المواضيع الأخيرة
لا تنسوا أن تتصفحوا أيضا بعض أقسام المنتدى:
بوابة الخواطر الأدبية للكاتب ش ق بن عليةبحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 7 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 7 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 634 بتاريخ الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 22:39
أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب سيدي الشيخ
التصوف الإسلامي و دوره في بناء الحضـارة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التصوف الإسلامي و دوره في بناء الحضـارة
يعتبر التصوف في حضارتـنا الإسلامية جزءا هاما من لبناتها التي كان لها فاعلية واضـحة في الجانب
الإجتمـاعي و السياسي و الأدبي و الفني ونستطيع أن ندرج حتي الجانب المعماري الواضح في الزخرفات
والهندسات الفنية لمقرات الزوايا و الأضـرحة ، فأغلـب القـصـور العربية و خاصة بمنطقـة المغـرب العـربي
بناها شيـوخ الزوايا و أهل الطرق الصوفية ، واغلـب أضرحتها زخرفها واعتنى بهـا موريدوهم .
و لا نستطيع أن نغفل عن هذا التراث الشعبي الذي شكـل تيـارا فكـريا تعـرض لمحـاولة قمع من خلال
وصف أهـل التصوف بالخمول و الكسل و عدم الفاعلية و التأثير السلبي في مجتمعاتهم .
فأحاول بمجهودمتواضع تفنيـد هذه المزاعـم وإبراز دور الصوفية و وجـودهم الدائم و التمييـز في التفاعـل مع الكون
و الحـياة. فالحضارة سلوك كلما اقترب من الرفعة و السمو صار أقرب لتحضر ، و كلما ابتعـد عنهما و اقترب
من الإنحـطاط والخشونة والسفالة صار تخلفا ،فالحضارة نتـاج إنساني متكامل يسيـر في حلقـات متتابعـة
يـأخـذ اللاحـق منها من السابـق . و ظاهـرة التكامـل بين السابـق و اللاحـق تظهـر وتتجـلى في التصـوف،فلا
تصـوف إلا بإتبـاع السلـوك المحمدي " إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه ،إلا على المقتفين أثار
رسول الله صلى الله عليه و سلم "1 .
و هذه قاعدة متينة لأصول الأخلاق فمن لا أتباع له فهو صاحب بدعة كما قال أحد الصوفية " لو نظـرتم
إلى رجل أعطى من الكرمات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر وا لنهي
و حفظ الحدود أداء الشريعة "2 .
فالتمسك بالكتاب و الإقتـداء بالنسبة هو منهج السالك لطريـق التصـوف و بالتـالي الطريـق لبنـاء حضـارة
فاعلة ممثلة لكل مظاهر التطور و الرقي ،فطريق السالك لا يكون صحيحا إلا إذا كان له منبع و أصل يهتـدي
به "و لم يكـن عصـر من الأعصـار في مـدة الإسـلام إلا و فيه شيـخ من الشيـوخ هـذه الطائفة ممن له علـوم
التوحيد و إمامة القوم ،إلا و أئمة ذلك الوقت من العلماء استسلموا
1 الكلاباذي ،التعرف لمذهب أهل التصوف ،دار النشر ،محمد علي بيضون ،دار الطبع الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان سنة 2001 (د.ط)ص66.
2 المصدر نفسه ،ص66.
لذلك الشيخ و تواضعوا له ...ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا "1
فلإصرار على الإقتداء بالشيوخ و صحبتهم يوصل السالك إلى علم العرفان و هو سر من أسرار بلوغ
مقامات الشهود.
فلا تأسس حضارة من عدم بل لا تكون إلا امتدادا لمن سبقها "و جميع ذلك محصور في اثنين ،العلـم
بالعبـرة و العمـل بالسنة ..."2
وهي من أهم عناصر الحضارة الإسلامية ،و كما عرف الفرنسيون الحضارة "هي ما في الحياة الإجتماعية
المنظمة من مجموع العناصر التي وفرت للإنسانية تفوقها على بقية الكائنات و سيطرتها على الأرض..."3
و من هذا المنطلق نبحث عن العناصر التي اعتمدها أهل التصوف في الحياة و التي توفر التفوق و السيطرة
للإنسانية بحيث تنتقل من جيل إلى جيل في مجتمع واحد أو عدة مجتمعات يجمع بينها العمل و الإنجاز
الحضاري الذي ينعكس على حياة الأفراد .
