محنة البحث عن الجدور

لمن يرغب قي تصف مؤلفي عليه زيارة الصفحة التي رابطها أسفله و للاطلاع على التعاليق التي أتت من قرائه ها هو رايط المدونة التي مع الأسف لم يبقى مجال لإبداء الرأي عليها :
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

تابع من ص. 34 إلى 40
ولتسهيل التواصل والربط بين الشجرات أنشأت صفحة على شبكة الأنتيرنيت تتطرق بتفصيل لهذا الموضوع قصد التواصل مع كل من يعنيه الأمر وقصد الانفتاح على كل من يربطنا بهم النسب البوبكري وهي نافذة مفتوحة في وجه كل من يرغب في الإطلاع. وقد حضيت هذه النافذة بتقدير كبير من طرف كل من تصفحها من أبناء العمومة ومن غيرهم من أصدقاء وزوار.
على هذا الأساس أصبحت اتصالاتي بالأقارب مكثفة ودائمة رغم بعد المسافات التي تفصل بيننا. وبفضل ما تتيحه الشـبكة العنكبوتية للإعلاميات( الانترنيت) من تقنيات ووسائل فعالة في الاتصال تعرفت على أولاد سيدي الشيخ المقيمين بالنواحي القريبة مني كمكناس وفاس ومراكش ...الخ وما أكثرهم. فاللقاءات عن بعد أو بالهاتف معهم لا تخلو من شوق وحنين ومودة وهي تتم في جو ممتع وبهيج. ولا أستثني من ذلك أبناء العمومة المــقيمين بالرباط، سامحهم الله، الذين لم يستمر التواصل المباشر معهم جميعا إذا استثنيت بعض الحالات القليلة جدا
ذكرت هذه الملاحظات لأشير فقط إلى ما يطرحه موضوع البحث من صعوبات وما يستوجب من صبر وتضحية ونكران للذات. ومع ذلك ورغم إيجابيات النتائج الأولية التي توصلت إليها فما تزال مطروحة أمامي الكثير من التساؤلات والإشكاليات العديدة والتي تتطلب المزيد من البحث والتقصي. وسأسعى بكل ما أملك من إرادة وعزم لإيجاد الحلول السليمة لها بعون من الله الذي لا يعجزه شيء. فهو نعم المولى وهو نعم النصير.
بحلول زمن الوعدة السنوية أصبح من اللازم علي أن أحضر مرة أخرى إلى الزاوية خصوصا وأنني قد نشرت سيرتي الذاتية المهنية باللغة الفرنسية وعزمت أن أوزع نسخا منها على الأهل وأبناء العمومة لتعميم الفائدة. حاولت بكل جهدي أن أكون في الموعد ولكنني لم أستطع بسبب التعثرات التي لحقنني من جراء صعوبات النقل. وقد تزامن وصولي إلى الزاوية مع انتهاء الموسم بقليل.
ورغم ذلك فقد تمكنت من ربط الاتصالات التي كنت عزمت عليها من قبل، والحمد لله. وما أثارني حقا وترسخ في ذاكرتي ووجداني بشكل عميق هو حرارة الاستقبال التي يحضى بها كل زائر للزاوية - فضلا عن آداب الضيافة والكرم العربي الأصيل.
وبعد ذلك عدت مباشرة إلى مدينة العيون الشرقية. وهناك وبصحبة الشيخ سيدي محمد حاكمي انتقلت إلى المكان الذي نشأ فيه والدي وترعرع. واعتمدها مسقط رأسه لما وجب عليه التسجيل في دفتر الحالة المدنية سنة 1953. إنها قرية أولاد سيدي الشيخ من قبيلة أولاد سيدي عبد الحاكم، وهي تحاذي الطريق الوطنية (فاس – وجدة ) والقرية تقع بجانب غابة صغيرة تمتد فوق هضبة مرتفعة، بحيث يمكن للمسافر على هذه الطريق مشاهدة السهول الشاسعة والمترامية الأطراف التي تحفها الجبال الشاهقة من كلا الجانبين يمينا وشمالا.
كنت وابن وإبنة عمتي الشيخ محمد حاكمي نتجول وسط بناياتها التقليدية وبساتينها الخضراء المنتشرة هنا وهناك عبر فضاءاتها الهادئة الغنية بقطعانها وخيولها العربية الأصيلة بكل ما ترمز إليه من شهامة وعفة وكرم وبكل ما تحيل إليه من حمولات تاريخية وثقافية يذكرها البوشيخيون بكثير من الاعتزاز والفخر جيلا بعد جيل منذ سنين أي منذ الكفاح من أجل الاستقلال والحرية. ومن بعيد كنا نسمع أصوات المضخات وأزيز المحركات التي تضخ المياه من أعماق صخرية سحيقة. وحدهم الصغار كانوا يوجدون خارج البيوت يلهون ويلعبون بين أزقتها ووسط ساحاتها، في مرح وشغب صبياني جميل. أما النساء فهن متحجبات، على الدوام، داخل بيوتهن. إنها العادة التي يتوارثها البوشيخيون جيلا عن جيل منذ قرون خلت وهم يرون في ذلك تكريما للمرأة وحفاظا على تقاليدهم الإسلامية. لم أجد هناك ما كنت أرغب فيه، فليس هناك أشخاص مسنين يمكن أن أعول على ذاكرتهم لتقصي أخبار الماضي القريب وجمع معلومات خصوصية. وقد نصحني البعض بضرورة الاتصال بالمقدم سيدي حميدة بن الشيخ الرجل المشهور على صعيد قبيلة أولاد سيدي عبد الحاكم.
كل ما تمكنت من معرفته هو أن عمتي للا ميمونة رحمها الله كانت امرأة طيبة. مع الأسف الشديد لم يحدد لي أحد مكان الخيمة التي عاش فيها والدي هناك بداية حياته قبل أن تضطره الأقدار و تدفعه مشيئة الله لمغادرة القرية للالتحاق بالجندية سنة1915. لقد كان عمره آنذاك لا يتجاوز الثمانية عشر سنة. ولكن هل كان لأبي أعمام وأخوال؟ ومن تكفل بوالدي وعماتي وهم يتامى؟ ومن نال شرف كفالتهم؟ أم أن الزاوية هي التي قامت بهذا الدور في إطار برامجها الاجتماعية؟ أم أن القرية هي التي قامت بذلك وفق أعرافها ومؤسساتها التضامنية. لست أدري! هكذا أخذت الأسئلة تتقاذفني فما أكاد أخلص من سؤال حتى أجد نفسي أمام ركام آخر بعضها يحيل على بعض. إنها تتوالد من تلقاء نفسها. فيخيل إلي كأنما أسير وسط غابة موحشة. إنها مغامرة البحث المضنية عندما تعز الشواهد وتقل المراجع.
والغريب في الأمر هو أنني لم أصادف أحدا من المجاذبة في عين المكان، علما بأن عددهم كان يناهز عشر خيام هنا بالعيون حسب ما علمت من السيد محمد بن الشيخ. لقد اندرس الأثر وانطمست المعالم وضاعت الذكريات مع من رحلوا. فلا أثر، ولا أطلال، ولا ...ولا ....ولا. ومن يحكي عمن كانوا بالأمس هنا. ثم رحلوا. وتمثلت قول الشاعر العربي في مثل هذه المناسبة :

أمر على الديـار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغلن قلبي ولكن حب من سكـن الديارا

عند رجوعنا من هذه الجولة الاستطلاعية عهدت للشيخ سيدي محمد حاكمي باستكمال البحث. ولقد استغرب هو نفسه لعدم توفره على أية إفادة في هذا الشأن يمكنها أن تسلط بعض الضوء على مسالك هذا البحث وتخفف شيئا من كثافة ضلاله تلك رغم أنه ترعرع في هذا الدوار قبل التحاقه بالجندية سنة 1939 أي بعد ولادتي أنا بأربع سنوات فقط. وهنا يجب التذكير بأن حياة الرحل كانت على هذا المنوال. وأن الهجرة من الجزائر، والتي تمت على مراحل زادت الطين بلة، وهذا موضوع تاريخي أخر يستوجب الدراسة والبحث.
ذلك أنه حسب معطيات الإحصاء الذي أجرته فرنسا سنة1896م، أي عام قبل ولادة المرحوم أبي، كانت قبيلة المهاية وبني كيل أو قيل تضم ما يقرب من أربعين خيمة أولاد سيدي عبد الحاكم، المنحدرين من حفدة وأبناء سيدي زيان وسيدي قدور وسيدي دحمان وسيدي كروم الذي يرجع انتمائي إليه. مع الأسف لم يتضمن هذا الإحصاء أسماء تلك الخيام ولا أسماء ساكنيها.
ازددت انشغالا بالموضوع وخاصة بعد عودتي إلى مقر إقامتي الثانوي الجديد بالمكان المسمى سيدي رحال الشاطئ بساحل المحيط الأطلسي، جنوب الدار البيضاء على طريق أزمور. وبدأت تصلني تباعا معطيات أخرى وكلها تستوجب المزيد من التعمق والتوسع في البحث والتقصي والتدقيق. منها مثلا أسطورة مفادها أنه يوجد بقرية المعازيز الجزائرية القريبة من الحدود مع المغرب ضريح سيدي معمرالذي استقر بهذه البلدة في أوائل القرن الثامن عشر. ومعلوم أنه توجد بالمغرب وبالضبط بإقليم الخميسات قرية تحمل نفس الاسم، المعازيز. كما تقع قرية أيت بوسماحة بهذا الإقليم الذي تتكون ساكنته في معظمها من العنصر البربري الأمازيغي. وقد ذكر بعض المؤرخين أن أصل بعض سكان هذه المنطقة عربي وفيهم شرفاء.
تلقيت كذلك إشارات تفيد بأن أحد أحفاد جدي سيدي عبد الكريم التحق بأولاد سيدي الشيخ الذين استوطنوا منطقة السويهلة المجاورة لمراكش، وهو تجمع من تجمعات أولاد سيدي الشيخ الذي يتسم بتركيبة مختلفة الفروع. كما أن هناك قرية أخرى بإقليم السراغنة استوطنها أوائل المهاجرين عبر سلسلة من الهجرات المتوالية بأولاد سيدي الشيخ. لقد تمكنت والحمد لله من اكتشاف أسر بوشيخية عديدة إضافة إلى الأسر التي كانت لدي معرفة سابقة بها في كل المدن الكبرى ونواحيها كالغرب، وضاحية الدار البيضاء وغيرها، زيادة على تطوان وسبتة وامليلية والناظور وبركان وتفوغالت التي زرتها.
وقد سمعت عن وجود أولاد وأحفاد سيدي بوكرامة، ومنهم مقدم أولاد سيدي كروم الذي غادر المغرب في السبعينيات واستقر بالجزائر حيث عاش بها بقية عمره إلى أن أدركته المنية بها، عليه رحمة الله، وجاءني خبر، أيضا، مفاده أن أهل هذا المقدم وبالضبط أحد أولاده موجود بالقطر الجزائري، أتمنى أن يصلني منه ما يؤكد انتماءه لبيت سيدي عبد الكريم، من فرع المجاذبة.
بتوقفي عند هذه الاستطرادات ألا أخشى أن أكون قد خرجت عن موضوعي الأساسي؟ كلا، فحتى لو ظهر أن تحقيقاتي قد سارت بي في اتجاهات ثانوية أخرى بعيدة عن المحيط العائلي الذي أنا بصدد استقصاء شعابه وسبر أغواره وخفاياه، فان ذلك كله لغرض محاولة إيجاد معالم من شانها أن تساعدني على جمع إضافات إخبارية قد تمكن من إلقاء ولو القليل من الضوء وإزاحة شيء من الضباب الذي يحجب الرؤية، من معرفة لبعض الأماكن التي توفر لي بعض الشواهد المادية أو لبعض الأشخاص المحتمل أن تكون لديهم أية إفادة أو أي خبر أو أية حكاية من شأنها أن تيسر عملية الربط بين المعلومات المتفرقة عبر دروب هذا البحث التي ما فتئت تتسع وتتفرع كلما قطعت مسافة أو عبرت منعرجا. وكل أملي هو بلوغ الحقيقة والتعرف على كل من تربطه صلة بالمجاذبة من ذرية سيدي عبد الكريم الذين أنتسب إليهم.
ولا يخفى على أحد أنه يوجد بالمغرب مجاذبة عديدون حيث أن الكلمة تحيل ذهنيا إلى كل ما يجذب أو يتحير ....والكلمة / المصطلح ذات حمولة ثقافية واجتماعية ضاربة في عمق المجتمع المغربي ... وسلالات المجاذبة كثيرة ومتعددة. وحتى إذا اقتصرنا على البوبكريين فقط، فإنه يتوجب علي أن أميز فيهم بين ثلاثة فروع، منهم ذرية وأحفاد جدي الأكبر.
وبناء على ذلك فإن بحثي قد ركز على محورين أثنين أساسيين:
- أولهما أن استخرج كل ما تختزنه ذاكرة حفدة المرحومات عماتي الثلاث من ذكريات وقصص وحكايات ومن أمكنة ورحالات وأحداث. وقد تعرفت في هذا الصدد على أحد أولاد إبنة عمتي وهو سي مصطفى الذي يعمل بالدارالبيضاء.
- وثانيهما أن أبحث عن أخبار تتصل بكل الذين يرتبط نسبهم بسيدي المجذوب، احد أجداد الفرع الذي أنتمي إليه. إن رحلة البحث في هذا المسار طويلة وشاقة وبعيدة المدى وربما لن تتوقف بمجرد الانتهاء من كتابة هذا التقرير.
للمزيد تحول إلى الصفحة التالي رابطها
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]