينَ بالمدامعِ سَكْباً

من شهودِ السِّوى تَزُلْ كلُّ عِلَّــهْ

ويقول آخر:

والـمَـــــــــــــــرْءُ غفـلتُــهُ عن ربِّـــه جَلَّ , مِن أدْهى المُصيبــــاتِ

ويقولُ ابن الفارض {رحمه الله تعالى }:

إذا أنعمتْ نُعْـــمٌ عليَّ بنظــــــــــــرةٍ

فلا أسعدتْ سُعدى ولا أجملتْ جُمْلُ

وقد صدئت عيني برُؤيةِ غيرِهــــــــــا

ولَثْمُ جُفوني تُرْبَهـــا للصَـــدى يجلــــــو

(57)

يقول الغوث أبو مَدين {قدَّس اللهُ سرِّه }:

وفي السرِّ أسرارٌ دِقــاقٌ لطيفـــــةٌ تُراق دِمانا جَهرةً لو بِها بُحْنـا

أَمّا الإمامُ السُهْرَ وَرْديّ فيقول( رحمه الله) :

بالسرِّ إن باحوا تُباحُ دماؤهـــــم وكذا دماءُ البائحينَ تُبـــــــــــــاحُ

وما أجمل قول نزار قبّاني الذي لم يستطع البوح باسمِ مَن يُحب صراحةً فباح به رمْزاً بصورٍ لا أبدعَ ولا أجملَ ، يقول :



لا تَسْألوني ما اسمُــــــــهُ حبيبـي أخشى عليكم ضَوْعَةَ الطيـوب

واللهِ لو بُحْتُ بأيِّ حَرْفٍ تَكَـدَّسَ اللّيلَكُ في الدُروبِ

ترونهُ في ضِحْكةِ السـواقي وفي عَطاءِ الديمةِ السَكوبِ

في الليلِ في تَنَفُّس المَـــراعي وفي غِنــــــاءِ كلِّ عَنـــــدليبِ

(58)

وهذه الأسرار هي أسرارُ الذاتِ وأنوارُ الصفات التـي تجَلّى الحقُّ بها في مَظْاهرِ الأَكْوان .

وفي هذا المقام قال أبو بكر الصديق {رضي الله عنه } ــ كما سلف أنْ أوردَناــ: (ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيتُ الله قبلَه) أمّا أهلُ الحجابِ ، من أهلِ الدليلِ والبرهانِ ، فإنّهم يشهدون الكونَ ولا يشهدون المكوِّنَ ، لأنّهم إنّما يستدلّون على وجودِهِ بوجودِ خلقِهِ ، فقد حُجِبوا عن شموسِ المعارفِ بغيومِ الآثارِ ، لكنْ لا بُدَّ للحسناء من نِقاب ، يقول سيّدي أبو العبّاس المرسي (رضي الله عنه):



وما احتجبَتْ إلاّ بِرفعِ حِجابِها ومِنْ عَجَبٍ أنَّ الظُهورَ تَسَتُّرُ

يقول أميرُ المؤمنينَ عليٌّ {رضي الله عنه}( الحمدُ للهِ المتجلّي لخلقِه بخلقِه) . (59) لأنَّ ذاتَ الحقِّ ، {جلَّ وعَلا} ، لا يمكنُ إدراكُها , فعقلُنا لا يُدرك إلاّ ما تعطيهِ إيّاهُ حَواسُّهُ التـي لا تُحِسُّ إلاّ بالمادةِ المخلوقةِ ، واللهُ ، {سُبْحانَهُ} ، ليس بمادَّةٍ ليُدرَكَ ، ولذلك كان لا بدَّ من أَنْ يَظهرَ لنا في ما صَنَعَ، لأنَّ الصنعةَ تَدُلُّ عل الصانِعِ ، وبها يُعرَفُ ، ونحنُ لا يمكنُ أَنْ نَـتَعَرَّفَ على روحِ إنسانٍ إلاّ مِن خلالِ الجسدِ الذي هو مَظهرُها ، فكيفَ بخالقِها ؟ ويَقول أيضاً {رضي الله عنه وكرّم وجهه }Sad بها تَجلّى صانعُها للعُقول وبها امْتَنَع عن نظر العيون).(60 )