و أول هذه العناصر :
الأخـلاق :
فمعنى الحضارة يطلق على المجتمع الذي يعرف أشكــال التنظيم الإجتماعي و السياسي و الأخلاقي
بصورة مثلى و الذي بدوره ينعكس على حياة الإنسان بالرقي و التطور و كما قال تيلور :"الحضارة الكل
المركب الذي يشمل العادات و التقاليد و القيم و الأخلاق و الفنون و العلم و التقنية و التي يكتسيها في
المجتمع ليصبح عضو فيه ..."4
1 القشيري ،الرسالة القشيرية ،دار إحياء التراث العربي ،ط 01 ،سنة 1998 ،ج 02 ،ص 477 -479
2 أبو حامد الغزالي ،في إشكاليات الإحياء ،تحقيق عبد المعطي أمين القلعجي ،دار الوعي العربي حلب الطبع ،صادر بيروت ،ط02،2004
3 صبحي حديدي ،الحوار المتمدن ،العدد 2060ن 06/10/2007
4 مجلة الدروب ،2006 ،أمل زهيد
و هذا ما ذهب إليه أهل التصوف في بناء المجتمع الحضاري ،انطلاقا من بناء الجانب الأخلاقي في
النفوس البشرية ،فالمتصوف لا يبحث عن الحقيقية و يتطلع إلى السمو الروحي دون التأثير في مجتمعه ،و
أي حضارة تكون قائمة على النفع و إفادة الكون و الإنسان و الوصول بالإنسانية إلى الكمال في المقابل دفع الضرر
و الفساد .
وهذا من منطلق التخلي و التحلي عند السادة الصوفية ،التخلي عن مكدرات القلوب و منغصات الصفاء
من أخـلاق ذميمة تمنع القصد من الترقي في مقامات الحق و الوصول إلى الذوق الإلهي ،و نشـوة الشهود
الصوفي ،وفي حين ان التحلي هو مـا ينبـغي للسالك من صفات يتمسك بها " فالتصوف هو كل عاطفة صادقة ،متينة الأصـول لايساورها ضعف و لا يطمـع فيـها ارتياب "1
فدرجة تعلق العبد بربه تكون دافعا له للتخلي عن مكدرات الأخلاق لأنها تراكم للخبث و صدأ للقلب "و بعـد
تطهيـر القلب من شواغل الدنيا و علائقها يجري مجرى وضع بذر الأرض بعد تنقيتـها من الحشيش ...ثم
يتولـد من هذا البذر شجرة المحبة ..."2
و بهذا فالشجرة الطيبة لها جذور تتمثل في روح المتصوف التي تنطلق من إتباع الأخلاق و سيرة الرسول
الكريم ،و ثمارها الطيبة هي تلك المعاني في جمالها و كمالها التي لا ترى سوى الله في حركات الكون و
سكناته ،و هو بهذا الصفاء يقضي على النزعات التي تؤدي إلى تعطيل عمل الحياة ،لأنه ينفي من الحيـاة كل
بذيء و بالتـالي يسـدد القصد في السمو بالإنسان .
فالصوفي يساهم في صلاح البشرية بتنوير دروب الحياة بصفاء الأخـلاق ،لأنه لا يحكم على الوجـود
الإنسـاني بمعطيات و انما بروح تستمد معرفتها للآخر من الذوق و الكشف ،لأن المتصـوف متحـرر من
العالـم المـادي الزائل إلى عالم الحقيقة و اليقين الأزلي ،و بهذا فالوجود الحقيقي لا يكون إلا للحق ،و الكون
كله محـل عطـاء و بناء ،و نتيجة هذا أن غاية الصوفي البناء الحضاري
1 زكي مبارك ،للتصوف الإسلامي في الأدب و الأخلاق ،بيروت ،المكتبة العصرية ،د.ط،د.ت،ج 01ص16
2 أبو حامد الغزالي،إحياء علوم الدين ،تحقيق عبد المعطي أمين القلعجي ،دار الصادر ،بيروت اللبناني ،بيروت ،الطبعة الأولي ،1994ج 05ص 31.
الذي يظهر جمال الله في الوجود ،لأن المتصوف لا يؤمن بأسس نظرية بل يجسدها في حياته اليومية ،لأنه
ينطلق من رؤى عميقة الإتجاه الله و العالم و الإنسان و بذلك فقد أدرك روح الحضارة المتمثلة في بناء صرح
أخلاقي متين انطلاقا من مقام المحبة بالتخلي و التحلي ،التخلي عن أكل الحرام بتحري الحلال .و التخلي عن
الجحود لنعمة المولى بالتحلي بالشكر و التخلي عن العجز برفع الهمم و العزم على الطاعة،و التخلي عن
الأذى بكفه و تحمله ،و التحلي بالصبر و الرضا ثم التخلي عن مفاتن الدنيا بالتحلي بالزهد و التسليم لقضاء
الله و العفو عن الناس ،و التعفف في العيش و الحمد للمولى بالجد و الاجتهاد و الصوم و السهر ، و اعتزال
المفاتن و الشوق إلى لقاء الحق .و هذا ما يورث السالك نورًا يمحو حجب الغفلة و يثبت صدق العزم و
إخلاص النية ،و بالتالي فالصوفي صاحب أحوال تمثل اتجاهات روحية ،تكاد تكون ملامح الواقع
الإسلامي في كل عصر .
فهذه الحضارة الروحية التي يبنيها المتصوف جعلت مقام المحبة بداية كل حال و نهايته لأنه لا محبوب
عند ذوي البصـائر إلا الله تعالى و لا مستحق للمحبة سواه..."1
فروح هذه الحضارة السمحة تمثلت في تحقيق معنى العبودية لله ،و هو القصـد الذي خلق من أجله
الإنسـان لقوله تعـالى ~{ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون }~ 2 فالصوفي بذلك يرشد خطوات البناء
الحضاري بتهذيب النفس و توجيهها إلى الخير لأن النفوس التي انحرفت و سيطرت عليها الأهواء و
الشيطان لا تستطيع أن تبني حضارة ،و كما قال شوقي ضيق "يصححون فكرة شاعت عن زهاد المسلمين
وعبادهم أنهم كانوا سلبيين ظانيـن أن زهد المسلمين كان يفصلهم عن الحياة و هو ظن … فإن زهاد
المسلمين لن ينفصلوا عن الحياة بل كانوا يتصلون بها..."3 فتكمن قوة البناء الحضاري للمتصوف في البعد عن
الانهزام و الخمول و التواكل ،و التمسك بالجهاد و محاربة الشيطان والارتقاء بالقيم الإنسانية إلى معارج
الروح السامية في البحث عن الحق ،فيكون لهذه القوة درجة كبيرة من الاستجابة الأخلاقية لكل ماهو موجود في الكون ،لأن التصوف خلق فما زاد عنك في الخلق زاد عنك في التصوف ،و بالتالي دعم جوانب الحياة كلها نحو
الترقي في التربية الروحية و السمو في التعامل الإنساني .
1 أبو حامد الغزالي ،إحياء علوم الدين ،ج05،ص11.
و هذا الجانب السلوكي يمليه القرآن الكريم ،انطلاقا من التوبة و هي أساس التصوف ، و الصدق في كل
الحركات والسكنات و الإخلاص و التوكل ،فكل المقامات التي يسلكهاالمتصوف حدودها القرآن الكريم و السنة النبوية
الشريفة ،و بحكم أن الأخلاق و الصدق و الإيمان و الإتباع هي أساسيات كل متصوف فإنها تدمجه في كل
فئات المجتمع ،فيصبح عنصرا فاعلا إيجابيا في بناء حضارته بالصفاء و النقاء و الحب ،فيصفوا في تعامله
مع الآخر لأن مراده تزكية النفس وجعلها كما يريد الحق سبحانه وتعالى ،فلا يمضي يومه إلا و ليس في قلبه
ضغينة أو حقد أو كراهية لأحد ،لأنه يبغض في الله و يحب في الله ،ولا يخاف إلا من التقصير في الحق ، و
جهاده التوبة و الاستغفار وسلاحه الإيمان والتقوى ،و في هذا قال الجنيد رحمه الله :"لا يكون العارف
عارفا حتى يكون كالأرض يطؤه البر و الفاجر ، و كالسحاب يظل كل شيء ، و كالمطر يسقي ما يحب وما
لا يحب "1
وبالتالي فدعوتهم إلى البناء بالعلم والمعرفة من أهم عناصر الحضارة
1 الأمام القشيري ،الرسالة القشيرية ،ج02 ،ص393.
الإجتمـاعي و السياسي و الأدبي و الفني ونستطيع أن ندرج حتي الجانب المعماري الواضح في الزخرفات
والهندسات الفنية لمقرات الزوايا و الأضـرحة ، فأغلـب القـصـور العربية و خاصة بمنطقـة المغـرب العـربي
بناها شيـوخ الزوايا و أهل الطرق الصوفية ، واغلـب أضرحتها زخرفها واعتنى بهـا موريدوهم .
و لا نستطيع أن نغفل عن هذا التراث الشعبي الذي شكـل تيـارا فكـريا تعـرض لمحـاولة قمع من خلال
وصف أهـل التصوف بالخمول و الكسل و عدم الفاعلية و التأثير السلبي في مجتمعاتهم .
فأحاول بمجهودمتواضع تفنيـد هذه المزاعـم وإبراز دور الصوفية و وجـودهم الدائم و التمييـز في التفاعـل مع الكون
و الحـياة. فالحضارة سلوك كلما اقترب من الرفعة و السمو صار أقرب لتحضر ، و كلما ابتعـد عنهما و اقترب
من الإنحـطاط والخشونة والسفالة صار تخلفا ،فالحضارة نتـاج إنساني متكامل يسيـر في حلقـات متتابعـة
يـأخـذ اللاحـق منها من السابـق . و ظاهـرة التكامـل بين السابـق و اللاحـق تظهـر وتتجـلى في التصـوف،فلا
تصـوف إلا بإتبـاع السلـوك المحمدي " إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه ،إلا على المقتفين أثار
رسول الله صلى الله عليه و سلم "1 .
و هذه قاعدة متينة لأصول الأخلاق فمن لا أتباع له فهو صاحب بدعة كما قال أحد الصوفية " لو نظـرتم
إلى رجل أعطى من الكرمات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر وا لنهي
و حفظ الحدود أداء الشريعة "2 .
فالتمسك بالكتاب و الإقتـداء بالنسبة هو منهج السالك لطريـق التصـوف و بالتـالي الطريـق لبنـاء حضـارة
فاعلة ممثلة لكل مظاهر التطور و الرقي ،فطريق السالك لا يكون صحيحا إلا إذا كان له منبع و أصل يهتـدي
به "و لم يكـن عصـر من الأعصـار في مـدة الإسـلام إلا و فيه شيـخ من الشيـوخ هـذه الطائفة ممن له علـوم
التوحيد و إمامة القوم ،إلا و أئمة ذلك الوقت من العلماء استسلموا
1 الكلاباذي ،التعرف لمذهب أهل التصوف ،دار النشر ،محمد علي بيضون ،دار الطبع الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان سنة 2001 (د.ط)ص66.
2 المصدر نفسه ،ص66.
لذلك الشيخ و تواضعوا له ...ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا "1
فلإصرار على الإقتداء بالشيوخ و صحبتهم يوصل السالك إلى علم العرفان و هو سر من أسرار بلوغ
مقامات الشهود.
فلا تأسس حضارة من عدم بل لا تكون إلا امتدادا لمن سبقها "و جميع ذلك محصور في اثنين ،العلـم
بالعبـرة و العمـل بالسنة ..."2
وهي من أهم عناصر الحضارة الإسلامية ،و كما عرف الفرنسيون الحضارة "هي ما في الحياة الإجتماعية
المنظمة من مجموع العناصر التي وفرت للإنسانية تفوقها على بقية الكائنات و سيطرتها على الأرض..."3
و من هذا المنطلق نبحث عن العناصر التي اعتمدها أهل التصوف في الحياة و التي توفر التفوق و السيطرة
للإنسانية بحيث تنتقل من جيل إلى جيل في مجتمع واحد أو عدة مجتمعات يجمع بينها العمل و الإنجاز
الحضاري الذي ينعكس على حياة الأفراد .
و أول هذه العناصر :
الأخـلاق :
فمعنى الحضارة يطلق على المجتمع الذي يعرف أشكــال التنظيم الإجتماعي و السياسي و الأخلاقي
بصورة مثلى و الذي بدوره ينعكس على حياة الإنسان بالرقي و التطور و كما قال تيلور :"الحضارة الكل
المركب الذي يشمل العادات و التقاليد و القيم و الأخلاق و الفنون و العلم و التقنية و التي يكتسيها في
المجتمع ليصبح عضو فيه ..."4
1 القشيري ،الرسالة القشيرية ،دار إحياء التراث العربي ،ط 01 ،سنة 1998 ،ج 02 ،ص 477 -479
2 أبو حامد الغزالي ،في إشكاليات الإحياء ،تحقيق عبد المعطي أمين القلعجي ،دار الوعي العربي حلب الطبع ،صادر بيروت ،ط02،2004
3 صبحي حديدي ،الحوار المتمدن ،العدد 2060ن 06/10/2007
4 مجلة الدروب ،2006 ،أمل زهيد
و هذا ما ذهب إليه أهل التصوف في بناء المجتمع الحضاري ،انطلاقا من بناء الجانب الأخلاقي في
النفوس البشرية ،فالمتصوف لا يبحث عن الحقيقية و يتطلع إلى السمو الروحي دون التأثير في مجتمعه ،و
أي حضارة تكون قائمة على النفع و إفادة الكون و الإنسان و الوصول بالإنسانية إلى الكمال في المقابل دفع الضرر
و الفساد .
وهذا من منطلق التخلي و التحلي عند السادة الصوفية ،التخلي عن مكدرات القلوب و منغصات الصفاء
من أخـلاق ذميمة تمنع القصد من الترقي في مقامات الحق و الوصول إلى الذوق الإلهي ،و نشـوة الشهود
الصوفي ،وفي حين ان التحلي هو مـا ينبـغي للسالك من صفات يتمسك بها " فالتصوف هو كل عاطفة صادقة ،متينة الأصـول لايساورها ضعف و لا يطمـع فيـها ارتياب "1
فدرجة تعلق العبد بربه تكون دافعا له للتخلي عن مكدرات الأخلاق لأنها تراكم للخبث و صدأ للقلب "و بعـد
تطهيـر القلب من شواغل الدنيا و علائقها يجري مجرى وضع بذر الأرض بعد تنقيتـها من الحشيش ...ثم
يتولـد من هذا البذر شجرة المحبة ..."2
و بهذا فالشجرة الطيبة لها جذور تتمثل في روح المتصوف التي تنطلق من إتباع الأخلاق و سيرة الرسول
الكريم ،و ثمارها الطيبة هي تلك المعاني في جمالها و كمالها التي لا ترى سوى الله في حركات الكون و
سكناته ،و هو بهذا الصفاء يقضي على النزعات التي تؤدي إلى تعطيل عمل الحياة ،لأنه ينفي من الحيـاة كل
بذيء و بالتـالي يسـدد القصد في السمو بالإنسان .
فالصوفي يساهم في صلاح البشرية بتنوير دروب الحياة بصفاء الأخـلاق ،لأنه لا يحكم على الوجـود
الإنسـاني بمعطيات و انما بروح تستمد معرفتها للآخر من الذوق و الكشف ،لأن المتصـوف متحـرر من
العالـم المـادي الزائل إلى عالم الحقيقة و اليقين الأزلي ،و بهذا فالوجود الحقيقي لا يكون إلا للحق ،و الكون
كله محـل عطـاء و بناء ،و نتيجة هذا أن غاية الصوفي البناء الحضاري
1 زكي مبارك ،للتصوف الإسلامي في الأدب و الأخلاق ،بيروت ،المكتبة العصرية ،د.ط،د.ت،ج 01ص16
2 أبو حامد الغزالي،إحياء علوم الدين ،تحقيق عبد المعطي أمين القلعجي ،دار الصادر ،بيروت اللبناني ،بيروت ،الطبعة الأولي ،1994ج 05ص 31.
الذي يظهر جمال الله في الوجود ،لأن المتصوف لا يؤمن بأسس نظرية بل يجسدها في حياته اليومية ،لأنه
ينطلق من رؤى عميقة الإتجاه الله و العالم و الإنسان و بذلك فقد أدرك روح الحضارة المتمثلة في بناء صرح
أخلاقي متين انطلاقا من مقام المحبة بالتخلي و التحلي ،التخلي عن أكل الحرام بتحري الحلال .و التخلي عن
الجحود لنعمة المولى بالتحلي بالشكر و التخلي عن العجز برفع الهمم و العزم على الطاعة،و التخلي عن
الأذى بكفه و تحمله ،و التحلي بالصبر و الرضا ثم التخلي عن مفاتن الدنيا بالتحلي بالزهد و التسليم لقضاء
الله و العفو عن الناس ،و التعفف في العيش و الحمد للمولى بالجد و الاجتهاد و الصوم و السهر ، و اعتزال
المفاتن و الشوق إلى لقاء الحق .و هذا ما يورث السالك نورًا يمحو حجب الغفلة و يثبت صدق العزم و
إخلاص النية ،و بالتالي فالصوفي صاحب أحوال تمثل اتجاهات روحية ،تكاد تكون ملامح الواقع
الإسلامي في كل عصر .
فهذه الحضارة الروحية التي يبنيها المتصوف جعلت مقام المحبة بداية كل حال و نهايته لأنه لا محبوب
عند ذوي البصـائر إلا الله تعالى و لا مستحق للمحبة سواه..."1
فروح هذه الحضارة السمحة تمثلت في تحقيق معنى العبودية لله ،و هو القصـد الذي خلق من أجله
الإنسـان لقوله تعـالى ~{ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون }~ 2 فالصوفي بذلك يرشد خطوات البناء
الحضاري بتهذيب النفس و توجيهها إلى الخير لأن النفوس التي انحرفت و سيطرت عليها الأهواء و
الشيطان لا تستطيع أن تبني حضارة ،و كما قال شوقي ضيق "يصححون فكرة شاعت عن زهاد المسلمين
وعبادهم أنهم كانوا سلبيين ظانيـن أن زهد المسلمين كان يفصلهم عن الحياة و هو ظن … فإن زهاد
المسلمين لن ينفصلوا عن الحياة بل كانوا يتصلون بها..."3 فتكمن قوة البناء الحضاري للمتصوف في البعد عن
الانهزام و الخمول و التواكل ،و التمسك بالجهاد و محاربة الشيطان والارتقاء بالقيم الإنسانية إلى معارج
الروح السامية في البحث عن الحق ،فيكون لهذه القوة درجة كبيرة من الاستجابة الأخلاقية لكل ماهو موجود في الكون ،لأن التصوف خلق فما زاد عنك في الخلق زاد عنك في التصوف ،و بالتالي دعم جوانب الحياة كلها نحو
الترقي في التربية الروحية و السمو في التعامل الإنساني .
1 أبو حامد الغزالي ،إحياء علوم الدين ،ج05،ص11.
و هذا الجانب السلوكي يمليه القرآن الكريم ،انطلاقا من التوبة و هي أساس التصوف ، و الصدق في كل
الحركات والسكنات و الإخلاص و التوكل ،فكل المقامات التي يسلكهاالمتصوف حدودها القرآن الكريم و السنة النبوية
الشريفة ،و بحكم أن الأخلاق و الصدق و الإيمان و الإتباع هي أساسيات كل متصوف فإنها تدمجه في كل
فئات المجتمع ،فيصبح عنصرا فاعلا إيجابيا في بناء حضارته بالصفاء و النقاء و الحب ،فيصفوا في تعامله
مع الآخر لأن مراده تزكية النفس وجعلها كما يريد الحق سبحانه وتعالى ،فلا يمضي يومه إلا و ليس في قلبه
ضغينة أو حقد أو كراهية لأحد ،لأنه يبغض في الله و يحب في الله ،ولا يخاف إلا من التقصير في الحق ، و
جهاده التوبة و الاستغفار وسلاحه الإيمان والتقوى ،و في هذا قال الجنيد رحمه الله :"لا يكون العارف
عارفا حتى يكون كالأرض يطؤه البر و الفاجر ، و كالسحاب يظل كل شيء ، و كالمطر يسقي ما يحب وما
لا يحب "1
وبالتالي فدعوتهم إلى البناء بالعلم والمعرفة من أهم عناصر الحضارة
1 الأمام القشيري ،الرسالة القشيرية ،ج02 ،ص393.
بن الشيخ الياقوت- عضو جديد
- عدد الرسائل : 3
نقاط : 5734
تاريخ التسجيل : 26/12/2008
رد: التصوف الإسلامي و دوره في بناء الحضـارة
السلام عليكم
نشكر الاخت بن الشيخ ونقول لها مرحبا بك في منتدى سيدي الشيخ ونتمنى لها اقامة طيبة ودمت وفية للركن الاجتماعي
اخوك دين نعيمي
نشكر الاخت بن الشيخ ونقول لها مرحبا بك في منتدى سيدي الشيخ ونتمنى لها اقامة طيبة ودمت وفية للركن الاجتماعي
اخوك دين نعيمي
دين نعيمي- مراقب عام
- عدد الرسائل : 4330
العمر : 84
نقاط : 9709
تاريخ التسجيل : 24/11/2008
مواضيع مماثلة
» التصوف الإسلامي و دوره في بناء الحضـارة الجزء الثاني
» التصوف الإسلامي ودوره في بناء الأمة
» حقيقة التصوف الإسلامي السني
» التصوف الإسلامي ومراحله - الهوامش
» التصوف الإسلامي ومراحله تمهيد
» التصوف الإسلامي ودوره في بناء الأمة
» حقيقة التصوف الإسلامي السني
» التصوف الإسلامي ومراحله - الهوامش
» التصوف الإسلامي ومراحله تمهيد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:36 من طرف دين نعيمي
» من يعرف لنا المكاحلية ؟؟
الخميس 21 يناير 2021 - 15:10 من طرف الدين
» من شيوخ سيدي الشيخ
الخميس 21 يناير 2021 - 8:39 من طرف الدين
» ممكن شجرة سيدي حمزة بن بوبكر قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ ؟
الخميس 21 يناير 2021 - 6:17 من طرف الدين
» قراءة في كتاب "الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط" لأحمد الشنقيطي وبوبكرية الأقلال فقط
الأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 18:23 من طرف chikh
» لماذا تجاهل المؤرخون هذه الفترة من حياة سيدى الشيح ؟!
السبت 4 أبريل 2020 - 22:02 من طرف mahmoudb69
» شجرة أولاد سيدي محمد بن عبد الله
السبت 4 يناير 2020 - 5:54 من طرف الدين
» من روائع محمد ولد بلخير
الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 11:30 من طرف دين نعيمي
» سيدي أحمد المجدوب
الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 15:30 من طرف Azziz
» صدور كتاب جديد.....
الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 14:24 من طرف Azziz
» ممكن التواصل مع الأستاذ سي بلمعمر
الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 23:43 من طرف Azziz
» الرحال اللاجئون قديما
الجمعة 27 سبتمبر 2019 - 19:18 من طرف Azziz
» المرحوم / الحاج محمد عدناني في سطور
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:59 من طرف محمد بلمعمر
» كيف أتأكد من أنني أنتمي إلى قبيلة سيدي الشيخ?
الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 22:00 من طرف manadh
» المنن في مناقب سيدي محمد بن عبد الرحمان
السبت 26 مايو 2018 - 5:43 من طرف الدين
» كتاب " امارة اولاد سيدي الشيخ"
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:46 من طرف محمد بلمعمر
» قصائد بوشيخية .
الجمعة 6 أبريل 2018 - 9:53 من طرف محمد بلمعمر
» القصيدة التي أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 1 أبريل 2018 - 21:17 من طرف manadh
» شهداء معركة تازينة باليض.....
الخميس 1 مارس 2018 - 22:22 من طرف manadh
» أفضل الصلاة وأزكى التسليم على إمام الانبياء
الإثنين 19 فبراير 2018 - 11:04 من طرف بكري