فإن ظَهَرَ الصُوَريُّ فالمَعْنويُّ مُظْهِرٌ له ، وإن ظهرَ المَعْنويُّ فالصُوَريُّ مَظْهَرٌ له . لذلك فإذا تَغَزَّلَ شُعراءُ المتصوِّفَةِ بالجمَال فهم يُمَجِّدونَ اللهَ في جميلِ خَلْقِهِ، وهم بَعيدونَ عن كلِّ مَقْصِدٍ مُخالِفٍ للشرعِ الحَنيفِ ، يقولُ الشيخ أمين الجندي{رحمهُ اللهُ}:



أَميــلُ إلى شكلِ المَليحِ إذا بدا يلوحُ بخَـــدٍّ قَـــــــــدْ شَجاني تَــوَرُّدُهُ

وما مَقْصِدي فِعْلُ القبيحِ وإنَّمــــــا أَرَدْتُ بِذا تَسبيحَ مَن هو مُوجِـدُهُ

وما أنا في ذا الفعلِ باغٍ وإنّمــــــا أُشـاهـدُ صُنـعَ اللهِ ثمَّ أوحِّـــــــــدُهُ

(61)

والجمالُ الإلهيُّ له مَعانٍ وهي الأسماءُ والصفاتُ الإلهيَّةُ ، ولَهُ صورةٌ ، وهي تجليّاتُ تلك المعاني فيما يَقع عليه المحسـوسُ ، أوِ المَعقولُ ، فالمحسوسُ كما في قولِهِ {صلى الله عليه وسلَّم} : ( رأيتُ ربّي في أحسنِ صورةٍ) . (62) وفي إحدى الروايات زاد{ شابّاً أمرداً }.

والمعقول كالحـديث القدسي : ( أنا عندَ ظنِّ عبدي المؤمنِ فلْيَظُنَّ بي ما يشاء) .(63)

يقول محمّــد الراشد : (فحينما يصرخ الصوفيُّ : لا موجودَ إلاّ الله يعنـي ما تَعنيه الفيزياءُ والرياضيّاتُ الحديثة ُ، من كون العالم كحقيقة ، مجرّدُ وَهْمٍ أو شيءٍ منْ هذا القبيل ) . ثمَّ يُضيف : (تُرى ما هي الطاقة ؟ الطاقة تُشكِّل الكون كلّه .. باعتبار كلِّ شيءٍ قابلٌ للتحوُّلِ إلى طاقة ، والعكسُ صحيحٌ بالضرورةِ .. تُرى هل الطاقةُ ذلك الإشعاعُ أوْ التجلّي الإلهي أي ذلك الصدورُ للذاتِ الإلهيَّة ؟) . (64)

و في الختام لا بدّ من : ( أنْ أُنَبِّهَ إلى أمرٍ غاية في الأهميّة ، وهو أنّ كلّ الذين درسوا الشعر الصوفي وغزل المتصوفة ، قد اتخذوا التأويل منهجاً لفهم تَغَزُّلِ شعراءِ السادةِ الصوفيَّةِ بالمرأَةِ ، فعوَّلوا ـ أحياناً ـ على رُموزٍ ما أظنُّها خَطَرَتْ ببالِ هؤلاءِ الشُعراء وهم يبدعون قصائدهم معبرين عن مواجدهم ، ومترجمين أشواقهم وأحوالهم التـي مرّوا بها وهم يرتقون في مدارج الكمال .

فالأمر بسيطٌ جداً لا يحتاج منّا كلَّ هذا التعقيد ، لأنّ الصوفيَّ الحَقَّ إنّما يَنظرُ إلى المخلوقاتِ جميعاً على أَنّها صُنعَةُ الخالقِ { سبحانه } التـي أبدعَها لتكونَ مظاهرَ تَجلّيهِ وسبيلَ معرفتِهِ ، لأنّه يَستحيلُ على الحادثِ العاجزِ أَنْ يَعرِفَ حقيقةَ القديمِ المُطلَقِ (لا تُدرِكُهُ الأبصارُ وهو يُدركُ الأبصارَ وهو اللطيفُ الخبير). (65)

فاقتضتِ الحكمةُ أنْ يَتَجلّى القديمُ في الحادثِ ، والمطلقُ في المحدودِ ، لتَظهَرَ عليه صِفاتُهُ {جلَّ وعلا } إنّما بشكلٍ مَجازيٍّ . فأنْتَ تُوصَفُ بالعِلْمِ ، والعِلْمُ من صِفاتِهِ { تبارك وتعالى } ، كما أنّكَ تُوصَفُ بالقُدْرَةِ والإرادةِ والحياةِ والسمعِ والرحمةِ والجَمالِ والجَلالِ ..كلُّها صفاتُهُ (جَلَّ في عُلاهُ) ولكن أين صِفاتُك الحادثةُ الفانيَةُ المحدودةُ من صفاتِهِ القديمةِ الباقيةِ المُطلَقَةِ ؟ (خَلَقَ اللهُ آدمَ على صُورَتِهِ ) . أي مِثالاً ومَظهراً لصفاتِهِ فالكَوْنُ ، كلُّ الكونِ، والمخلوقاتُ ، جميعُ المخلوقاتِ ، قائمةٌ بقَيوميَّتِهِ ، ظاهرةٌ فيها صفاتُهُ ساريةٌ فيها أسماؤهُ وأفعالُهُ ، فبها نَعرِفُهُ وتلك هي الغايةُ من خلقِناSadوما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْبُدون). (66) والمعرفةُ قِمَّةُ العِبادةِ لأنَّ العبادةَ بدونِها جِسْمٌ لا روحَ فيه.

جاء في الحديثِ القُدسيِّ :( كنتُ كنزاً مَخْفِيّاً فأحببتُ أنْ أُعْرَفَ فخلقتُ الخلقَ وتعرَّفْتُ إليهم فبـي عَرَفوني ).(67)

لذلك أقسم سيد الطائفتن الجنيد { قدس سره } بأنه ( ما عرف الله إلا الله).( 68 ) لأنّ العارفَ به {سبحانه} إنّما هو السِرُّ الإلهيُّ الذي أَوْدَعَهُ في خلقِهِ ، فما (عَرَفَ اللهَ إلاّ اللهُ) .

أمّا الذاتُ الإلهيَّةُ فمِنَ المُستحيلِ إدْراكُها . ألم تَرَ إلى سيدِنا موسى {عليه السلام} عندما طَلَبَ النَظَرَ إليه {سبحانَه} كيف أُجيبَ بـ (لن تراني). (69) وَوُجِّهَ إلى الجبلِ ليَنْظُرَ إليهِ حيثُ ظَهَرَ عليهِ التَجَلّي الإلهيِّ .

قال في عرائس البيان كان موسى {عليه السلام} في بداية حاله في مقام العشق والمحبة وكان أكثر أحوال مكاشفته في مقام الالتباس ، فلما كان بدو كشفه جعل تعالى الشجرة والنار مرآة فعليّة فتجلى بجلاله وجماله من ذاته لموسى ، وأوقعه في رسوم الإنسانية حتى لا يفزع ويدنو من النار والشجرة ، ثم ناداه فيها بعد أن كاشف له مشاهدةَ جلالِه ، ولولا ذلك لفني موسى في أوّل سَطوات عظمتِه وعزّتِه .

وهكذا نَرى الحقَّ ـ {جلّ وعلا} يُرْشِدُنا إلى ما باسْتِطاعَتِنا إدراكُهُ للنَنظُرَ فيه فَنُدرِكَ عَظَمَةَ الخالقِ بعظمةِ صُنْعِهِ فنتعرّفَ عليه بها لأنَّ عَظَمةَ الصنعةِ خيرُ دليلٍ على عظمةِ الصانع :((أفَلا يَنظرون إلى الإ

عبد القادر الأسود
عضو نشيط
عضو نشيط

عدد الرسائل : 104
الموقع : http://abdalkaderaswad.wordpress.com/
نقاط : 5300
تاريخ التسجيل : 05/05/2010

http://abdalkaderalaswad.syriaforums.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رائع رد: المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2)

مُساهمة من طرف فقير بوشيخي الجمعة 14 مايو 2010 - 1:57

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

السلام عليكم
جزاكم الله أستاذنا الفاضل سيدي عبد القادر الأسود
مواضيع قيمة حقيقة إستفدنا

تحياتي
فقير بوشيخي
فقير بوشيخي
عضو مميز
عضو مميز

عدد الرسائل : 1413
الموقع : www.cheikhiyya.com
نقاط : 7346
تاريخ التسجيل : 29/04/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رائع رد: المرأة في الغزل الصوفي الباب الثاني القسم (2)

مُساهمة من طرف عبد القادر الأسود الجمعة 14 مايو 2010 - 6:44

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه، شكراً لكم سيدي الفقير إلى الله على تواصلكم الدائم

عبد القادر الأسود
عضو نشيط
عضو نشيط

عدد الرسائل : 104
الموقع : http://abdalkaderaswad.wordpress.com/
نقاط : 5300
تاريخ التسجيل : 05/05/2010

http://abdalkaderalaswad.syriaforums.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى