المواضيع الأخيرة
لا تنسوا أن تتصفحوا أيضا بعض أقسام المنتدى:
بوابة الخواطر الأدبية للكاتب ش ق بن عليةبحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 7 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 7 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 634 بتاريخ الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 22:39
أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب سيدي الشيخ
العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم
في إطار الملتقى 11 حول التصوف الإسلامي والتحديات المعاصرة ، الذي تم تنظيمه أيام 09-11 نوفمبر 2008 بجامعة أدرار ، نستعرض المحور الثالث بعنوان :العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم ، المتضمن سلسلة من المحاضرات التي ألقيت في هذا الإطار.
المحاضرة الأولى : التصوف في ميزان أهل الفقه.
التصـوف في ميــزان أهـل الفقه
(دراسة نظريـة وتطبيقيـة)
دوادي عــلال
جــامعة أدرار
(دراسة نظريـة وتطبيقيـة)
دوادي عــلال
جــامعة أدرار
الملخص:
إن تزكية النفس وتطهيرها من أمراضها الخفية المستكنة بين جوانحها من أهم الأعمال التي يجب على المسلم المداومة عليها وأخذها بكل الوسائل كي يخضع إلى محراب العبودية لله عز وجل ويتسامى بكيانه إلى مستوى الإخلاص لله عز وجل . إذن فلا بد من التربية وتزكية النفس بغية إخضاع النفس الإنسانية لوحي العقل وسلطانه، وهذا هو منهج الأنبياء والربانيين والسلف الصالح من هذه الأمة .
لكن حدث أن خالط هذا المنهج بعض أهل الأهواء والبدع واندست فيه كثير من الفرق الباطنة والنحل الزائغة وتكلموا في الشريعة بأمور مخالفة لأصولها، ومنحرفة عن منهجها، كل ذلك باسم "التصوف" فانبرى كثير من أهل الفقه والحديث إلى كشف هذه المزالق ومحاربتها , والتحذير من مخاطرها . وسنحاول في هذه المداخلة الوقوف على أهم المآخذ التي تكلم عنها أهل العلم حول التصوف . وذلك في ثلاثة عناصر وخاتمة
بدايات المنهج وأسباب ظهور الخلاف بين الصوفية والفقهاء
موقف أهل الفقه من التصوف
- أهم النقاط التي دار حولها الخلاف بين الفقهاء والصوفية ومناقشتها
- الخلاصة
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 1:09 عدل 1 مرات
تابع...التصوف في ميزان أهل الفقه
مقدمة:
بدايات المنهج وأسباب ظهور الخلاف بين الصوفية والفقهاء
تكلم ابن خلدون – رحمه الله – في مقدمته الضافية عن علم التصوف وبدايات ظهور هذا المنهج حيث قال: "هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة, وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقةَ الحق والهداية. وأصلُها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى , والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه, والانفراد عن الخلق للعبادة . وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف . فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختُصَّ المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفية "1.
ولذلك كانت طريقة الأئمة هي الكتاب والسنة كما هو صريح عبارات كبار الأئمة، فعن الجنيد البغدادي رضي الله عنه: "طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه.
إلا على المقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)"اهـ ظهور الخلاف بين الصوفية والفقهاء.
إن السبب الرئيس في المنافرة بين هذين الفريقين هو خروج كثير من المتصوفة المتأخرين عن طريقة سلفهم الصالح من الالتزام بأحكام الكتاب والسنة ودخول كثير من أهل الأهواء والبدع والفرق الباطنة والتيارات الفكرية الجانحة هذا المجال. يقول الإمام القشيري موضحا هذه الحقيقة: "...ثم اعلموا رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم... "2 ونفس الفكرة يؤكدها الأستاذ العقاد رحمه الله حيث يقول: "ولم يسلم التصوف من تلك الأخلاط فاقترن في أقوال أناس من المنتسبين إلى الإسلام بما يجوز وما لا يجوز..."1وفي الحقيقة هناك عوامل شتى أدت إلى دخول التصوف عند المتأخرين في لجج من الشذوذات والانحرافات ودفعت بالفقهاء وأهل العلم إلى التبرم والتحذير منه والرد على تلك المخالفات التي كانت كثيرا ما تمس العقيدة الإسلامية بشكل مباشر.ولذلك سنعرض لأهم هذه الأسباب، بادئين بالحديث عن موقف كبار الأئمة من التصوف، لنستخلص منها أهم النقاط التي دار حولها الخلاف أو التي كانت السبب في انحراف بعض الصوفية عن منهج أسلافهم لنخرج بعصارة لهذا الكلام...
2-موقف أهل العلم من التصوف
وسنقتصر على موقف بعض الأئمة الثقات والذي يعبر بحق ويعكس بصدق صورة أهل الفقه والحديث عن التصوف وقد اقتصرت على ثلاث شخصيات بارزة ظهرت في (القرن الثامن) وهم الإمام ابن القيم والحافظ الذهبي والإمام الشاطبي:
أ- موقف الإمام الشاطبي رحمه الله (790هـ)
عقد الشاطبي في كتابه الاعتصام فصلا مهما أورد فيه الأدلة التي تبرئ ساحة الصوفية الثقاة وتثبت بأنصع الأدلة وأجلاها من كونهم أصحاب سنة واتباع، حيث قال – رحمه الله-: «فصل: الوجه الرابع: ما جاء في ذم البدع وأهلها عن الصوفية المشهورين عند الناس: وإنما خصصنا هذا الموضع بالذكر ...لأن كثيرا من الجهال يعتقدون في الصوفية أهم متساهلون في الاتباع، وأن اختراع العبادات والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه . وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به ؛ فأول شيء بنوا عليه طريقتهم: اتباع السنة واجتناب ما خالفها»2
ثم نقل عن الأئمة الأثبات ما يثبت صحة طريقهم أمثال: الفضيل بن عياض وذي النون المصري ويحيى بن معاذ الرازي وأبي الحسن الوراق وأبي يزيد البسطامي وأبي القاسم الجنيد وسهل التستري وغيرهم ثم قال: « وكلامهم في هذا الباب يطول وجميعهم يشير أو يصرح بأن الابتداع ضلال والسلوك عليه تيه...وأن الصوفية الذين نسبت إليهم الطريقة مجمعون على تعظيم الشريعة , مقيمون على متابعة السنة... »3
والحاصل أن التصوف عند الإمام الشاطبي –رحمه الله- ليس مذموما على الإطلاق – كما قد يظن – ذلك أن طريق الأئمة طريق صاف من البدع والمخالفات, موافق للكتاب والسنة.
ب-موقف الإمام ابن القيم (751هـ):
إن رأي هذا الإمام في التصوف يعد شاهد صدق , وحجة بالغة هذا الموضوع لما عرف من ابن القيم رحمه الله من نفوره الشديد عن أهل الزيغ والبدع ومحاربته للطوائف والفرق الضالة وكتبه طافحة بذلك... فما كان موقفه من التصوف ؟
يقول في كتابه (مدارج السالكين): « قال الشافعي: صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين: سمعتهم يقولون: الوقت سيف، فإن قطعته وإلا قطعك . ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل . قلت: [القائل ابن القيم]: يا لهما من كلمتين ما أنفعهما وأجمعهما وأدلهما على علو همة قائلهما ويقظته ويكفي في هذا ثناء الشافعي على طائفة هذا قدر كلماتهم» .1
فهذا يدل صراحة على تأييد ابن القيم لهذه الطائفة وثنائه عليها , طبعا وهو يريد سلف هذه الطائفة التي بنت أصولها على الكتاب والسنة وكلام الفقهاء والأصوليين, لا ما خالفها وأغرق في الأهواء والبدع...
ج- موقف الحافظ الذهبي (748هـ)
تعرض هذا الإمام في تراجمه للأعلام ونقد الرجال (كالميزان) و(السير) و(المغني) و(العبر) إلى العديد من الشخصيات الصوفية البارزة وبين موقفه منها ومن التصوف بشكل عام، فلنقف على خلاصة رأيه في ذلك.
يقول عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله حول هذه النقطة:"والذي أدين الله به: أن الحافظ الذهبي إمام من كبار أئمة العلم في الإسلام وأنه صالح تقي ورع –وليس بمعصوم- ويحب الصوفية الصالحين الأتقياء جدا ويحسن الظن بهم ويأمر بتحسين الظن بهم وذلك عنوان دينه وورعه وتقواه وحبه لهم, ولكنه يحذر من شطحاتهم ومخالفاتهم"2
ودليل ما قاله الشيخ أبو غدة ما جاء في ترجمة الذهبي لابن الفارض: «عمر بن علي المعروف بابن الفارض حدث عن القاسم بن عساكر, ينعق بالاتحاد الصريح في شعره وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل ولكنك حسن الظن بالصوفية... »3 وهذا دليل على اعتداله وتدينه رحمه الله.
ولكنه مع محبته للصالحين وأكابر الصوفية الصادقين المستقيمين كان يبرأ من تخبيطاتهم وشطحاتهم ولا تأخذه في الله لومة لائم كما ترى ذلك في ترجمته للحلاج حيث قال: "نشأ الحسين بـ (تستر) فصحب سهل بن عبد الله التستري وصحب ببغداد الجنيد ...وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء ومحمد بن خفيف...وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه ومنهم من نسبه إلى الحلول ومنهم من نسبه إلى الزندقة ...وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال وانتحلوه وروجوا به على الجهال نسأل الله العصمة في الدين...4
بدايات المنهج وأسباب ظهور الخلاف بين الصوفية والفقهاء
تكلم ابن خلدون – رحمه الله – في مقدمته الضافية عن علم التصوف وبدايات ظهور هذا المنهج حيث قال: "هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة, وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقةَ الحق والهداية. وأصلُها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى , والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه, والانفراد عن الخلق للعبادة . وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف . فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختُصَّ المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفية "1.
ولذلك كانت طريقة الأئمة هي الكتاب والسنة كما هو صريح عبارات كبار الأئمة، فعن الجنيد البغدادي رضي الله عنه: "طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه.
إلا على المقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)"اهـ ظهور الخلاف بين الصوفية والفقهاء.
إن السبب الرئيس في المنافرة بين هذين الفريقين هو خروج كثير من المتصوفة المتأخرين عن طريقة سلفهم الصالح من الالتزام بأحكام الكتاب والسنة ودخول كثير من أهل الأهواء والبدع والفرق الباطنة والتيارات الفكرية الجانحة هذا المجال. يقول الإمام القشيري موضحا هذه الحقيقة: "...ثم اعلموا رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم... "2 ونفس الفكرة يؤكدها الأستاذ العقاد رحمه الله حيث يقول: "ولم يسلم التصوف من تلك الأخلاط فاقترن في أقوال أناس من المنتسبين إلى الإسلام بما يجوز وما لا يجوز..."1وفي الحقيقة هناك عوامل شتى أدت إلى دخول التصوف عند المتأخرين في لجج من الشذوذات والانحرافات ودفعت بالفقهاء وأهل العلم إلى التبرم والتحذير منه والرد على تلك المخالفات التي كانت كثيرا ما تمس العقيدة الإسلامية بشكل مباشر.ولذلك سنعرض لأهم هذه الأسباب، بادئين بالحديث عن موقف كبار الأئمة من التصوف، لنستخلص منها أهم النقاط التي دار حولها الخلاف أو التي كانت السبب في انحراف بعض الصوفية عن منهج أسلافهم لنخرج بعصارة لهذا الكلام...
2-موقف أهل العلم من التصوف
وسنقتصر على موقف بعض الأئمة الثقات والذي يعبر بحق ويعكس بصدق صورة أهل الفقه والحديث عن التصوف وقد اقتصرت على ثلاث شخصيات بارزة ظهرت في (القرن الثامن) وهم الإمام ابن القيم والحافظ الذهبي والإمام الشاطبي:
أ- موقف الإمام الشاطبي رحمه الله (790هـ)
عقد الشاطبي في كتابه الاعتصام فصلا مهما أورد فيه الأدلة التي تبرئ ساحة الصوفية الثقاة وتثبت بأنصع الأدلة وأجلاها من كونهم أصحاب سنة واتباع، حيث قال – رحمه الله-: «فصل: الوجه الرابع: ما جاء في ذم البدع وأهلها عن الصوفية المشهورين عند الناس: وإنما خصصنا هذا الموضع بالذكر ...لأن كثيرا من الجهال يعتقدون في الصوفية أهم متساهلون في الاتباع، وأن اختراع العبادات والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه . وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به ؛ فأول شيء بنوا عليه طريقتهم: اتباع السنة واجتناب ما خالفها»2
ثم نقل عن الأئمة الأثبات ما يثبت صحة طريقهم أمثال: الفضيل بن عياض وذي النون المصري ويحيى بن معاذ الرازي وأبي الحسن الوراق وأبي يزيد البسطامي وأبي القاسم الجنيد وسهل التستري وغيرهم ثم قال: « وكلامهم في هذا الباب يطول وجميعهم يشير أو يصرح بأن الابتداع ضلال والسلوك عليه تيه...وأن الصوفية الذين نسبت إليهم الطريقة مجمعون على تعظيم الشريعة , مقيمون على متابعة السنة... »3
والحاصل أن التصوف عند الإمام الشاطبي –رحمه الله- ليس مذموما على الإطلاق – كما قد يظن – ذلك أن طريق الأئمة طريق صاف من البدع والمخالفات, موافق للكتاب والسنة.
ب-موقف الإمام ابن القيم (751هـ):
إن رأي هذا الإمام في التصوف يعد شاهد صدق , وحجة بالغة هذا الموضوع لما عرف من ابن القيم رحمه الله من نفوره الشديد عن أهل الزيغ والبدع ومحاربته للطوائف والفرق الضالة وكتبه طافحة بذلك... فما كان موقفه من التصوف ؟
يقول في كتابه (مدارج السالكين): « قال الشافعي: صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين: سمعتهم يقولون: الوقت سيف، فإن قطعته وإلا قطعك . ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل . قلت: [القائل ابن القيم]: يا لهما من كلمتين ما أنفعهما وأجمعهما وأدلهما على علو همة قائلهما ويقظته ويكفي في هذا ثناء الشافعي على طائفة هذا قدر كلماتهم» .1
فهذا يدل صراحة على تأييد ابن القيم لهذه الطائفة وثنائه عليها , طبعا وهو يريد سلف هذه الطائفة التي بنت أصولها على الكتاب والسنة وكلام الفقهاء والأصوليين, لا ما خالفها وأغرق في الأهواء والبدع...
ج- موقف الحافظ الذهبي (748هـ)
تعرض هذا الإمام في تراجمه للأعلام ونقد الرجال (كالميزان) و(السير) و(المغني) و(العبر) إلى العديد من الشخصيات الصوفية البارزة وبين موقفه منها ومن التصوف بشكل عام، فلنقف على خلاصة رأيه في ذلك.
يقول عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله حول هذه النقطة:"والذي أدين الله به: أن الحافظ الذهبي إمام من كبار أئمة العلم في الإسلام وأنه صالح تقي ورع –وليس بمعصوم- ويحب الصوفية الصالحين الأتقياء جدا ويحسن الظن بهم ويأمر بتحسين الظن بهم وذلك عنوان دينه وورعه وتقواه وحبه لهم, ولكنه يحذر من شطحاتهم ومخالفاتهم"2
ودليل ما قاله الشيخ أبو غدة ما جاء في ترجمة الذهبي لابن الفارض: «عمر بن علي المعروف بابن الفارض حدث عن القاسم بن عساكر, ينعق بالاتحاد الصريح في شعره وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل ولكنك حسن الظن بالصوفية... »3 وهذا دليل على اعتداله وتدينه رحمه الله.
ولكنه مع محبته للصالحين وأكابر الصوفية الصادقين المستقيمين كان يبرأ من تخبيطاتهم وشطحاتهم ولا تأخذه في الله لومة لائم كما ترى ذلك في ترجمته للحلاج حيث قال: "نشأ الحسين بـ (تستر) فصحب سهل بن عبد الله التستري وصحب ببغداد الجنيد ...وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء ومحمد بن خفيف...وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه ومنهم من نسبه إلى الحلول ومنهم من نسبه إلى الزندقة ...وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال وانتحلوه وروجوا به على الجهال نسأل الله العصمة في الدين...4
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:45 عدل 2 مرات
تابع..... التصوف في ميزان أهل الفقه
والحاصل أن الذهبي قد ميز بين طائقتين من الصوفية:
أولاهما كانت متمسكة بالدين القويم متبعة للسنة , احترمهم الذهبي الاحترام كله وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد ويعنى بإيرادها في كتبه.
أما الثانية فقد اعتبرهم الذهبي زنادقة مارقين أو مبتدعة جُهالا فهؤلاء ليسوا من الصوفية في شيء،
وهم الذين حاربهم الذهبي وكشف ضلالاتهم وهتك ألاعيبهم وأراجيفهم .
3- أهم النقاط التي دار حولها الخلاف بين الفقهاء والصوفية ومناقشتها
إن خلاصة ما رأينا من إنكار أهل العلم واعتراضهم على الصوفية مرده إلى:
أ- الجهل بأحكام الشريعة:
لقد من أهم القضايا التي تساهل فيها بعض الزهاد باسم التصوف هي طلب العلم والتفقه في الشريعة إذ ادعوا أن الأساس هو علم الحقيقة والذوق لا علم الشريعة , ومنهم من يظن أن هذا العلم الباطن لا يتلقى من مشكاة النبوة ولا من الكتاب والسنة وإنما يتلقى من الخواطر والإلهامات والكشوفات,
والذي لا خلاف فيه أن المنهج السوي هو تحصيل علم الشريعة وقبل التصوف وليس العكس: فقد ذكر الغرالي رحمه الله عن السري السقطي: أنه قال للجنيد: "جعلك الله صاحب حديث صوفيًّا , ولا جعلك صوفيا صاحب حديث" قال الغزالي: "أشار إلى أن من حصَّل الحديث [أي العلم بشكل عام] ثم تصوف أفلح , ومن تصوف قبل العلم خاطر بنفسه"1
ب- التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة والتالفة:
يقول الإمام اللكنوي الفقيه المحدث الصوفي رحمه الله في هذا الباب: "فكم من أحاديث ذكرت في الكتب المعتبرة وهي موضوعة ومختلقة...والسر في ذلك أن الله جعل لكل مقام مقالا ولكل فن رجالا وخص كل طائفة من مخلوقاته بنوع فضيلة لا تجدها في غيرها...فالواجب أن ننزل كلا منهم منازلهم ونقف عند مراتبهم "2
ثم ذكر رحمه الله جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتناقلها كثير من كتب الرقائق مثل (زاد اللبيب) و(أنيس الواعظين) و(أوراد راحة العابدين) و(مفتاح الجنان) ثم قال بعد كلام مطول ناقش فيه هذه الأحاديث وكشف عوارها وبطلانها: "...فكم من أحاديث اشتهرت على
ألسنة العامة , أو سطرت في كتب المتفقهة ولا أصل لها في الشريعة بل هي موضوعة أو ضعيفة ساقطة: كحديث (لولاكَ لما خلقتُ الأفلاك) وحديث (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) وحديث (يوم صومكم يوم نحركم)..."3
وقال أيضا في مقدمة رسالته الماتعة (الآثار المرفوعة) وقد ألفها أساسا في نقد كثير من الأحاديث التي اشتهرت في كتب الزهد والتصوف وعلى ألسنة الوعاظ والقصاص: "فعارضني بعض الأعزة قائلا: قد ذكر صلوات يوم عاشوراء ولليلته وغيرهما من أيام السنة ولياليها جمع من المشايخ الصوفية في دفاترهم العلية ...فكيف لا يعمل بها ويحكم بكونها مختلقة ؟ فقلت: لا عبرة بذكرهم من فإنهم ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرِّجين...وكم من صوفي سابح في بحار العلوم اللدنية عاجز عن درك ما يتعلق بالعلوم الظاهرية، وكم من عالم متبحر جامع للعلوم الظاهرة لا مذاق به في اللطائف الباطنة "4
ومن بين كبار أئمة الصوفية الذين لم يلتزموا في مصنفاتهم الصحة بل أخرجوا الضعيف والموضوع وربما تسربت إلى مصنفات غيرهم وتناقلتها كتب الزهد والتصوف: أبو نعيم الأصفهاني رحمه الله في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) ومحمد بن علي أبو طالب المكي صاحب (قوت القلوب) وكذلك الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (الإحياء) 1
بعض الأحاديث المختلقة المشهورة في كتب الزهد: ولا بأس أن أسوق للقارئ الكريم بعض الأحاديث المنتشرة في كتب الرقائق ولكنها لا ترقى إلى الصحة
1-ومنها ما يدعيه بعضهم من أنه صلى الله عليه وسلم أعطي علم الأولين والآخرين مفصلا ووهب له علم كل ما مضى وما يأتي كليا وجزئيا وأنه لا فرق بين علمه وعلم ربه من حيث الإحاطة والشمول . وإنما الفرق بينهما أن علم الله تعالى أزلي أبدي بنفس ذاته بخلاف علم الرسول فإنه حصل له بتعليم ربه . قال اللكنوي: "وهذا زخرف من القول وزور...والثابت من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هو أن الإحاطة والشمول وعلم كل غيب مختص بجناب الحق ولم توهب هذه الصفة من جانب الحق لأحد من الخلق" 2.
3-ومنها ما يذكرونه من أنه صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده، وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيما وإكراما.
والحاصل: أن من أبرز النقاط التي توسع الهوة بين الفقهاء والمتصوفة هو الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فيجب إذن الابتعاد عنها والتنبيه على وضعها وعدم الاغترار بمن نقلها.
ج- الوقوع في البدع والمخالفات الشرعية:
ومن هذه البدع والمخالفات الإسراف في التأويل والتفسير الباطن الذي لا يستند إلى دليل لغوي. يقول البوطي: "ومن ذلك اتباع كثير من الناس في تفسير من نصوص القرآن والسنة ما تخيله إليهم أوهامهم وسمادير أحلامهم باسم التصوف أو علم الباطن دون التقيد بأي ضابط من قواعد اللغة العربية أ وأصول الدلالات أو قواعد تفسير النصوص"
ومن أمثلة ذلك تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قال: بقرة كل إنسان نفسه والله أمر بذبحها يعني بتزكيتها بالمجاهدة وفي قوله تعالى: (يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل) أي يولج المعصية في الطاعة ويولج الطاعة في المعصية... وفي قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا) أنها الحسنات (ويهب لمن يشاء الذكور) إنها العلوم ( أ ويزوجهم ذكرانا وإناثا) علوما وحسنات3.
إلا أن هناك مسائل عديدة خلافية ينبغي مراعاتها في هذا الباب حتى يمكننا أن نعذر فيها بعضنا بعضا من ذلك:
1-التداعي إلى حلقات الذكر: وهي هذه المسألة اجتهادية قابلة للبحث والنظر والخلاف ولا تستوجب تفسيقا ولا تبديعا.
2-ذكر الله عز وجل باسمه المفرد: فقد منع كثير من أهل العلم ذكر الله عز وجل باسم (الله , الله) (الخالق, الخالق) ونحوها . ودليلهم أن جميع ما ورد من صيغ الأذكار لها دلالات تامة المعنى: سبحان الله , الحمد لله , لا إله إلا الله ...وليس فيها لفظ الجلالة المفرد فذكره سبحانه باسمه المفرد بدعة باطلة وجنوح عن الدين . وربما اعتبروا هذا النوع من الذكر مفض بصاحبه إلى الحلول وحدة الوجود، غير أن القالين بهذا يتمسكون بظاهر قوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) [الإنسان] ولا ريب أن أول أسمائه سبحانه (الله) .
3-ومن ذلك مصطلحات اشتهرت في كتب الصوفية مثل: الفناء والحال والقبض والبسط...
وغيرها من المصطلحات التي يرد على في كتب التصوف وهي قضايا خلافية والخطب فيها يسير.
أولاهما كانت متمسكة بالدين القويم متبعة للسنة , احترمهم الذهبي الاحترام كله وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد ويعنى بإيرادها في كتبه.
أما الثانية فقد اعتبرهم الذهبي زنادقة مارقين أو مبتدعة جُهالا فهؤلاء ليسوا من الصوفية في شيء،
وهم الذين حاربهم الذهبي وكشف ضلالاتهم وهتك ألاعيبهم وأراجيفهم .
3- أهم النقاط التي دار حولها الخلاف بين الفقهاء والصوفية ومناقشتها
إن خلاصة ما رأينا من إنكار أهل العلم واعتراضهم على الصوفية مرده إلى:
أ- الجهل بأحكام الشريعة:
لقد من أهم القضايا التي تساهل فيها بعض الزهاد باسم التصوف هي طلب العلم والتفقه في الشريعة إذ ادعوا أن الأساس هو علم الحقيقة والذوق لا علم الشريعة , ومنهم من يظن أن هذا العلم الباطن لا يتلقى من مشكاة النبوة ولا من الكتاب والسنة وإنما يتلقى من الخواطر والإلهامات والكشوفات,
والذي لا خلاف فيه أن المنهج السوي هو تحصيل علم الشريعة وقبل التصوف وليس العكس: فقد ذكر الغرالي رحمه الله عن السري السقطي: أنه قال للجنيد: "جعلك الله صاحب حديث صوفيًّا , ولا جعلك صوفيا صاحب حديث" قال الغزالي: "أشار إلى أن من حصَّل الحديث [أي العلم بشكل عام] ثم تصوف أفلح , ومن تصوف قبل العلم خاطر بنفسه"1
ب- التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة والتالفة:
يقول الإمام اللكنوي الفقيه المحدث الصوفي رحمه الله في هذا الباب: "فكم من أحاديث ذكرت في الكتب المعتبرة وهي موضوعة ومختلقة...والسر في ذلك أن الله جعل لكل مقام مقالا ولكل فن رجالا وخص كل طائفة من مخلوقاته بنوع فضيلة لا تجدها في غيرها...فالواجب أن ننزل كلا منهم منازلهم ونقف عند مراتبهم "2
ثم ذكر رحمه الله جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتناقلها كثير من كتب الرقائق مثل (زاد اللبيب) و(أنيس الواعظين) و(أوراد راحة العابدين) و(مفتاح الجنان) ثم قال بعد كلام مطول ناقش فيه هذه الأحاديث وكشف عوارها وبطلانها: "...فكم من أحاديث اشتهرت على
ألسنة العامة , أو سطرت في كتب المتفقهة ولا أصل لها في الشريعة بل هي موضوعة أو ضعيفة ساقطة: كحديث (لولاكَ لما خلقتُ الأفلاك) وحديث (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) وحديث (يوم صومكم يوم نحركم)..."3
وقال أيضا في مقدمة رسالته الماتعة (الآثار المرفوعة) وقد ألفها أساسا في نقد كثير من الأحاديث التي اشتهرت في كتب الزهد والتصوف وعلى ألسنة الوعاظ والقصاص: "فعارضني بعض الأعزة قائلا: قد ذكر صلوات يوم عاشوراء ولليلته وغيرهما من أيام السنة ولياليها جمع من المشايخ الصوفية في دفاترهم العلية ...فكيف لا يعمل بها ويحكم بكونها مختلقة ؟ فقلت: لا عبرة بذكرهم من فإنهم ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرِّجين...وكم من صوفي سابح في بحار العلوم اللدنية عاجز عن درك ما يتعلق بالعلوم الظاهرية، وكم من عالم متبحر جامع للعلوم الظاهرة لا مذاق به في اللطائف الباطنة "4
ومن بين كبار أئمة الصوفية الذين لم يلتزموا في مصنفاتهم الصحة بل أخرجوا الضعيف والموضوع وربما تسربت إلى مصنفات غيرهم وتناقلتها كتب الزهد والتصوف: أبو نعيم الأصفهاني رحمه الله في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) ومحمد بن علي أبو طالب المكي صاحب (قوت القلوب) وكذلك الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (الإحياء) 1
بعض الأحاديث المختلقة المشهورة في كتب الزهد: ولا بأس أن أسوق للقارئ الكريم بعض الأحاديث المنتشرة في كتب الرقائق ولكنها لا ترقى إلى الصحة
1-ومنها ما يدعيه بعضهم من أنه صلى الله عليه وسلم أعطي علم الأولين والآخرين مفصلا ووهب له علم كل ما مضى وما يأتي كليا وجزئيا وأنه لا فرق بين علمه وعلم ربه من حيث الإحاطة والشمول . وإنما الفرق بينهما أن علم الله تعالى أزلي أبدي بنفس ذاته بخلاف علم الرسول فإنه حصل له بتعليم ربه . قال اللكنوي: "وهذا زخرف من القول وزور...والثابت من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هو أن الإحاطة والشمول وعلم كل غيب مختص بجناب الحق ولم توهب هذه الصفة من جانب الحق لأحد من الخلق" 2.
3-ومنها ما يذكرونه من أنه صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده، وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيما وإكراما.
والحاصل: أن من أبرز النقاط التي توسع الهوة بين الفقهاء والمتصوفة هو الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فيجب إذن الابتعاد عنها والتنبيه على وضعها وعدم الاغترار بمن نقلها.
ج- الوقوع في البدع والمخالفات الشرعية:
ومن هذه البدع والمخالفات الإسراف في التأويل والتفسير الباطن الذي لا يستند إلى دليل لغوي. يقول البوطي: "ومن ذلك اتباع كثير من الناس في تفسير من نصوص القرآن والسنة ما تخيله إليهم أوهامهم وسمادير أحلامهم باسم التصوف أو علم الباطن دون التقيد بأي ضابط من قواعد اللغة العربية أ وأصول الدلالات أو قواعد تفسير النصوص"
ومن أمثلة ذلك تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قال: بقرة كل إنسان نفسه والله أمر بذبحها يعني بتزكيتها بالمجاهدة وفي قوله تعالى: (يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل) أي يولج المعصية في الطاعة ويولج الطاعة في المعصية... وفي قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا) أنها الحسنات (ويهب لمن يشاء الذكور) إنها العلوم ( أ ويزوجهم ذكرانا وإناثا) علوما وحسنات3.
إلا أن هناك مسائل عديدة خلافية ينبغي مراعاتها في هذا الباب حتى يمكننا أن نعذر فيها بعضنا بعضا من ذلك:
1-التداعي إلى حلقات الذكر: وهي هذه المسألة اجتهادية قابلة للبحث والنظر والخلاف ولا تستوجب تفسيقا ولا تبديعا.
2-ذكر الله عز وجل باسمه المفرد: فقد منع كثير من أهل العلم ذكر الله عز وجل باسم (الله , الله) (الخالق, الخالق) ونحوها . ودليلهم أن جميع ما ورد من صيغ الأذكار لها دلالات تامة المعنى: سبحان الله , الحمد لله , لا إله إلا الله ...وليس فيها لفظ الجلالة المفرد فذكره سبحانه باسمه المفرد بدعة باطلة وجنوح عن الدين . وربما اعتبروا هذا النوع من الذكر مفض بصاحبه إلى الحلول وحدة الوجود، غير أن القالين بهذا يتمسكون بظاهر قوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) [الإنسان] ولا ريب أن أول أسمائه سبحانه (الله) .
3-ومن ذلك مصطلحات اشتهرت في كتب الصوفية مثل: الفناء والحال والقبض والبسط...
وغيرها من المصطلحات التي يرد على في كتب التصوف وهي قضايا خلافية والخطب فيها يسير.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:46 عدل 1 مرات
تابع...التصوف في ميزان أهل الفقه
د - غموض بعض العبارات الواردة عن بعض المتصوفة
كما ذلك قول الحلاج1:
قد تحققتـــك في سري فخاطبك لســـاني
فاجتمعنـــا لمعــان وافترقنــــا لمعاني
إن يكن غيبـك التعظيم عن لحــظ العيـان
فلقد صـــيرك الوجد من الأحشــــاء دان
ومن هذا القبيل قول أحدهم: (اللهم ما عبتدك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك ربا تستحق العبادة فعبدتك ) وقد استشكل كثير من الناس هذه العبارة بل ربما رموا صاحبها بالابتداع والافتئات على الشرع . يقول الشيخ البوطي: "لقد تأملت في هذا الكلام طويلا وقلبته على وجوهه فما رأيت فيه إلا ما يدخل في خالص معنى العبودية والتوحيد وليس عجبي ممن يقول هذا الكلام تعبيرا عن دينونته الخالصة لله بالعبودية ولكن عجبي ممن ينكر هذا الكلام وينسب صاحبه إلى الشطح والابتداع"2
هـ - الإفراط والمبالغة والغلو المذموم:
ومن ذلك ما جاء عن الشيخ أحمد التيجاني –رحمه الله- في شرحه لهمزية البوصيري عند قول الناظم:
يا أبا القاسم الذي ضمن إقسا مي عليــه مدح له وثناء
« ...لأنه صلى الله عليه وسلم من كمال وصفه التصرف في جميع أحوال العالم جملة وتفصيلا جواهر وأعراضا ولوازم وملزومات فأي أمر أراده صلى الله عليه وسلم تصرف في قضائه بلا منازع ونفذ فيه حكمه صلى الله عليه وسلم فهذا هو المدح الذي أراده بهذه الصفة »3 !!!
ومن هذه المبالغات ادعاء علمه صلى الله عليه وسلم بكل شيء ؛ فكل ما يعلمه الله تعالى يعلمه رسوله صلى الله عليه سلم .
يقول ابن القيم: "ولا ريب أن الحامل لهؤلاء على هذا الغلو إنما اعتقادهم أنه يكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة وكلما غلوا وزادوا غلوا فيه كانوا أقرب أليه وأخص , فهم أعصى الناس لأمره وأشدهم مخالفة لسنته"4.
ويدخل في هذا الباب الغلو الذي يركبه بعض المريدين بشأن شيوخهم، من النزاهة والعصمة . يقول الدكتور البوطي: "ومن ذلك ما يعتقده بعض المريدين في أشياخهم من النزاهة والعصمة بحيث يرون أن أعمال شيوخهم وتصرفاتهم هي الحجة على الشرع...وربما تفرع عن هذا الاعتقاد الباطل ألوان من المعتقدات والبدع الباطلة التي لا تستظل ببرهان ولا يؤيدها منهج , وإنما هو الغلو الذي يتنامى كما قلنا في تربة العصبية الرعناء"1
و- مسألة التصحيح الكشفي (العمل بالرؤى والهواتف)
وهي من القضايا البارزة التي تكلم عنها أهل العلم: قال الإمام الآلوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ": «وقد جاء: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" ذكره بهذا اللفظ سعد الدين الفرغاني في (منتهى المدارك) وذكره غيره كالشيخ الأكبر...[في] الفتوحات بلفظ آخر . وتعقبه الحفاظ فقال ابن تيمية: إنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف...ومن يرويه من الصوفية معترف بعدم ثبوته نقلا . لكن يقول: إنه ثابت كشفًا , وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر [يريد بن عربي]في الباب المذكور , والتصحيح الكشفي شنشنة لهم» 2
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: « ويشير الإمام الآلوسي رحمه الله تعالى إلى أنه لا عبرة بالتصحيح الكشفي عند المحدثين »3 .
وقد حسم اللجاج في هذه القضية الإمام أبو الحسن الشاذلي: حيث قال "إذا كشف لك عن حقيقة من الحقائق وعارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك: إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإلهام ولا المشاهدة . وقد أجمع العارفون والعلماء والعالمون على أن لا يجوز العمل بالكشف ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة "4
ز- التعصب للمذهب: وهذه النقطة هي أهم نقطة وأبرز قضية محورية في هذا الموضوع ويستحيل أن نمد يد التعاون والتقارب بين هذه المناهج دون التجرد من أمراض النفس والتحلي بالإخلاص لله عز وجل، وإلا فما أيسر الكلام وما أيسر تتبع عورات العلماء والتقاط هناتهم، ولكن من الصعب هضم النفس وإحسان الظن بالناس عامة وبأهل العلم خاصة والتماس الأعذار لهم دون مجاملة أو مداراة .
والمطالع لكتب النقد والرجال يجد الكثير من مثل الشطط والتعدي والعبارات المظلمة التي يدفعها التعصب والهوى كما يرى من طالع كتاب (الكامل) لابن عدي وغيره، إلا من عصمه الله عز وجل وغلبه على حظوظ نفسه .
الخلاصة:
لقد أمرنا الشرع بالوحدة ونبذ الفرقة والخلاف فقال تعالى: "واعْتصمُوا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرَّقوا "وقال تعالى: "ولا تكونوُا تفرَّقوا واختلفُوا من بعدِ ما جاءهم البيناتُ " وقال تعالى: "ولا تنازَعوا فتفشَلُوا وتذهبَ ريحُكم" وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة"* وقد رأينا بعض النقاط الأساسية التي تكلم فيها الفقهاء وأهل العلم حول التصوف وضوابطه، وهي قضايا قابلة للعلاج والمراجعة من قبل الفريقين إذا صحت النية وقدمت مصلحة المسلمين عامة على المصالح الضيقة، وتجرد كل فريق عن أنانيته وعصبيته واتخذ سراج الإخلاص والعلم نورا يمشي به، حيث ما حل وارتحل .
ونحن معاشر المسلمين تجمعنا عقيدة واحدة وكتاب رباني واحد وسنة هادية غراء، وأصول كثيرة توحدنا وتجمعنا كما جمعت سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، ولا يمكن أبدا أن تعكر صفونا أو تصدع صفوفنا قضية مهما عظُمت وتجذرت وعلا أوارها، مع أن المتأني والمتبصر يجد أن أي تضخيم وجعجة لهذه القضيايا (كقضية التصوف أو غيرها) إنما هو بفعل أقلام مشبوهة وأياد سوداء، ربما استهوت منا الأغمار والأغرار فينطلق بحماسة الغِرِّ مثيًرا خلافا لا ينقضي ولجاجًا لا ينتهي، مصدعا بذلك صف الأمة ممزقا جماعتها، مشغلا إياها عن أهم قضايا، وهو في ذلك يظن أنه ينصر دينا ويحمي يقينا، والواقع أنه لهذه المعاني والأصول قاصم، ولتلك الروابط والأواصر حاسم، ولكن بفضل الله عز وجل وبفضل إخلاص الأئمة العاملين والدعاة الربانيين والعلماء العارفين ستذوي تلك الأقلام وتتهافت تلك الدعاوى، وستظل الأمة بخير وعلى هدى فهو وعد ربنا حقا .
قائمة المصادرو المراجع
-1 مقدمة ابن خلدون دار إحياء التراث العربي , بيروت .
-2 الرسالة القشسيرية , مع تعقيبات شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق ودراسة هاني الحاج , (دط) المكتبة التوفيقية
-3 السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (ط1) 1988م دار الفكر، دمشق.
- 4- التفكير فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد: محور: التصوف، مكتبة رحاب،
5الاعتصام للشاطبي، تحقيق سيد إبراهيم (دط) 2003م دار الحديث القاهرة،
6رسالة المسترشدين للمحاسبي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، (ط9) 1999، مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت
الفوائد لابن القيم تحقيق هاني الحاج (دط) المكتبة التوفيقية، القاهرة،
الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، تحقيق رضى فرج العمامي (دط) 2004، المكتبة العصرية، بيروت
9- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، عبد الحي اللكنوي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط6) 2000م، دار البشائر الإسلامية، بيروت
10- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود (ط1) 1995 دار الكتب العلمية
11- سير أعلام النبلاء، للذهبي تحقيق محمد شعيب الأرناؤوط، (ط9) 1413 هـ مؤسسة الرسالة بيروت،
12 تقربب الأصول لتسهيل الوصول، الشيخ أحمد بن زيني دحلان (ط1)1999م مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت
13 شذرات الذهب لابن العماد العكري (دط) دار الكتب العلمية بيروت
14 معالم التنزيل للبغوي تحقيق مروان سوار (ط4) 1995 دار المعرفة بيروت،
15 الموافقات للشاطبي (دط ) دار المعرفة بيروت
16 الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، للكنوي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط3) 1994 م دار البشائر الإسلامية.
17 الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة , للكنوي تحقيق محمد سعيد زغلول (ط1) 1984 دار الكتب العلمية، بيروت.
18 مع الناس د. محمد سعيد رمضان البوطي ( مشورات وفتاوى) (ط3) 1995م دار الفكر دمشق,
19 تاريخ بغداد للخطيب (دط) دار الكتب العلمية بيروت
20- الإرشادات الإلهية بالفتوحات الربانية على متن الهمزية, لأبي العباس أحمد التيجاني: (دط) المكتبة الشعبية , بيروت
21- ابن القيم: المنار المنيف , لابن القيم تحقيق الشيخ أبو غدة (ط6) 1994م، دار البشائر الإسلامية بيروت
22- روح المعاني للآلوسي (د ط) دار إحياء التراث، بيروت
23- المصنوع في الصحيح والضعيف والموضوع ملا علي القاري تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط5) 1994دار البشائر الإسلامية، بيروت.
24- كشف الخفاء: للعجلوني (ط4) 1405 مؤسسة الرسالة بيروت.
كما ذلك قول الحلاج1:
قد تحققتـــك في سري فخاطبك لســـاني
فاجتمعنـــا لمعــان وافترقنــــا لمعاني
إن يكن غيبـك التعظيم عن لحــظ العيـان
فلقد صـــيرك الوجد من الأحشــــاء دان
ومن هذا القبيل قول أحدهم: (اللهم ما عبتدك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك ربا تستحق العبادة فعبدتك ) وقد استشكل كثير من الناس هذه العبارة بل ربما رموا صاحبها بالابتداع والافتئات على الشرع . يقول الشيخ البوطي: "لقد تأملت في هذا الكلام طويلا وقلبته على وجوهه فما رأيت فيه إلا ما يدخل في خالص معنى العبودية والتوحيد وليس عجبي ممن يقول هذا الكلام تعبيرا عن دينونته الخالصة لله بالعبودية ولكن عجبي ممن ينكر هذا الكلام وينسب صاحبه إلى الشطح والابتداع"2
هـ - الإفراط والمبالغة والغلو المذموم:
ومن ذلك ما جاء عن الشيخ أحمد التيجاني –رحمه الله- في شرحه لهمزية البوصيري عند قول الناظم:
يا أبا القاسم الذي ضمن إقسا مي عليــه مدح له وثناء
« ...لأنه صلى الله عليه وسلم من كمال وصفه التصرف في جميع أحوال العالم جملة وتفصيلا جواهر وأعراضا ولوازم وملزومات فأي أمر أراده صلى الله عليه وسلم تصرف في قضائه بلا منازع ونفذ فيه حكمه صلى الله عليه وسلم فهذا هو المدح الذي أراده بهذه الصفة »3 !!!
ومن هذه المبالغات ادعاء علمه صلى الله عليه وسلم بكل شيء ؛ فكل ما يعلمه الله تعالى يعلمه رسوله صلى الله عليه سلم .
يقول ابن القيم: "ولا ريب أن الحامل لهؤلاء على هذا الغلو إنما اعتقادهم أنه يكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة وكلما غلوا وزادوا غلوا فيه كانوا أقرب أليه وأخص , فهم أعصى الناس لأمره وأشدهم مخالفة لسنته"4.
ويدخل في هذا الباب الغلو الذي يركبه بعض المريدين بشأن شيوخهم، من النزاهة والعصمة . يقول الدكتور البوطي: "ومن ذلك ما يعتقده بعض المريدين في أشياخهم من النزاهة والعصمة بحيث يرون أن أعمال شيوخهم وتصرفاتهم هي الحجة على الشرع...وربما تفرع عن هذا الاعتقاد الباطل ألوان من المعتقدات والبدع الباطلة التي لا تستظل ببرهان ولا يؤيدها منهج , وإنما هو الغلو الذي يتنامى كما قلنا في تربة العصبية الرعناء"1
و- مسألة التصحيح الكشفي (العمل بالرؤى والهواتف)
وهي من القضايا البارزة التي تكلم عنها أهل العلم: قال الإمام الآلوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ": «وقد جاء: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" ذكره بهذا اللفظ سعد الدين الفرغاني في (منتهى المدارك) وذكره غيره كالشيخ الأكبر...[في] الفتوحات بلفظ آخر . وتعقبه الحفاظ فقال ابن تيمية: إنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف...ومن يرويه من الصوفية معترف بعدم ثبوته نقلا . لكن يقول: إنه ثابت كشفًا , وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر [يريد بن عربي]في الباب المذكور , والتصحيح الكشفي شنشنة لهم» 2
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: « ويشير الإمام الآلوسي رحمه الله تعالى إلى أنه لا عبرة بالتصحيح الكشفي عند المحدثين »3 .
وقد حسم اللجاج في هذه القضية الإمام أبو الحسن الشاذلي: حيث قال "إذا كشف لك عن حقيقة من الحقائق وعارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك: إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإلهام ولا المشاهدة . وقد أجمع العارفون والعلماء والعالمون على أن لا يجوز العمل بالكشف ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة "4
ز- التعصب للمذهب: وهذه النقطة هي أهم نقطة وأبرز قضية محورية في هذا الموضوع ويستحيل أن نمد يد التعاون والتقارب بين هذه المناهج دون التجرد من أمراض النفس والتحلي بالإخلاص لله عز وجل، وإلا فما أيسر الكلام وما أيسر تتبع عورات العلماء والتقاط هناتهم، ولكن من الصعب هضم النفس وإحسان الظن بالناس عامة وبأهل العلم خاصة والتماس الأعذار لهم دون مجاملة أو مداراة .
والمطالع لكتب النقد والرجال يجد الكثير من مثل الشطط والتعدي والعبارات المظلمة التي يدفعها التعصب والهوى كما يرى من طالع كتاب (الكامل) لابن عدي وغيره، إلا من عصمه الله عز وجل وغلبه على حظوظ نفسه .
الخلاصة:
لقد أمرنا الشرع بالوحدة ونبذ الفرقة والخلاف فقال تعالى: "واعْتصمُوا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرَّقوا "وقال تعالى: "ولا تكونوُا تفرَّقوا واختلفُوا من بعدِ ما جاءهم البيناتُ " وقال تعالى: "ولا تنازَعوا فتفشَلُوا وتذهبَ ريحُكم" وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة"* وقد رأينا بعض النقاط الأساسية التي تكلم فيها الفقهاء وأهل العلم حول التصوف وضوابطه، وهي قضايا قابلة للعلاج والمراجعة من قبل الفريقين إذا صحت النية وقدمت مصلحة المسلمين عامة على المصالح الضيقة، وتجرد كل فريق عن أنانيته وعصبيته واتخذ سراج الإخلاص والعلم نورا يمشي به، حيث ما حل وارتحل .
ونحن معاشر المسلمين تجمعنا عقيدة واحدة وكتاب رباني واحد وسنة هادية غراء، وأصول كثيرة توحدنا وتجمعنا كما جمعت سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، ولا يمكن أبدا أن تعكر صفونا أو تصدع صفوفنا قضية مهما عظُمت وتجذرت وعلا أوارها، مع أن المتأني والمتبصر يجد أن أي تضخيم وجعجة لهذه القضيايا (كقضية التصوف أو غيرها) إنما هو بفعل أقلام مشبوهة وأياد سوداء، ربما استهوت منا الأغمار والأغرار فينطلق بحماسة الغِرِّ مثيًرا خلافا لا ينقضي ولجاجًا لا ينتهي، مصدعا بذلك صف الأمة ممزقا جماعتها، مشغلا إياها عن أهم قضايا، وهو في ذلك يظن أنه ينصر دينا ويحمي يقينا، والواقع أنه لهذه المعاني والأصول قاصم، ولتلك الروابط والأواصر حاسم، ولكن بفضل الله عز وجل وبفضل إخلاص الأئمة العاملين والدعاة الربانيين والعلماء العارفين ستذوي تلك الأقلام وتتهافت تلك الدعاوى، وستظل الأمة بخير وعلى هدى فهو وعد ربنا حقا .
قائمة المصادرو المراجع
-1 مقدمة ابن خلدون دار إحياء التراث العربي , بيروت .
-2 الرسالة القشسيرية , مع تعقيبات شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق ودراسة هاني الحاج , (دط) المكتبة التوفيقية
-3 السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (ط1) 1988م دار الفكر، دمشق.
- 4- التفكير فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد: محور: التصوف، مكتبة رحاب،
5الاعتصام للشاطبي، تحقيق سيد إبراهيم (دط) 2003م دار الحديث القاهرة،
6رسالة المسترشدين للمحاسبي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، (ط9) 1999، مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت
الفوائد لابن القيم تحقيق هاني الحاج (دط) المكتبة التوفيقية، القاهرة،
الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، تحقيق رضى فرج العمامي (دط) 2004، المكتبة العصرية، بيروت
9- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، عبد الحي اللكنوي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط6) 2000م، دار البشائر الإسلامية، بيروت
10- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود (ط1) 1995 دار الكتب العلمية
11- سير أعلام النبلاء، للذهبي تحقيق محمد شعيب الأرناؤوط، (ط9) 1413 هـ مؤسسة الرسالة بيروت،
12 تقربب الأصول لتسهيل الوصول، الشيخ أحمد بن زيني دحلان (ط1)1999م مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت
13 شذرات الذهب لابن العماد العكري (دط) دار الكتب العلمية بيروت
14 معالم التنزيل للبغوي تحقيق مروان سوار (ط4) 1995 دار المعرفة بيروت،
15 الموافقات للشاطبي (دط ) دار المعرفة بيروت
16 الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، للكنوي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط3) 1994 م دار البشائر الإسلامية.
17 الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة , للكنوي تحقيق محمد سعيد زغلول (ط1) 1984 دار الكتب العلمية، بيروت.
18 مع الناس د. محمد سعيد رمضان البوطي ( مشورات وفتاوى) (ط3) 1995م دار الفكر دمشق,
19 تاريخ بغداد للخطيب (دط) دار الكتب العلمية بيروت
20- الإرشادات الإلهية بالفتوحات الربانية على متن الهمزية, لأبي العباس أحمد التيجاني: (دط) المكتبة الشعبية , بيروت
21- ابن القيم: المنار المنيف , لابن القيم تحقيق الشيخ أبو غدة (ط6) 1994م، دار البشائر الإسلامية بيروت
22- روح المعاني للآلوسي (د ط) دار إحياء التراث، بيروت
23- المصنوع في الصحيح والضعيف والموضوع ملا علي القاري تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ط5) 1994دار البشائر الإسلامية، بيروت.
24- كشف الخفاء: للعجلوني (ط4) 1405 مؤسسة الرسالة بيروت.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:47 عدل 1 مرات
المحاضرة الثانية :دور المتون الفقهية في إبراز علم التصوف في المذهب المالكي
دور المتون الفقهية في إبراز علم التصوف في المذهب المالكي
(المرشد المعين لابن عاشر نموذجا)
ا. د. عـــز الدين يحي
بــوسعيد سليمــان
جــــامعـة أدرار
(المرشد المعين لابن عاشر نموذجا)
ا. د. عـــز الدين يحي
بــوسعيد سليمــان
جــــامعـة أدرار
الملخص:
لقد كان ولا يزال للمتون الفقهية التعليمية والعلمية الدور البارز المبلور لعلم التصوف في المذهب المالكي، وإعطاءه بعده السني البعيد عن الابتداع، ويظهر ذلك جليا في إفراد ممن اشتغلوا بها مبحثا خاصا بعلـم السلـوك والأخـلاق، يختتمـون بـه تصانيفهـم بعـد معالجتهـم مبحثي الإيمـان والإسلام (عبادات ومعاملات).
وتأسيسا على ذلك نحاول أن نؤصل لما سبق بالمقاربات من خلال قراءة متأملة في حديث جبريل للإيمان، وأثره على منهجية التأليف في المذهب المالكي المختوم بالتصوف، مع التأكيد أن لفقه المتون والمختصرات دورا جليلاً يستحق أن نظهر جوانبه الحيوية، من خلال دراسة المرشد المعين لابن عاشر أنموذجا.
وتوصل البحث إلى جملة النتائج والتوصيات يؤدي العمل بها إلى تفعيل هذا الدور .
Résumé:
La jurisprudence éducative et scientifique a eu ,et, a toujours un rôle important dans l'enseignement du soufisme (mysticisme), selon la doctrine (on idéologie) malékite, lui donnant le sens des pratiques (sunna) gardées loin de toute innovation. et cela apparaît clairement dans l'étude qu'ont fait certaines personnes dans la recherche spécifique de la science des mœurs et de l'éthique, concluant ainsi leur classification, après traitement des recherche sur la foi et l'islam( culte et pratiques).
A partir de cette base, nous essaierons d'atteindre ce qui a été cité précédemment, par rapprochement, a travers le « hadith » (propos) de JIBRIL (Gabriel), sur la foi ,et son impact sur la méthode d'interprétation, dans la doctrine malékite, pleine de soufisme. avec la certitude que les texte de jurisprudence et certains extrait ont eu un rôle d'importance ,qui mérite d'en dévoiler ses cotes actifs a travers l'étude du guide affareut d'IBN ACHIR, comme modèle .
La poursuite de la recherche pour arriver a tous les résultats et recommandations, mènera a l'activation de ce rôle .
المقدمة:
الحمد لله الكريم المنان، باعث جبريل عليه السلام لسيد ولد عدنان، ليعلمه الإيمان والإسلام والإحسان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للثقلان، فكان أحسن من ترك ظاهر الإثم وباطنه امتثالا لقوله تعالى: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)(1)، فنال السكينة والاطمئنان، فضلا عن البشرى بجنة الرضوان، وعلى اله وصحبه الذين سلكوا مسالك الأخيار في الظاهر والباطن، فحلوا نفوسهم بالفضائل ودأبوا على تنقيتها من الرذائل.
أما بعد: لاشك أن الإلمام بالعلم يتفاوت فيه البشر على حسب المدركات وسعة الاستيعاب والدرجات العلمية، مما جعل كثير من أهل العلم الشرعي ينضمون المسائل على شكل المتون تسهيلا للحفظ، ومن هنا تتضح أهميتها التي لا تقل أهمية عن باقي المصنفات التي عرفت بالطول، وفي هذه الدراسة نحاول أن ندرس أنموذجا من المنظومات المختصرة المعروفة (بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر) التي أراد بها صاحبها شرحا لحديث جبريل، فجاء بمقدمة في العقائد شارحا للإيمان ثم جاء باركان الإسلام، من صلاة وزكاة وصوم حج، (2) وختاما بالإحسان الذي هو مدار هذه الدراسة .
ويأتي هذا البحث في مبحثين اثنين على النحو الاتى:
المبحث الأول: قراءة في المرشد المعين وأدواره في إبراز علم التصوف.
المطلب الأول: ترجمة الناظم.
المطلب الثاني: دراسة النص.
المطلب الثالث: الأدوار التي لعبها النص في تجلية وإبراز علم السلوك والأخلاق.
المبحث الثاني: مبدأ الإحسان في حديث جبريل وأثره في كتاب التصوف لابن عاشر.
المطلب الأول: العناصر الثلاثة في حديث جبريل.
المطلب الثاني: شرح مفهوم الإحسان.
المطلب الثالث: تطبيقاته في باب التصوف لابن عاشر.
* خاتمة وتشمل: - نتائج وتوصيات البحث.
المصادر والمراجع.
تابع....دور المتون الفقهية في إبراز علم التصوف في المذهب المالكي
المبحث الأول: قراءة في المرشد المعين وأدواره في إبراز علم التصوف.
المطلب الأول: ترجمة الناظم.
هو عبد الواحد بن احمد بن علي بن عاشر، الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفاسي منشأ ودارا، يعد من فقهاء المدرسة المغربية في المذهب المالكي البارزين، كان رحمه الله تعالى عالما، عاملا ورعا عابدا مفتيا في علوم شتى، ذا معرفة بالقراءة وتوجيهها، وبالنحو والتفسير، والإعراب، والرسم والضبط، وعلم الكلام والأصول والفقه والتوقيت، والتعديل والحساب والفرائض وعلم المنطق، والبيان والعروض والطب وغير ذلك، يؤرخ لولادته (990هـ/1528 م)، وتوفي سنة(1040هـ) تاركا وراءه تاليف كثيرة، منها هذه المنظومة العديمة المثال في الاختصار وكثرة الفوائد والتحقيق(3).
المطلب الثاني: دراسة النص.
النص الذي بين أيدينا هو من النصوص المعتمدة في فقه المذهب المالكي، والتي ذاع صيتها، ودأب المعلمين والمتعلمين أميين وناشئة ومتبحرين على الاشتغال به.
(ا)- الشكل:
يأتي هذا النص البالغ،(317)بيتاً في البحر الرجز، وهو في درجة فائقة السبك والنظم يسير للقراءة والحفظ، أكثر ناظمه من المحسنات اللفظية والبديعية وتفنن فيها، كالاقتباس، والجناس،الخ.
ومن أمثلة الاقتباس نأخذ ما يخدم موضوعنا هذا في قوله:
- وأما الإحسان فقــال من دراه أن تعبـد الله كأنــك تـراه .
- إن لـم تكـن تراه انه يراك والدين ذي الثلاث خذ أقوى عراك(4) .
- فالبيتين 46-47 مقتبسين من حديث جبريل عند الحديث على الإحسان. (5)
أما الجناس فهو كثير إلا أن اغلبه جناس ناقص.
(ب)- المضمون :
بين فيه لعديد من أحكام الدين الضرورية بدا بمقدمة للمسائل العقائدية على مذهب أهل السنة والجماعة (الاشعرية)، ثم الموضوعات الأصولية، والفقهية معتمدا على الراجح من أقوال المذهب وأقوال الخليل بن إسحاق في مختصره، وختم نظمه هذا بالتصوف من آداب وتزكية وأخلاق.
ذكر الشراح أن المؤلف خرج إلى الحج وكانت معه رفقة جاهلة بأحكامه، فاخذ ينسج نظما سهلا على حسب مدركاتهم يوضح فيه المناسك ليقيهم الزلل(6)، فكان باب الحج أول ما نظم، وعند رجوعه أخد يكمل نظمه المتكون من عشرة أبواب، ربما تيمنا باسم جده عاشر وهي كالآتي:
- مقدمة الاعتقاد، كتاب أم القواعد، مقدمة من الأصول، كتاب الطهارة، فصل فرائض الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحج، كتاب مبادئ التصوف.مراعيا في ذلك الطبقة الثقافية (الأمية)التي خاطبها في بداية السبك، وصرح بذلك في مطلع القصيدة بقوله:
وبعد فالعـون من الله المجيـد في نظـم أبيــات للامي تفيــد(7).
المطلب الثالث: الأدوار التي لعبها النص في تجلية وإبراز علم السلوك والأخلاق.
يمكن تقسيم الأدوار إلى ثلاثة :
أولا: في عصر الناظم : بعث هذا النص وغيره من النصوص المماثلة الانشغال الإيجابي بتأطير المجتمع. هذا التأطير الذي نشط على وجه الخصوص في الصعيد المحلي، دينيا وتعليميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا:
1- الرقي بالمسلم العامي إلى مرتبة الإحسان التي عرفها النبي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه انه يراك.
2- ساهم في تطوير ظاهرة التصوف كنشاط اجتماعي، بشكل مقنع.
3- أعان على بث تعاليم الإسلام في أقوام ظل إسلامهم لا يتعدى مظهر الانتماء.
4- تنظيم مواسم دينية ذات نفع اجتماعي.
ومن الأدوار التعليمية والعلمية والثقافية:
1- القيام على غرس التعاليم الأخلاقية المحمدية بعد تحفيظ القرآن الكريم للمتعلمين.
2- بناء المدارس العلمية والقيام بها.
3- نشر الثقافة الشفوية بمجالس المذاكرة.
ومن الأدوار الاجتماعية:
-1 عمل النص على بعث ثقافة التضامن بتوفير الإيواء لعدد من أبناء السبيل وبإطعام الطعام ولاسيما في أوقات المجاعات.
-2 حماية الجماعات من العمال الظالمين.
-3 ضمان التوازن وتدبيره بين جماعات تحتاج إلى توازن القوى فيما بينها.
-4 الإشراف على أوفاق التساكن وعقوده بين جماعات متجاورة تنطوي وضعيتها على احتمالات عدوانية.
-5 كسر الحواجز القبلية وتليينها.
-6تأطير الاندماج الاجتماعي للمهمشين والغرباء في أوساط علاقاتها قائمة على الأنساب والعصبيات (.
ومن الأدوار السياسية:
-1 ضمان الولاء للإمامة.
-2 التوسط في الخير بين الحاكمين والمحكومين.
ثانيا: في عصر الزوايا والمدارس القرآنية والمساجد (المغرب العربي عينة):
نستطيع القول أن كتاب التصوف في هذا النص ساهم في تخريج دفعات من الشباب الربانين المتخلقين الذين افتخرت بهم عائلاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم، بقوة الضابط الإيماني واستشعار المعية الإلهية في كل زمان ومكان، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن النشء مباشرة بعد إكمال حفظ القران، وبداية علامات البلوغ، وطروء التغيرات النفسية والفسيولوجية، يبدأ بدراسة هذا المتن حتى يتمكن من حفظه وفهم معانيه، وتطبيق ما جاء فيه، إيمانا وإسلاما وإحسانا، فيبعث في نفسيته الطمأنينة والسكينة، فينعكس ذلك إيجابا على المجتمع بتحقيق الأمن الخلقي، بعدم ظهور الانحلال والسفور والخروج على الجادة، لهذا عرفت الكثير من المناطق بقلة الأفعال المشينة، وجرائم الأحداث والشباب ومنطقتنا توات خير دليل .
ثالثا: دوره في قضايا وتحديات العصر الحضارية :
وهذا الدور يجب يكون أكاديميا بالدرجة الأولى، بالاهتمام العلمي تحقيقا وإخراجا ودراسـة وتحليلا، ولا مانع من التكامل مع القطاعات الأخرى الاجتماعية والإرشادية والتربوية والإعلامية، باستنطاق هــذا النص وغيره من النصوص المماثلة وتفعيلها، والعمل على بثـها وتجسيدها في المجتمعات الإسلامية للعمل على تحقيق الاهذاف التالية:
1- تفعيل القيم الإنسانية المربوطة بقيم الدين في ظل مقام الإحسان.
2- تحقيق التفاعل مع كافة الأطرف دون إهمال الآخر، فالايجابية التي يمثلها مبدأ التسامح الذي يؤمن به الصوفي تجعله صاحب هوية مركبة منفتح على الآخرين، لا يعتمد على هوية محددة في التعامل مـع الآخر، بل يتقبله ويرى فيه مكملا بصرف النظر عن فوارق اللغة أو العرق أو الدين أو الثقافـة أو أي انتماء آخر(9)، أي الاعتراف بشرعية الاختلاف على أرضية روحية وأخلاقية تسمو بالإنسان على كل اعتبار نفعي قاصر، وتؤهله ليستحق تكريم الحق الإلهي له بالإيجاد والإمداد(10).
3- انسنة الحياة المادية وتخليقها.
4- رفع حياة الإنسان إلى مستوى القلب والروح بسلوك تربية الروح وتصفية القلب وتزكية النفس(11).
5- العمل على بعث ثقافة التسامح والعفو والصفح، خاصة إذا ما نظرنا أحول الأمة وما تعانيه من جراء الاحتقان المذهبي والحزبي في كثير من الأقطار، ولا نذكر على سبيل الحصر بل على سبيل الحسرة، لبنان والعراق وغيرها من الأوطان.
6- العمل على إثراء الموضوعات ذات الصلة بالتصوف، كالأعمال الحسنة وتهذيب الأخلاق وتزكية النفس، إذ بالأعمال الحسنة يتنبه الوجدان إلى المعرفة الإلهية.. فيتوجه الإنسان إلى طريق الإخلاص والرضا الإلهي، فيترقى إلى مستوى يمكنه أن يؤدي كل مسألة شرعية بانتشاء تعبدي عميـق، وذلك بحصول قلب آخر أعمقَ من القلب(12)
7- تعديل ما يتم تعليمه مدرسيا ببرامج مستوحاة من هذه النصوص تحقق الهدف الأخلاقي، مع التركيز على الجانب العملي، فلا يكفي مجرد الحفظ والتلقين للجانب المعرفي الأخلاقي، وإنما بتحويلها إلى مواصفات أبقى أثراً في شخصية النشء طيلة حياته، لان التنشئة الأخلاقية تربية وليس تعليماً، علما أن المدرسة باعتبارها بيئة ومحيط اجتماعي تتحقق على أرضيته القيم والمثل من خلال وعي أطراف العملية التعليمية بقيمة ما يقولونه وما يفعلونه على مرئى ومسمع الطلاب، وربط القيم الأخلاقية التي تقدم بمفردات واقع النشء داخل وخارج المدرسة من خلال أمثلة واقعية ترتبط بالمحيط البيئي ليتعلم النشء متى وأين يطبق تلك المعارف النظرية(13).
المبحث الثاني: مبدأ الإحسان في حديث جبريل وأثره في كتاب التصوف لابن عاشر.
المطلب الأول: العناصر الثلاثة في حديث جبريل.
الحديث:عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال بينما نحن جلوس عنـد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ذات يـوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا احد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه قال يا محمد اخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسال ويصدقه قال فاخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فاخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه انه يراك قال فاخبرني عن الساعة قال ما المسؤل عنها بأعلم من السائل قال فاخبرني عـن أماراتها قـال أن تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله اعلم قال فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (14).
العنصر الأول: الإســلام.
عرفه الحافظ بن حجر عند شرحه للحديث:
1- الإسلام إظهار لأعمال مخصوصة.
2-الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال(17).
أما النووي فعرفه:
-أصل الإسلام الاستسلام والانقياد(18).
العنصر الثاني: الإيمان.
لقد تلونت تعار يفه عند شراح الحديث الأنف، لكنها تجتمع حول الاعتقاد الباطني، فعـند الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري.:
1- الإيمان تصديق بأمور مخصوصة.
2- الإيمان اسم لما بطن من الاعتقاد(15).
أما النووي في شرحه لصحيح مسلم عرفه بأربع تعار يف (16).
1-الإيمان أصل التصديق .
2-الإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان.
3-الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
4- الإيمان هو التصديق الباطن(16).
العنصر الثالث: الإحســان.
قال الحافظ بن حجر: ثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما (19)، وهو أمر يجمع بين الاعتقاد الباطني والعمل الظاهري بحيث يوازن بينهما ويجعل الأول مكملا للآخر، وبالتعبير الرياضي (إيمان+إسلام= إحسان) فحل معادلة طرفاها إيمان وإسلام هو الإحسان، والمقصود به إتقـان العبادة وإحسانها والإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود، وان يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل، ثم عقب بن حجر وقال : وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قـواعد المسلمين وهو عمدة الصديقيـن وبغيـة السالكين وكنز العارفين ودأب الصاحين، وهـو من جوامع الكلم التي اوتيها (20).
أما النووي قال : أن مقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك(21).
المطلب الثاني: شرح مفهوم الإحسان.
الإحسان هو العنصر الثالث من عناصر الدين، وهذا العنصر يتضمن جانبين هما: إحسان التعامل مع الله وإحسان التعامل مع الناس(22).
فمما سبق وانطلاقا من منطوق الحديث: الإحسان هو أن تحسن كل عمل وتتقنه، مع الشعور بمعية الله كأنك في حضرته، وتسلم جسمك وقلبك له، ومن هنا هذا المقام أحق أن يصبح علمـا قائمـا بذاته، والأحق أن يسمى بعلـم المراقبـة أو المشاهـدة أو المعية، وهو علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس(23).
المطلب الثالث: تطبيقاته في كتاب التصوف لابن عاشر.
ختم المؤلف هذا النظم بمسائل مبادئ علـم التصوف وفـاء بما وعد به في صدر النظم وتيمنا بحديث جبريل السابق، وتفاؤلا بحسن الخاتمة، لان السعي في تصفية القلب وتطهيره خاتمة الأمر(24)، فبعد ما فرغ من مبحثي الإيمان والإسلام كما أشار في قوله في البيت الخامس:
- فـي عقـد الأشعري وفقـه مالـك وفي طريقة الجنيـد السـالك(25).
شرع في مبحث الإحسان الذي سماه ب (كتاب مبادئ التصوف، وهوادي التعرف)، ويحتوي هذا الكتاب على(22)بيتا(26).
المطلب الأول: ترجمة الناظم.
هو عبد الواحد بن احمد بن علي بن عاشر، الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفاسي منشأ ودارا، يعد من فقهاء المدرسة المغربية في المذهب المالكي البارزين، كان رحمه الله تعالى عالما، عاملا ورعا عابدا مفتيا في علوم شتى، ذا معرفة بالقراءة وتوجيهها، وبالنحو والتفسير، والإعراب، والرسم والضبط، وعلم الكلام والأصول والفقه والتوقيت، والتعديل والحساب والفرائض وعلم المنطق، والبيان والعروض والطب وغير ذلك، يؤرخ لولادته (990هـ/1528 م)، وتوفي سنة(1040هـ) تاركا وراءه تاليف كثيرة، منها هذه المنظومة العديمة المثال في الاختصار وكثرة الفوائد والتحقيق(3).
المطلب الثاني: دراسة النص.
النص الذي بين أيدينا هو من النصوص المعتمدة في فقه المذهب المالكي، والتي ذاع صيتها، ودأب المعلمين والمتعلمين أميين وناشئة ومتبحرين على الاشتغال به.
(ا)- الشكل:
يأتي هذا النص البالغ،(317)بيتاً في البحر الرجز، وهو في درجة فائقة السبك والنظم يسير للقراءة والحفظ، أكثر ناظمه من المحسنات اللفظية والبديعية وتفنن فيها، كالاقتباس، والجناس،الخ.
ومن أمثلة الاقتباس نأخذ ما يخدم موضوعنا هذا في قوله:
- وأما الإحسان فقــال من دراه أن تعبـد الله كأنــك تـراه .
- إن لـم تكـن تراه انه يراك والدين ذي الثلاث خذ أقوى عراك(4) .
- فالبيتين 46-47 مقتبسين من حديث جبريل عند الحديث على الإحسان. (5)
أما الجناس فهو كثير إلا أن اغلبه جناس ناقص.
(ب)- المضمون :
بين فيه لعديد من أحكام الدين الضرورية بدا بمقدمة للمسائل العقائدية على مذهب أهل السنة والجماعة (الاشعرية)، ثم الموضوعات الأصولية، والفقهية معتمدا على الراجح من أقوال المذهب وأقوال الخليل بن إسحاق في مختصره، وختم نظمه هذا بالتصوف من آداب وتزكية وأخلاق.
ذكر الشراح أن المؤلف خرج إلى الحج وكانت معه رفقة جاهلة بأحكامه، فاخذ ينسج نظما سهلا على حسب مدركاتهم يوضح فيه المناسك ليقيهم الزلل(6)، فكان باب الحج أول ما نظم، وعند رجوعه أخد يكمل نظمه المتكون من عشرة أبواب، ربما تيمنا باسم جده عاشر وهي كالآتي:
- مقدمة الاعتقاد، كتاب أم القواعد، مقدمة من الأصول، كتاب الطهارة، فصل فرائض الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحج، كتاب مبادئ التصوف.مراعيا في ذلك الطبقة الثقافية (الأمية)التي خاطبها في بداية السبك، وصرح بذلك في مطلع القصيدة بقوله:
وبعد فالعـون من الله المجيـد في نظـم أبيــات للامي تفيــد(7).
المطلب الثالث: الأدوار التي لعبها النص في تجلية وإبراز علم السلوك والأخلاق.
يمكن تقسيم الأدوار إلى ثلاثة :
أولا: في عصر الناظم : بعث هذا النص وغيره من النصوص المماثلة الانشغال الإيجابي بتأطير المجتمع. هذا التأطير الذي نشط على وجه الخصوص في الصعيد المحلي، دينيا وتعليميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا:
1- الرقي بالمسلم العامي إلى مرتبة الإحسان التي عرفها النبي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه انه يراك.
2- ساهم في تطوير ظاهرة التصوف كنشاط اجتماعي، بشكل مقنع.
3- أعان على بث تعاليم الإسلام في أقوام ظل إسلامهم لا يتعدى مظهر الانتماء.
4- تنظيم مواسم دينية ذات نفع اجتماعي.
ومن الأدوار التعليمية والعلمية والثقافية:
1- القيام على غرس التعاليم الأخلاقية المحمدية بعد تحفيظ القرآن الكريم للمتعلمين.
2- بناء المدارس العلمية والقيام بها.
3- نشر الثقافة الشفوية بمجالس المذاكرة.
ومن الأدوار الاجتماعية:
-1 عمل النص على بعث ثقافة التضامن بتوفير الإيواء لعدد من أبناء السبيل وبإطعام الطعام ولاسيما في أوقات المجاعات.
-2 حماية الجماعات من العمال الظالمين.
-3 ضمان التوازن وتدبيره بين جماعات تحتاج إلى توازن القوى فيما بينها.
-4 الإشراف على أوفاق التساكن وعقوده بين جماعات متجاورة تنطوي وضعيتها على احتمالات عدوانية.
-5 كسر الحواجز القبلية وتليينها.
-6تأطير الاندماج الاجتماعي للمهمشين والغرباء في أوساط علاقاتها قائمة على الأنساب والعصبيات (.
ومن الأدوار السياسية:
-1 ضمان الولاء للإمامة.
-2 التوسط في الخير بين الحاكمين والمحكومين.
ثانيا: في عصر الزوايا والمدارس القرآنية والمساجد (المغرب العربي عينة):
نستطيع القول أن كتاب التصوف في هذا النص ساهم في تخريج دفعات من الشباب الربانين المتخلقين الذين افتخرت بهم عائلاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم، بقوة الضابط الإيماني واستشعار المعية الإلهية في كل زمان ومكان، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن النشء مباشرة بعد إكمال حفظ القران، وبداية علامات البلوغ، وطروء التغيرات النفسية والفسيولوجية، يبدأ بدراسة هذا المتن حتى يتمكن من حفظه وفهم معانيه، وتطبيق ما جاء فيه، إيمانا وإسلاما وإحسانا، فيبعث في نفسيته الطمأنينة والسكينة، فينعكس ذلك إيجابا على المجتمع بتحقيق الأمن الخلقي، بعدم ظهور الانحلال والسفور والخروج على الجادة، لهذا عرفت الكثير من المناطق بقلة الأفعال المشينة، وجرائم الأحداث والشباب ومنطقتنا توات خير دليل .
ثالثا: دوره في قضايا وتحديات العصر الحضارية :
وهذا الدور يجب يكون أكاديميا بالدرجة الأولى، بالاهتمام العلمي تحقيقا وإخراجا ودراسـة وتحليلا، ولا مانع من التكامل مع القطاعات الأخرى الاجتماعية والإرشادية والتربوية والإعلامية، باستنطاق هــذا النص وغيره من النصوص المماثلة وتفعيلها، والعمل على بثـها وتجسيدها في المجتمعات الإسلامية للعمل على تحقيق الاهذاف التالية:
1- تفعيل القيم الإنسانية المربوطة بقيم الدين في ظل مقام الإحسان.
2- تحقيق التفاعل مع كافة الأطرف دون إهمال الآخر، فالايجابية التي يمثلها مبدأ التسامح الذي يؤمن به الصوفي تجعله صاحب هوية مركبة منفتح على الآخرين، لا يعتمد على هوية محددة في التعامل مـع الآخر، بل يتقبله ويرى فيه مكملا بصرف النظر عن فوارق اللغة أو العرق أو الدين أو الثقافـة أو أي انتماء آخر(9)، أي الاعتراف بشرعية الاختلاف على أرضية روحية وأخلاقية تسمو بالإنسان على كل اعتبار نفعي قاصر، وتؤهله ليستحق تكريم الحق الإلهي له بالإيجاد والإمداد(10).
3- انسنة الحياة المادية وتخليقها.
4- رفع حياة الإنسان إلى مستوى القلب والروح بسلوك تربية الروح وتصفية القلب وتزكية النفس(11).
5- العمل على بعث ثقافة التسامح والعفو والصفح، خاصة إذا ما نظرنا أحول الأمة وما تعانيه من جراء الاحتقان المذهبي والحزبي في كثير من الأقطار، ولا نذكر على سبيل الحصر بل على سبيل الحسرة، لبنان والعراق وغيرها من الأوطان.
6- العمل على إثراء الموضوعات ذات الصلة بالتصوف، كالأعمال الحسنة وتهذيب الأخلاق وتزكية النفس، إذ بالأعمال الحسنة يتنبه الوجدان إلى المعرفة الإلهية.. فيتوجه الإنسان إلى طريق الإخلاص والرضا الإلهي، فيترقى إلى مستوى يمكنه أن يؤدي كل مسألة شرعية بانتشاء تعبدي عميـق، وذلك بحصول قلب آخر أعمقَ من القلب(12)
7- تعديل ما يتم تعليمه مدرسيا ببرامج مستوحاة من هذه النصوص تحقق الهدف الأخلاقي، مع التركيز على الجانب العملي، فلا يكفي مجرد الحفظ والتلقين للجانب المعرفي الأخلاقي، وإنما بتحويلها إلى مواصفات أبقى أثراً في شخصية النشء طيلة حياته، لان التنشئة الأخلاقية تربية وليس تعليماً، علما أن المدرسة باعتبارها بيئة ومحيط اجتماعي تتحقق على أرضيته القيم والمثل من خلال وعي أطراف العملية التعليمية بقيمة ما يقولونه وما يفعلونه على مرئى ومسمع الطلاب، وربط القيم الأخلاقية التي تقدم بمفردات واقع النشء داخل وخارج المدرسة من خلال أمثلة واقعية ترتبط بالمحيط البيئي ليتعلم النشء متى وأين يطبق تلك المعارف النظرية(13).
المبحث الثاني: مبدأ الإحسان في حديث جبريل وأثره في كتاب التصوف لابن عاشر.
المطلب الأول: العناصر الثلاثة في حديث جبريل.
الحديث:عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال بينما نحن جلوس عنـد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ذات يـوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا احد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه قال يا محمد اخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسال ويصدقه قال فاخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فاخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه انه يراك قال فاخبرني عن الساعة قال ما المسؤل عنها بأعلم من السائل قال فاخبرني عـن أماراتها قـال أن تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله اعلم قال فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (14).
العنصر الأول: الإســلام.
عرفه الحافظ بن حجر عند شرحه للحديث:
1- الإسلام إظهار لأعمال مخصوصة.
2-الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال(17).
أما النووي فعرفه:
-أصل الإسلام الاستسلام والانقياد(18).
العنصر الثاني: الإيمان.
لقد تلونت تعار يفه عند شراح الحديث الأنف، لكنها تجتمع حول الاعتقاد الباطني، فعـند الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري.:
1- الإيمان تصديق بأمور مخصوصة.
2- الإيمان اسم لما بطن من الاعتقاد(15).
أما النووي في شرحه لصحيح مسلم عرفه بأربع تعار يف (16).
1-الإيمان أصل التصديق .
2-الإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان.
3-الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
4- الإيمان هو التصديق الباطن(16).
العنصر الثالث: الإحســان.
قال الحافظ بن حجر: ثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما (19)، وهو أمر يجمع بين الاعتقاد الباطني والعمل الظاهري بحيث يوازن بينهما ويجعل الأول مكملا للآخر، وبالتعبير الرياضي (إيمان+إسلام= إحسان) فحل معادلة طرفاها إيمان وإسلام هو الإحسان، والمقصود به إتقـان العبادة وإحسانها والإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود، وان يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل، ثم عقب بن حجر وقال : وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قـواعد المسلمين وهو عمدة الصديقيـن وبغيـة السالكين وكنز العارفين ودأب الصاحين، وهـو من جوامع الكلم التي اوتيها (20).
أما النووي قال : أن مقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك(21).
المطلب الثاني: شرح مفهوم الإحسان.
الإحسان هو العنصر الثالث من عناصر الدين، وهذا العنصر يتضمن جانبين هما: إحسان التعامل مع الله وإحسان التعامل مع الناس(22).
فمما سبق وانطلاقا من منطوق الحديث: الإحسان هو أن تحسن كل عمل وتتقنه، مع الشعور بمعية الله كأنك في حضرته، وتسلم جسمك وقلبك له، ومن هنا هذا المقام أحق أن يصبح علمـا قائمـا بذاته، والأحق أن يسمى بعلـم المراقبـة أو المشاهـدة أو المعية، وهو علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس(23).
المطلب الثالث: تطبيقاته في كتاب التصوف لابن عاشر.
ختم المؤلف هذا النظم بمسائل مبادئ علـم التصوف وفـاء بما وعد به في صدر النظم وتيمنا بحديث جبريل السابق، وتفاؤلا بحسن الخاتمة، لان السعي في تصفية القلب وتطهيره خاتمة الأمر(24)، فبعد ما فرغ من مبحثي الإيمان والإسلام كما أشار في قوله في البيت الخامس:
- فـي عقـد الأشعري وفقـه مالـك وفي طريقة الجنيـد السـالك(25).
شرع في مبحث الإحسان الذي سماه ب (كتاب مبادئ التصوف، وهوادي التعرف)، ويحتوي هذا الكتاب على(22)بيتا(26).
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:49 عدل 1 مرات
تابع....دور المتون الفقهية في إبراز علم التصوف في المذهب المالكي
فابتدأ هذا الكتاب بمقام التوبة وكيفيتها للوصول إلى التقوى المرجوة، إذ هي المدخـل وبداية المعية أو مفتاحها، وكما هو معلوم أن التخلية تسبق التحلية، والتوبة هي أول أوصاف التحلية ليصبح الإنسان محسنا، وهي شرط للفلاح (27). امتثالا لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (28).
قال الناظم:
- وتوبـة مـن كـل ذنب يجتــرم **** تجـب فورا مطلقا وهي النـدم .
- بشرط الإقــلاع ونفي الإصـرار****وليتــلاف ممـكنا ذا استغفـار.
- وحاصل التقـوى اجتنـاب وامتثال**** فــي ظاهـر وباطن بذا تنـال.
- فجاءت الأقسـام حقـا أربعـة **** وهـي للسـالك سبل المنفعة (29)..
ثم راح يوضح جهاد النفس بضبط ميزان الشهوات الحسية في قوله :
- يغــض عينــه عـن المحــارم**** يكـف سمعه عــن الماثم .
- كغيبـة نميمـــة زور كـذب**** لسانـه أحرى بتــرك ما جلب .
- يحفظ بطنـــــه من الحــرام**** يترك مـا شبــه باهتمـــام .
- يحفظ فرجــه ويتقي الشهيـــد **** في البطش والسعي لممنوع يريد.
- ويـوقف الأمور حتى يعلمـا**** ما الله فيهـن بـــه قـد حكمـا .
- يطهـــر القلـــب مـن الريـاء**** وحسـد عجب وكل داء(30).
ويتأتى هذا بغلق منافذ اكتساب السيئات وهي الجوارح السبعة :السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج، فإذا روقب ما يدخل ويخرج منها امتثالا واجتنابا، سلم القلب والجسد معا.
ثم اخبر أن أصل أمراض القلوب التي يطلب من المرء تطهير قلبه منها، هي الشهوات المعنوية التي تنسي الآخرة وتجعلك دائرا في مكاسب الدنيا، كالرياء والحسد والعجب وحب الرياسة وغيرها في قوله:
- واعلـم بان أصل ذي الآفــات**** حب الرياســة وطـرح الأتـي .
- رأس الخطايــا هو حب العاجلـة****ليــس الدوا إلا في الاضطرار لـه(31).
وأتم قائلا:
- يصحب شيخــا عـارف المسالك **** يقيــه في طريقـــــــه المهـــالك .
- يذكـــره اللــــه إذا رءاه **** ويوصـل العبــــد إلــى مــولاه .
- يحـاسب النفـس على الأنفـاس**** ويـزن الخاطـــــر بالقسطـــاس .
- ويحفظ المفروض رأس المـال**** والنفــل ربحــه بــه يوالـي .
- ويكثــر الذكــر بصفو لبه **** والعون فـــي جميـع ذا بربـه (32).
يؤكد الناظم رحمه الله في أبياته السابقة انه لابد للمريد أو المحسن من صحبة شيخا عارفا مرشد محقق، قد فرغ من تأديب نفسه وتخلص من هواه (33). لا أن يأتي شخصا عاصيا ويجعله مربيا وهو يشاهد معصيته، لان فاقد الشيء لا يعطيه، لأنه عاص لله لا يعرف عن الوحي شيئا ولاعن الله حقيقة، فكيف يطلب من عنده التوصيل إلى هذه الهداية ؛ فلا يكمن أن يتم هذا، فالذي تجده مقبلا على الدنيا وعلى حطامها ويجعل لنفسه حقا على الآخرين، تصوفه مردود، لكن الذي يطلب الهداية من موقعها الحقيقي ياخدها من الوحي ويلتزم هو بها ويمارسها تطبيقا في نفسه، بتخليه عن الرذائل وتحليه بالفضائل، ولا تجده على معصية ولا تراه إلا في الطاعات، هذا يستحق أن يكون شيخ تربية لأنه قد ربى نفسه ونجح فيها، ولا ينبغي ذلك أن يكون على أساس استعباد لعباد الله واستغلال لهم، بل على أساس التعاون على البر والتقوى، ولا يقتضي جزاء ولا شكورا ؛لا هدايا ولا أمور مشروطة. وان يحاسب المحسن نفسه في الحركات والسكنات ويحافظ على الفرض والنفل وألا يفرط فيهما، وان يجعل لنفسه ذكرا مع الله وان يكثر منه ليلين قلبه ويصفوا(34).
واستأنف قائلا :
- يجــاهد النفس لرب العالمين **** ويتحلـى بمقامات اليقيــن.
- خوف رجا شكر وصبر توبة****زهــد توكـل رضـا محبـه.
- يصدق شـاهده في المعاملـة **** يرضـى بمـا قدره الإلــه له.
- يصير عند الله عارفــا بـه**** حـرا وغيره خــلا من قلبــه.
- فحبــه الإلـــه واصطفاه**** لحضـرة القدوس واجتبـــاه(35).
فحث الناظم المحسن مجاهدة نفسه، وأن يحليها بمقامات اليقين وشرع الناظم يذكرها ويعددها :
1- مقام الخوف: لا يجب أن يفقده المؤمن لان لا يامن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وان يستحضر عذاب الله، وعقابه وآفات الدنيا وابتلائها وشر الابتلاء في الدين، وعذاب القبر وأهوال الآخرة .
2- مقام الرجاء: والإنسان محتاج أن يعلق أمله بالله، وألا يريد حاجة فيما سواه، وان يكون راجيا لما عند الله، ويكون في حياته بين الخوف والرجاء، فلا يغلب احد الجانبين على الأخر، لأنه إذا غلب الرجاء دخل عليه الشيطان من هذا المدخل، فظن انه قد غفر له وان مغفرة الله أوسع مـن ذنبـه وهـذا يكفي، وإذا غلب الخوف فالشيطان يوهمه أن ذنبه أعظم من المغفرة وكلاهما مزلقة ومزلة للأقدام، فعلى المؤمن السوي أن يجعل نفسه بينهما، ويرجح احدهما في بعض الأوقات على حسب الطاعة والمعصية، فعند الطاعة يرجح الرجاء وعند المعصية يرجح الخوف، ويحسن الظن بالله.
3- مقام الشكر: لله التحلي به من أعظم الأوصاف، لهذا جعل الله القليل من عباده الشكور، فأهل الشكر قلة ؛ لان الشكر هو تصريف جميع ما انعم على الإنسان في طاعة الله ووجهها الصحيح .
4- مقام الصبر: والصبر ثلاث شعب: الصبر على معصية الله، أي أن يجاهد نفسه على ألا يقربها، والصبر على طاعة الله أن يؤديها على أكمل وجه وبشروطها، الصبر على قضاء الله، .فإذا جاءته فتنة أكانت مرضا أو امتحانا آخر، صبر وجاهد ثابتا، فلا يسمح لنفسه أن يعبد الله على حرف أي على طرف إيمان، وان يتذكر نعم الله عليه.
5- التوبة وقد سبق الكلام عليها آنفا .
6- الزهد: وهو بمعناه الحقيقي تذكر الآخرة كل برهة حتى في ملذات الدنيا المباحة.
7- التوكل: ويقتضي التوكل على مسبب الأسباب لا على الأسباب، وان يعلم أن عقله وتدبيره لا يوصله إلى النتيجة إلا بمشيئة الله، ومن هنا يزداد توكله على الله ومعرفته بحقيقة الأسباب (36).
8- الرضا: ولا يكتمل تصوره إلا بالمحبة الكاملة لله.
9- المحبة: لا تتصور إلا بعد معرفة الحي وإدراكه، مع فهم حقيقة الأقدار ألما مع أمل وحزن يعقبه فرح.
إن التحلي بهذه الصفات بعد التخلي عن تلك الصفات السابقة هو الذي يسمى بالتربية، التي من خلالها يصل الإنسان إلى المقام المطلوب الذي هو إحسان التعامل مع الله، وان لم يستطع المسلم بلوغ ذلك فيصحب الصالحين من الذين ينافسونــه في الطاعات ويحضونه عليها ولا يراهم يعصون الله تعالى ويراهم مقبلين عليه فيذكرونه به، فمن رأى واحدا منهم ووثق به، فمجرد مخالطته ولو لم يسمع منهم كلمة واحد ة كافـية على الالتـزام بهذا، ومن هنا فان ما يسميه الناس بالتربية الروحية وهو الذي اشتهر بالتصوف، منه مقبول ومردود، فان كان على الوجه الذي ذكرناه، تخليا عن الأوصاف الذميمة وتحليا بالأوصاف الحميدة ومحاسبة للنفس، فهذا هو التصوف المحمود ولابد منه، وهو داخل في مقام الإحسان، لكن لا مشاحة في الاصطلاح لك أن تسميـه سلوكا أو تربية أو تصوفا، أما ما خالف هذا من الخرافات والدجل فهو مردود.وهنا ننبه انه لا يجب أن يذهب المسلم إلى مقام الإحسان إلا بعد تفقهه في العقيدة ثم الأحكام الشرعية، فلا يؤتى بالآخر ويترك الأصل لان الإحسان في الدرجة الثالثة، والترتيب هنا واجب لكي لا يقع فـي الغلطات كالإشراك والكفر.
وقد اشتهر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابط هذه التربية، فلم يشتهر من الصحابة ولا من التابعين ولا من تابع التابعين من تمحضوا للتربية الروحية وحدها، بل كانوا جامعين للأسس الثلاثة، أما ما وقع فيه المتأخرين في البحث عن التخصصات، واتساع دائرة العلوم وتقسمها بين أرباب الاختصاص، إنما جاء بعد القرون المزكاة والقرون الأولى، فقول ابن عاشر رحمه الله :
- فـي عقـد الأشعري وفقـه مالـك****وفي طريقة الجنيـد السـالك.
لو قال في (عقد مالك وفقه مالك --- وفي طريقة الإمام مالك ) لكان مصيبا، لان مالكا كما هو شيخ في الفقه، وهو شيخ في العقيدة والإيمان والسلوك والتربية أيضا، وكذالـك أولئك المرضيين من العلماء في القرون الأولى ليس احد منهم غير مرضي في السلوك أو العقيدة بل أئمة في الأسس الثلاثة.
وفي الأخير إذا اتبع الإنسان هذه الأمور فسيصل إلى مقام المراقبة وهي أن يعبد الله كأنه يراه، وبالتالي يتقن عمله لان الإتقان مطلوب شرعا وهذا هو الإحسان المطلوب فيستكمل دينه، علما أن الإحسان ليس هو الإكثار من الرياضات الروحية التي تقتضي إضعاف العقل والبدن، ومن هنا أن وجه الإحسان لا يكون بهذه الرياضات وليس بتكرير الكلمات التي لا يفهمها الإنسان، وليس بالتعود على روتين خاص في الحياة، يقتضي الانعزال والانكماش وعدم مشاركة الناس في حياتهم، وليس بعدم التأثير في عباد الله وعدم المشاركة في نصرة دين الله، كما يتوهمه الكثير أن الصوفـي يجب أن يكون منعزلا عن الناس، وأولاده وأهل بيته لا يعنون له شيئا وهذا غلط فادح، فالأولى أن يكون مربيا لأهل بيته قبل أن يربي نفسه، كذلك فان الانعزال عن شؤون وأمور الحياة سلبا يجعل إيمانه ناقص، فلا يكـون صوفي بالمعنى الذي شرحناه إلا بالاهتمام بشؤون المسلمين، ساعيا لهدايتهم، وإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، مشاركا في تربيتهم على الوجه الصحيح(37).
الخاتمة:
إن علم السلوك والتربية ليحتاج إلى دراسات مستمرة لارتباطه بحياة الناس، وحضارة العصر التي طغت المادية عليها بشكل رهيب، وأصبحت أكثر طلبا من أي وقت مضى للقيم الأخلاقية في ظل مقام الإحسان ومحاولة انسنتها.
ومن أهم النتائج:
الإحسان أو التصوف أصل من أصول الدين لا يمكن إنكاره، شانه شان العقيدة والأحكام العبادية والمعاملاتية.
أن دور المتون والمختصرات دورا لا يستهان به في إبراز وتجلية علم السلوك والتربية، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن حديث جبريل كان له الأثر الكبير على منهجيه التأليف المختومة بالتصوف بعد معالجة مبحثي الإيمان والإسلام ونذكر على سبيل المثال: المتن المدروس، ومتن أسهل المسالك في مذهب الإمام مالك، ورسالة أبي زيد القيرواني، والحكم العطائية لابن عطاء الله وغيرهم.
إن منهجية التأليف التي اشرنا إليها عبارة عن حلقات مترابطة، فأي خلل يمس مبحثا من المباحث الثلاثة ؛ سيتعدى أثره إلى الحلقات الأخرى.
أهمية أنموذج ابن عاشر، لوجوده في عصر كثر فيه الأميين وغير العارفين في مسائل الدين الثلاثة هذا من جهة، وللأثر الإصلاحي الذي بثه وتركه.
إن التصوف أو الإحسان هو العامل المؤسس للوحدة بين الإيمان والإسلام، أو العقيدة والفقه.
إن عدم قبول مصطلح التصوف عند البعض، لا ينبغي أن يكون سبب رفضه هو بعض التصرفات المنحرفة المحسوبة عليه، لان المصطلح ذو أصل في اللغة، وفي الشرع. وعليه فالمطلوب هو فهم معناه في إطار التصور الإسلامي.
التوصيات:
تفعيل قيم التصوف في كافة الأوساط .
الاهتمام بالدراسات التي تخدم هذا العلم.
وأخيرا آمل من كل مـؤلف وخطيب وأستاذ ومرشد أن ينهج في عمله وإنتاجه الفكري الإطار التعليمي البيداغوجي السماوي الرباني الجبريلي المحمدي، بدء من الإيمان ومرورا بموضوعه أكان عباديا أو معاملاتيا وان يختتمه بالإحسان .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الهوامش:
(1)القران الكريم، سورة الأنعام، الآية 120 .
(2)محمد الحسن ولد ددو، شرح بن عاشر، بتصرف من موقع http://www.dedew.net/index.php?A__=-1
(3)الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر، الشيخ محمد بن احمد ميارة المالكي، دار الفكر بيروت 2005، ص ص(4، 5).بتصرف
(4)متن المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، عبد الواحد بن عاشر، مكتبة المعارف، ص(5).
(5)صحيح مسلم بشرح النووي، ج1، دار الكتاب العربي، ص، ص(156، 160).
(6)شرح الفوز المبين بالمرشد المعين، الحبيب بن عبد الرحمن العلوي التواتي السالي، ص(219).
(7) متن بن عاشر، ص(2).
( راجع موقع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للمملكة المغربية، www.maroc-islam.com/ar/detail.aspx?
(9)رياض عامر القيسي، التصوف ودوره في اغناء الفكر والأدب، من موقع www.islamic-sufism.com
(10) محمد التهامي الحراق، أي دور للتربية في عصر العولمة، من موقع www.islamonline.net/servlet/satellit?
(11)، (12) التصوف من حيث المنشأ، المصدر: موقع الأستاذ فتح الله كولن:
http://ar.fgulen.com/index.php/content/view/473/17
(13) -د . عثمان بن صالح العامر دور المؤسسات التعليمية في تحقيق الأمن الخلقي والمجتمعي في عصر العولمة.من موقع:
http://www.minshawi.com/cgi-bin/search/fmsearch.cgi
(14) شرح النووي، ن م، ص، ص(156، 160).
(15) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ بن علي بن حجر العسقلاني، ص(114.115).
(16) شرح النووي، ص، ص(145، 148).
(17) فتح الباري، ص ص(114-115).
(18)شرح النووي، ص، ص(144، 171).
(19)فتح الباري، ص(118).
(20) ينظر: فتح الباري، ص(120).
(21) –النووي، ص، (158).
(22)ولد ددو، محاضرة الإحسان، موقع http://www.dedew.net/index.php?A__=-1 بتصرف
(23) شرح ميارة، ص(389).
(24) -متن ابن عاشر، ص(02) .
(25) ميارة بتصرف، ص، (388).
(26) متن بن عاشر، ص، ص(23، 25).
(27) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
(28) النور، الآية، 31 .
(29) متن ابن عاشر، ص( 23).
(30) (31) (32) متن ابن عاشر( 23-24).
(33) ميارة، ص (414).
(34) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
(35) متن ابن عاشر، ص ص(24، 25).
(36) (37) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
قال الناظم:
- وتوبـة مـن كـل ذنب يجتــرم **** تجـب فورا مطلقا وهي النـدم .
- بشرط الإقــلاع ونفي الإصـرار****وليتــلاف ممـكنا ذا استغفـار.
- وحاصل التقـوى اجتنـاب وامتثال**** فــي ظاهـر وباطن بذا تنـال.
- فجاءت الأقسـام حقـا أربعـة **** وهـي للسـالك سبل المنفعة (29)..
ثم راح يوضح جهاد النفس بضبط ميزان الشهوات الحسية في قوله :
- يغــض عينــه عـن المحــارم**** يكـف سمعه عــن الماثم .
- كغيبـة نميمـــة زور كـذب**** لسانـه أحرى بتــرك ما جلب .
- يحفظ بطنـــــه من الحــرام**** يترك مـا شبــه باهتمـــام .
- يحفظ فرجــه ويتقي الشهيـــد **** في البطش والسعي لممنوع يريد.
- ويـوقف الأمور حتى يعلمـا**** ما الله فيهـن بـــه قـد حكمـا .
- يطهـــر القلـــب مـن الريـاء**** وحسـد عجب وكل داء(30).
ويتأتى هذا بغلق منافذ اكتساب السيئات وهي الجوارح السبعة :السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج، فإذا روقب ما يدخل ويخرج منها امتثالا واجتنابا، سلم القلب والجسد معا.
ثم اخبر أن أصل أمراض القلوب التي يطلب من المرء تطهير قلبه منها، هي الشهوات المعنوية التي تنسي الآخرة وتجعلك دائرا في مكاسب الدنيا، كالرياء والحسد والعجب وحب الرياسة وغيرها في قوله:
- واعلـم بان أصل ذي الآفــات**** حب الرياســة وطـرح الأتـي .
- رأس الخطايــا هو حب العاجلـة****ليــس الدوا إلا في الاضطرار لـه(31).
وأتم قائلا:
- يصحب شيخــا عـارف المسالك **** يقيــه في طريقـــــــه المهـــالك .
- يذكـــره اللــــه إذا رءاه **** ويوصـل العبــــد إلــى مــولاه .
- يحـاسب النفـس على الأنفـاس**** ويـزن الخاطـــــر بالقسطـــاس .
- ويحفظ المفروض رأس المـال**** والنفــل ربحــه بــه يوالـي .
- ويكثــر الذكــر بصفو لبه **** والعون فـــي جميـع ذا بربـه (32).
يؤكد الناظم رحمه الله في أبياته السابقة انه لابد للمريد أو المحسن من صحبة شيخا عارفا مرشد محقق، قد فرغ من تأديب نفسه وتخلص من هواه (33). لا أن يأتي شخصا عاصيا ويجعله مربيا وهو يشاهد معصيته، لان فاقد الشيء لا يعطيه، لأنه عاص لله لا يعرف عن الوحي شيئا ولاعن الله حقيقة، فكيف يطلب من عنده التوصيل إلى هذه الهداية ؛ فلا يكمن أن يتم هذا، فالذي تجده مقبلا على الدنيا وعلى حطامها ويجعل لنفسه حقا على الآخرين، تصوفه مردود، لكن الذي يطلب الهداية من موقعها الحقيقي ياخدها من الوحي ويلتزم هو بها ويمارسها تطبيقا في نفسه، بتخليه عن الرذائل وتحليه بالفضائل، ولا تجده على معصية ولا تراه إلا في الطاعات، هذا يستحق أن يكون شيخ تربية لأنه قد ربى نفسه ونجح فيها، ولا ينبغي ذلك أن يكون على أساس استعباد لعباد الله واستغلال لهم، بل على أساس التعاون على البر والتقوى، ولا يقتضي جزاء ولا شكورا ؛لا هدايا ولا أمور مشروطة. وان يحاسب المحسن نفسه في الحركات والسكنات ويحافظ على الفرض والنفل وألا يفرط فيهما، وان يجعل لنفسه ذكرا مع الله وان يكثر منه ليلين قلبه ويصفوا(34).
واستأنف قائلا :
- يجــاهد النفس لرب العالمين **** ويتحلـى بمقامات اليقيــن.
- خوف رجا شكر وصبر توبة****زهــد توكـل رضـا محبـه.
- يصدق شـاهده في المعاملـة **** يرضـى بمـا قدره الإلــه له.
- يصير عند الله عارفــا بـه**** حـرا وغيره خــلا من قلبــه.
- فحبــه الإلـــه واصطفاه**** لحضـرة القدوس واجتبـــاه(35).
فحث الناظم المحسن مجاهدة نفسه، وأن يحليها بمقامات اليقين وشرع الناظم يذكرها ويعددها :
1- مقام الخوف: لا يجب أن يفقده المؤمن لان لا يامن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وان يستحضر عذاب الله، وعقابه وآفات الدنيا وابتلائها وشر الابتلاء في الدين، وعذاب القبر وأهوال الآخرة .
2- مقام الرجاء: والإنسان محتاج أن يعلق أمله بالله، وألا يريد حاجة فيما سواه، وان يكون راجيا لما عند الله، ويكون في حياته بين الخوف والرجاء، فلا يغلب احد الجانبين على الأخر، لأنه إذا غلب الرجاء دخل عليه الشيطان من هذا المدخل، فظن انه قد غفر له وان مغفرة الله أوسع مـن ذنبـه وهـذا يكفي، وإذا غلب الخوف فالشيطان يوهمه أن ذنبه أعظم من المغفرة وكلاهما مزلقة ومزلة للأقدام، فعلى المؤمن السوي أن يجعل نفسه بينهما، ويرجح احدهما في بعض الأوقات على حسب الطاعة والمعصية، فعند الطاعة يرجح الرجاء وعند المعصية يرجح الخوف، ويحسن الظن بالله.
3- مقام الشكر: لله التحلي به من أعظم الأوصاف، لهذا جعل الله القليل من عباده الشكور، فأهل الشكر قلة ؛ لان الشكر هو تصريف جميع ما انعم على الإنسان في طاعة الله ووجهها الصحيح .
4- مقام الصبر: والصبر ثلاث شعب: الصبر على معصية الله، أي أن يجاهد نفسه على ألا يقربها، والصبر على طاعة الله أن يؤديها على أكمل وجه وبشروطها، الصبر على قضاء الله، .فإذا جاءته فتنة أكانت مرضا أو امتحانا آخر، صبر وجاهد ثابتا، فلا يسمح لنفسه أن يعبد الله على حرف أي على طرف إيمان، وان يتذكر نعم الله عليه.
5- التوبة وقد سبق الكلام عليها آنفا .
6- الزهد: وهو بمعناه الحقيقي تذكر الآخرة كل برهة حتى في ملذات الدنيا المباحة.
7- التوكل: ويقتضي التوكل على مسبب الأسباب لا على الأسباب، وان يعلم أن عقله وتدبيره لا يوصله إلى النتيجة إلا بمشيئة الله، ومن هنا يزداد توكله على الله ومعرفته بحقيقة الأسباب (36).
8- الرضا: ولا يكتمل تصوره إلا بالمحبة الكاملة لله.
9- المحبة: لا تتصور إلا بعد معرفة الحي وإدراكه، مع فهم حقيقة الأقدار ألما مع أمل وحزن يعقبه فرح.
إن التحلي بهذه الصفات بعد التخلي عن تلك الصفات السابقة هو الذي يسمى بالتربية، التي من خلالها يصل الإنسان إلى المقام المطلوب الذي هو إحسان التعامل مع الله، وان لم يستطع المسلم بلوغ ذلك فيصحب الصالحين من الذين ينافسونــه في الطاعات ويحضونه عليها ولا يراهم يعصون الله تعالى ويراهم مقبلين عليه فيذكرونه به، فمن رأى واحدا منهم ووثق به، فمجرد مخالطته ولو لم يسمع منهم كلمة واحد ة كافـية على الالتـزام بهذا، ومن هنا فان ما يسميه الناس بالتربية الروحية وهو الذي اشتهر بالتصوف، منه مقبول ومردود، فان كان على الوجه الذي ذكرناه، تخليا عن الأوصاف الذميمة وتحليا بالأوصاف الحميدة ومحاسبة للنفس، فهذا هو التصوف المحمود ولابد منه، وهو داخل في مقام الإحسان، لكن لا مشاحة في الاصطلاح لك أن تسميـه سلوكا أو تربية أو تصوفا، أما ما خالف هذا من الخرافات والدجل فهو مردود.وهنا ننبه انه لا يجب أن يذهب المسلم إلى مقام الإحسان إلا بعد تفقهه في العقيدة ثم الأحكام الشرعية، فلا يؤتى بالآخر ويترك الأصل لان الإحسان في الدرجة الثالثة، والترتيب هنا واجب لكي لا يقع فـي الغلطات كالإشراك والكفر.
وقد اشتهر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابط هذه التربية، فلم يشتهر من الصحابة ولا من التابعين ولا من تابع التابعين من تمحضوا للتربية الروحية وحدها، بل كانوا جامعين للأسس الثلاثة، أما ما وقع فيه المتأخرين في البحث عن التخصصات، واتساع دائرة العلوم وتقسمها بين أرباب الاختصاص، إنما جاء بعد القرون المزكاة والقرون الأولى، فقول ابن عاشر رحمه الله :
- فـي عقـد الأشعري وفقـه مالـك****وفي طريقة الجنيـد السـالك.
لو قال في (عقد مالك وفقه مالك --- وفي طريقة الإمام مالك ) لكان مصيبا، لان مالكا كما هو شيخ في الفقه، وهو شيخ في العقيدة والإيمان والسلوك والتربية أيضا، وكذالـك أولئك المرضيين من العلماء في القرون الأولى ليس احد منهم غير مرضي في السلوك أو العقيدة بل أئمة في الأسس الثلاثة.
وفي الأخير إذا اتبع الإنسان هذه الأمور فسيصل إلى مقام المراقبة وهي أن يعبد الله كأنه يراه، وبالتالي يتقن عمله لان الإتقان مطلوب شرعا وهذا هو الإحسان المطلوب فيستكمل دينه، علما أن الإحسان ليس هو الإكثار من الرياضات الروحية التي تقتضي إضعاف العقل والبدن، ومن هنا أن وجه الإحسان لا يكون بهذه الرياضات وليس بتكرير الكلمات التي لا يفهمها الإنسان، وليس بالتعود على روتين خاص في الحياة، يقتضي الانعزال والانكماش وعدم مشاركة الناس في حياتهم، وليس بعدم التأثير في عباد الله وعدم المشاركة في نصرة دين الله، كما يتوهمه الكثير أن الصوفـي يجب أن يكون منعزلا عن الناس، وأولاده وأهل بيته لا يعنون له شيئا وهذا غلط فادح، فالأولى أن يكون مربيا لأهل بيته قبل أن يربي نفسه، كذلك فان الانعزال عن شؤون وأمور الحياة سلبا يجعل إيمانه ناقص، فلا يكـون صوفي بالمعنى الذي شرحناه إلا بالاهتمام بشؤون المسلمين، ساعيا لهدايتهم، وإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، مشاركا في تربيتهم على الوجه الصحيح(37).
الخاتمة:
إن علم السلوك والتربية ليحتاج إلى دراسات مستمرة لارتباطه بحياة الناس، وحضارة العصر التي طغت المادية عليها بشكل رهيب، وأصبحت أكثر طلبا من أي وقت مضى للقيم الأخلاقية في ظل مقام الإحسان ومحاولة انسنتها.
ومن أهم النتائج:
الإحسان أو التصوف أصل من أصول الدين لا يمكن إنكاره، شانه شان العقيدة والأحكام العبادية والمعاملاتية.
أن دور المتون والمختصرات دورا لا يستهان به في إبراز وتجلية علم السلوك والتربية، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن حديث جبريل كان له الأثر الكبير على منهجيه التأليف المختومة بالتصوف بعد معالجة مبحثي الإيمان والإسلام ونذكر على سبيل المثال: المتن المدروس، ومتن أسهل المسالك في مذهب الإمام مالك، ورسالة أبي زيد القيرواني، والحكم العطائية لابن عطاء الله وغيرهم.
إن منهجية التأليف التي اشرنا إليها عبارة عن حلقات مترابطة، فأي خلل يمس مبحثا من المباحث الثلاثة ؛ سيتعدى أثره إلى الحلقات الأخرى.
أهمية أنموذج ابن عاشر، لوجوده في عصر كثر فيه الأميين وغير العارفين في مسائل الدين الثلاثة هذا من جهة، وللأثر الإصلاحي الذي بثه وتركه.
إن التصوف أو الإحسان هو العامل المؤسس للوحدة بين الإيمان والإسلام، أو العقيدة والفقه.
إن عدم قبول مصطلح التصوف عند البعض، لا ينبغي أن يكون سبب رفضه هو بعض التصرفات المنحرفة المحسوبة عليه، لان المصطلح ذو أصل في اللغة، وفي الشرع. وعليه فالمطلوب هو فهم معناه في إطار التصور الإسلامي.
التوصيات:
تفعيل قيم التصوف في كافة الأوساط .
الاهتمام بالدراسات التي تخدم هذا العلم.
وأخيرا آمل من كل مـؤلف وخطيب وأستاذ ومرشد أن ينهج في عمله وإنتاجه الفكري الإطار التعليمي البيداغوجي السماوي الرباني الجبريلي المحمدي، بدء من الإيمان ومرورا بموضوعه أكان عباديا أو معاملاتيا وان يختتمه بالإحسان .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الهوامش:
(1)القران الكريم، سورة الأنعام، الآية 120 .
(2)محمد الحسن ولد ددو، شرح بن عاشر، بتصرف من موقع http://www.dedew.net/index.php?A__=-1
(3)الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر، الشيخ محمد بن احمد ميارة المالكي، دار الفكر بيروت 2005، ص ص(4، 5).بتصرف
(4)متن المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، عبد الواحد بن عاشر، مكتبة المعارف، ص(5).
(5)صحيح مسلم بشرح النووي، ج1، دار الكتاب العربي، ص، ص(156، 160).
(6)شرح الفوز المبين بالمرشد المعين، الحبيب بن عبد الرحمن العلوي التواتي السالي، ص(219).
(7) متن بن عاشر، ص(2).
( راجع موقع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للمملكة المغربية، www.maroc-islam.com/ar/detail.aspx?
(9)رياض عامر القيسي، التصوف ودوره في اغناء الفكر والأدب، من موقع www.islamic-sufism.com
(10) محمد التهامي الحراق، أي دور للتربية في عصر العولمة، من موقع www.islamonline.net/servlet/satellit?
(11)، (12) التصوف من حيث المنشأ، المصدر: موقع الأستاذ فتح الله كولن:
http://ar.fgulen.com/index.php/content/view/473/17
(13) -د . عثمان بن صالح العامر دور المؤسسات التعليمية في تحقيق الأمن الخلقي والمجتمعي في عصر العولمة.من موقع:
http://www.minshawi.com/cgi-bin/search/fmsearch.cgi
(14) شرح النووي، ن م، ص، ص(156، 160).
(15) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ بن علي بن حجر العسقلاني، ص(114.115).
(16) شرح النووي، ص، ص(145، 148).
(17) فتح الباري، ص ص(114-115).
(18)شرح النووي، ص، ص(144، 171).
(19)فتح الباري، ص(118).
(20) ينظر: فتح الباري، ص(120).
(21) –النووي، ص، (158).
(22)ولد ددو، محاضرة الإحسان، موقع http://www.dedew.net/index.php?A__=-1 بتصرف
(23) شرح ميارة، ص(389).
(24) -متن ابن عاشر، ص(02) .
(25) ميارة بتصرف، ص، (388).
(26) متن بن عاشر، ص، ص(23، 25).
(27) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
(28) النور، الآية، 31 .
(29) متن ابن عاشر، ص( 23).
(30) (31) (32) متن ابن عاشر( 23-24).
(33) ميارة، ص (414).
(34) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
(35) متن ابن عاشر، ص ص(24، 25).
(36) (37) محاضرة الإحسان لولد ددو. بتصرف
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:50 عدل 1 مرات
المحاضرة الثالثة :الرسالة التوحيدية والروحية لدى فقهاء المغرب
الرسالة التوحيدية والروحية لدى فقهاء المغرب
"أبو مدين الغوث أنموذجا"
د. خالد زَهْري
الخزانة الملكية، الرباط
"أبو مدين الغوث أنموذجا"
د. خالد زَهْري
الخزانة الملكية، الرباط
الملخص:
من أخطر الدعاوى، التي شاعت في عصرنا هذا، دعوى الانعتاق من كل أشكال المذهبية الفقهية، تحقيقا لمبدإ طوباوي غير سليم، وهو زعمهم: "إسلام بلا مذاهب".
مما يستلزم الرد على هذه الدعوى من تراثنا الإسلامي، الذي بناه أساطين الفكر، دون انسلاخ من هويتهم المذهبية، وأيضا دون تعصب تجاه المذهبيات المخالفة.
ومن أبرز هؤلاء الأساطين، الشيخ أبو مدين شعيب بن الحسين، المعروف بأبي مدين الغوث (ت. 594هـ/1198هـ)، الذي كان أنموذجا رائعا للانفتاح. وفي الآن نفسه، كان من أبرز العلماء، الذين أسهوا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمغرب.
إن التكوين المالكي المتين، الذي حدد التوجه الفكري، والعلمي، والروحي، لأبي مدين، هو المعيار الذي انفتح به على شيخه عبد القادر الجيلاني، فأخذ طريقته الصوفية، ونشرها في كل أرجاء المغرب، دون المساس بهويته المذهبية.
لقد كان أبو مدين، يربي الناس روحيا، وفي الآن نفسه، ترد عليه الفتاوى، ويجيب عنها، وفقا لمذهب الإمام مالك، معيدا بذلك للفقه أصالته. ولعل هذا ما يفسر لجوء أولياء وقته إليه للاستفتاء، فيما يعرض لهم من المسائل. قال أحمد التادلي الصومعي (ت. 1013 هـ / 1604 م): "ومن عجيب كرائم سيدي أبي مدين، أن أولياء زمانه، كانوا يستفتونه في المعضلات، من مشكلات الطريق، التي لا يفهمها الفقهاء، فيجيب عنها في الحين".
وهذا له ارتباط بالفكر الإسلامي، في أوج تقدمه، وهو القرن الثالث، حيث كان الحكيم الترمذي، ممن أضاف شرطا إلى شروط الاجتهاد. وهو الولاية، فلا يفتي المفتي، إلا إذا كان من أهل الولاية الخاصة.
ولا جرم أن هذا يحقق قاعدة هامة، وهي اتفاق المذاهب قاطبة على أن أصول العلم، التي تضبط حياة المسلمين عامة، والعلماء خاصة، تتصدرها العلاقة الروحية الإيمانية، التي من أجلها نزل القرآن، واعتبرها منطلقا ضروريا، ومقصدا أساسا، في بناء المجتمع الإسلامي السليم.
وعندما نشير إلى "العلاقة الروحية الإيمانية"، فإننا نقصد أصالة حضور البعد الإيماني، اعني التوحيدي الأشعري، في التجربة الروحية، حيث التبس مفهوم الكلام بمفهوم التصوف، عند المغاربة، في أحايين كثيرة، بل ذابا وامتزجا في مصطلح واحد، يدل عليهما معا، وهو مصطلح "التوحيد". ومن ذلك، ما قاله أبو مدين الغوث: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد".
فالتفاعل الروحي، يظل وسيلة هامة للانفتاح المذهبي – عقديا وفقهيا -، بحيث يصير الانفتاح، بين المذاهب الإسلامية، طريقة روحية، لتعميق الوحدة الإسلامية، وتخصيب المذهبية الفقهية، على حد سواء.
لقد تشبع أبو مدين الغوث بالمشرب الصوفي المشرقي، عند التقائه بعبد القادر الجيلاني، مع الحفاظ على المذهب المالكي في الفتوى والاجتهاد، باعتباره إطارا فقهيا، يحافظ على الوحدة السياسية في الغرب الإسلامي، الذي كان تحكمه آنئذ الأسرة الموحدية.
وبذلك، تكون العلاقة الروحية، بين أبي مدين المالكي والجيلاني الحنبلي، مظهرا لثلاث حقائق هامة:
- أولاها: الترفع عن الخلافات المذهبية والفروع الفقهية؛
- ثانيها الحرص على الأساس العقدي، الذي يمثله المذهب الأشعري؛
- ثالثها: الحفاظ على التآلف الديني العميق. وهذا ما يجعل القاعدة الروحية منطلقا ضروريا لتخصيب التراث الفقهي وتنويعه، والحفاظ على الهوية المذهبية، مع الانفتاح على المذاهب الأخرى، ومد الجسور معها.
وعليه، فإن المحاور، التي سينبني عليها هذا البحث، هي:
- التكوين المالكي لأبي مدين، وأهم شيوخه الذين أخذ عنهم، خاصة عندما كان يدرس بفاس، بعد هجرته من الأندلس، إلى سبتة، ثم مراكش، ثم فاس؛
- الرسالة التوحيدية، والفقهية، والروحية، التي كان يحملها، خاصة عندما استقر به المقام بمدينة بجاية؛
- رحلته إلى المشرق، حين التقائه، في مكة، بعبد القادر الجيلاني، وقراءة علم الحديث عليه، وأخذ الطريقة الصوفية عنه؛
- التفاعل التوحيدي مع الممارسة الفقهية والتوجه الصوفي العرفاني، عند أبي مدين؛
- بعض ملامح الاجتهاد عند أبي مدين.
من أخطر الدعاوى، التي شاعت في عصرنا هذا، دعوى الانعتاق من كل أشكال المذهبية الفقهية، تحقيقا لمبدإ طوباوي غير سليم، وهو زعمهم: "إسلام بلا مذاهب".
مما يستلزم الرد على هذه الدعوى من تراثنا الإسلامي، الذي بناه أساطين الفكر، دون انسلاخ من هويتهم المذهبية، وأيضا دون تعصب تجاه المذهبيات المخالفة.
ومن أبرز هؤلاء الأساطين، الشيخ أبو مدين شعيب بن الحسين، المعروف بأبي مدين الغوث (ت. 594هـ/1198هـ) ، الذي كان أنموذجا رائعا للانفتاح. وفي الآن نفسه، كان من أبرز العلماء، الذين أسهموا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمغرب.
وعليه، فإن المحاور، التي سينبني عليها هذا البحث، هي:
- التكوين المالكي لأبي مدين، وأهم شيوخه الذين أخذ عنهم، خاصة عندما كان يَدْرس بفاس، بعد هجرته من الأندلس، إلى سبتة، ثم مراكش، ثم فاس؛
- الرسالة التوحيدية، والفقهية، والروحية، التي كان يحملها، خاصة عندما استقر به المقام بمدينة بجاية، وتتجلى هذه الرسالة في الكم الهائل من التلاميذ والمريدين، الذين حملوا مشعل طرقته بعد وفاته، وكانوا نموذجا للتصوف الأخلاقي العملي؛
- رحلته إلى المشرق، حين التقائه، في مكة، بعبد القادر الجيلاني، وقراءة علم الحديث عليه، وأخذ الطريقة الصوفية عنه، مما فيه دلالة على الانفتاح العلمي؛
- التفاعل التوحيدي مع الممارسة الفقهية والتوجه الصوفي العرفاني، عند أبي مدين؛
- بعض ملامح الاجتهاد عند أبي مدين، ولعل من أهمها الحرص على التداخل بين التوحيد، والفقه، والتصوف، باعتبارها أهم الأركان التي تنبني عليها الثقافة المغربية.
المكانة الروحية والعلمية
لأبي مدين الغوث
بادئ ذي بدء، نشير إلى أن أبا مدين الغوث، هو الذي تنسب إليه الطريقة المَدْيَنية .
وقد ذهب محمد الصغير الإفراني إلى أن غالب الطرق، الموجودة في المغرب والمشرق، خصوصا الشاذلية، ترجع إلى أبي مدين .
وهذا فيه نظر. ولعل الصحيح المُعَوَّل عليه، هو ما ذهب إليه أبو سالم العياشي، وهو "أن غالب الطرق، ترجع إلى القادرية. فإن أبا مدين، أخذ عن الشيخ عبد القادر، وأبا الحسن الشاذلي اخذ عن أصحاب أبي مدين، وسيدي إبراهيم الدسوقي [...] أخذ عن سيدي عبد السلام بن مشيش، وهو من أصحاب أبي مدين" .
وكان الشيخ أبو مدين، من أئمة العرفان، وأساطين الدين. فأجمع المترجمون له، أو كادوا، على أنه "شيخ المشايخ"، أو "شيخ الشيوخ" . وأثنوا عليه بما يُبَوِّئه مقام القطبانية والولاية، والتبحر في أسرار الديانة.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:53 عدل 1 مرات
تابع....الرسالة التوحيدية والروحية لدى فقهاء المغرب
فقد نقل ابن الزيات (ت. 617 هـ / 1220 م)، عن أبي الصبر أيوب بن عبد الله الفهري قوله في شيخه أبي مدين الغوث: "كان زاهدا، فاضلا، عارفا بالله تعالى. قد خاض من الأحوال بحارا، ونال من المعارف أسرارا، وخصوصا مقام التوكل، لا يشق فيه غبار، ولا تجهل آثاره. وكان مبسوطا بالعلم، مقبوضا بالمراقبة، كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى، حتى ختم الله له بذلك" .
ونعته أبو العباس العزفي (ت. 633 هـ / 1235 م) بــ "الشيخ الصالح" .
وحلاه الغبريني (ت. 714 هـ / 1314 م) بــ "الشيخ، الفقيه، المحقق، الواصل، القطب، شيخ مشايخ الإسلام في عصره، إمام العُبَّاد والزهاد، وخاصة الخلصاء من فضلاء العباد" .
ووصفه عبد الحق البادسي (كان حيا عام 722 هـ / 1322 م) بــ "الشيخ الزاهد" .
واعتبره ابن باديس (ت. 787 هـ / 1385 م) من "صدور العارفين المقربين، وعظماء العارفين، وأصحاب الحقائق، والمعارف، والتمكين، والتصريف، وخرق العوائد، ممن جمع له بين علمي الشريعة والحقيقة، انتهت له رئاسة هذا الشأن" .
ووصفه ابن قنفذ (ت. 810 هـ / 1407 م) بــ "الشيخ العارف، المحقق الواحد القطب" ، وبــ "شيخ مشايخ الإسلام، وإمام العباد الزهاد" ، وانه "بلغ رحمه الله من الورع مقاما عليا، ونال من الزهد والتحقيق منالا سنيا، تبعه فيه المتقون،واقتدى به المحققون، ولازمه المصدقون. وله أشياخ مشاهير، وإخوان جماهير، وأصحاب جواهر" ، وقال فيه: "كان زاهدا في الدنيا، عارفا بالله تعالى، وخاض بحارا من الحوال، ونال من المعارف الربانية الآمال. ومقامه الخاص به، الذي لا يلحقه فيه احد، التوكل على الله تعالى. وكان له بسط وقبض. فبسطه بالعلم، وقبضه بالمراقبة" .
وجعله الشعراني (ت.973هـ/1565م)، "من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المربين" ، وقال فيه: "أجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله، وتأدبوا بين يديه. وكان ظريفا، جميلا، متواضعا، زاهدا، ورعا، محققا، مشتملا على كرم الأخلاق، رضي الله عنه" .
واعتبره الصومعي (ت.1013هـ/1604 م)، من أكبر الأئمة "قدرا، وأفخمهم أمرا. الشيخ العارف بالله، الصديق الأكبر" .
ونعته ابن مريم(ت.1014هـ/1605م)ب "سيد العارفين،وقدوة السالكين،الإمام المشهور" .
ووصفه ابن القاضي (ت. 1025 هـ / 1616 م)، بالشيخ "العارف، الواصل، المحقق، القطب، فقيه الأولياء، وعمدة الأتقياء" .
ووسمه المقري (ت. 1041 هـ / 1632 م)، بــ "الشيخ، تاج العارفين" ، وقال فيه: "وهو بحر لا ساحل له" .
وجعله أبو العباس الولالي (ت. 1128 هـ / 1717 م)، ضمن الأولياء الأفراد، الذين ثبت لهم المدد، في الحياة، وبعد الممات" .
وحلاه الإفراني (ت. 1140 هـ / 1728 م) بــ "قدوة العارفين، وقبلة السالكين، وشيخ الشيوخ بالإجماع" . وقال فيه الجفري (ت. 1222 هـ / 1807 م): "كان احد أركان هذا الشأن ، وأجل الأكابر الأعيان. أظهر الله على يديه عجائب الآيات، وكشف له أسرار المغيَّبات، وانتشر ذكره في الآفاق، وانعقد الإجماع على فضله بالاتفاق" .
وتعته الميرغني(ت.1268هـ/1852 م) بــ "القطب" ، و"الأستاذ" .
ووصفه الناصري (ت. 1315 هـ / 1897 م)، بــ "الشيخ العارف بالله تعالى"، وبــ "الولي الكبير المشهور" .
وحلاه محمد جعفر الكتاني (ت. 1345 هـ / 1927 م)، بــ "الشيخ الكامل، المحقق الواصل، الشيخ الأعظم، العارف الأفخم، عظيم الأكابر والأفاضل، ورأس الصوفية الأماثل، القطب، الغوث، ولي الله تعالى"، وبــ "شيخ المشايخ الأفراد، وإمام الزهاد والعباد" .
واعتبره مخلوف "شيخ الطريقة، جمع الله له علم الشريعة والحقيقة"، وقال فيه: "كان من الفضلاء، وأعلام العلماء، ومن حُفاظ الحديث" .
شيوخ أبي مدين الغوث:
أخذ أبو مدين الغوث عن جماعة من الأكابر ، نذكر منهم:
-الشيخ الحافظ، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حِرْزِهِم (ت.559هـ / 1193 م): أخذ عنه كتاب "الرعاية" للمحاسبي، و"إحياء علوم الدين" للغزالي، وقرأ عليه علم الأصول، وعلم الكلام ؛
- الشيخ المــربي، ذو الكـرامات، أبو يِعْزَى يِلَنُّور بن عبد الرحمن بن أبي بكر الأيلاني (ت. 572 هـ / 1176 م): تــربى عليه روحيـا، وأخـذ عنـه الخـرقة الصـوفية ؛
- الفقيه الحافظ، العلامة، أبو الحسن علي بن خلف بن غالب الأنصاري الأندلسي (ت. 568 هـ / 1172 م) : سمع عليه كتاب "السنن" لأبي عيسى الترمذي ؛
- الشيخ الصالح، أبو عبد الله الدقاق السجلماسي، من كبار مشايخ القون السادس (ق.12م) : أخذ عنه طريق التصوف أيضا ؛
- الشيخ أبو الحسن السلاوي: أخذ عنه طريق التصوف أيضا ؛
- العارف بالله، الشيخ أبو محمد عبد القادر بن موسى الجيلاني (ت. 561 هـ/1166م): أخذ عنه، عندما التقى بـه في مكة، حيث قرأ عليه كثيرا من الحديث، ولبس منه الخرقة الصوفية ؛
- أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري (ت. 543 هـ / 1148 م): أخذ عنه الخرقة الصوفية ؛
- أ[و بكر محمد بن الوليد الطرطوشي (ت. 520 هـ / 1126 م): زعم الجفري، ان أ[ا مدين الغوث، أخذ عنه الخرقة الصوفية . وهذا مستبعد جدا، لأن أبا مدين، عند وفاة الطرطوشي، كان صغير السن، يتراوح عمره بين ست سنوات وسبع عشرة سنة، إذا رجحنا ان ولادته، كانت نحو 509 هـ / 1115 م ، أي: انه لم يصل بعدُ إلى السن التي تؤهله لارتداء الخرقة.
تلاميذ أبي مدين الغوث
كان أبو مدين الغوث، "مشغولا بالتربية والإفادة، والتعليم والعبادة، والإقبال على الله تعالى، في الظاهر والباطن" ، وتخرَّج به عالَم .
ويذكر مترجموهو، أنه خرَّج ألف تلميذ، أو أكثر ، ظهرت على يدهم كرامات . فكان؛ بدون منازع؛ من صدور المربِّين ، قال الجفري: "وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ، وتتلمذ به خلق كثير، من أهل الطريقة، وانتهى إليه عالَم عظيم من الصلحاء، وتأدب بين يديه المشايخ والعلماء" .
ومن الكتب التي كان يلازمها، ويقوم عليها، درسا وتدريسا، كتاب "الرعاية" للمحاسبي ، و"إحياء علوم الدين" للغزالي ، ومنهاج العابدين للغزاليا ، و"المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى" للغزالي أيضا ، والجامع الصحيح للترمذي ، و"الرسالة القشيرية" في التصوف .
ونحن ذاكرون هنا طائفة من تلاميذه، وهم من العلماء الأكابر، ومن السادات الصوفية، الذين لا يشق لهم غبار، ول تجهل لهم آثار: - الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد الأنصاري: وهو من كبار تلاميذه، وكثير الرواية عنه ؛
- الشيخ الصالح أبو علي حسن بن محمد الغافقي الصوّاف: صحب أبا مدين، نحوا من ثلاثين سنة، ولم يفارقه، إلا بالموت ؛
- الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري السقطي ؛
- الشيخ العارف عبد الرحيم بن أحمد بن حجون المغربي ؛
- أبو البقاء عبد الله ؛
- أبو العباس احمد البرنسي، صاحب كتاب "الذهب الإبريز والمختصر الوجيز"، وهو كتاب في شرح أسماء الله الحسنى ؛
الشيخ الشهير أبو محمد صالح بن ينصارن الدكالي الماجري القرشي المخزومي، دفين آسفي : أخص أصحابه، وأكبر تلامذته قدرا، أخذ عنه طريق اللباس والتبرك الصوفيين ؛
الشيخ الزاهد أبو محمد عبد الرزاق الجزولي، دفين الإسكندرية، وهو احد خواص أصحابه وتلامذته ؛
- أبو محمد عبد الخالق التونسي ؛
- الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي (ت.638 هـ/ 1240م) ؛
الشيخ القاضي أبو علي عبد الحق المسيلي، صاحي كتاب "التذكرة في أصول الدين" ؛
- الشيخ القاضي أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي (ت. 581 هـ/ 1185م)، صاحب كتابي "الأحكام الكبرى"، و"الأحكام الصغرى"، في الحديث، وكتاب "العافية في التذكير" ؛
- الشيخ أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونة الخزاعي ؛
- الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي، المدفون بمرسى جراح بأحواز تونس ؛
- الشيخ أبو عبد الله محمد بن احمد بن إبراهيم القرشي الأندلسي، المتوفى في بيت المقدس عام 599 هـ / 1202 م ؛
- آية الله في المكاشفة أبو عمران موسى تدراس الحلاّج ؛
- الشيخ الصالح الشهير أبو مسعود بن عريف، من جبال شلف بتلمسان ؛
- العابد الزاهد أبو محمد صالح محمد بن أبي القاسم السجلماسي ؛
- الشيخ محمد الفشتالي الفاسي ؛
-الشيخ أبو محمد محمد بن حمادو الصنهاجي،من قلعة بني حماد:قرأ على أبي مدين كتاب "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للغزالي، من فاتحته إلى خاتمته، وتفقه عليه في بجاية ؛
- الشيخ أبو غانم سالم ؛
- الشيخ أبو علي واضح المكناسي ؛
- الشيخ الصالح الفقير أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري السبتي ؛
- الشيخ بلال: أخذ عن أبي مدين الخرقة الصوفية ؛
- الشيخ أبو حامد عبد الواحد ؛
- الشيخ أبو الربيع المظفر ؛
- الشيخ أبو زيد بن هبة الله الورثي ؛
- الشيخ أبو جعفر بن السراج ؛
- الشيخ أبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني ؛
- الشيخ أبو علي زلال ؛
- القطب عبد السلام بن مشيش ؛
- الشيخ أبو النجاة: أخذ عن أبي مدين ببجاية ؛
- الشيخ عبد العزيز الهروية ؛
- الشيخ أبو سعيد ؛
- جد الشيخ أحمد المقري التلمساني: صرَّح بذلك في "نفح الطيب" ؛
- الحرة الصالح، لَلاَّ فاطمة الأندلسية القصرية ؛
- الشيخ يوسف الدهماني القيرواني ؛
- الشيخ طاهر المزوغي الساقي ؛
- أبو عبد الله محمد الدباغ، والد مؤلف كتاب "معالم الإيمان" .
كما أخذ عن الشيخ أبي مدين مشايخ كُمَّل، هنديون وسنديون . وممن ينتسب إليه، من أهل الهند، الشيخ الكبير أحمد كنهو الكجراتي .
وينسب إليه أيضا كثير من شيةخ اليمن، كالشيخ الفقيه محمد بن علي، والشيخ سعيد العمودي، والشيخ باعمر، والشيه باحمران، والشيخ بامعبد، والشيخ جوهر العدني، وغالب مشايخ حضر موت .
هذا، وقد ذكرنا بعض الشيوخ، ممن حاز شرفَي الصحبة والتلمذة، من لدن شيخ المشايخ أبي مدين الغوث. أما من حاز مرتبة الصحبة، دون التلمذة، فكثير. نذكر منهم:
- الشيخ أبا عبد الله محمد بن يعلى التاودي، سلك معه على يدي علي ابن حرزهم، وكانا أخوين في طريق شيخهما ؛
- ومنهم الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن ماكْسَن الصنهاجي ؛
- زمنهم الشيخ أبو الزهر ربيع الأنصاري البجائي، والد الفقيه أبي محمد عبد الحق ربيع الأنصاري البجائي ؛
- ومنهم المحصل المتقن، يحيى بن علي بن حسن بن حبوس الهمداني .
وغيرهم كثير.
ونعته أبو العباس العزفي (ت. 633 هـ / 1235 م) بــ "الشيخ الصالح" .
وحلاه الغبريني (ت. 714 هـ / 1314 م) بــ "الشيخ، الفقيه، المحقق، الواصل، القطب، شيخ مشايخ الإسلام في عصره، إمام العُبَّاد والزهاد، وخاصة الخلصاء من فضلاء العباد" .
ووصفه عبد الحق البادسي (كان حيا عام 722 هـ / 1322 م) بــ "الشيخ الزاهد" .
واعتبره ابن باديس (ت. 787 هـ / 1385 م) من "صدور العارفين المقربين، وعظماء العارفين، وأصحاب الحقائق، والمعارف، والتمكين، والتصريف، وخرق العوائد، ممن جمع له بين علمي الشريعة والحقيقة، انتهت له رئاسة هذا الشأن" .
ووصفه ابن قنفذ (ت. 810 هـ / 1407 م) بــ "الشيخ العارف، المحقق الواحد القطب" ، وبــ "شيخ مشايخ الإسلام، وإمام العباد الزهاد" ، وانه "بلغ رحمه الله من الورع مقاما عليا، ونال من الزهد والتحقيق منالا سنيا، تبعه فيه المتقون،واقتدى به المحققون، ولازمه المصدقون. وله أشياخ مشاهير، وإخوان جماهير، وأصحاب جواهر" ، وقال فيه: "كان زاهدا في الدنيا، عارفا بالله تعالى، وخاض بحارا من الحوال، ونال من المعارف الربانية الآمال. ومقامه الخاص به، الذي لا يلحقه فيه احد، التوكل على الله تعالى. وكان له بسط وقبض. فبسطه بالعلم، وقبضه بالمراقبة" .
وجعله الشعراني (ت.973هـ/1565م)، "من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المربين" ، وقال فيه: "أجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله، وتأدبوا بين يديه. وكان ظريفا، جميلا، متواضعا، زاهدا، ورعا، محققا، مشتملا على كرم الأخلاق، رضي الله عنه" .
واعتبره الصومعي (ت.1013هـ/1604 م)، من أكبر الأئمة "قدرا، وأفخمهم أمرا. الشيخ العارف بالله، الصديق الأكبر" .
ونعته ابن مريم(ت.1014هـ/1605م)ب "سيد العارفين،وقدوة السالكين،الإمام المشهور" .
ووصفه ابن القاضي (ت. 1025 هـ / 1616 م)، بالشيخ "العارف، الواصل، المحقق، القطب، فقيه الأولياء، وعمدة الأتقياء" .
ووسمه المقري (ت. 1041 هـ / 1632 م)، بــ "الشيخ، تاج العارفين" ، وقال فيه: "وهو بحر لا ساحل له" .
وجعله أبو العباس الولالي (ت. 1128 هـ / 1717 م)، ضمن الأولياء الأفراد، الذين ثبت لهم المدد، في الحياة، وبعد الممات" .
وحلاه الإفراني (ت. 1140 هـ / 1728 م) بــ "قدوة العارفين، وقبلة السالكين، وشيخ الشيوخ بالإجماع" . وقال فيه الجفري (ت. 1222 هـ / 1807 م): "كان احد أركان هذا الشأن ، وأجل الأكابر الأعيان. أظهر الله على يديه عجائب الآيات، وكشف له أسرار المغيَّبات، وانتشر ذكره في الآفاق، وانعقد الإجماع على فضله بالاتفاق" .
وتعته الميرغني(ت.1268هـ/1852 م) بــ "القطب" ، و"الأستاذ" .
ووصفه الناصري (ت. 1315 هـ / 1897 م)، بــ "الشيخ العارف بالله تعالى"، وبــ "الولي الكبير المشهور" .
وحلاه محمد جعفر الكتاني (ت. 1345 هـ / 1927 م)، بــ "الشيخ الكامل، المحقق الواصل، الشيخ الأعظم، العارف الأفخم، عظيم الأكابر والأفاضل، ورأس الصوفية الأماثل، القطب، الغوث، ولي الله تعالى"، وبــ "شيخ المشايخ الأفراد، وإمام الزهاد والعباد" .
واعتبره مخلوف "شيخ الطريقة، جمع الله له علم الشريعة والحقيقة"، وقال فيه: "كان من الفضلاء، وأعلام العلماء، ومن حُفاظ الحديث" .
شيوخ أبي مدين الغوث:
أخذ أبو مدين الغوث عن جماعة من الأكابر ، نذكر منهم:
-الشيخ الحافظ، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حِرْزِهِم (ت.559هـ / 1193 م): أخذ عنه كتاب "الرعاية" للمحاسبي، و"إحياء علوم الدين" للغزالي، وقرأ عليه علم الأصول، وعلم الكلام ؛
- الشيخ المــربي، ذو الكـرامات، أبو يِعْزَى يِلَنُّور بن عبد الرحمن بن أبي بكر الأيلاني (ت. 572 هـ / 1176 م): تــربى عليه روحيـا، وأخـذ عنـه الخـرقة الصـوفية ؛
- الفقيه الحافظ، العلامة، أبو الحسن علي بن خلف بن غالب الأنصاري الأندلسي (ت. 568 هـ / 1172 م) : سمع عليه كتاب "السنن" لأبي عيسى الترمذي ؛
- الشيخ الصالح، أبو عبد الله الدقاق السجلماسي، من كبار مشايخ القون السادس (ق.12م) : أخذ عنه طريق التصوف أيضا ؛
- الشيخ أبو الحسن السلاوي: أخذ عنه طريق التصوف أيضا ؛
- العارف بالله، الشيخ أبو محمد عبد القادر بن موسى الجيلاني (ت. 561 هـ/1166م): أخذ عنه، عندما التقى بـه في مكة، حيث قرأ عليه كثيرا من الحديث، ولبس منه الخرقة الصوفية ؛
- أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري (ت. 543 هـ / 1148 م): أخذ عنه الخرقة الصوفية ؛
- أ[و بكر محمد بن الوليد الطرطوشي (ت. 520 هـ / 1126 م): زعم الجفري، ان أ[ا مدين الغوث، أخذ عنه الخرقة الصوفية . وهذا مستبعد جدا، لأن أبا مدين، عند وفاة الطرطوشي، كان صغير السن، يتراوح عمره بين ست سنوات وسبع عشرة سنة، إذا رجحنا ان ولادته، كانت نحو 509 هـ / 1115 م ، أي: انه لم يصل بعدُ إلى السن التي تؤهله لارتداء الخرقة.
تلاميذ أبي مدين الغوث
كان أبو مدين الغوث، "مشغولا بالتربية والإفادة، والتعليم والعبادة، والإقبال على الله تعالى، في الظاهر والباطن" ، وتخرَّج به عالَم .
ويذكر مترجموهو، أنه خرَّج ألف تلميذ، أو أكثر ، ظهرت على يدهم كرامات . فكان؛ بدون منازع؛ من صدور المربِّين ، قال الجفري: "وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ، وتتلمذ به خلق كثير، من أهل الطريقة، وانتهى إليه عالَم عظيم من الصلحاء، وتأدب بين يديه المشايخ والعلماء" .
ومن الكتب التي كان يلازمها، ويقوم عليها، درسا وتدريسا، كتاب "الرعاية" للمحاسبي ، و"إحياء علوم الدين" للغزالي ، ومنهاج العابدين للغزاليا ، و"المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى" للغزالي أيضا ، والجامع الصحيح للترمذي ، و"الرسالة القشيرية" في التصوف .
ونحن ذاكرون هنا طائفة من تلاميذه، وهم من العلماء الأكابر، ومن السادات الصوفية، الذين لا يشق لهم غبار، ول تجهل لهم آثار: - الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد الأنصاري: وهو من كبار تلاميذه، وكثير الرواية عنه ؛
- الشيخ الصالح أبو علي حسن بن محمد الغافقي الصوّاف: صحب أبا مدين، نحوا من ثلاثين سنة، ولم يفارقه، إلا بالموت ؛
- الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري السقطي ؛
- الشيخ العارف عبد الرحيم بن أحمد بن حجون المغربي ؛
- أبو البقاء عبد الله ؛
- أبو العباس احمد البرنسي، صاحب كتاب "الذهب الإبريز والمختصر الوجيز"، وهو كتاب في شرح أسماء الله الحسنى ؛
الشيخ الشهير أبو محمد صالح بن ينصارن الدكالي الماجري القرشي المخزومي، دفين آسفي : أخص أصحابه، وأكبر تلامذته قدرا، أخذ عنه طريق اللباس والتبرك الصوفيين ؛
الشيخ الزاهد أبو محمد عبد الرزاق الجزولي، دفين الإسكندرية، وهو احد خواص أصحابه وتلامذته ؛
- أبو محمد عبد الخالق التونسي ؛
- الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي (ت.638 هـ/ 1240م) ؛
الشيخ القاضي أبو علي عبد الحق المسيلي، صاحي كتاب "التذكرة في أصول الدين" ؛
- الشيخ القاضي أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي (ت. 581 هـ/ 1185م)، صاحب كتابي "الأحكام الكبرى"، و"الأحكام الصغرى"، في الحديث، وكتاب "العافية في التذكير" ؛
- الشيخ أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونة الخزاعي ؛
- الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي، المدفون بمرسى جراح بأحواز تونس ؛
- الشيخ أبو عبد الله محمد بن احمد بن إبراهيم القرشي الأندلسي، المتوفى في بيت المقدس عام 599 هـ / 1202 م ؛
- آية الله في المكاشفة أبو عمران موسى تدراس الحلاّج ؛
- الشيخ الصالح الشهير أبو مسعود بن عريف، من جبال شلف بتلمسان ؛
- العابد الزاهد أبو محمد صالح محمد بن أبي القاسم السجلماسي ؛
- الشيخ محمد الفشتالي الفاسي ؛
-الشيخ أبو محمد محمد بن حمادو الصنهاجي،من قلعة بني حماد:قرأ على أبي مدين كتاب "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للغزالي، من فاتحته إلى خاتمته، وتفقه عليه في بجاية ؛
- الشيخ أبو غانم سالم ؛
- الشيخ أبو علي واضح المكناسي ؛
- الشيخ الصالح الفقير أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري السبتي ؛
- الشيخ بلال: أخذ عن أبي مدين الخرقة الصوفية ؛
- الشيخ أبو حامد عبد الواحد ؛
- الشيخ أبو الربيع المظفر ؛
- الشيخ أبو زيد بن هبة الله الورثي ؛
- الشيخ أبو جعفر بن السراج ؛
- الشيخ أبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني ؛
- الشيخ أبو علي زلال ؛
- القطب عبد السلام بن مشيش ؛
- الشيخ أبو النجاة: أخذ عن أبي مدين ببجاية ؛
- الشيخ عبد العزيز الهروية ؛
- الشيخ أبو سعيد ؛
- جد الشيخ أحمد المقري التلمساني: صرَّح بذلك في "نفح الطيب" ؛
- الحرة الصالح، لَلاَّ فاطمة الأندلسية القصرية ؛
- الشيخ يوسف الدهماني القيرواني ؛
- الشيخ طاهر المزوغي الساقي ؛
- أبو عبد الله محمد الدباغ، والد مؤلف كتاب "معالم الإيمان" .
كما أخذ عن الشيخ أبي مدين مشايخ كُمَّل، هنديون وسنديون . وممن ينتسب إليه، من أهل الهند، الشيخ الكبير أحمد كنهو الكجراتي .
وينسب إليه أيضا كثير من شيةخ اليمن، كالشيخ الفقيه محمد بن علي، والشيخ سعيد العمودي، والشيخ باعمر، والشيه باحمران، والشيخ بامعبد، والشيخ جوهر العدني، وغالب مشايخ حضر موت .
هذا، وقد ذكرنا بعض الشيوخ، ممن حاز شرفَي الصحبة والتلمذة، من لدن شيخ المشايخ أبي مدين الغوث. أما من حاز مرتبة الصحبة، دون التلمذة، فكثير. نذكر منهم:
- الشيخ أبا عبد الله محمد بن يعلى التاودي، سلك معه على يدي علي ابن حرزهم، وكانا أخوين في طريق شيخهما ؛
- ومنهم الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن ماكْسَن الصنهاجي ؛
- زمنهم الشيخ أبو الزهر ربيع الأنصاري البجائي، والد الفقيه أبي محمد عبد الحق ربيع الأنصاري البجائي ؛
- ومنهم المحصل المتقن، يحيى بن علي بن حسن بن حبوس الهمداني .
وغيرهم كثير.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:51 عدل 1 مرات
تابع....الرسالة التوحيدية والروحية لدى فقهاء المغرب
مؤلفات أبي مدين الغوث
لأبي مدين الغوث تأليفات، وتقييدات، في طريق التصوف ، وكلام، وأدعية، وشعر . ونظمه جيد، ورائق ، وكثير، ومشهور بين الناس .
ونذكر من مؤلفاته:
- استغفار منظوم من بحر البسيط: عدد أبياته 32 بيتا، مطلعه:
أستغفر الله مجري الفلك في الظُّلَم على عباب من التيار ملتطم ؛
- أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد : وهو من أَنْفَس كتب الحكمة وأجلها، ولذا يعرف أيضا بــ "حِكَم أبي مدين" . وقد أكثر العلماء من الاقتباس منها ؛
- تقييد في التصوف وآداب خدمة الشيخ ؛
- الجوهرة: وهي منظومة رجزية في الوعظ، عدد أبياتها 103، وهذا مطلعها:
مقصورة سميتها بالجوهرة******مفل لما شان الحجا من الصدا
لا تصحبن من الورى سوى الذي*****يهديك من ضلالة إلى الهدى ؛
- حرز الأقسام ؛
- خطبة وعظية: نقلها عبد الله گنون في "النبوغ المغربي" ؛
- رسالة في التصوف ؛
- عقيدة ؛
- قصيدة بائية من بحر الطويل: عدد أبياتها اثنا عشر (12) بيتا، هذا مطلعها:
إليك مددت الكفا في طل شدة ومنك وجدت اللطف في كل نائب ؛
- قصيدة خمرية نونية من بحر الطويل : عدد أبياتها 107، وهذا مطلعها:
أدرها لنا صرفا ودع مزجها عنا *****وارو فإن العز من ذلك نلنا؛
- قصيدة رائية في التصوف وآداب السلوك من بحر الطويل ، وهذا مطلعها:
ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا*****هم السلاطين والسادات والأمرا
ومن أهم الشروح عليها، شرح ابن عطاء الله السكندري، الموسوم بــ "عنوان التوفيق في آداب الطريق". فلا غرو أن يكون شرحه هذا، وتقريره ما ورد فيها، وتحقيقه ما لاح منها من إشارات ولطائف، يوحي بتأثره العميق بمسلك أبي مدين الغوث، في التصوف والعرفان. ومما يؤكد ذلك ويزكيه، أنه يستدل بأقواله في سائر كتبه . وهذا إعلان صريح عن مصدر معرفي لديه.
كما نجد صدى الحِكَم المَدْيَنية مترددا في كتبه. فقد قال أبو مدين مثلا: "من ترك التدبير والاختيار، طاب عيشه" ، وهي الفكرة المحورية، التي ينبني عليها كتاب "التنوير في إسقاط التدبير".
وقال أبو مدين: "علامة الإخلاص، أن تغيّب عنك الخلق، في مشاهدة الحق" .
ولا ريب أن الناظر في هذه الحكمة العطائية: "غيِّب نظر الخلق إليه، بنظر الله إليك. وغِبْ عن وجود إقبالهم عليك، بشهود إقباله عليك" ، يُشْعِر بنوع من الاقتباس المخفي بإعادة الصياغة.
وقال أبو مدين: "من عرف نفسه، لم يغتر بثناء الناس عليه" ، وهي حكمة مفصَّلة في "الحِكَم العطائية" ؛
- قصيدة رائية من بحر الطويل : يذكر فيها آلاء الله ونعمه، عدد أبياتها 29 بيتا، وهذا مطلعها:
صلاتك ربي والسلام على الذي*****أتانا رسولا داعيا ومبشرا
أيا من تعالى مجده متكبرا******وجل جلالا قدره أن يقدرا؛
- قصيدة رائية من بحر الكامل: نقل منها المقري اثني عشر بيتا ، وهذا مطلع ما نقله:
بكت السحاب فأضحكت لبكائها*****زهر الرياض وفاضت الأنهار؛
- قصيدة غزلية نونية من بحر الطويل : عدد أبياتها 23 بيتا، وهذا مطلعها:
صلاتك ربي والسلام على النبي *****صلاة بها نرجو الزيادة والحسنى
تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا*****وتذهب بالأشواق أرواحنا منا؛
- وصية ؛ كما له أدعية في الاستخارة، وغيرها .
تداخل التوحيد والفقه والتصوف في فكر أبي مدين الغوث
إن التكوين المالكي المتين، الذي حدد التوجه الفكري، والعلمي، والروحي، لأبي مدين، هو المعيار الذي انفتح به على شيخه عبد القادر الجيلاني، فأخذ طريقته الصوفية، ونشرها في كل أرجاء المغرب، دون المساس بهويته المذهبية.
لقد كان أبو مدين، يربي الناس روحيا، وفي الآن نفسه، ترد عليه الفتاوى، ويجيب عنها، وفقا لمذهب الإمام مالك ، معيدا بذلك للفقه أصالته. فكما كان يربي أتباعه أخلاقيا، فقد كان أيضا يدعو إلى أخذ العلم من أصوله، وتحرير القول من دليله، وإلا كان هوى متبعا، وبعبارته: "إنما حرموا الوصول بترك الاقتداء بالدليل وسلوكهم إلى الهوى" ، و"الحديث ما استدعيت من الجواب، والكلام ما صدقك من الخطاب" .
ولعل هذا ما يفسر لجوء أولياء وقته إليه للاستفتاء، فيما يعرض لهم من المسائل . قال أحمد التادلي الصومعي (ت. 1013 هـ / 1604 م): "ومن عجيب كرائم سيدي أبي مدين، أن أولياء زمانه، كانوا يستفتونه في المعضلات، من مشكلات الطريق، التي لا يفهمها الفقهاء، فيجيب عنها في الحين" .
فلا غرو أن نلفي الكثير من القواعد الفقهية والأصولية، مضمَّنة في كتابه "أنس الوحيد ونزهة المريد"، وقد صيغت بأسلوب عرفاني.
من ذلك؛ مثلا؛ قوله: "الحق سبحانه وتعالى، يجري على ألسنة علماء كل زمان ما يليق بأهله" ، وهي لا تزيد عن كونها صيغة أخرى لما بقوله الفقهاء وعلماء أصول الفقه: "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان". ومن ذلك أيضا قوله: "ما فات لا يستدرك، لأن الوقت الثاني غير الأول" .
كما نلاحظ، أن النزعة المغربية في بناء الثقافة والفكر على الكلام الأشعري، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي، واضحة في هذا الكتاب. ومن تجليات ذلك، أن الكتاب المذكور في التصوف، بيد أنه يَعتبره كتابا في التوحيد، بدليل انه اعتبر كلمة "التوحيد" من المفردات المكونة لعبارة العنوان، وكذا كلمة "المريد"، التي لا يمكن أن نتصور تصوفا بدون تمثُّلها.
أما الفقه، فحضوره لا يخفى على الناظر المتفحص، حيث صاغ عبارات فقهية وأصولية بصيغة أهل الإشارة.
ومن العبارات، التي تؤكد التداخل العميق، بين الأركان الثلاثة، في فكر أبي مدين الغوث، قوله: "إذا ظهر الحق، لم يبق معه غيره" ، حيث تحيلنا، على الأقل، إلى أمرين: أحدهما له صلة بعلم الكلام، وثانيهما له صلة بأصول الفقه.
أما الذي له صلة بعلم الكلام، فهو عدم جواز التقليد في العقائد، إذ التقليد يكون في المسائل الخلافية، وما دام الحق واحدا، وهذا لا يُتصور إلا في العقائد، فلا تقليد فيه، والآخذ به يأخذه عن دليل.
وأما الذي له صلة بأصول الفقه، وهو مسألة ناقشها علماء هذا الفن، في مبحث "الاجتهاد والتقليد"، وهي: هل الحق واحد في مسائل أصول الدين؟
ويقول في تقرير التداخل بين التوحيد والأحكام الفقهية: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد" .
ومن تجليات التداخل بين التوحيد والتصوف، أن التصوف يصير دليلا على التوحيد: "الفقر أمارة على التوحيد، ودلالة على التفريد" ، بل يصير التوحيدُ كلاما شارحا للتصوف، حيث عرفه بقوله: "الفقر: أن لا تشهد عين سواه" ، ويصير التصوف أمارة على أن صاحبه من أهل التسليم والتفويض، كما تدل على ذلك عبارته: "ثمن التصوف تسليم كلك" .
ومن تجليات التداخل بين الفقه والتصوف قوله: "من اكتفى بالكلام في العلم، دون اتصاف بحقيقته، تزندق، وانقطع. ومن اكتفى بالتعبد، دون فقه، خرج، وابتدع. ومن اكتفى بالفقه، دون ورع، اغتر، وانخدع. ومن قام بما يجب عليه من الأحكام، تخلَّص، وارتفع" .
ومن عباراته المؤكدة لأشعريته،قوله:"من ترك التدبير والاختيار،طاب عيشه" ،حيث تلوح منها نظرية الكسب الأشعرية، وهي الاعتقاد بأن الله تعالى، هو الخالق لأفعال العباد، وما على العبد، إلا الاكتساب.
ومن عباراته الواضحة في ذلك: "سنته عز وجل استدعاء العباد، لعبادته بسعة الأرزاق، ودوام المعافاة، ليرجعوا إليه بنعمته. فإن لم يفعلوا، ابتلاهم بالسراء والضراء، لعلهم يرجعون، لأن مراده عز وجل، رجوع العبد إليه، طوعا أو كرها" . وفسر قوله تعالى: "صراط الله" بقوله: "الدلالة عليه، والتبري من الحول والقوة إليه" .
ويقول بلسان أهل العرفان: "ليس للقلب، إلا وجهة واحدة. فمهما توجه إليها، حجب عن غيرها" ، إذ لا يخفى المقصد الأخلاقي الحاضر في هذه العبارة، دون أن تكون في معزل عن مسألة من أهم المسائل التي عالجها فقهاء المغرب، وهي: هل يجوز تقليد أكثر من إمام، في مسائل العبادات والمعاملات؟ أو لا يجوز؟
ويمكن أن نستنتج منها، أنه لا يجيز الترقيع في التقليد . ومن أهم ما ينص عليه علماء المقاصد، أن الشريعة معللة بجلب المصلحة ودرء المفسدة. ومن العبارات، التي تلوح بهذا المعنى، قوله: "البصيرة تحقيق الانتفاع" ، وقوله: "من ضيع حكمة وقته، فهو جاهل. ومن فصر عنها، فهو عاجز" .
ولا جرم أن المصلحة المقصودة بالشرع، ليس صرف اللذة، كما قد ينصرف إلى الذهن، وإنما المصلحة التي تحقق الانتفاع في الدنيا والآخرة، وبعبارة الفقهاء والأصوليين: "في المعاش والمعاد". ومن عبارات أبي مدين الغوث، التي تؤدي هذا المعنى: "من نظر إلى المكوَّنات نظر إرادة وشهوة، حجب عن العبرة فيها، والانتفاع بها" .
ويقول أيضا في هذا السياق: "التسليم إرسال النفس في ميادين الأحكام، وترك الشفقة عليها من الطوارق والآلام" ، إذ إن العمل بالأحكام الشرعية، مع مراعاة مقاصدها، وإثبات عللها، يجعل العمل بها مقرونة بلذة، مما فيه تيسير عند الامتثال بها، ورفع لما يُظن أنه مبعث المشقة فيها. ولعل هذا هو مؤدَّى قوله: "استلذاذك بالبلاء، تحقيق الرضا" .
ويمكن أن نستفيد، من بعض عباراته، أن أبا مدين الغوث، كان من أهل التسليم والتفويض، أي أنه أشعري، بدون إغراق في التأويل، ومنها قوله: "احرص أن تصبح وتمسي مفوضا مستسلما، لعله ينظر إليك، فيرحمك" . ومنها قوله: "لسان الورع، يدعو إلى ترك الآفات. ولسان التعبد، يدعو إلى الدوام بالاجتهاد. ولسان المحبة، يدعو إلى الذوبان، والهيمان. ولسان المعرفة، يدعو إلى الفناء، والمحو، والإثبات، والصحو" ، حيث لا مانع يمنعنا من أن نفهم من أن المقصود من كلمة "إثبات"، إثبات الصفات، بدون تأويل، ولا تشبيه. ناهيك عما تؤديه هذه القولة من التداخل بين علم الكلام، والفقه (التعبد، الاجتهاد)، والتصوف (الورع، المحبة، الذوبان، الهيمان، المعرفة، الفناء، المحو، الصحو).
ومن أهم ما تلوح به "حِكَمُهُ"، أنه كان يحمل مشروعا من أهم المشاريع الكلامية، وهو التحذير من المبتدعة، ومحاربة الأفكار الضالة، ، التي كانت آثارها لا تزال باقية في عصره، أعني العصر الموحدي، على الرغم من الجهود الكبيرة، التي بذلها الموحدون، لتنقية عقائد الناس منها، فقد قال: "احذر صحبة المبتدعة، اتقاء على نفسك. واحذر صحبة النساء، اتقاء على قلبك" ، وقال: "من كان فيه أدنى بدعة، فاحذر مجالسته، لئلا يعود عليك شؤمها، ولو بعد حين" . وهذا يكشف عن الدور، الذي قام به التصوف المغربي العملي، في تجذير العقيدة الأشعرية في المغرب، ومحاربة أهل الأهواء والزيغ والبدع.
ولا يخفى، أن تصوف أبي مدين الغوث، يتخذ من التصوف الجنيدي معينا له، ومشربا. فأبو القاسم الجنيد، من أهم الحلقات في سنده الصوفي . ومعلوم أن تصوف هذا الأخير، ما هو إلا اتباع الكتاب والسنة، وهو من أبرز سمات التصوف المَدْيني. ومما قاله في تقرير ذلك: "من ضيَّع الفرائض، فقد ضيَّع نفسه" ، وقال: "لا طريق أوصل للحق، إلا من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه" .
وإذا كان الجنيد قد قال: "من زادك في التصوف، فقد زادك في التخلق"، فقد قال أبو مدين الغوث ما يمكن أن نعتبره تفسيرا له: "حُسْنُ الخُلُق: معاملة كل شخص بما يؤنسه، ولا يوحشه" ، و"الشيخ: من هذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه" .
وإذا كنت طريقة الجنيد طريقة استقامة، لا طريقة كرامة، فقد قال أبو مدين الغوث: "إذا رأيتم الرجل، تظهر له الكرامات، وتنخرق له العادات، فلا تلتفتوا إليه. ولكن، انظروا كيف هو، عند امتثال الأمر والنهي" .
فإن كان التصوف مؤديا لهذه المقاصد، فهو المطلوب، وإلا كان هوى متبَعا، وبعبارته: "آفة الخلق حسن الظن، وآفة الصوفية اتباع الهوى" .
وهذا الارتباط بين التوحيد، والفقه، والتصوف، ليس غريبا عن الفكر الإسلامي، في أوج تقدمه، وهو القرن الثالث، حيث كان الحكيم الترمذي، ممن أضاف شرطا إلى شروط الاجتهاد. وهو الولاية، فلا يفتي المفتي، إلا إذا كان من أهل الولاية الخاصة .
ولا جرم أن هذا يحقق قاعدة هامة، وهي اتفاق المذاهب قاطبة على أن أصول العلم، التي تضبط حياة المسلمين عامة، والعلماء خاصة، تتصدرها العلاقة الروحية الإيمانية، التي من أجلها نزل القرآن، واعتبرها منطلقا ضروريا، ومقصدا أساسا، في بناء المجتمع الإسلامي السليم.
وعندما نشير إلى "العلاقة الروحية الإيمانية"، فإننا نقصد أصالة حضور البعد الإيماني، اعني التوحيدي الأشعري، في التجربة الروحية، حيث التبس مفهوم الكلام بمفهوم التصوف، عند المغاربة، في أحايين كثيرة، بل ذابا وامتزجا في مصطلح واحد، يدل عليهما معا، وهو مصطلح "التوحيد". ومن ذلك، ما قاله أبو مدين الغوث: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد" .
فالتفاعل الروحي، يظل وسيلة هامة للانفتاح المذهبي – عقديا وفقهيا -، بحيث يصير الانفتاح، بين المذاهب الإسلامية، طريقة روحية، لتعميق الوحدة الإسلامية، وتخصيب المذهبية الفقهية، على حد سواء.
ونستنتج، من خلال ما ذكرنا، اأ أبا مدين الغوث، جمع بين الانفتاح على المشرق، والحفاظ على اًصالته، باعتباره ينتمي إلى أمة، لها خصائصها التي تميزها.
لقد تشبَّع أبو مدين الغوث بالمشرب الصوفي المشرقي، عند التقائه بعبد القادر الجيلاني، مع الحفاظ على المذهب المالكي في الفتوى والاجتهاد، باعتباره إطارا فقهيا، يحافظ على الوحدة السياسية في الغرب الإسلامي، الذي كان تحكمه آنئذ الأسرة الموحدية.
وبذلك، تكون العلاقة الروحية، بين أبي مدين المالكي والجيلاني الحنبلي، مظهرا لثلاث حقائق هامة:
- أولاها: الترفع عن الخلافات المذهبية والفروع الفقهية؛
- ثانيها: الحرص على الأساس العقدي، الذي يمثله المذهب الأشعري؛
- ثالثها: الحفاظ على التآلف الديني العميق. وهذا ما يجعل القاعدة الروحية منطلقا ضروريا لتخصيب التراث الفقهي وتنويعه، والحفاظ على الهوية المذهبية، مع الانفتاح على المذاهب الأخرى، ومد الجسور معها.
لأبي مدين الغوث تأليفات، وتقييدات، في طريق التصوف ، وكلام، وأدعية، وشعر . ونظمه جيد، ورائق ، وكثير، ومشهور بين الناس .
ونذكر من مؤلفاته:
- استغفار منظوم من بحر البسيط: عدد أبياته 32 بيتا، مطلعه:
أستغفر الله مجري الفلك في الظُّلَم على عباب من التيار ملتطم ؛
- أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد : وهو من أَنْفَس كتب الحكمة وأجلها، ولذا يعرف أيضا بــ "حِكَم أبي مدين" . وقد أكثر العلماء من الاقتباس منها ؛
- تقييد في التصوف وآداب خدمة الشيخ ؛
- الجوهرة: وهي منظومة رجزية في الوعظ، عدد أبياتها 103، وهذا مطلعها:
مقصورة سميتها بالجوهرة******مفل لما شان الحجا من الصدا
لا تصحبن من الورى سوى الذي*****يهديك من ضلالة إلى الهدى ؛
- حرز الأقسام ؛
- خطبة وعظية: نقلها عبد الله گنون في "النبوغ المغربي" ؛
- رسالة في التصوف ؛
- عقيدة ؛
- قصيدة بائية من بحر الطويل: عدد أبياتها اثنا عشر (12) بيتا، هذا مطلعها:
إليك مددت الكفا في طل شدة ومنك وجدت اللطف في كل نائب ؛
- قصيدة خمرية نونية من بحر الطويل : عدد أبياتها 107، وهذا مطلعها:
أدرها لنا صرفا ودع مزجها عنا *****وارو فإن العز من ذلك نلنا؛
- قصيدة رائية في التصوف وآداب السلوك من بحر الطويل ، وهذا مطلعها:
ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا*****هم السلاطين والسادات والأمرا
ومن أهم الشروح عليها، شرح ابن عطاء الله السكندري، الموسوم بــ "عنوان التوفيق في آداب الطريق". فلا غرو أن يكون شرحه هذا، وتقريره ما ورد فيها، وتحقيقه ما لاح منها من إشارات ولطائف، يوحي بتأثره العميق بمسلك أبي مدين الغوث، في التصوف والعرفان. ومما يؤكد ذلك ويزكيه، أنه يستدل بأقواله في سائر كتبه . وهذا إعلان صريح عن مصدر معرفي لديه.
كما نجد صدى الحِكَم المَدْيَنية مترددا في كتبه. فقد قال أبو مدين مثلا: "من ترك التدبير والاختيار، طاب عيشه" ، وهي الفكرة المحورية، التي ينبني عليها كتاب "التنوير في إسقاط التدبير".
وقال أبو مدين: "علامة الإخلاص، أن تغيّب عنك الخلق، في مشاهدة الحق" .
ولا ريب أن الناظر في هذه الحكمة العطائية: "غيِّب نظر الخلق إليه، بنظر الله إليك. وغِبْ عن وجود إقبالهم عليك، بشهود إقباله عليك" ، يُشْعِر بنوع من الاقتباس المخفي بإعادة الصياغة.
وقال أبو مدين: "من عرف نفسه، لم يغتر بثناء الناس عليه" ، وهي حكمة مفصَّلة في "الحِكَم العطائية" ؛
- قصيدة رائية من بحر الطويل : يذكر فيها آلاء الله ونعمه، عدد أبياتها 29 بيتا، وهذا مطلعها:
صلاتك ربي والسلام على الذي*****أتانا رسولا داعيا ومبشرا
أيا من تعالى مجده متكبرا******وجل جلالا قدره أن يقدرا؛
- قصيدة رائية من بحر الكامل: نقل منها المقري اثني عشر بيتا ، وهذا مطلع ما نقله:
بكت السحاب فأضحكت لبكائها*****زهر الرياض وفاضت الأنهار؛
- قصيدة غزلية نونية من بحر الطويل : عدد أبياتها 23 بيتا، وهذا مطلعها:
صلاتك ربي والسلام على النبي *****صلاة بها نرجو الزيادة والحسنى
تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا*****وتذهب بالأشواق أرواحنا منا؛
- وصية ؛ كما له أدعية في الاستخارة، وغيرها .
تداخل التوحيد والفقه والتصوف في فكر أبي مدين الغوث
إن التكوين المالكي المتين، الذي حدد التوجه الفكري، والعلمي، والروحي، لأبي مدين، هو المعيار الذي انفتح به على شيخه عبد القادر الجيلاني، فأخذ طريقته الصوفية، ونشرها في كل أرجاء المغرب، دون المساس بهويته المذهبية.
لقد كان أبو مدين، يربي الناس روحيا، وفي الآن نفسه، ترد عليه الفتاوى، ويجيب عنها، وفقا لمذهب الإمام مالك ، معيدا بذلك للفقه أصالته. فكما كان يربي أتباعه أخلاقيا، فقد كان أيضا يدعو إلى أخذ العلم من أصوله، وتحرير القول من دليله، وإلا كان هوى متبعا، وبعبارته: "إنما حرموا الوصول بترك الاقتداء بالدليل وسلوكهم إلى الهوى" ، و"الحديث ما استدعيت من الجواب، والكلام ما صدقك من الخطاب" .
ولعل هذا ما يفسر لجوء أولياء وقته إليه للاستفتاء، فيما يعرض لهم من المسائل . قال أحمد التادلي الصومعي (ت. 1013 هـ / 1604 م): "ومن عجيب كرائم سيدي أبي مدين، أن أولياء زمانه، كانوا يستفتونه في المعضلات، من مشكلات الطريق، التي لا يفهمها الفقهاء، فيجيب عنها في الحين" .
فلا غرو أن نلفي الكثير من القواعد الفقهية والأصولية، مضمَّنة في كتابه "أنس الوحيد ونزهة المريد"، وقد صيغت بأسلوب عرفاني.
من ذلك؛ مثلا؛ قوله: "الحق سبحانه وتعالى، يجري على ألسنة علماء كل زمان ما يليق بأهله" ، وهي لا تزيد عن كونها صيغة أخرى لما بقوله الفقهاء وعلماء أصول الفقه: "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان". ومن ذلك أيضا قوله: "ما فات لا يستدرك، لأن الوقت الثاني غير الأول" .
كما نلاحظ، أن النزعة المغربية في بناء الثقافة والفكر على الكلام الأشعري، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي، واضحة في هذا الكتاب. ومن تجليات ذلك، أن الكتاب المذكور في التصوف، بيد أنه يَعتبره كتابا في التوحيد، بدليل انه اعتبر كلمة "التوحيد" من المفردات المكونة لعبارة العنوان، وكذا كلمة "المريد"، التي لا يمكن أن نتصور تصوفا بدون تمثُّلها.
أما الفقه، فحضوره لا يخفى على الناظر المتفحص، حيث صاغ عبارات فقهية وأصولية بصيغة أهل الإشارة.
ومن العبارات، التي تؤكد التداخل العميق، بين الأركان الثلاثة، في فكر أبي مدين الغوث، قوله: "إذا ظهر الحق، لم يبق معه غيره" ، حيث تحيلنا، على الأقل، إلى أمرين: أحدهما له صلة بعلم الكلام، وثانيهما له صلة بأصول الفقه.
أما الذي له صلة بعلم الكلام، فهو عدم جواز التقليد في العقائد، إذ التقليد يكون في المسائل الخلافية، وما دام الحق واحدا، وهذا لا يُتصور إلا في العقائد، فلا تقليد فيه، والآخذ به يأخذه عن دليل.
وأما الذي له صلة بأصول الفقه، وهو مسألة ناقشها علماء هذا الفن، في مبحث "الاجتهاد والتقليد"، وهي: هل الحق واحد في مسائل أصول الدين؟
ويقول في تقرير التداخل بين التوحيد والأحكام الفقهية: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد" .
ومن تجليات التداخل بين التوحيد والتصوف، أن التصوف يصير دليلا على التوحيد: "الفقر أمارة على التوحيد، ودلالة على التفريد" ، بل يصير التوحيدُ كلاما شارحا للتصوف، حيث عرفه بقوله: "الفقر: أن لا تشهد عين سواه" ، ويصير التصوف أمارة على أن صاحبه من أهل التسليم والتفويض، كما تدل على ذلك عبارته: "ثمن التصوف تسليم كلك" .
ومن تجليات التداخل بين الفقه والتصوف قوله: "من اكتفى بالكلام في العلم، دون اتصاف بحقيقته، تزندق، وانقطع. ومن اكتفى بالتعبد، دون فقه، خرج، وابتدع. ومن اكتفى بالفقه، دون ورع، اغتر، وانخدع. ومن قام بما يجب عليه من الأحكام، تخلَّص، وارتفع" .
ومن عباراته المؤكدة لأشعريته،قوله:"من ترك التدبير والاختيار،طاب عيشه" ،حيث تلوح منها نظرية الكسب الأشعرية، وهي الاعتقاد بأن الله تعالى، هو الخالق لأفعال العباد، وما على العبد، إلا الاكتساب.
ومن عباراته الواضحة في ذلك: "سنته عز وجل استدعاء العباد، لعبادته بسعة الأرزاق، ودوام المعافاة، ليرجعوا إليه بنعمته. فإن لم يفعلوا، ابتلاهم بالسراء والضراء، لعلهم يرجعون، لأن مراده عز وجل، رجوع العبد إليه، طوعا أو كرها" . وفسر قوله تعالى: "صراط الله" بقوله: "الدلالة عليه، والتبري من الحول والقوة إليه" .
ويقول بلسان أهل العرفان: "ليس للقلب، إلا وجهة واحدة. فمهما توجه إليها، حجب عن غيرها" ، إذ لا يخفى المقصد الأخلاقي الحاضر في هذه العبارة، دون أن تكون في معزل عن مسألة من أهم المسائل التي عالجها فقهاء المغرب، وهي: هل يجوز تقليد أكثر من إمام، في مسائل العبادات والمعاملات؟ أو لا يجوز؟
ويمكن أن نستنتج منها، أنه لا يجيز الترقيع في التقليد . ومن أهم ما ينص عليه علماء المقاصد، أن الشريعة معللة بجلب المصلحة ودرء المفسدة. ومن العبارات، التي تلوح بهذا المعنى، قوله: "البصيرة تحقيق الانتفاع" ، وقوله: "من ضيع حكمة وقته، فهو جاهل. ومن فصر عنها، فهو عاجز" .
ولا جرم أن المصلحة المقصودة بالشرع، ليس صرف اللذة، كما قد ينصرف إلى الذهن، وإنما المصلحة التي تحقق الانتفاع في الدنيا والآخرة، وبعبارة الفقهاء والأصوليين: "في المعاش والمعاد". ومن عبارات أبي مدين الغوث، التي تؤدي هذا المعنى: "من نظر إلى المكوَّنات نظر إرادة وشهوة، حجب عن العبرة فيها، والانتفاع بها" .
ويقول أيضا في هذا السياق: "التسليم إرسال النفس في ميادين الأحكام، وترك الشفقة عليها من الطوارق والآلام" ، إذ إن العمل بالأحكام الشرعية، مع مراعاة مقاصدها، وإثبات عللها، يجعل العمل بها مقرونة بلذة، مما فيه تيسير عند الامتثال بها، ورفع لما يُظن أنه مبعث المشقة فيها. ولعل هذا هو مؤدَّى قوله: "استلذاذك بالبلاء، تحقيق الرضا" .
ويمكن أن نستفيد، من بعض عباراته، أن أبا مدين الغوث، كان من أهل التسليم والتفويض، أي أنه أشعري، بدون إغراق في التأويل، ومنها قوله: "احرص أن تصبح وتمسي مفوضا مستسلما، لعله ينظر إليك، فيرحمك" . ومنها قوله: "لسان الورع، يدعو إلى ترك الآفات. ولسان التعبد، يدعو إلى الدوام بالاجتهاد. ولسان المحبة، يدعو إلى الذوبان، والهيمان. ولسان المعرفة، يدعو إلى الفناء، والمحو، والإثبات، والصحو" ، حيث لا مانع يمنعنا من أن نفهم من أن المقصود من كلمة "إثبات"، إثبات الصفات، بدون تأويل، ولا تشبيه. ناهيك عما تؤديه هذه القولة من التداخل بين علم الكلام، والفقه (التعبد، الاجتهاد)، والتصوف (الورع، المحبة، الذوبان، الهيمان، المعرفة، الفناء، المحو، الصحو).
ومن أهم ما تلوح به "حِكَمُهُ"، أنه كان يحمل مشروعا من أهم المشاريع الكلامية، وهو التحذير من المبتدعة، ومحاربة الأفكار الضالة، ، التي كانت آثارها لا تزال باقية في عصره، أعني العصر الموحدي، على الرغم من الجهود الكبيرة، التي بذلها الموحدون، لتنقية عقائد الناس منها، فقد قال: "احذر صحبة المبتدعة، اتقاء على نفسك. واحذر صحبة النساء، اتقاء على قلبك" ، وقال: "من كان فيه أدنى بدعة، فاحذر مجالسته، لئلا يعود عليك شؤمها، ولو بعد حين" . وهذا يكشف عن الدور، الذي قام به التصوف المغربي العملي، في تجذير العقيدة الأشعرية في المغرب، ومحاربة أهل الأهواء والزيغ والبدع.
ولا يخفى، أن تصوف أبي مدين الغوث، يتخذ من التصوف الجنيدي معينا له، ومشربا. فأبو القاسم الجنيد، من أهم الحلقات في سنده الصوفي . ومعلوم أن تصوف هذا الأخير، ما هو إلا اتباع الكتاب والسنة، وهو من أبرز سمات التصوف المَدْيني. ومما قاله في تقرير ذلك: "من ضيَّع الفرائض، فقد ضيَّع نفسه" ، وقال: "لا طريق أوصل للحق، إلا من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه" .
وإذا كان الجنيد قد قال: "من زادك في التصوف، فقد زادك في التخلق"، فقد قال أبو مدين الغوث ما يمكن أن نعتبره تفسيرا له: "حُسْنُ الخُلُق: معاملة كل شخص بما يؤنسه، ولا يوحشه" ، و"الشيخ: من هذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه" .
وإذا كنت طريقة الجنيد طريقة استقامة، لا طريقة كرامة، فقد قال أبو مدين الغوث: "إذا رأيتم الرجل، تظهر له الكرامات، وتنخرق له العادات، فلا تلتفتوا إليه. ولكن، انظروا كيف هو، عند امتثال الأمر والنهي" .
فإن كان التصوف مؤديا لهذه المقاصد، فهو المطلوب، وإلا كان هوى متبَعا، وبعبارته: "آفة الخلق حسن الظن، وآفة الصوفية اتباع الهوى" .
وهذا الارتباط بين التوحيد، والفقه، والتصوف، ليس غريبا عن الفكر الإسلامي، في أوج تقدمه، وهو القرن الثالث، حيث كان الحكيم الترمذي، ممن أضاف شرطا إلى شروط الاجتهاد. وهو الولاية، فلا يفتي المفتي، إلا إذا كان من أهل الولاية الخاصة .
ولا جرم أن هذا يحقق قاعدة هامة، وهي اتفاق المذاهب قاطبة على أن أصول العلم، التي تضبط حياة المسلمين عامة، والعلماء خاصة، تتصدرها العلاقة الروحية الإيمانية، التي من أجلها نزل القرآن، واعتبرها منطلقا ضروريا، ومقصدا أساسا، في بناء المجتمع الإسلامي السليم.
وعندما نشير إلى "العلاقة الروحية الإيمانية"، فإننا نقصد أصالة حضور البعد الإيماني، اعني التوحيدي الأشعري، في التجربة الروحية، حيث التبس مفهوم الكلام بمفهوم التصوف، عند المغاربة، في أحايين كثيرة، بل ذابا وامتزجا في مصطلح واحد، يدل عليهما معا، وهو مصطلح "التوحيد". ومن ذلك، ما قاله أبو مدين الغوث: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد" .
فالتفاعل الروحي، يظل وسيلة هامة للانفتاح المذهبي – عقديا وفقهيا -، بحيث يصير الانفتاح، بين المذاهب الإسلامية، طريقة روحية، لتعميق الوحدة الإسلامية، وتخصيب المذهبية الفقهية، على حد سواء.
ونستنتج، من خلال ما ذكرنا، اأ أبا مدين الغوث، جمع بين الانفتاح على المشرق، والحفاظ على اًصالته، باعتباره ينتمي إلى أمة، لها خصائصها التي تميزها.
لقد تشبَّع أبو مدين الغوث بالمشرب الصوفي المشرقي، عند التقائه بعبد القادر الجيلاني، مع الحفاظ على المذهب المالكي في الفتوى والاجتهاد، باعتباره إطارا فقهيا، يحافظ على الوحدة السياسية في الغرب الإسلامي، الذي كان تحكمه آنئذ الأسرة الموحدية.
وبذلك، تكون العلاقة الروحية، بين أبي مدين المالكي والجيلاني الحنبلي، مظهرا لثلاث حقائق هامة:
- أولاها: الترفع عن الخلافات المذهبية والفروع الفقهية؛
- ثانيها: الحرص على الأساس العقدي، الذي يمثله المذهب الأشعري؛
- ثالثها: الحفاظ على التآلف الديني العميق. وهذا ما يجعل القاعدة الروحية منطلقا ضروريا لتخصيب التراث الفقهي وتنويعه، والحفاظ على الهوية المذهبية، مع الانفتاح على المذاهب الأخرى، ومد الجسور معها.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:55 عدل 1 مرات
المحاضرة الرابعة :مواقف فقهاء المغرب والأندلس من أفعال متصوفة زمانهم في القرنين 8/9 هـ
مواقف فقهاء المغرب والأندلس من أفعال متصوفة
زمانهم في القرنين 8 و9 هـ/ 14و15م.
قريان عبد الجليل.
جامعة قالمة
.زمانهم في القرنين 8 و9 هـ/ 14و15م.
قريان عبد الجليل.
جامعة قالمة
الملخص:
لقد شكلت العلاقة بين الفقهاء والمتصوفة في المغرب والأندلس جزءا من ديناميكية المجتمع في صياغة الحياة الثقافية وامتداداتها على المستويات السياسية، نظرا لما تكتنزه هذه العلائق من تأثير ونفوذ في حركية المجتمع وفي منحى سيره وتطوره.
وتأتي هذه الورقة للكشف عن جانب من جوانب هذه العلاقة في إحدى زوايا الممارسات الصوفية، وترصد مواقف الفقهاء منها، وتلمس أطر التوافق أو التناقض والتعارض بينها، ومحاولة تفسير ذلك في إطار من تاريخية المنطقة التي كانت الوعاء الذي نشأت وترعرعت فيه، وكيف ساهمت هذه العلاقة في ترسيخ الرؤى في العصور اللاحقة.
إن اختلاف الرؤى في طبيعة الممارسة الصوفية من حيث بعدها أو قربها من التوافق الإسلامي ساهم في الكشف عن الانزوائية التي عايشت الأطراف ورهنت قضايا علمية وعملية وسلوكية وفقا لنظرات بعيدة في مجملها عن التواصل البيني والتحقيق العلمي والميداني الذي كان شبه غائب في إصدار الأحكام ومن ثم كانت تلك المقابلة التاريخية بين الفقهاء والصوفية، وكان لاستمرار هذه الوجهة أثار تاريخية كبيرة في تحديد الرؤى وتحجيم كل طرف لغيره وفي المفاصلة القائمة والمستمرة إلى العصور اللاحقة.
إن هذه الورقة محاولة لإعادة اللحمة العلمية والتواصل العلمي بين وحهتين كان الأجدر أن تتكاملا وفقا لروح الإسلام وتعاليمه الخالدة.
تمهيد:
قبل الولوج في صلب الموضوع ينبغي التعرض ولو بإيجاز شديد إلى الزاوية، ذلك الإطار الذي اشتهرت به الصوفية ونمت فيه ممارساتهم وأصبح عنوانا عليهم كلما ذكره الذاكرون.
يبدو أن الزاوية بالمغرب الإسلامي رديفة لكلمة "الرباط" بالمشرق الإسلامي، يؤكد ذلك ما ذهب إليه ابن مرزوق في مسنده بقوله:" وهذه الزوايا هي التي يطلق عليها في المشرق الربط"( )، وللرباط معنيين:
معنى فقهي: وهو احتباس النفس في الجهاد والحراسة في ثغر من الثغور المتاخمة للعدو( ).
معنى تصوفي: وهو عبارة عن الموضع الذي تلتزم فيه العبادة ( )، فهو "بيت الصوفية ومنزلهم"( ).
وعن هذا المعنى الأخير قال أبو حفص السهروردي( ):" وشرائط سكان الرباط، قطع المعاملة مع الخلق، وفتح المعاملة مع الحق، وترك الاكتساب اكتفاء بكفاية مسبب الأسباب، وحبس النفس عن المخالطات، ومواصلة الليل والنهار بالعبادة، متعوضا بها عن كل عادة، والانشغال بحفظ الأوقات، وملازمة الأوراد،وانتظار الصلوات، واجتناب الغفلات، ليكون بذلك مرابطا مجاهدا"( ).
والظاهر أن الزاوية في بلاد المغرب بعد أن تولدت عن الرباط( )، قد أخـذت المعنى التصوفي واستغرقت حياتها فيه، بيـنما تخلّت عن المعنى الفقهي، للاستكانة التي كانت عليها الأمة تجاه " الانحلال الداخلي والخطر الخارجي "( ).
وقد عم انتشار الزوايا في المغرب الإسلامي والأندلس، ففي المغرب الأقصى توجد الزاوية الحديثة بمدينة فاس( )، والزاوية القديمة والحديثة بمدينة مكناس( )، ورباط الشيخ أبي محمد بمدينة آسفي( )، وزاوية الحاج عبد الغني بمدينة سلا( )، وفي تونس، توجد زاوية الشيخ أبي يوسف الدهماني، وزاوية الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن القيسي بالقيروان( )، كما أنشأ السلطان الحفصي أبو فارس عبد العزيز( ) ثلاث زوايا وهي: زاوية باب البحر من تونس، والزاوية التي خارج باب أبي سعدون بحومة باردو، والزاوية التي بحومة الداموس خارج باب علاوة المعروف بالشيخ الصالح سيدي فتح الله ( )، وزاوية يعقوب بن عمران البويوسفي المسماة بالزاوية الملارية بفرجيوة( ).
وفـي المـغرب الأوسـط، تكـونت مجمـوعة من الزوايا، منها: زاوية العباد( ) بظاهر تلمسـان، وزاوية سيدي ابن الحسن التي شيدها السلطان أبو سعيد عثمان الزياني( )، وزاوية الحلـوي( ) بجـانب مسجد الشيخ الحلـوي، وزاويـة أبـي عبد الله ( )، وزاوية أبي زيد عبد الرحمن بن يعقوب بن علي( )، وزاويـة الحسـن بن مخلوف الشهير بأبركان، قرب المدرسة الجديدة التي جدد بناءها السـلطان أبو العبـاس أحمـد العاقـل( )، وزاوية ابن البناء( )، وزاوية أبي يعقوب العشاشي بشلف ( )،كما وجدت بعد ذلك في القرن التاسع" زاوية الثعالبي" في مدينة الجزائر، وضريح محمد الهواري( ) في وهران، وزاوية السنوسي بتلمسان"( )
أما في الأندلس فتوجد مجموعة من الزوايا منها زاوية المحروق بظاهر غرناطة .
وقد اضطلعت الزاوية بوظيفتين أساسيتين: وظيفة تعليمية، ووظيفة اجتماعية،و سوف نقتصر على النقطة الأولى لأهميتها في الموضوع.
لقد مرت الوظيفة التعليمية للزاوية بثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: اهتمت الزاوية في مرحلتها الأولى بالمشاركة الفعّالة في نشر العلم، ذلك أنها كانت تشكل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي( )، فقد جعلت من مهامها تحفيظ القرآن الكريم، وتدريس العلوم النقلية،و بعض العلوم العقلية، كالفرائض والحساب ( )، وكان يعهد بالتعليم فيها إلى كبار العلماء من أمثال " أبي عبد الله أحد كبار الأعلام المشاهير، الذي كان يُدرّس بزاويته الحديث من موطإ الإمام مالك بن أنس"( ) .
وكان الطلبة يقبلون على التعلم في الزوايا، وينهلون من معارفها، ويتمتعون بالإقامة في بيوتها( )، مما جعلها في تعليمها شبيهة بالمدارس، فنشرت العلم، وعمّمته على طبقات الناس المختلفة، وشاركت في تنوير الأمة، وفي فك عزلتها الثقافية .
- المرحلة الثانية: في هذه المرحلة تخصصت الزاوية في تعليم القرآن الكريم، وإلقاء دروس" الوعـظ والرقائق "( )، وقراءة الكتب المتعلقـة بسيـرة النبي صلى الله عليـه وسلم ومدحـه، مثل: كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"( )للقاضي عياض( )، والاهتمـام بأخلاق الصالحين( )و أخبارهم، والاعتناء الكبير بأنواع ذكر الله عز وجل، من التهليل، والتسبيح، والتقديس( )، وأصبحت لهم فيها عوائد لا يستطيعون التخلي عنها.
وفي هذه المرحلة يلاحظ تعايش بعض الفقهاء مع المتصوفة( )، نظرا لأن المادة العلمية والأوراد التي كانت تعطى داخل الزوايا لم يكن فيها ما يُشكّل انحرافا واضحا عن الدّين، لذا اختلفت فتاوى العلماء في تقدير هذه الطرق، وفي شرعيتها بين الحلّ والحرمة، وقد أورد الونشريسي في المعيار نماذج عن الأسئلة التي وردت على مجموعة من العلماء بشأن هؤلاء المتصوفة، وكانت أجوبتهم مختلفة باختلاف الأسئلة، مما يؤكد أن كل مجموعة من هؤلاء المتصوفة لها خصوصياتها في التعامل مع الأوراد، ولم تكن في تلك الفترة على نمط واحد، وطريقة واحدة،و كانت مواقفهم تابعة لما اختص به كل فقيه وما علمه من حال كل طريقة وعملها فيما يتعلق بالعبادة والذكر، وتوزعت في مواقف ثلاث. اعتمادا على بعض الأسئلة المطروحة والإجابة عنها من طرف بعض العلماء:
الموقف الأول: الموافقة والمساندة .
هذا الموقف اتسم أصحابه بالموافقة الصريحة وإيفاء الفتاوى التي تحسن صنيعهم وتحبب أعمالهم للناس وإزالة اللبس الشرعي الذي يبدو أنه كان ينتاب هذه الأعمال من طرف العامة والخاصة، ولتبرر ما يقوم به المتصوفة، وسو ف نقتصر على بعض الفتاوى .
سئل الفقيه العالم أبو محمد بن محمد بن موسى العبدوسي( )عن"مسألة، وهي أن عندنا جماعة بموضع منقطعين إلى العبادة من الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، وتعليم أولاد المؤمنين، والسعي في قضاء حوائجهم، والأرامل، والأيتام، والمساكين، والإصلاح بين المسلمين، مثابرين على ذلك، مداومين عليه، وفيهم رجل له عليهم شفوف العلم، معه منه حط وافر مما يحتاج إليه في دينه، من فقه، وتصوف، اتخذه أصحابه شيخا في ذلك وقدوة، وكلهم ظاهروا الخير، صالحوا الأحوال، غير أنهم يجتمعون في المولد وشبهه للوعظ والتذكير، وربما أنشد لهم منشد أشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يناسب ذلك مما يحث على الطاعة من غير اجتماع نساء ورجال في ذلك، وطعن بعض الناس عليهم في ذلك، وقال هذه بدعة ومنكر ..."
فأجاب:" الحمد لله وحده دائما، الجواب والله سبحانه الموفق للصواب يمنه: إن أحوال الجماعة المذكورة أدام الله استقامتهم، وأحسن على طاعته معونتهم بمنّه، أحوال حسنة مرضية شرعا، فـ يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( )، واجتماعهم لما ذكر اجتماع على طاعة مستحبة، تثمر خيرات من الخوف، والرجاء، والصبر، والزهد، إلى غير ذلك من المقامات العلية، والأحوال السنية [...] وما ذكرتم خيور محضة، لا تشوبها آفة، ولا تكدّرها مفسدة"( ).
الموقف الثاني: الرافض والمتشدد.
ثمة فئة أخرى من الفقهاء كان موقفها رافضا جملة وتفصيلا كل ما يقوم به المتصوفة باعتبارها من البدع المنكرة التي يجب أن ينهى عنها، تحريما لها وتبديعا لأعمالها وتنفيرا منها ومن أصحابها وكل ما له علاقة بها، بل والدعوة إلى محاربتها، واعتبار أهلها عند بعضهم أخطر من الكفار؟ وهذه بعض الفتاوى التي ترى هذا الموقف.
"سئل الشيخ أبو إسحاق الشاطبي عن حالة طائفة ينتمون إلى التصوف والفقر، يجتمعون في كثير من الليالي عند واحد من الناس، فيفتتحون المجلس بشيء من الذكر على صوت واحد، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الغنا والضرب بالأكف والشطح، هكذا إلى آخر الليل، ويأكلون في أثناء ذلك طعاما يعده لهم صاحب المنزل، ويحضر معهم بعض الفقهاء، فإذا تكلم معهم في أفعالهم تلك، يقولون:" لو كانت هذه الأفعال مذمومة أو محرمة شرعا لما حضرها الفقهاء"( ).
فأجاب: " إن اجتماعهم للذكر على صوت واحد إحدى البدع المحدثات التي لم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة، ولا من بعدهم، ولا عرف في ذلك قط في شريعة محمد عليه السلام، بل هو من البدع التى سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مردودة، ففي الصحيح أنه عليه السلام قال:" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ"، يعني فهو مردود وغير مقبول، فذلك الذكر الذي يذكرونه غير مقبول[...] وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته:" أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وفي رواية، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار، وهذا الحديث يدل على أن صاحب البدعة في النار والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وعن الحسن البصري أنه سئل فقيل له:" ما ترى في مجلسنا هذا ؟ قوم من أهل السنة والجماعة لا يطعنون على أحد، نجتمع في بيت هذا يوما فتقرأ كتاب الله وندعوا الله ربّنا، ونصلي عل النبي صلى الله عليه وسلم، وندعو لأنفسنا ولعامة المسلمين"، قال:"فنهى الحسن عن ذلك أشد النهي، لأنه لم يكن من عمل الصحابة ولا التابعين، وكل ما لم يكن عليه عمل السلف الصالح، فليس من الدّين، فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء، ولو كان فيه خير لفعلوه، وقد قال الله تعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم"( )، قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لم يكن اليوم دينا، وإنما يعبد الله بما شرع، وهذا الاجتماع لم يكن مشروعا فلا يصح أن يُعبد الله به"( ) .
ثم أورد الشاطبي رحمه الله حكاية عياض عن التنسي أنه قال:" كنا عند مالك وأصحابه حوله فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يُقال لهم الصوفية، يأكلون كثيرا، ثم يأخدون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون، فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا، قال: أمجانين هم؟ قال: لا، قوم مشايخ وغير ذلك عقلاء، فقال مالك: ما سمعت أحدا من أهل الإسلام من يفعل هذا إلا أن يكون مجنونا وصبيا، فهذا بيّن أنه ليس من شأن الإسلام، ثم يقال: ولو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبي لكان أخف عليهم مع ما فيه من إسقاط الحشمة، وإذهاب المروءة، وترك هدى أهل الإسلام وأرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله والتعبّد به، وأن فاعله أفضل من تاركه، هذا أدهى وأمرّ، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع المحرمات، الموقعة في الضلالة، الموجبة للنار والعياذ بالله ؛ وأما ما ذكرتهم من شأن الفقيهين الإمامين، فليسا بفقيهين إدا كانا يحضران شيئا من ذلك، وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادح في عدالتهما، فلا يُصلَّى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك، ويظهر عليهما أثر التوبة، فإنه لا تجوز الصلاة ئخلف أهل البدع،نص على ذلك العلماء"( ).
ثم ختم ذلك بنداء لمحاربة هذه الفئة بقوله:" وعلى الجملة فواجب على من كان قادرا على تغيير ذلك المنكر الفاحش، القيام بتغيره، وإخماد نار الفتنة، فإن البدع في الدين هلاك، وهي في الدين أعظم من السمّ في الأبدان، والله الوافي بفضله، والسلام على من يقف على هذا، من كاتبه: إبراهيم الشاطبي، وتقيد بعقبه بخط المجيب رحمه الله مانصه: ما كتب فوق هذا ويمنته صحيح على حسبما كتب، فليروه عني من شاء على حسب ما وفع هنا والله الموفق للصواب، وكتب بذلك خطه العبد الفقير إلى رحمة ربه إبراهيم الشاطبي المذكور في العشر الأواخر لذي قعدة عام ستة وثمانين وسبعمائة" ( ).
و" سُئل الشيخ الصالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء، يجتمعون على الرقص والغنا، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه، ثم يَصلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر، ثم يُغنّون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة، ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم، ونساء اقتفين في ذلك أثرهم، وعملن في ذلك على نحو عملهم، وقوم استحسنوا ذلك وصوّبوا فيه رأيهم، فما الحكم فيهم وفيمن رأي رأيهم، هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا ؟ بيّنوا لنا ذلك".
ومما جاء في جوابه: "فالجواب فيه ما قاله بعض أئمة الدين من علماء المسلمين الناصحين، حين سئلوا عن ذلك من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر:" أن بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة،و قد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمتة على هذه الفرق، وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم وتحقق، ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمّية الجاهلة الغبيّة، الذين ولعوا بجمع أقوام جهال، فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين وأنهم من الناصحين، وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين، فصاروا يحضونهم على التوبة، والإيثار،و المحبة، وصدق الأخوة، وإماتة الخطوط والشهوة، وتفريغ القلب إلى الله بالكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية، وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامّات هائلة، وهذه الطائفة أشدّ ضررا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي
---------
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:56 عدل 1 مرات
تابع....مواقف فقهاء المغرب والأندلس من أفعال متصوفة زمانهم في القرنين 8/9 هـ
أصعب الطوائف للعلاج"( )، ثم يقول:" وأما ما ذكرتموه من أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغنا والنوح، فممنوع غير جائز، قال الله تعالى: و من الناس من يشتري لهو الحديث ( )( الآية)، قال ابن مسعود:" هو الغنا والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث [...] وأمّا ما ذكرتموه من قراءة القرآن والاستماع إليه، فإنه جائز وفيه قربه وطاعة لله عز وجل، قال الله تعالى: وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له"( ) "( ).
كما حاء في رده(الشيخ أبى فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني) عن سؤال حول بعض ما يفعله المتصوفة قوله فيما يتعلق بالكرامة:"ولا تغتروا بهم، ولو أنهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء، فإن ذلك فتنة لمن أراد الله فتنته، وعلم شقوته، قال الله تعالى:" ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا "( )، فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات، من أهل البدع والضلالات، ويعتقد بأنها كرامات، بل هي شرك وحبالات، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات"( ).
وكان جواب فقيه بجاية وصالحها أبو زيد سيدي عبد الرحمن الواغليسي( ) عن مثل هذا السؤال بقوله:" قد نص أهل العلم فيما ذكرت من أحوال بعض الناس، من الرقص والتصفيق، على أن ذلك بدعة وضلال، وقد أنكره مالك وتعجب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أن أقوما يفعلون ذلك فقال: " أصبيان هم أم مجانين ؟ ما سمعنا أحد من أهل الإسلام يفعل هذا" [...] وقد قال القرطبي:" إن ذلك مما لا يُختلف في تحريمه، وقد انتهى التواقح بأقوام إلى أن يقولوا:" إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالح الأعمال، وإن بذلك يتم صفاء الأوقات وسنيات الأحوال، فنعوذ بالله من البدع والضلال"، وهذا الذي يقولون هو الذي يعتقده أهل زماننا في غالب ظني".( )
وجاء عن الإجابة على السؤال نفسه من طرف الفقيه أبي عبد الله الحفار( ) بقوله:" أن هذا الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان، وفي هذه الأقطار، قد عظم الضرر بهم في الدين، وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين،لا سيما الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة، هنالك يظهرون ما انطوى باطنهم من الضلال، من تحليل ما حرم الله والافتراء عليه وعلى رسوله، وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حلّ عرى الإسلام وإبطاله، وهدم قواعده، ولسنا لبيان حال هؤلاء، فهم أعظم ضررا على الإسلام من الكفار"( ) ثم قال:" فالواجب على من قدر على هؤلاء الذين هم كالأكلة في جنب الدين، أن يمنعهم، ويحول بينهم وبين ما هم بسبيله، وأن يجلّيهم عن موضعه، فهو في ذلك مجاهد مأجور، فمفاسدهم متعددة دينا ودنيا"( )، ثم قال عن الفقهاء الدين يحضرون جلساتهم:" إن حضور الفقهاء معهم ليس بدليل على الجواز، ولا عدمه دليل على المنع، ولا يعرف الحق بالرجال بل الرجال يعرفون بالحق، فالفقيه إذا حضر معهم، ووافق واستحسن فعلهم، فهو مثلهم، بل هو شر منهم، وهو باسم الفسق أولى منه باسم الفقه"( ).
ومن خلال هذه النصوص بأسئلتها وأجوبتها، يتبين ذلك الاختلاف المثير حول هذه الفئة، وهو اختلاف يدور بين الحلّ والحرمة، ويتعدى في بعض الأحيان إلى إخراجهم من الملة ؛ ولاشك أن هذا الاختلاف مرده بالدرجة الأولى إلى طبيعة أعمال الجماعة التي طُرح حولها السؤال، وطبيعة السؤال نفسه، فقد أكد الشاطبي بأن بعضا من الصوفية ولكي ينتصروا لأنفسهم ويلبس ما يقومون به بلباس شرعي، كانوا يطرحون أسئلة على شيوخ الوقت ولكنهم " يُحسّنون ظاهرها بحيث يكاد باطنها يخفى على غير المتأمل"( )،حتى يظفروا بفتوى تجعلهم في حلّ من أعمالهم، وتحسن صورتهم، وتقوي عضدهم في المجتمع؛ كما يرجع الاختلاف كذلك إلى طبيعة المجيب، فإن كان من المتصوفة كانت ردوده مبرئة للكثير من أعمالهم، وإن لم يكن منهم جاءت ردوده مشنعة عليهم، لذا نشب صراع محتدم بين هذين الرأيين.
الموقف الثالث:المستبين والفارز.
هذا الموقف فتاواه كانت تنظر إلى أعمال الصوفية على أساس الفرز لكل عمل فما كان موافقا للسنة في نظرهم قبلوه واثنوا عليه وما كان مخالفا للسنة أنكروه وحرموه وعوا إلى نبذه. وهذه بعض الفتاوى التي أشارت إلى ذلك.
وسئل الأستاذ أبو سعيد بن لب عن رجل رغّب الناس في طريقة فقراء زماننا في المسجد له عظم على رؤوس الناس، وقد قال:" هذا الذي يذم الفقراء، إن ذمهم لأجل حلق الذكر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثنى عليها ورغب فيها"، فحمل الذكر الوارد فيها على فقراء زماننا، ثم قال:" وإن ذمهم لأجل الغناء والسماع، فإن عائشة رضي الله عنها كانت أغنى الناس وأعرفهم بالشعر، وكذا أبوها أبو بكر وأختها أسماء"، فأنكر عليه فقال:" ما أردت بأغنى الناس إلا غنى المال"، ثم تأمل مقالته وعلم أن المساق لا يعطي ذلك فأنكر وقال:" إنما قلت أعرفهم بالشعر..." .
فكان مما أجاب:" والغالب في مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث التي يتلى فيها كتاب الله تعالى لقوله عليه السلام:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة " (الحديث) والتي يتعلم فيها العلم والدين [...] وأما مجالس الذكر اللساني بالتهليل والتحميد والتقديس، فقد صرح بها حديث الملائكة السياحين، لكن لم يذكر جهر فيها بالكلمات ولا رفع صوت " [...] قال عليه السلام:" اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا"، وفقراء الوقت قد تحيزوا بآيات، وتميزوا بأصوات، هي إلى الاعتداء ( الدعاء والصوت العالي المفرط) أقرب منها إلى الاقتداء، وطريقتهم إلى اتخاذها، مأكلة وصنعة، أقرب منها إلى اعتدادها قربة وطاعة، وفي الحديث " خبر الذكر الخفيّ"، ومما وقع في المكتوب ذكر الغنا والسماع، فقد تكلم الناس في ذلك بكلام طويل مع اختلاف كثير" .
وسئل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المعروف بأبي البركات( ) بن الحجاج البلقيقي"عن زاوية للغرباء يجتمعون لهم فيها ما يقوتهم، ويؤنسونهم بالمجالسة، ويجتمعون على الأكل والذكر وإنشاد الشعر، ثم يبكون ويشطحون في فصول كثيرة"، فأجاب:" [...] إذا كان الأمر على ما كان أعلاه فقد جرى العمل بالعدوتين على المسامحة فيه، إن فرض أن يتخلل ذلك ما يتردد المجتهد في إجازته ورده بما يقترن به من الخشوع، والصدقات، وإرفاد ابن السبيل مكفر له إن شاء الله"( )، وكتب الأستاذ ابن لب على هذه الفتوى قائلا:" وقفت على السؤال والجواب ووافقت على صحة الجواب المقيد وقلت بمثله، والله الموفق بفضله"( ).
وكان من أبرز مظاهره تلك الردود التي وقعت بين ابن مرزوق الحفيد، وقاسم بن سعيد بن محمد العقباني، فقد كان لهذا الأخير رد مطول على سؤال ورد إليه بهذا الخصوص، وقد أقرّ في جوابه الذي يقع في خمس وعشرين (25) صفحة، كما أوردها صاحب المعيار( )، شرعية ما يقوم به المتصوفة في الزاوية، وحاول تأصيل كل ما فعلوه، وجاء في مقدمة رده: "الحمد لله، ما ذكرت أعلاه من قول أو فعل، فهو حسن، وأكثره مثني عليه شرعا، وليس فيه إن شاء الله موضع للنهي، بل هو دائر بين المرغب فيه، والمندوب إليه، ونحن نذكر في أكثر ذلك أدلة فضله والندب إليه، وما يرشدك ويهديك إلى المواضبة عليه، ولقد حضرت مجتمعهم مرّتين، فما رأيت إلا تعاونا على البر والتقوى، وبعدا على الإثم والطغوى"( )، وهذه بعض الأدلة التي ساقها، فعن سؤال جلوس الشيخ إلى يمين الداخل لمجلسهم قال:"ذكرت جلوس الشيخ عن يمين الداخل وذلك حسن من فعله، وللشيخ ابن رشد:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في شأنه كلّه"( )، وعن سؤال مفاده أن خديم الشيخ يُخرج سبحة منظومة في خيط بها عدد معلوم قُصد به الإحصاء للتسبيحات، والتهليلات، والضبط، فأجاب:" وذكرت أنهم يأخذون بإثر جلوسهم التسبيح، والتمجيد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم، إلى أن يكملوا عددا معينا و،كل هذا سائغ مرغب فيه، مجمع على فضله، وهو الركن القوي في طريق الحق سبحانه، قال أبو القاسم القشيري:" بل هو العمدة في هذا الطّريق، فلا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر"، ومن خصائصه أنه غير مؤقت، بل ما وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور فيه بذكر الله إما فرضا، وإمّا نفلا، وقالوا:" الذكر منشور الولاية، فمن وُفق إلى الذكر فقد أعطى المنشور، ومن سُلب الذكر فقد عُزل" [...]وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة أن الذكرَ أفضلُ الأعمال وأجلُّ الأقوال، قال الله تعالى يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبّحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكتُه ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( )"( ). وجاء في سياق فتواه قوله:"وقد يقع من بعض رقص وتصفيق بخفة وطيش، ويزعم مع ذلك أنّه طاش لله وذهب قلبه، وإنّما يصدر مثل هذا من الغبي الجاهل، ولا يصدر من العاقل الفاضل، قال بعض الأئمة:و يدلّ على جهالة فاعله أنّ الشريعة لم ترد بذلك في كتاب ولا سنّة، ولم يفعله أحد من السّلف، وإنّما يفعل ذلك الجهلة السّفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد يصدر من بعضهم الصّياح والتّغاشي والتّباكي تصنعا، ومن بعضهم ضرب الصدور، ونتف الشعور، وكل هذه الأمور محرمة، وفي مثلهم وقعت أجوبة من مصر بالإنكار والنسبة إلى الرعونة والرّياء، ووصفهم بالمين والكذب، وأنهم يحذرون بئيس ما صنعوا لإيهامهم أنّ فعلهم من الطاعة، وإنّما هو أقبح الرعونات، والخير كله والسعادات بأسرها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واقتفاء أصحابه الذين شهد لهم بأنهم خير القرون "( ).
وكان للعالم ابن مرزوق (الحفيد) رأيا مخالفا ومعارضا لرأي قاسم العقباني في هذه المسألة، وقد ذيّل الونشريسي جواب قاسم العقباني سالف الذكر بقوله:" قلت: للشيخ الحافظ المحقق أبي عبد الله بن مرزوق (الحفيد)رحمه الله في الرد على هذا الجواب تأليف، وكلام شاف، ويشتمل على سبعة كراريس، منع من إثباته عقب هذا الجواب، واستفاء كلامه وجلب فوائده، طوله"( )، وعنوان هذا الرد كما جاء في البستان هو "النصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل الناقص"( ).
والملاحظة الأولى التي يمكن رصدها هي أن جل الفقهاء بمواقفهم المختلفة لم يكونوا من المتصوفة بالمعنى المتداول عمليا في ذلك العصر حتى أولئك الذين كانت مواقفهم موافقة لهم.
والحق أن هذه المرحلة قد شابها نوع من الغموض، ويمكن تشبيهها بالمرحلة المتوسطة، أو بالمرحلة الانتقالية، حيث استغنى فيها العلماء عن التعليم، واقتصرت على الأوراد والأذكار، والأمداح النبوية، لذلك انقسم العلماء في تقدير شرعيتها، وكلٌّ ينظر إليها بمنظاره الخاص، فإذا عدنا إلى قاسم العقباني الذي وصل إلى درجة الاجتهاد( )، وكان شيخا للقلصادي في بعض العلوم العقلية( )، نراه أميل إلى طريقة التصوف، وقد ألف فيه أرجوزة( )، لذلك لم يكن في وسعه إلا تدعيم هذه الطريقة والوقوف إلى جانبها بفتوى مطولة، وأن كل ما يقومون به في نظره، لا يعدو أن يكون مما يباح فعله، وقد شدّد بعنف في سياق فتواه السابقة على كل من يحاول الخروج عن الدين، والاستهتار( )بقيمه، مما يؤكد أنه كان يناصر التصوف السني الصحيح، ولم تكن مناصرته أبدا للشعوذة والدروشة، فقد جاء في سياق فتواه.
أما ابن مرزوق (الحفيد)، فالظاهر أنه لم يكن يقصد برده التهجم على علم التصوف السني، الذي لا يخرج عن إطار الإسلام الصحيح، ذلك أنه كان يدّرس التصوف من كتاب الإحياء للغزالي( )، وقد ذكر تلميذه أبو الفرج ابن أبي يحيى الشريف التلمساني( ) بأنه " ألبسه خرقة التصوف، كما ألبسه أبوه وعمه"( )، وإنما كان تهجمه على الطرق الجديدة غير الشرعية التي انتهجها المتصوفة، وأصبحت شيئا فشيئا تنحرف عن الإسلام الصحيح.
وقد أيد ابن مرزوق (الحفيد) كثير من علماء الأندلس، والقيروان، وفاس( )، وامتدت منصارة قاسم العقباني إلى عهد الإمام محمد بن يوسف السنوسي الذي ألف كتابه المسمى:" نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير"( )، وانتصر له هو كذلك " شيخاه عبد الرحمن الثعالبي، دفين الجزائر، والحسن أبركان الراشدي دفين تلمسان"( ).
ويبدو أن انقسام العلماء وأهل الفتيا حول هذه المرحلة "بين منكر عليهم ومسلّم لهم"( )، لم يكن مرده إلى تعارض الأدلة الشرعية في الحكم على هذه الطريقة، وإنّما في المنظار الذي تُرى من خلاله من قبل العلماء، هذه المرحلة التي كان يكتنفها الغموض، وكانت خليطا من الأمور الشرعية وغير الشرعية( )، وظهرت فيها طرق وعوائد ظاهرها شرعي، وباطنها متجه إلى الانحراف، مما فسح المجال إلى تعدد الفتوى، وكل ينظر إلى المسألة من الجانب الذي يراه .
ثم نرى بعد ذلك أن تسارع الأحداث السياسية في المنطقة كلها قد سرع من كثف من وجود هذه الأعمال وانتشارها وابتعادها عن التصوف السني، وانسياقه نحو التصوف العملي( ) المنحرف، بعد أن هجرها الفقهاء والعلماء الذين عايشوها من قبل، وتُركت فريسة للاعتقادات والعوائد الغريبة عن الدّين، والتي أصبحت فيما بعد عقيدة في حدّ ذاتها، لا يمكن الخروج عنها بله التفريط فيها، وكان ذلك سببا إضافيا لرميها بالتبديع في الدين من طرف الفقهاء.
وقد شدّد العلماء على هذه الفئة، وحرموا طريقتهم، ورموهم بالتبديع في الدين، وقالوا بعدم جواز إمامة من يرى مذهبهم ويسلك طريقتهم، قال الإمام الشاطبي:" فلا يُصلَّى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك، ويظهر عليهما أثر التوبة، فإنه لا تجوز الصلاة خلف أهل البدع، نص على ذلك العلماء"( ).
كما حاء في رده(الشيخ أبى فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني) عن سؤال حول بعض ما يفعله المتصوفة قوله فيما يتعلق بالكرامة:"ولا تغتروا بهم، ولو أنهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء، فإن ذلك فتنة لمن أراد الله فتنته، وعلم شقوته، قال الله تعالى:" ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا "( )، فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات، من أهل البدع والضلالات، ويعتقد بأنها كرامات، بل هي شرك وحبالات، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات"( ).
وكان جواب فقيه بجاية وصالحها أبو زيد سيدي عبد الرحمن الواغليسي( ) عن مثل هذا السؤال بقوله:" قد نص أهل العلم فيما ذكرت من أحوال بعض الناس، من الرقص والتصفيق، على أن ذلك بدعة وضلال، وقد أنكره مالك وتعجب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أن أقوما يفعلون ذلك فقال: " أصبيان هم أم مجانين ؟ ما سمعنا أحد من أهل الإسلام يفعل هذا" [...] وقد قال القرطبي:" إن ذلك مما لا يُختلف في تحريمه، وقد انتهى التواقح بأقوام إلى أن يقولوا:" إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالح الأعمال، وإن بذلك يتم صفاء الأوقات وسنيات الأحوال، فنعوذ بالله من البدع والضلال"، وهذا الذي يقولون هو الذي يعتقده أهل زماننا في غالب ظني".( )
وجاء عن الإجابة على السؤال نفسه من طرف الفقيه أبي عبد الله الحفار( ) بقوله:" أن هذا الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان، وفي هذه الأقطار، قد عظم الضرر بهم في الدين، وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين،لا سيما الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة، هنالك يظهرون ما انطوى باطنهم من الضلال، من تحليل ما حرم الله والافتراء عليه وعلى رسوله، وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حلّ عرى الإسلام وإبطاله، وهدم قواعده، ولسنا لبيان حال هؤلاء، فهم أعظم ضررا على الإسلام من الكفار"( ) ثم قال:" فالواجب على من قدر على هؤلاء الذين هم كالأكلة في جنب الدين، أن يمنعهم، ويحول بينهم وبين ما هم بسبيله، وأن يجلّيهم عن موضعه، فهو في ذلك مجاهد مأجور، فمفاسدهم متعددة دينا ودنيا"( )، ثم قال عن الفقهاء الدين يحضرون جلساتهم:" إن حضور الفقهاء معهم ليس بدليل على الجواز، ولا عدمه دليل على المنع، ولا يعرف الحق بالرجال بل الرجال يعرفون بالحق، فالفقيه إذا حضر معهم، ووافق واستحسن فعلهم، فهو مثلهم، بل هو شر منهم، وهو باسم الفسق أولى منه باسم الفقه"( ).
ومن خلال هذه النصوص بأسئلتها وأجوبتها، يتبين ذلك الاختلاف المثير حول هذه الفئة، وهو اختلاف يدور بين الحلّ والحرمة، ويتعدى في بعض الأحيان إلى إخراجهم من الملة ؛ ولاشك أن هذا الاختلاف مرده بالدرجة الأولى إلى طبيعة أعمال الجماعة التي طُرح حولها السؤال، وطبيعة السؤال نفسه، فقد أكد الشاطبي بأن بعضا من الصوفية ولكي ينتصروا لأنفسهم ويلبس ما يقومون به بلباس شرعي، كانوا يطرحون أسئلة على شيوخ الوقت ولكنهم " يُحسّنون ظاهرها بحيث يكاد باطنها يخفى على غير المتأمل"( )،حتى يظفروا بفتوى تجعلهم في حلّ من أعمالهم، وتحسن صورتهم، وتقوي عضدهم في المجتمع؛ كما يرجع الاختلاف كذلك إلى طبيعة المجيب، فإن كان من المتصوفة كانت ردوده مبرئة للكثير من أعمالهم، وإن لم يكن منهم جاءت ردوده مشنعة عليهم، لذا نشب صراع محتدم بين هذين الرأيين.
الموقف الثالث:المستبين والفارز.
هذا الموقف فتاواه كانت تنظر إلى أعمال الصوفية على أساس الفرز لكل عمل فما كان موافقا للسنة في نظرهم قبلوه واثنوا عليه وما كان مخالفا للسنة أنكروه وحرموه وعوا إلى نبذه. وهذه بعض الفتاوى التي أشارت إلى ذلك.
وسئل الأستاذ أبو سعيد بن لب عن رجل رغّب الناس في طريقة فقراء زماننا في المسجد له عظم على رؤوس الناس، وقد قال:" هذا الذي يذم الفقراء، إن ذمهم لأجل حلق الذكر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثنى عليها ورغب فيها"، فحمل الذكر الوارد فيها على فقراء زماننا، ثم قال:" وإن ذمهم لأجل الغناء والسماع، فإن عائشة رضي الله عنها كانت أغنى الناس وأعرفهم بالشعر، وكذا أبوها أبو بكر وأختها أسماء"، فأنكر عليه فقال:" ما أردت بأغنى الناس إلا غنى المال"، ثم تأمل مقالته وعلم أن المساق لا يعطي ذلك فأنكر وقال:" إنما قلت أعرفهم بالشعر..." .
فكان مما أجاب:" والغالب في مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث التي يتلى فيها كتاب الله تعالى لقوله عليه السلام:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة " (الحديث) والتي يتعلم فيها العلم والدين [...] وأما مجالس الذكر اللساني بالتهليل والتحميد والتقديس، فقد صرح بها حديث الملائكة السياحين، لكن لم يذكر جهر فيها بالكلمات ولا رفع صوت " [...] قال عليه السلام:" اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا"، وفقراء الوقت قد تحيزوا بآيات، وتميزوا بأصوات، هي إلى الاعتداء ( الدعاء والصوت العالي المفرط) أقرب منها إلى الاقتداء، وطريقتهم إلى اتخاذها، مأكلة وصنعة، أقرب منها إلى اعتدادها قربة وطاعة، وفي الحديث " خبر الذكر الخفيّ"، ومما وقع في المكتوب ذكر الغنا والسماع، فقد تكلم الناس في ذلك بكلام طويل مع اختلاف كثير" .
وسئل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المعروف بأبي البركات( ) بن الحجاج البلقيقي"عن زاوية للغرباء يجتمعون لهم فيها ما يقوتهم، ويؤنسونهم بالمجالسة، ويجتمعون على الأكل والذكر وإنشاد الشعر، ثم يبكون ويشطحون في فصول كثيرة"، فأجاب:" [...] إذا كان الأمر على ما كان أعلاه فقد جرى العمل بالعدوتين على المسامحة فيه، إن فرض أن يتخلل ذلك ما يتردد المجتهد في إجازته ورده بما يقترن به من الخشوع، والصدقات، وإرفاد ابن السبيل مكفر له إن شاء الله"( )، وكتب الأستاذ ابن لب على هذه الفتوى قائلا:" وقفت على السؤال والجواب ووافقت على صحة الجواب المقيد وقلت بمثله، والله الموفق بفضله"( ).
وكان من أبرز مظاهره تلك الردود التي وقعت بين ابن مرزوق الحفيد، وقاسم بن سعيد بن محمد العقباني، فقد كان لهذا الأخير رد مطول على سؤال ورد إليه بهذا الخصوص، وقد أقرّ في جوابه الذي يقع في خمس وعشرين (25) صفحة، كما أوردها صاحب المعيار( )، شرعية ما يقوم به المتصوفة في الزاوية، وحاول تأصيل كل ما فعلوه، وجاء في مقدمة رده: "الحمد لله، ما ذكرت أعلاه من قول أو فعل، فهو حسن، وأكثره مثني عليه شرعا، وليس فيه إن شاء الله موضع للنهي، بل هو دائر بين المرغب فيه، والمندوب إليه، ونحن نذكر في أكثر ذلك أدلة فضله والندب إليه، وما يرشدك ويهديك إلى المواضبة عليه، ولقد حضرت مجتمعهم مرّتين، فما رأيت إلا تعاونا على البر والتقوى، وبعدا على الإثم والطغوى"( )، وهذه بعض الأدلة التي ساقها، فعن سؤال جلوس الشيخ إلى يمين الداخل لمجلسهم قال:"ذكرت جلوس الشيخ عن يمين الداخل وذلك حسن من فعله، وللشيخ ابن رشد:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في شأنه كلّه"( )، وعن سؤال مفاده أن خديم الشيخ يُخرج سبحة منظومة في خيط بها عدد معلوم قُصد به الإحصاء للتسبيحات، والتهليلات، والضبط، فأجاب:" وذكرت أنهم يأخذون بإثر جلوسهم التسبيح، والتمجيد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم، إلى أن يكملوا عددا معينا و،كل هذا سائغ مرغب فيه، مجمع على فضله، وهو الركن القوي في طريق الحق سبحانه، قال أبو القاسم القشيري:" بل هو العمدة في هذا الطّريق، فلا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر"، ومن خصائصه أنه غير مؤقت، بل ما وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور فيه بذكر الله إما فرضا، وإمّا نفلا، وقالوا:" الذكر منشور الولاية، فمن وُفق إلى الذكر فقد أعطى المنشور، ومن سُلب الذكر فقد عُزل" [...]وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة أن الذكرَ أفضلُ الأعمال وأجلُّ الأقوال، قال الله تعالى يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبّحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكتُه ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( )"( ). وجاء في سياق فتواه قوله:"وقد يقع من بعض رقص وتصفيق بخفة وطيش، ويزعم مع ذلك أنّه طاش لله وذهب قلبه، وإنّما يصدر مثل هذا من الغبي الجاهل، ولا يصدر من العاقل الفاضل، قال بعض الأئمة:و يدلّ على جهالة فاعله أنّ الشريعة لم ترد بذلك في كتاب ولا سنّة، ولم يفعله أحد من السّلف، وإنّما يفعل ذلك الجهلة السّفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد يصدر من بعضهم الصّياح والتّغاشي والتّباكي تصنعا، ومن بعضهم ضرب الصدور، ونتف الشعور، وكل هذه الأمور محرمة، وفي مثلهم وقعت أجوبة من مصر بالإنكار والنسبة إلى الرعونة والرّياء، ووصفهم بالمين والكذب، وأنهم يحذرون بئيس ما صنعوا لإيهامهم أنّ فعلهم من الطاعة، وإنّما هو أقبح الرعونات، والخير كله والسعادات بأسرها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واقتفاء أصحابه الذين شهد لهم بأنهم خير القرون "( ).
وكان للعالم ابن مرزوق (الحفيد) رأيا مخالفا ومعارضا لرأي قاسم العقباني في هذه المسألة، وقد ذيّل الونشريسي جواب قاسم العقباني سالف الذكر بقوله:" قلت: للشيخ الحافظ المحقق أبي عبد الله بن مرزوق (الحفيد)رحمه الله في الرد على هذا الجواب تأليف، وكلام شاف، ويشتمل على سبعة كراريس، منع من إثباته عقب هذا الجواب، واستفاء كلامه وجلب فوائده، طوله"( )، وعنوان هذا الرد كما جاء في البستان هو "النصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل الناقص"( ).
والملاحظة الأولى التي يمكن رصدها هي أن جل الفقهاء بمواقفهم المختلفة لم يكونوا من المتصوفة بالمعنى المتداول عمليا في ذلك العصر حتى أولئك الذين كانت مواقفهم موافقة لهم.
والحق أن هذه المرحلة قد شابها نوع من الغموض، ويمكن تشبيهها بالمرحلة المتوسطة، أو بالمرحلة الانتقالية، حيث استغنى فيها العلماء عن التعليم، واقتصرت على الأوراد والأذكار، والأمداح النبوية، لذلك انقسم العلماء في تقدير شرعيتها، وكلٌّ ينظر إليها بمنظاره الخاص، فإذا عدنا إلى قاسم العقباني الذي وصل إلى درجة الاجتهاد( )، وكان شيخا للقلصادي في بعض العلوم العقلية( )، نراه أميل إلى طريقة التصوف، وقد ألف فيه أرجوزة( )، لذلك لم يكن في وسعه إلا تدعيم هذه الطريقة والوقوف إلى جانبها بفتوى مطولة، وأن كل ما يقومون به في نظره، لا يعدو أن يكون مما يباح فعله، وقد شدّد بعنف في سياق فتواه السابقة على كل من يحاول الخروج عن الدين، والاستهتار( )بقيمه، مما يؤكد أنه كان يناصر التصوف السني الصحيح، ولم تكن مناصرته أبدا للشعوذة والدروشة، فقد جاء في سياق فتواه.
أما ابن مرزوق (الحفيد)، فالظاهر أنه لم يكن يقصد برده التهجم على علم التصوف السني، الذي لا يخرج عن إطار الإسلام الصحيح، ذلك أنه كان يدّرس التصوف من كتاب الإحياء للغزالي( )، وقد ذكر تلميذه أبو الفرج ابن أبي يحيى الشريف التلمساني( ) بأنه " ألبسه خرقة التصوف، كما ألبسه أبوه وعمه"( )، وإنما كان تهجمه على الطرق الجديدة غير الشرعية التي انتهجها المتصوفة، وأصبحت شيئا فشيئا تنحرف عن الإسلام الصحيح.
وقد أيد ابن مرزوق (الحفيد) كثير من علماء الأندلس، والقيروان، وفاس( )، وامتدت منصارة قاسم العقباني إلى عهد الإمام محمد بن يوسف السنوسي الذي ألف كتابه المسمى:" نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير"( )، وانتصر له هو كذلك " شيخاه عبد الرحمن الثعالبي، دفين الجزائر، والحسن أبركان الراشدي دفين تلمسان"( ).
ويبدو أن انقسام العلماء وأهل الفتيا حول هذه المرحلة "بين منكر عليهم ومسلّم لهم"( )، لم يكن مرده إلى تعارض الأدلة الشرعية في الحكم على هذه الطريقة، وإنّما في المنظار الذي تُرى من خلاله من قبل العلماء، هذه المرحلة التي كان يكتنفها الغموض، وكانت خليطا من الأمور الشرعية وغير الشرعية( )، وظهرت فيها طرق وعوائد ظاهرها شرعي، وباطنها متجه إلى الانحراف، مما فسح المجال إلى تعدد الفتوى، وكل ينظر إلى المسألة من الجانب الذي يراه .
ثم نرى بعد ذلك أن تسارع الأحداث السياسية في المنطقة كلها قد سرع من كثف من وجود هذه الأعمال وانتشارها وابتعادها عن التصوف السني، وانسياقه نحو التصوف العملي( ) المنحرف، بعد أن هجرها الفقهاء والعلماء الذين عايشوها من قبل، وتُركت فريسة للاعتقادات والعوائد الغريبة عن الدّين، والتي أصبحت فيما بعد عقيدة في حدّ ذاتها، لا يمكن الخروج عنها بله التفريط فيها، وكان ذلك سببا إضافيا لرميها بالتبديع في الدين من طرف الفقهاء.
وقد شدّد العلماء على هذه الفئة، وحرموا طريقتهم، ورموهم بالتبديع في الدين، وقالوا بعدم جواز إمامة من يرى مذهبهم ويسلك طريقتهم، قال الإمام الشاطبي:" فلا يُصلَّى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك، ويظهر عليهما أثر التوبة، فإنه لا تجوز الصلاة خلف أهل البدع، نص على ذلك العلماء"( ).
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:58 عدل 1 مرات
تابع....مواقف فقهاء المغرب والأندلس من أفعال متصوفة زمانهم في القرنين 8/9 هـ
تحليل المواقف:
لقد ساهمت في رسم هذه الصورة عوامل من أبرزها الأحداث التاريخية التي مرّ بها المغرب الإسلامي قاطبة، حيث سادته اضطرابات سياسية كبيرة، وتعرضت دوله إلى حروب شبه دائمة، لا تكاد تهدأ في منطقة حتى تثور في أخرى، من لدن الدولة الحمادية والمرابطية والموحدية، إلى الدول الثلاث المتصارعة التي قامت على أنقاضها، وهي الدولة المرينية،و الزيانية، والحفصية( ).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تعرض المغرب الإسلامي إلى هجمات متكررة على سواحله، ومدنه من طرف الأجانب النصارى، وقد أرخ ابن قنفذ في الفارسية لبعض تلك الغارات، وجعلها من الحوادث العظام( ).
ولا شك أن هذه الحروب الداخلية والخارجية قد أحدثت خرابا كبيرا في العمران( ) والاقتصاد، وأحدث خرابا كبيرا في النفسية المغاربية التي لم تعد تشعر بالأمن والأمان، لا على حياة الفرد منها فحسب، بل على بقاء الدولة كنظام يفي بمتطلبات الناس من الأمن على الأرواح والأرزاق .
ولعل حادثة الحصار التي تعرضت له تلمسان على يدي المرينين تعطي صورة واضحة للهزات والشروخ النفسية التي كان يعانيها المجتمع، إذ استمرت هذه المعاناة ثماني سنين وثلاثة أشهر، "ونالهم فيها من الجهد والجوع ما لم ينل أمة من الأمم، واضطروا إلى أكل الجيف، والقطط، والفئران، حتى زعموا أنهم أكلوا فيها أشلاء الموتى من الأناسي، وخرجوا السقف للوقود، وغلت أسعار الأقوات والحبوب، وسائر المرافق، بما تجاوز حدود العوائد، وعجز وجدهم عنه..."( )،و بلغ عدد الموتى من جراء الحصار " زهاء مائة ألف وعشرين ألفا"( )، ولما فرّج الله كربتهم وانفك الحصار،" فكأنما نُشروا من الأجداث"، وكتبوا لها في سكتهم "ما أقرب فرج الله" استغرابا لحادثتنا"( ).
ولا شك أيضا أن هذه الحروب والقلاقل الداخلية والخارجية كان لهما مفعولها القوي في إحداث الفوضى في كل شيء، إن من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الثقافية، وحتى العقائدية، وأضحى الخوف الشديد، والرهبة الكبيرة، مسيطرين على الحياة العامة للمجتمع، وأصبح الإنسان يلتجئ إلى أيّ ملجأ يمكن أن يكون سندا له في مقارعة هذه المصاعب الجمّة، حتى يضمن سلامته وقوته.
ونظرا لاستمرار هذه الأزمات، وسيطرت الخوف والهلع على الحالة النفسية العامة للمجتمع، وما جرّ عنه من ترد للأحوال الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن ثَمّة من أمل في حلول تستوعب أفراد الأمة وتنتشلها من هذه المحن، وانتشار روح اليأس والعجز، صار الناس يبحثون عن أي ملجأ يلتجئون إليه لانقاد حالهم، ويتطلعون إلى الحلول المعجزة، وأصبحوا يبحثون عن أي خبر يمكن أن يكون أملا في النجاة والخلاص، وفي هذه الظروف يمكن لأية إشاعة فيها أمل، أن يعض القوم عليها بالنواجذ، ولذلك كان انتشار الأخبار الكرامية التي عادة ما تحاط بشيء من العلاقة بالله لتمريرها، وتيسير عملية الاعتقاد والإيمان بها، جزءا من المتنفس العام، ومحاولة الترويح عن النفس والخروج من دائرة اليأٍس، وتحولت بمرور الزمن، وكثرة المردّدين لها، والمؤمنين بها، مع بقاء الظروف السالفة القاسية، إلى دواء ملازم، واكتسبت طابع القداسة بحيث لا يستطيع المرء القول فيه إلا بالاستسلام والقبول دون تشكيك أو ريب، وتَحوّل المجتمع بعد ذلك إلى مجتمع مستسلم لهذه الأخبار، يبحث عنها، ويقدس الأولياء، ويبحث عن قبورهم، وأقوالهم الكرامية، وصارت تلك الأخبار والقصص الكرامية، جزءا من الحل الذي يرتقبه ويتسلى به الناس، وولع الناس بها، وتحولت الكرامة إلى عقيدة تنبىء عن الغيب والمستقبل، وتعطي للناس حلولا جاهزة،لا علاقة لها بالكدّ والاجتهاد.
وخلاصة القول فإن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في الدولة الزيانية، ساهمت بشكل فعّال في امتداد هذه الفئة على المستوى الشعبي وعلى المستوى العقلي،" ففي هذه القرون التي أعقبت تفكك الموحدين وسقوط دولتهم، وشهد فيها المغرب هذه الفترة القلقة المفعمة بالاضطرابات السياسية، وعرف إبانها الأطماع الأجنبية، سرت في جميع أجزائه روح غريبة، جعلت الشعب يُقبل إقبالا لم يعرفه من قبل على أمور المجاهدة والكشف، وينخرط في الزوايا والربط، ويؤمن بالأولياء وكرامتهم، ويتناقل خرقهم للعادات، وإخبارهم بالمغيبات، واحتجابهم عن الأنظار، إلى غير ذلك من التصاريف، وهو مأخوذ كأنّه قد أصابه مس من الجن، ثم نجده يندفع في زيارة قبور هؤلاء الأولياء وأضرحتهم، ويقيم حلقات الذكر حول قبابهم"( ).
لقد ساهمت في رسم هذه الصورة عوامل من أبرزها الأحداث التاريخية التي مرّ بها المغرب الإسلامي قاطبة، حيث سادته اضطرابات سياسية كبيرة، وتعرضت دوله إلى حروب شبه دائمة، لا تكاد تهدأ في منطقة حتى تثور في أخرى، من لدن الدولة الحمادية والمرابطية والموحدية، إلى الدول الثلاث المتصارعة التي قامت على أنقاضها، وهي الدولة المرينية،و الزيانية، والحفصية( ).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تعرض المغرب الإسلامي إلى هجمات متكررة على سواحله، ومدنه من طرف الأجانب النصارى، وقد أرخ ابن قنفذ في الفارسية لبعض تلك الغارات، وجعلها من الحوادث العظام( ).
ولا شك أن هذه الحروب الداخلية والخارجية قد أحدثت خرابا كبيرا في العمران( ) والاقتصاد، وأحدث خرابا كبيرا في النفسية المغاربية التي لم تعد تشعر بالأمن والأمان، لا على حياة الفرد منها فحسب، بل على بقاء الدولة كنظام يفي بمتطلبات الناس من الأمن على الأرواح والأرزاق .
ولعل حادثة الحصار التي تعرضت له تلمسان على يدي المرينين تعطي صورة واضحة للهزات والشروخ النفسية التي كان يعانيها المجتمع، إذ استمرت هذه المعاناة ثماني سنين وثلاثة أشهر، "ونالهم فيها من الجهد والجوع ما لم ينل أمة من الأمم، واضطروا إلى أكل الجيف، والقطط، والفئران، حتى زعموا أنهم أكلوا فيها أشلاء الموتى من الأناسي، وخرجوا السقف للوقود، وغلت أسعار الأقوات والحبوب، وسائر المرافق، بما تجاوز حدود العوائد، وعجز وجدهم عنه..."( )،و بلغ عدد الموتى من جراء الحصار " زهاء مائة ألف وعشرين ألفا"( )، ولما فرّج الله كربتهم وانفك الحصار،" فكأنما نُشروا من الأجداث"، وكتبوا لها في سكتهم "ما أقرب فرج الله" استغرابا لحادثتنا"( ).
ولا شك أيضا أن هذه الحروب والقلاقل الداخلية والخارجية كان لهما مفعولها القوي في إحداث الفوضى في كل شيء، إن من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الثقافية، وحتى العقائدية، وأضحى الخوف الشديد، والرهبة الكبيرة، مسيطرين على الحياة العامة للمجتمع، وأصبح الإنسان يلتجئ إلى أيّ ملجأ يمكن أن يكون سندا له في مقارعة هذه المصاعب الجمّة، حتى يضمن سلامته وقوته.
ونظرا لاستمرار هذه الأزمات، وسيطرت الخوف والهلع على الحالة النفسية العامة للمجتمع، وما جرّ عنه من ترد للأحوال الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن ثَمّة من أمل في حلول تستوعب أفراد الأمة وتنتشلها من هذه المحن، وانتشار روح اليأس والعجز، صار الناس يبحثون عن أي ملجأ يلتجئون إليه لانقاد حالهم، ويتطلعون إلى الحلول المعجزة، وأصبحوا يبحثون عن أي خبر يمكن أن يكون أملا في النجاة والخلاص، وفي هذه الظروف يمكن لأية إشاعة فيها أمل، أن يعض القوم عليها بالنواجذ، ولذلك كان انتشار الأخبار الكرامية التي عادة ما تحاط بشيء من العلاقة بالله لتمريرها، وتيسير عملية الاعتقاد والإيمان بها، جزءا من المتنفس العام، ومحاولة الترويح عن النفس والخروج من دائرة اليأٍس، وتحولت بمرور الزمن، وكثرة المردّدين لها، والمؤمنين بها، مع بقاء الظروف السالفة القاسية، إلى دواء ملازم، واكتسبت طابع القداسة بحيث لا يستطيع المرء القول فيه إلا بالاستسلام والقبول دون تشكيك أو ريب، وتَحوّل المجتمع بعد ذلك إلى مجتمع مستسلم لهذه الأخبار، يبحث عنها، ويقدس الأولياء، ويبحث عن قبورهم، وأقوالهم الكرامية، وصارت تلك الأخبار والقصص الكرامية، جزءا من الحل الذي يرتقبه ويتسلى به الناس، وولع الناس بها، وتحولت الكرامة إلى عقيدة تنبىء عن الغيب والمستقبل، وتعطي للناس حلولا جاهزة،لا علاقة لها بالكدّ والاجتهاد.
وخلاصة القول فإن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في الدولة الزيانية، ساهمت بشكل فعّال في امتداد هذه الفئة على المستوى الشعبي وعلى المستوى العقلي،" ففي هذه القرون التي أعقبت تفكك الموحدين وسقوط دولتهم، وشهد فيها المغرب هذه الفترة القلقة المفعمة بالاضطرابات السياسية، وعرف إبانها الأطماع الأجنبية، سرت في جميع أجزائه روح غريبة، جعلت الشعب يُقبل إقبالا لم يعرفه من قبل على أمور المجاهدة والكشف، وينخرط في الزوايا والربط، ويؤمن بالأولياء وكرامتهم، ويتناقل خرقهم للعادات، وإخبارهم بالمغيبات، واحتجابهم عن الأنظار، إلى غير ذلك من التصاريف، وهو مأخوذ كأنّه قد أصابه مس من الجن، ثم نجده يندفع في زيارة قبور هؤلاء الأولياء وأضرحتهم، ويقيم حلقات الذكر حول قبابهم"( ).
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:58 عدل 1 مرات
المحاضرة الخامسة : ملخص موضوع نظرية المعرفة عند المتصوفة ومواقف الفلاسفة والمتكلمين منها
ملخص موضوع نظرية المعرفة عند المتصوفة
ومواقف الفلاسفة والمتكلمين منها
فلالي بلقاسم
جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة
ومواقف الفلاسفة والمتكلمين منها
فلالي بلقاسم
جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة
الملخص:
إنّ مسألة المعرفة والقوى العارفة، من المواضيع التي كانت محل اهتمام الفلاسفة والمفكرين منذ القديم، ولذلك كثرت الآراء فيها وتنوعت؛ حتى ظهرت بين العلماء نزعات مختلفة في مجال أفضل طرق المعرفة وأحسنها وأكملها، بل وأرفعها شأنا، وتجسدت تلك النزعات في مجموعة من الآراء والاتجاهات.
أول الآراء وأقدمها الاتجاه الحسي، الذي لا يعترف ولا يعد من العلم اليقيني إلا ما وقع تحت الحس، مع إلغاء سائر الطرق وعدم الاعتراف بنتائجها، بل والتشكيك فيها، إلى حد اعتبار كل ما نتج عنها ليس علما صحيحا ولا يعد في أحسن الأحوال إلا مجرد ظنا أو تخمينا، وكان لهذا الرأي أنصار منذ القديم.
وظهر اتجاه ثان مناقض للاتجاه الأول، وهو الاتجاه الذي اعتبر الحس أدنى درجات الإدراك الحيواني، بل لا يعد ما توصل إليه الحس علما صحيحا فضلا عن كونه يقينيا يمكن الاطمئنان لنتائجه، وقالوا بأن الإدراك الصحيح هو توصل إليه العقل النظري وحده، بعيدا عن الاستعانة بالحواس.
ثمّ ظهر رأي جامع بين الاتجاهين السالفين، وجعل للإدراك طريق حسي وطريق عقلي، وإن كان هذا الرأي نشأ ليوفق بين الرأيين السابقين، فإنه توصل إلى نتيجة هامة، وهي أن طرق ووسائل العلم والإدراك متعددة، ولا يمكن أن تنحصر في طريق واحد.
وجاء مفكرو الإسلام وفلاسفة المسلمين، متأثرين إلى حد ما، بالاتجاه الجامع على الخصوص، فجعلوا للإدراك طرق ووسائل وآلات متعددة، وأضافوا إلى طرق الإدراك طريقا ثالثا، تأثرا بالوحي الذي لم يجدوا له مكانا في طرق الإدراك السالفة الذكر، ولكنهم جنحوا في هذا الاتجاه إلى تفضيل طريق العقل، وفضلوه على الطريق الذي يدرك بها النبي الوحي، مما حدا بهم في دراساتهم للنصوص الشرعية، إلى عدم التورع في تأويلها من أجل أن توافق العقل عند التعارض أو الاختلاف.
وانفرد الغزالي برأي جامع، مناقض لاتجاه فلاسفة المسلمين، بل إنه شنع عليهم فيما توصلوا إليه، ورد عليهم ردا قبيحا اعتبره بعدها الفقهاء وأهل السنة حجتهم ضد خصومهم، بل عدوه المدافع عن الدين كله وأطلقوا عليه حجة الإسلام، ولكن ميله إلى التصوف جعله يتبنى نظرية أهل الباطن والكشف في المعرفة واعتبرها أفضل من طريق الفلاسفة وغيرهم، وأعلنها صرخة مدوية بين أهل التصوف، فوجدوا فيه ملاذا آمنا وانطلقوا باسم التصوف السني إلى حد ربما لم يقل به حتى الفلاسفة الذين فضلوا العقل على نصوص الشرع في حالات خاصة، ولكن المتصوفة أبطلوا الشريعة بأكملها، وجعلوها مختصة بالأنبياء موجهة إلى العامة، ومثلوا لها بما حصل في قصة موسى والخضر الوردة في القرآن الكريم، فالخضر عندهم خصه الله بعلم الباطن بنما موسى خصه بعلم الأحكام الشرعية الظاهرة، وبان فضل الخضر على موسى منذ أن قال له [هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا]، وجعلوا للمريد إذا أراد أن يتعلم طريقا واحدا هو أن يسلم نفسه طوعا لشيخ الصوفية، ويفعل كل ما يطلبه منه، دون تردد أو شك، كما فعل النبي موسى مع الولي الخضر -عليهما السلام- وحدث ذلك كله حدث باسم الكشف.
نظرية المعرفة عند المتصوفة ومواقف الفلاسفة والمتكلمين منها
إن مسألة طرق المعرفة؛ والقوى العارفة، من أكبر المشاكل التي واجهت الفكر الإنساني، وقد ظلت حولها المعارك الطاحنة بين المفكرين عبر العصور1، لذلك كانت لهم فيها انقسامات، ومذاهب وآراء واتجاهات مختلفة ومتنوعة
أ/طرق العلم وأدوات المعرفة عند فلاسفة اليونان
1/الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي يعتد بالحس وحده كطريق للعلم والمعرفة، ويمثله المذهب المادي البحث الذي (لا يؤمن البتة بما بعد الطبيعة، ويرى أن الإنسان داثر لا يخلد منه شيء، كانت المعرفة الحسية عنده كل شيء)2، وأن الوجود كله منحصر فيما وقعت عليه الحواس3 فقط، فلا طريق عندهم للمعرفة إلاّ فيما يأتي الإنسان عن طريق (تلك الحواس وحدها؛ كما عند هيرقليطس4 )5.
2/الاتجاه الثاني: وهو المذهب المناقض للأول، ولا يعتبر الحس طريقاً موصلاً للعلم والمعرفة، وتمثله بعض المدارس الفلسفية اليونانية القديمة التي (لم تعر الطبيعة أدنى اهتمام، وقد حاولت بناء صرح الفلسفة على الفكر المجرد؛ والبراهين المبنية على معطيات العقل النظري)6 وبدرجة أقل أفلاطون7 الذي جعل من المعرفة (أقرب إلى أن تكون تذكراً منها إلى أن تكون إدراكاً حسياً)8 وأن القوة العارفة هي (البصيرة كما يرى)9 .
3/الاتجاه الثالث: وهو من أوائل المذاهب التي عددت طرق العلم والمعرفة، وذلك أن الآراء تنشأ متضاربة، ثم يأتي الرأي الوسط، لمحاولة الجمع بينها، وذلك قصد التوفيق، والذي توسط بين الاتجاه
1- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، الدار المصرية للتأليف والترجمة، بلا:تا، ص 208.
2- المصدر نفسه، ص220
3- ابن خلدون: المقدمة، ص618
4- هيرقليطس: من مفكري يونان الكبار الذين جمعوا بين حدة الملاحظة وعمق التفكير، ظهر بعد حكماء ايونيا الثلاثة في أفسس حوالي سنة 501ق.م. أنظر: حنا الفاخوري وخليل الجر: تاريخ الفلسفة العربية، دار الجيل، بيروت، ط2، 1982م، ج1،ص46
5- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، ص20
6- حنا الفاخوري: المصدر السابق، ج1، ص49
7- أفلاطون: فيلسوف يوناني ولد في أثينا سنة: 427ق .م، من أسرة عريقة في النسب حيث كان أبوه من كبار الحكماء في عصره، لازم سقراط 18عاماً، فتح أكاديمية بأثينا عام 387ق.م، من أشهر مؤلفاته الجمهورية، توفي سنة 348ق.م، أنظر: حنا الفاخوري: المصدر نفسه، ص65-66، ومحمد عبد الرحمن مرحبا: من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط3، 1983، ص 112
8- حنا الفاخوري: المصدر نفسه، ص68
9- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، ص20
المادي الحسي، والاتجاه الروحي، فنشأ الاتجاه الثالث، فجعل أن للمعرفة أكثر من طريق، وهي: (العقل والحواس كما يرى أرسطوا1، حيث جعل (للمعرفة وسائل وأدوات أساسها الحس وتاجها العقل)2.
ب/طرق العلم وأدوات المعرفة عند فلاسفة المسلمين: جعل فلاسفة المسلمين للعلم والمعرفة طرقا متعددة، وأول من مثل هذا الاتجاه الفارابي3 وابن سينا4، حيث جعلا أول طرق العلم (ما يصل إلى الإنسان عن طريق أدوات الحس التي تنطبع من المحسات في الحواس ثمّ يفعل العقل فيها فعله من التخزين والموازنة والتوفيق والتجريد، وثانيها: ما يصل عن طريق الفكر البحث الذي لا تتدخل فيه الحواس أدنى تدخل، وثالثها: ما يأتي الإنسان عن طريق التنسك الذي يرتفع بصاحبه عن علائق الحس وغواشي المادة)5، وهي عند ابن الطفيل6 الضرب الثالث، وتكون طريقة الوصول إليها بأن (يلازم الفكرة في ذلك الموجود، الواجب الوجود، ثم يقطع علائق المحسوسات، ويغمض عينيه، ويسد أدنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته أن لا يفكر في شيء سواه، ولا يشرك به أحدا، ويستعين على ذلك بالاستدارة على نفسه، والاستحثات فيها، فكان إذا اشتد في الاستدارة على نفسه غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى الجسمانية؛ التي تحتاج إلى الآلات الجسمانية، وقوى فعل ذاته - التي هي بريئة من الجسم - فكانت في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشغوب، ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود...)7، وعنده أن شيخه قد بلغها (وهذه المرتبة التي أشار إليها أبو بكر7، ينتهي إليها
1- أرسطوا طاليس: ولد في استاجيرة سنة 384ق.م من أسرة اشتهرت بالطب، التحق بالأكاديمية التي أسسها أفلاطون فتتلمذ على يديه مدة 20سنة، من أشهر مؤلفاته: كتاب ما بعد الطبيعة وكتاب السياسة، توفي سنة 322ق.م، أنظر: مصطفى غالب: أرسطوا، دار مكتبة الهلال بيروت، 1405هـ/ 1985م،ص15، وحنا الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية، ص80-81، ومحمد مرحبا، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية، ص151-155.
2- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، ص20
3- الفارابي: هو أبو نصر محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي، ولد بتركستان بأسيا الوسطى حوالي 259هـ/872م، رحل إلى بغداد طالباً للعلم ودرس بها علوم مختلفة على جهابذة العلماء، ومنها بقي ينتقل حتى استقر بالشام سنة 330هـ/941م، من أشهر مؤلفاته: المدينة الفاضلة، وتوفي سنة 339هـ/950م، أنظر: كتاب الفارابي أبو نصر محمد بن أوزلغ بن طرخان: المدينة الفاضلة، منشورات الأنيس، موفم للنشر،1987م، مقدمة عبد الرحمن بوزيدة، ص7-8
4- ابن سينا: هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن حسن بن علي بن سينا، ولد سنة 370هـ/980م، ببوخارى من أبوين إسماعليين (من الشيعة)، تبحر في مختلف العلوم وبخاصة منها اليونانية على يد كبار العلماء في عصره بمناطق مختلفة من البلاد الإسلامية، من أشهر مؤلفاته: الشفاء والنجاة، توفي سنة 428هـ/1036م، انظر: مصطفى غالب: ابن سينا دار مكتبة الهلال، بيروت، 1405هـ/ 1985م،ص17-25
5- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، ص232
6- أبو بكر بن الطفيل[494-579هـ/1100-1193م] أنظر ابن صاحب الصلاة: المن بالإمامة، ص410، وعمر بن حمادي: الفقهاء، ص630
7- رسالة حي بن يقضان، تح: عبد الملك السليماني وآخرون، الدراسات الأدبية،دار الفكر،ط3، 1970م،مطبوعة ضمن ثلاث رسائل، ج3، ص 105
8- هو الفيلسوف أبو بكر بن باجة المعروف بابن الصائغ [533هـ/1138م] القاضي عياض: ترتيب المدارك، المجلد الثاني، ج4، ص827، وابن سعيد: المغرب، ص260، وكحالة: أدب المغاربة، ص61
بطرق العلم النظري، والبحث الفكري، ولا شك أنه بلغها ولم يتخطها)1.
والمعرفة التنسكية لها طريقتان، طريق ديني بمعنى طريق العبادة، وطريق فلسفي بمعنى عقلي، إذاً فهي تنتج عن إتباع (عقيدة دينية صادقة صادرة عن إيمان راسخ، أو عن معرفة فلسفية وصلت إلى الحق الأسمى)2، فمن يتبع طريق العقيدة الدينية فهو المتصوف، ومن يتبع طريق الفلسفة العقلية فهو الفيلسوف، ويتجلى هذا الفارق بوضوح بين الغزالي[450-505هـ/1058-1111م]3 وابن سينا[370-428هـ/980م-1036م]، فهذا الأخير وبناءاً على تجربة خاصة به في المعرفة العقلية الفلسفية (أراد أن يجتاز حدود العقل الذي وقف عند المعرفة المنطقية وإن كان قد نجح فيها نجاحاًً باهراً وأن ينغمس بكل كيانه في بحار ذلك العرفان التنسكي الذي لا تتطاول هامة المنطق إليه)4.
ولم يقف عند هذا الحد؛ بل تجرأ بعض الفلاسفة على الوحي الإلهي وكذا على مقام النبوة، فلم يجعلوه معجزة كما أراده الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وجعلوا الوحي مجرد طريق من طرق العلم فقط، حيث أن النّبي-صلى الله عليه وسلم- يتبع طريق الفضيلة والرياضة والتنسك (والتي تستطيع أن تكشف للنفس أسرار الكون، وبأن الإلهام الذي يخص الله به الأخيار من عباده هو أحد وسائل المعرفة البشرية وبأن النّبوة مكتسبة يفوز بها كل من توفرت فيه شروطها)5، وينسب ذلك للفيلسوف أبو نصر الفارابي[259-339هـ/ 872-950م] وهو (ما صرح به من سوء معتقده في النبوة6، وأنها بزعمه للقوة الخيالية خاصة، وتفضيله الفلسفة عليها)7، ويلزم على قولهم باكتسابها تجويز نبي بعد سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أو معه، وذلك مستلزم لتكذيب القرآن والسنّة 8.
ولم يكتف الفلاسفة بذلك بل تطاولوا حتى ادعوا الوحي لأنفسهم، وبذلك صار لا فرق بين العقل والوحي، ومعنى ذلك أن الوحي الإلهي الذي جاء به النّبي لا يكاد يختلف عن الوحي الفلسفي لذا الفيلسوف بحجة
أنهما (يتفرعان عن أصل واحد هو العقل الفعال، والفرق بين الوحي النبوي والوحي الفلسفي؛ أن الفيلسوف يبحث في المعقولات المجردة دون الحس، لكن النّبي يفضي على هذه المعقولات، لكن بالصورة المحاكية لها وبتشابيه
1- أبو بكر بن الطفيل: رسالة حي بن يقضان، ج3، ص87.
2- محمد غلاب: المعرفة عند مفكري المسلمين، ص265
3- الغزالي أبو حامد محمد بن محمد الطوسي[450-505هـ/1058-1111م]: أنظر ترجمته في: مقدمة الجزء الأول من كتابه إحياء علوم الدين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1358هـ/1939م، ج1، ص3-5
4- محمد غلاب: المصدر السابق، ص263
5- المصدر نفسه، ص262.
6- قال ابن خلدون في مدارك الأنبياء: ولا يلتفت في ذلك إلى ما يقوله ابن سينا من تنزيله أمر النبوة على أمر النوم في دفع الخيال صورة إلى الحس المشترك، المقدمة، ص609.
7- أبو بكر بن الطفيل: رسالة حي بن يقضان، ج3، ص93 .
8- طه الدسوقي: نظرية النبوة في الإسلام، دار الهدى، السيدة زينب مصر، 1401هـ/1981م، ص07
ورموز إذا أخذت على ظاهرها ناقضت الحقائق العقلية)1، وعلى هذا، وعند الموازنة بينهما، تكون النبوة المتسنية بالحس أدنى درجة من الفلسفة، فما كان منه إلا (تفضيله الفلسفة عليها)2، وبالتالي يصبح تأويل الوحي بما يوافق العقل جائزاً بل واجباً، ويصبح العقل (أصلا؛ والنصوص الصحيحة الصريحة تعرض عليها فتارة يعمل بمضمونها وتارة تحرف عن مواضعه لتوافق العقول)3، والعودة إلى الفليسوف في فهم ما أشكل من الوحي، كما أشار إلى ذلك ابن الطفيل في قصته الرمزية، التي قارن فيها بين الفيلسوف المتأمل بعقله، والعالم بالشريعة المتبع لوحي نبيه-صلى الله عليه وسلم-، (وعند ذلك، نظر إلى حي بن يقضان؛ بعين التعظيم والتوقير، وتحقق أنه عنده من أولياء الله، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فالتزم خدمته والإقتداء به، والأخذ بإشاراته فيما تعارض عنده، من الأعمال الشرعية؛ التي كان تعلمها في ملته)4.
ج/ طرق العلم وأدوات المعرفة عند أهل التصوف
ازداد الفلاسفة إعجابا بأنفسهم إلى حد الغرور، فبعد إن ارتقوا بأنفسهم إلى مقام النبوة وتطاولوا على مجتمعهم، لزم وضع حد لتهافتهم، وتولى هذه المهمة الإمام الغزالي[450- 505هـ/1058-1111م]، وقد سلك في البداية نفس منهجهم وكاد ينجر وراءهم، ومر بتجربة تخبط فيها بين مذاهب شتى5 في طرق العلم، ووقف على جميعها، وانتهى إلى التشكيك في نتائجها فشكك في أول الأمر في المعرفة الحسية6، ثم شكك في المعرفة العقلية و(جعل الإدراك العقلي متولداً من الإدراك الحسي ومسنداً إليه)7، وجعل للعلم طريقين: كما قسّم القوى المدركة على هذا الأساس إلى قسمين، قوى (مدركة من ظاهر، ومدركة من باطن)8، فكان الطريق الأول طريق حسي9؛ يحصل معرفة بظواهر الأشياء، وهو طريق الفلاسفة (وهذا هو في الأغلب نطاق الإدراك البشري
1- أحمد فؤاد كامل: مقارنة بين فلاسفة المغرب والمشرق العربيين، منشورات جمعية ميزاس الفكر،دار كريماديس للطباعة تطوان المغرب، ط1، 1961م، ص50
2- أبو بكر بن الطفيل: رسالة حي بن يقضان، ج3، ص93.
3- ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، ج13، ص300، والقاضي عماد الدين أبو حسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار: متشابه القرآن، تح: عدنان محمد زرزور، دار التراث، القاهرة، بلا:تا، ص38-41.
4- رسالة حي بن يقضان، ج3، ص125.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 3:01 عدل 2 مرات
تابع....ملخص موضوع نظرية المعرفة عند المتصوفة ومواقف الفلاسفة والمتكلمين منها
- مما قال فيه الفلاسفة (وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي فهي بحسب مخاطبته للجمهور، تربط في موضع، وتحل في آخر، وتكفر بأشياء ثم تنتحلها) ابن الطفيل: المصدر السابق، ج3، ص93، بينما ينقل عن ابن العربي أنه قال فيه: شيخنا أبو حامد، دخل في بطون الفلاسفة، ثم لما أراد أن يخرج منهم؛ فما قدر) ابن تيمية: درأ تعارض العقل والنقل، دار الفكر العربي، بيروت، ط2، ج1، ص8، وقال فيه ابن رشد الحفيد (أنه لم يلزم مذهبا من المذاهب في كتبه، بل هو مع الأشاعرة أشعري ومع الصوفية صوفي ومع الفلاسفة فيلسوف، وحتى أنه كما قيل: يوم يمان إذا لقيت ذا يمن::وإن لقيت معديا فعدنان) فصل المقال، ص51.
6- مصطفى غالب: الغزالي، دار مكتبة الهلال بيروت، 1405هـ/1976م، ص 44-45
7- محمد الفاضل بن عاشور: المحاضرات المغربيات، ص169
8- أنظر:معارج القدس في مدارج معرفة النفس،دار الأوقاف بيروت، ط4،1980،ص41
9- المصدر نفسه، ص41- 44
الجسماني وإليه تنتهي مدارك العلماء، وفيه ترسخ أقدامهم)1، وطريق غير حسي، وهو طريق الأولياء والأنبياء، لأنّه يتم بجود إلهي وكمال فطري2، وأعلن تهافت الفلاسفة، وذلك لأن معارفهم محصلة من طريق الحس، للتقليل من شأنها ووضع حد لغرورهم، وبالتالي النيل من مقامهم والحط من مكانتهم العلمية، وتقديم فئة أخرى بدلهم سالكا في ذلك نفس خطواتهم، ولجأ مضطراً إلي أهل التصوف والكشف، وأعلن أن الطريق الموصل إلى العلم اليقين الذي لا مجال فيه للشك والارتياب؛ هو طريق الإلهام الذي ينقسم عنده (إلى قسمين: إلهام يدري الإنسان كيفية حصوله ومصدره، ويقف على السبب الذي منه استفاد منه ذلك العلم؛ ويسمى إلهاماً وكشفاً ونفثاً في الروع، وهذا النوع من الإلهام يختص به الأولياء والأصفياء، أما النوع الثاني من الإلهام فهو الوحي الذي هو خاصية الأنبياء وحدهم)3، فاختار الغزالي إذن طريق الكشف4 كأفضل طريق للعلم والمعرفة، وكما جعل ابن سينا من الفلاسفة في درجة تقارب درجة النبوة؛ بالمثل جعل الغزالي من المتصوفة في أعلى الدرجات حيث صنفهم بعد الأنبياء مباشرة4، ولا بد للمتعلم أن يكون له منهم شيخا يكون معلما له (ولا بد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى، إن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله، وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يكون عالما، ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة، وإني أبين لك بعض علاماته، على سبيل الإجمال، حتى لا يدّ عي كل أحد أنه مرشد، فنقول: من يعرض عن حب الدنيا؛ وحب الجاه، وكان تابعا لشخص بصير، تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين-صلى الله عليه وسلم-...)5، ولا يمكن ذلك إلا أن يكون ذلك الشيخ من أهل الزهد والتصوف.
وبهذا فُتح المجال أمام بعض المتصوفة الذين بدؤوا بالكشف وانتهى بهم الأمر فيما بعد، حتى تطاولوا على الوحي وصرحوا بما عجز على التصريح به الكثير من فرق أهل الأهواء والبدع، فذهب (قوم من الزنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هدم الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية يختص بها العامة والأغبياء، وأما الأولياء والخواص فلا حاجة لهم إلى تلك النصوص...فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية؛ فيقفون
1- ابن خلدون: المقدمة، ص122- 123
2- حمانة بخاري: التعليم عند الغزالي، ص73
3- المصدر نفسه، ص73
4- أنظر شروط حصول الكشف الخمسة عند الغزالي:وكما أن المرآة لا تنكشف فيها الصور لخمسة أمور[أحدها لنقصان صورته...والثاني لخبثه...، والثالث لكونه معدولا به عن جهة الصورة إلى غيرها...والرابع الحجاب مرسل بين المرآة والصورة، والخامس الجهلة بالجهة التي فيها الصورة المطلوبة... فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن يتجلى فيه حقيقة الأمور كلها، وإنما خلت القلوب عنها لهذه الأسباب الخمسة...، معارج القدس، ص93-95
5- وهذا طبعاً في انتظار ابن رشد الذي أعاد الفلاسفة إلى أعلى الدرجات الاجتماعية والعلمية (إذا كان العدل في أفضل أصناف الموجودات أن يعرفها على كنهها؛ من كان معدا لمعرفتها على كنهها وهم أفضل الناس)، فصل المقال، ص52، ويصفهم بقوله: برهانيون فلاسفة أدلة صحيحة وعقول ذكية، انظر: أحمد فؤاد كامل: مقارنة بين فلاسفة المغرب والمشرق، ص52.
6- الغزالي: رسالة أيها الولد، تح: عبد الملك السليماني وآخرون: الدراسات الأدبية، دار الفكر، ط3، 1970م، مطبوعة ضمن ثلاث رسائل، ج3، ص150-151
على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات)1، هذا في مجال الشريعة، أما في مجال العقيدة فإن انحرافهم كان أخطر وأشد، حيث انتهى ببعضهم إلى القول بالحلول والإتحاد2 أو بوحدة الوجود وعلى رأسهم ابن عربي3[638هـ/1240م].
ومن جهة ثالثة ارتكب أهل التصوف جناية في حق التعليم بما فيهم الغزالي، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد (حينما زعموا لهم أن المعرفة لا تكتسب بالجهد والبحث والملاحظة والتجارب؛ بل هي نوع من المعجزات)4.
ولكي يوضع حد لمثل هذه الانحرافات والمزالق الخطيرة؛ لابد من وضع منهج علمي وتعليمي قائماً على قواعد سليمة وطرق صحيحة للعلم والمعرفة، ثمّ قادراً على إخراج وإقصاء الطرق غير العلمية الموصلة إلى تلك النتائج الوخيمة، وبذلك فقط يتم وضع حد للتلاعب بعقول الأجيال لأغراض أحياناً تربوية حسنة، وأحياناً أخرى سياسية خبيثة، وهذا عين ما قصد إليه ابن تومرت، عندما وضع منهج علمي وتعليمي متميز، كان بمثابة ثورة على كل المناهج القائمة في عصره، وخاصة المنهج الكشفي، فكان الغزالي جزء مقصود، ولم تشفع له أستاذيته له، لأن الخطأ جسيم وخطير، فأعلن أن للعلم ثلاث5 طرق فقط لا أثر فيها لما ادعاه الغزالي .
د/ طرق العلم وأدوات المعرفة عند المتكلمين
جعلوا للعلم والمعرفة طرقا ثلاثة5، كلها صحيحة وموصلة في مجالها إلى علم يقيني غير ظني، لا يجوز إنقاص
1- القرطبي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، دار الكاتب العربي القاهرة، 1387هـ/1967م، ج11، ص40
2- أصل القول به عند طوائف من الشيعة يسمون الغلاة، تجاوزوا حد العقل والإيمان في القول بألوهية الأئمة: إما على أنهم بشر على اتصفوا بصفات الألوهية، أو أن الإله حل في ذاته البشرية وهو قول النصارى في عيسى-صلوات الله عليه- ولقد حرق علي بالنار من ذهب فيه إلى ذلك، ابن خلدون المقدمة، ص248، وذكر طائفة باسمه يقولون بالحلول وجاء الإسماعيلية منه يدّعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول، المصدر نفسه، ص402، ثم انتقل هذا القول محاكاة إلى مذهب من الصوفية المتكلمين في الكشف وفي ما وراء الحس وظهر من الكثير منهم القول على الإطلاق بالحلول والوحدة فشاركوا فيها الإمامية والرافضة لقولهم بألوهية الأئمة وحلول الإله فيهم، المصدر نفسه، ص402، وأهل التصوف الذين وضعوا دعائم نظرية الاتحاد والفناء التي تعد غاية الوصول إلى الله، وأظهروا هذا القول "إما بمعنى الحلول فيها, أو بمعنى أنه هو عينها وليس هناك غيره جملة ولا تفصيلا" في القرن الثالث الهجري المحاسبي [242هـ/856م]، وذي النون المصري [240هـ/854م]، والبسطامي [260هـ/873م], المصدر نفسه، ص218، ثم يأتي بعدهم الحلاّج [309هـ/921م] ليقول بحلول اللاّهوت في الناسوت, وقوله أنا الحق، إبراهيم مذكور: في الفلسفة الإسلامية, ج2, ص69، ثمّ ويأتي القرن السادس والسابع "بالسهروردي المقتول[586هـ/1190م]، ومحي الدين بن عربي[638هـ/1240م]، ثم ابن سبعين[668هـ 269م] القائل بالوحدة المطلقة"، حنا الفاخوري: تاريخ الفلسفة العربية, ج1, ص310، وللمزيد انظر المصدر نفسه، ص309-311، وابن خلدون: المقدمة، ص619، وفليب حتي وآخرون: تاريخ العرب مطول، دار الكشاف، ط4، 1965م، ج2، ص524.
3- من قوله في ذلك: العبدُ ربُّ والربُّ عبـد يا ليت شعري من المكلف
إن قلتُ عبد فذاك حق وإن قلتُ ربُّ أنى يكلف
الفتوحات المكية، تح: عثمان يحي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1392هـ/ 1972م، السفر الأول، ص42.
4- ابن رشد: مناهج الأدلة (مقدمة محمود قاسم)، ص08
5-تم التركيز هنا على فترة ما بعد الغزالي، لأن مرحلته جمعت بين ثلاث اتجاهات، الإتجاه العقلي الفلسفي، والاتجاه الباطني الصوفي، والاتجاه الكلامي.
واحد منها ولا الزيادة عليها، ولا حتى الخلط بينها، وكانت له مناظرة في هذه المسألة مع فقهاء المرابطين بأغمات (فكان مما سألهم عنه-رضه- أن قال لهم: طرق العلم هل هي منحصرة أم لا ؟ فأجاب مقدمهم ...أن قال: نعم منحصرة في الكتاب والسنّة والمعاني التي نبهت عليها، فقال الإمام المهدي -رضه-: إنما سئلت عن طرق العلم هل هي منحصرة أم لا، فلم تذكر إلاّ واحداً منها، ومن شرط الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، فلم يفهم عنه وعجز عن الجواب...)1.
وهذا ما يؤكد الصراع الذي قدمنا له أنفاً حول طرق العلم والمعرفة، وقد تجلى لنا هنا في هذه المناظرة؛ مع فريق من علماء المرابطين لا يعرفون ولا يعترفون إلاّ بطريق واحد للعلم والمعرفة وهو الوحي وما نبه عليه فقط، فانحصر بالتالي عندهم فيما أتى من هذا الطريق فقط، بمعنى الكتاب وهو القرآن والسنة، والمعاني التي نبهت عليها بمعنى الفقه أو القياس أو ما أخذ من طريقه .
فحصر العلم في طريق واحد قصور كبير عما سواه؛ فأخذ يبين طرق العلم وحصرها في طرق ثلاث2 هيالحس والعقل والسمع)3، والدليل الذي اعتمده لتحديد هذه الطرق الثلاثة، هو قوله تعالى:٭ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٭4، ويعلق بقوله: (فهذه قسمة منحصرة فيما يسأل عنه مما شاهده ببصره، أو سمعه بسمعه، أو أدركه بعقله، فكل علم داخل فيها وعنها يكون)5.
وهذا الدليل النقلي استدل به كذلك الفقهاء والمتكلمين وغيرهم، ويضيف البعض دليلاً آخر، هو قوله تعالى: ٭أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ٭6.
أما ابن خلدون فجعل كل معرفة يكتسبها الإنسان حاصلة من تلك الطرق ومحصلة بتلك الوسائل واستدل بنص آخر (ما حصل له بعد ذلك فهو بما جعل الله له من مدارك الحس والأفئدة التي هي الفكر، قال تعالى: في الامتنان علينا7:٭ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ٭8.
فهذه النّصوص وغيرها (تبين أنّ في الإنسان قوى مدركة للأشياء، وأنّ من هذه القوى السمع والبصر والقلب أي العقل)9، وهذا ما أكده بقوله: (فالبصر هو ما يدرك به جميع المبصرات، والسمع هو ما يسمع به جميع 1- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص32
2- طرق العلم عند الرّازي ثلاثة وهي: الحس والخبر والنظر، التفسير الكبير، دار الفكر، بيروت، 1398هـ/ 1978م ج7، ص311
3- ابن تومرت: المصدر السابق، ص30
4- سورة الإسراء، الأية36
5- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص180
6- سورة الحج، الآية44
7- المقدمة، ص599
8- سورة السجدة، الآية08
9- محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي عند ابن سينا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، بلا:تا، ص21
المسموعات من الشرع وغيره، والفؤاد راجع إلى القلب، قال تعالى: ٭ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ٭1 والفؤاد والقلب واحد)2.
وهكذا يحصر للعلم ثلاث طرق وهي وسائل التعلم منحت لكل الناس بالتساوي، ويجب على الكل استخدامها واستغلالها وتشغيلها لتحصيل العلم والمعرفة، وهكذا يجعل التعليم مبني على مجهود فردي مطلوب من كل شخص تقديم الأسباب واستغلال هذه الوسائل، وكان العلم والمعرفة (الإنسانية تعتمد على هذه القوى، أي أنّها كسبية)3 هي الأخرى أو مكتسبة وليست معجزة محتكرة لفئة خاصة من الناس متصوفة أو غيرهم.
وهذه الوسائل والآلات هي دائماً نفسها التي يستخدمها الإنسان في تحصيل معارفه، وتنتقل معه عبر أحواله وباختلاف أطواره (وسر هذا أن تعلم أن النفس الإنسانية هي تنشأ بالبدن وبمداركه، فإذا فارقت البدن بنوم أو موت أو صار النّبي حالة الوحي من المدارك البشرية إلى المدارك الملكية فقد صحبت ما كان معها من المدارك البشرية مجردة عن الجوارح فيدرك بها في ذلك الطور أي شيء شاء منها أرفع من إدراكها وهي في الجسد)4، وإنما تزداد قوة الإدراك بها أو تضعف بحسب حال الإنسان عند الانتقال من طور إلى طور، فعند الوحي مثلاً يزيد الله في قوة السمع عند النّبي فيسمع الوحي هو وحده دون سواه، ويزيد في قوة بصره فيرى الملك ولا يراه غيره5.
1- سورة ق، الآية37
2- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص181
3- محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي، ص21
4- ابن خلدون: المقدمة، ص610
5- المصدر نفسه، ص123- 124
6- مصطفى غالب: الغزالي، دار مكتبة الهلال بيروت، 1405هـ/1976م، ص 44-45
7- محمد الفاضل بن عاشور: المحاضرات المغربيات، ص169
8- أنظر:معارج القدس في مدارج معرفة النفس،دار الأوقاف بيروت، ط4،1980،ص41
9- المصدر نفسه، ص41- 44
الجسماني وإليه تنتهي مدارك العلماء، وفيه ترسخ أقدامهم)1، وطريق غير حسي، وهو طريق الأولياء والأنبياء، لأنّه يتم بجود إلهي وكمال فطري2، وأعلن تهافت الفلاسفة، وذلك لأن معارفهم محصلة من طريق الحس، للتقليل من شأنها ووضع حد لغرورهم، وبالتالي النيل من مقامهم والحط من مكانتهم العلمية، وتقديم فئة أخرى بدلهم سالكا في ذلك نفس خطواتهم، ولجأ مضطراً إلي أهل التصوف والكشف، وأعلن أن الطريق الموصل إلى العلم اليقين الذي لا مجال فيه للشك والارتياب؛ هو طريق الإلهام الذي ينقسم عنده (إلى قسمين: إلهام يدري الإنسان كيفية حصوله ومصدره، ويقف على السبب الذي منه استفاد منه ذلك العلم؛ ويسمى إلهاماً وكشفاً ونفثاً في الروع، وهذا النوع من الإلهام يختص به الأولياء والأصفياء، أما النوع الثاني من الإلهام فهو الوحي الذي هو خاصية الأنبياء وحدهم)3، فاختار الغزالي إذن طريق الكشف4 كأفضل طريق للعلم والمعرفة، وكما جعل ابن سينا من الفلاسفة في درجة تقارب درجة النبوة؛ بالمثل جعل الغزالي من المتصوفة في أعلى الدرجات حيث صنفهم بعد الأنبياء مباشرة4، ولا بد للمتعلم أن يكون له منهم شيخا يكون معلما له (ولا بد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى، إن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله، وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يكون عالما، ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة، وإني أبين لك بعض علاماته، على سبيل الإجمال، حتى لا يدّ عي كل أحد أنه مرشد، فنقول: من يعرض عن حب الدنيا؛ وحب الجاه، وكان تابعا لشخص بصير، تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين-صلى الله عليه وسلم-...)5، ولا يمكن ذلك إلا أن يكون ذلك الشيخ من أهل الزهد والتصوف.
وبهذا فُتح المجال أمام بعض المتصوفة الذين بدؤوا بالكشف وانتهى بهم الأمر فيما بعد، حتى تطاولوا على الوحي وصرحوا بما عجز على التصريح به الكثير من فرق أهل الأهواء والبدع، فذهب (قوم من الزنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هدم الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية يختص بها العامة والأغبياء، وأما الأولياء والخواص فلا حاجة لهم إلى تلك النصوص...فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية؛ فيقفون
1- ابن خلدون: المقدمة، ص122- 123
2- حمانة بخاري: التعليم عند الغزالي، ص73
3- المصدر نفسه، ص73
4- أنظر شروط حصول الكشف الخمسة عند الغزالي:وكما أن المرآة لا تنكشف فيها الصور لخمسة أمور[أحدها لنقصان صورته...والثاني لخبثه...، والثالث لكونه معدولا به عن جهة الصورة إلى غيرها...والرابع الحجاب مرسل بين المرآة والصورة، والخامس الجهلة بالجهة التي فيها الصورة المطلوبة... فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن يتجلى فيه حقيقة الأمور كلها، وإنما خلت القلوب عنها لهذه الأسباب الخمسة...، معارج القدس، ص93-95
5- وهذا طبعاً في انتظار ابن رشد الذي أعاد الفلاسفة إلى أعلى الدرجات الاجتماعية والعلمية (إذا كان العدل في أفضل أصناف الموجودات أن يعرفها على كنهها؛ من كان معدا لمعرفتها على كنهها وهم أفضل الناس)، فصل المقال، ص52، ويصفهم بقوله: برهانيون فلاسفة أدلة صحيحة وعقول ذكية، انظر: أحمد فؤاد كامل: مقارنة بين فلاسفة المغرب والمشرق، ص52.
6- الغزالي: رسالة أيها الولد، تح: عبد الملك السليماني وآخرون: الدراسات الأدبية، دار الفكر، ط3، 1970م، مطبوعة ضمن ثلاث رسائل، ج3، ص150-151
على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات)1، هذا في مجال الشريعة، أما في مجال العقيدة فإن انحرافهم كان أخطر وأشد، حيث انتهى ببعضهم إلى القول بالحلول والإتحاد2 أو بوحدة الوجود وعلى رأسهم ابن عربي3[638هـ/1240م].
ومن جهة ثالثة ارتكب أهل التصوف جناية في حق التعليم بما فيهم الغزالي، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد (حينما زعموا لهم أن المعرفة لا تكتسب بالجهد والبحث والملاحظة والتجارب؛ بل هي نوع من المعجزات)4.
ولكي يوضع حد لمثل هذه الانحرافات والمزالق الخطيرة؛ لابد من وضع منهج علمي وتعليمي قائماً على قواعد سليمة وطرق صحيحة للعلم والمعرفة، ثمّ قادراً على إخراج وإقصاء الطرق غير العلمية الموصلة إلى تلك النتائج الوخيمة، وبذلك فقط يتم وضع حد للتلاعب بعقول الأجيال لأغراض أحياناً تربوية حسنة، وأحياناً أخرى سياسية خبيثة، وهذا عين ما قصد إليه ابن تومرت، عندما وضع منهج علمي وتعليمي متميز، كان بمثابة ثورة على كل المناهج القائمة في عصره، وخاصة المنهج الكشفي، فكان الغزالي جزء مقصود، ولم تشفع له أستاذيته له، لأن الخطأ جسيم وخطير، فأعلن أن للعلم ثلاث5 طرق فقط لا أثر فيها لما ادعاه الغزالي .
د/ طرق العلم وأدوات المعرفة عند المتكلمين
جعلوا للعلم والمعرفة طرقا ثلاثة5، كلها صحيحة وموصلة في مجالها إلى علم يقيني غير ظني، لا يجوز إنقاص
1- القرطبي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، دار الكاتب العربي القاهرة، 1387هـ/1967م، ج11، ص40
2- أصل القول به عند طوائف من الشيعة يسمون الغلاة، تجاوزوا حد العقل والإيمان في القول بألوهية الأئمة: إما على أنهم بشر على اتصفوا بصفات الألوهية، أو أن الإله حل في ذاته البشرية وهو قول النصارى في عيسى-صلوات الله عليه- ولقد حرق علي بالنار من ذهب فيه إلى ذلك، ابن خلدون المقدمة، ص248، وذكر طائفة باسمه يقولون بالحلول وجاء الإسماعيلية منه يدّعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول، المصدر نفسه، ص402، ثم انتقل هذا القول محاكاة إلى مذهب من الصوفية المتكلمين في الكشف وفي ما وراء الحس وظهر من الكثير منهم القول على الإطلاق بالحلول والوحدة فشاركوا فيها الإمامية والرافضة لقولهم بألوهية الأئمة وحلول الإله فيهم، المصدر نفسه، ص402، وأهل التصوف الذين وضعوا دعائم نظرية الاتحاد والفناء التي تعد غاية الوصول إلى الله، وأظهروا هذا القول "إما بمعنى الحلول فيها, أو بمعنى أنه هو عينها وليس هناك غيره جملة ولا تفصيلا" في القرن الثالث الهجري المحاسبي [242هـ/856م]، وذي النون المصري [240هـ/854م]، والبسطامي [260هـ/873م], المصدر نفسه، ص218، ثم يأتي بعدهم الحلاّج [309هـ/921م] ليقول بحلول اللاّهوت في الناسوت, وقوله أنا الحق، إبراهيم مذكور: في الفلسفة الإسلامية, ج2, ص69، ثمّ ويأتي القرن السادس والسابع "بالسهروردي المقتول[586هـ/1190م]، ومحي الدين بن عربي[638هـ/1240م]، ثم ابن سبعين[668هـ 269م] القائل بالوحدة المطلقة"، حنا الفاخوري: تاريخ الفلسفة العربية, ج1, ص310، وللمزيد انظر المصدر نفسه، ص309-311، وابن خلدون: المقدمة، ص619، وفليب حتي وآخرون: تاريخ العرب مطول، دار الكشاف، ط4، 1965م، ج2، ص524.
3- من قوله في ذلك: العبدُ ربُّ والربُّ عبـد يا ليت شعري من المكلف
إن قلتُ عبد فذاك حق وإن قلتُ ربُّ أنى يكلف
الفتوحات المكية، تح: عثمان يحي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1392هـ/ 1972م، السفر الأول، ص42.
4- ابن رشد: مناهج الأدلة (مقدمة محمود قاسم)، ص08
5-تم التركيز هنا على فترة ما بعد الغزالي، لأن مرحلته جمعت بين ثلاث اتجاهات، الإتجاه العقلي الفلسفي، والاتجاه الباطني الصوفي، والاتجاه الكلامي.
واحد منها ولا الزيادة عليها، ولا حتى الخلط بينها، وكانت له مناظرة في هذه المسألة مع فقهاء المرابطين بأغمات (فكان مما سألهم عنه-رضه- أن قال لهم: طرق العلم هل هي منحصرة أم لا ؟ فأجاب مقدمهم ...أن قال: نعم منحصرة في الكتاب والسنّة والمعاني التي نبهت عليها، فقال الإمام المهدي -رضه-: إنما سئلت عن طرق العلم هل هي منحصرة أم لا، فلم تذكر إلاّ واحداً منها، ومن شرط الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، فلم يفهم عنه وعجز عن الجواب...)1.
وهذا ما يؤكد الصراع الذي قدمنا له أنفاً حول طرق العلم والمعرفة، وقد تجلى لنا هنا في هذه المناظرة؛ مع فريق من علماء المرابطين لا يعرفون ولا يعترفون إلاّ بطريق واحد للعلم والمعرفة وهو الوحي وما نبه عليه فقط، فانحصر بالتالي عندهم فيما أتى من هذا الطريق فقط، بمعنى الكتاب وهو القرآن والسنة، والمعاني التي نبهت عليها بمعنى الفقه أو القياس أو ما أخذ من طريقه .
فحصر العلم في طريق واحد قصور كبير عما سواه؛ فأخذ يبين طرق العلم وحصرها في طرق ثلاث2 هيالحس والعقل والسمع)3، والدليل الذي اعتمده لتحديد هذه الطرق الثلاثة، هو قوله تعالى:٭ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٭4، ويعلق بقوله: (فهذه قسمة منحصرة فيما يسأل عنه مما شاهده ببصره، أو سمعه بسمعه، أو أدركه بعقله، فكل علم داخل فيها وعنها يكون)5.
وهذا الدليل النقلي استدل به كذلك الفقهاء والمتكلمين وغيرهم، ويضيف البعض دليلاً آخر، هو قوله تعالى: ٭أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ٭6.
أما ابن خلدون فجعل كل معرفة يكتسبها الإنسان حاصلة من تلك الطرق ومحصلة بتلك الوسائل واستدل بنص آخر (ما حصل له بعد ذلك فهو بما جعل الله له من مدارك الحس والأفئدة التي هي الفكر، قال تعالى: في الامتنان علينا7:٭ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ٭8.
فهذه النّصوص وغيرها (تبين أنّ في الإنسان قوى مدركة للأشياء، وأنّ من هذه القوى السمع والبصر والقلب أي العقل)9، وهذا ما أكده بقوله: (فالبصر هو ما يدرك به جميع المبصرات، والسمع هو ما يسمع به جميع 1- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص32
2- طرق العلم عند الرّازي ثلاثة وهي: الحس والخبر والنظر، التفسير الكبير، دار الفكر، بيروت، 1398هـ/ 1978م ج7، ص311
3- ابن تومرت: المصدر السابق، ص30
4- سورة الإسراء، الأية36
5- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص180
6- سورة الحج، الآية44
7- المقدمة، ص599
8- سورة السجدة، الآية08
9- محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي عند ابن سينا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، بلا:تا، ص21
المسموعات من الشرع وغيره، والفؤاد راجع إلى القلب، قال تعالى: ٭ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ٭1 والفؤاد والقلب واحد)2.
وهكذا يحصر للعلم ثلاث طرق وهي وسائل التعلم منحت لكل الناس بالتساوي، ويجب على الكل استخدامها واستغلالها وتشغيلها لتحصيل العلم والمعرفة، وهكذا يجعل التعليم مبني على مجهود فردي مطلوب من كل شخص تقديم الأسباب واستغلال هذه الوسائل، وكان العلم والمعرفة (الإنسانية تعتمد على هذه القوى، أي أنّها كسبية)3 هي الأخرى أو مكتسبة وليست معجزة محتكرة لفئة خاصة من الناس متصوفة أو غيرهم.
وهذه الوسائل والآلات هي دائماً نفسها التي يستخدمها الإنسان في تحصيل معارفه، وتنتقل معه عبر أحواله وباختلاف أطواره (وسر هذا أن تعلم أن النفس الإنسانية هي تنشأ بالبدن وبمداركه، فإذا فارقت البدن بنوم أو موت أو صار النّبي حالة الوحي من المدارك البشرية إلى المدارك الملكية فقد صحبت ما كان معها من المدارك البشرية مجردة عن الجوارح فيدرك بها في ذلك الطور أي شيء شاء منها أرفع من إدراكها وهي في الجسد)4، وإنما تزداد قوة الإدراك بها أو تضعف بحسب حال الإنسان عند الانتقال من طور إلى طور، فعند الوحي مثلاً يزيد الله في قوة السمع عند النّبي فيسمع الوحي هو وحده دون سواه، ويزيد في قوة بصره فيرى الملك ولا يراه غيره5.
1- سورة ق، الآية37
2- ابن تومرت: أعز مايطلب، ص181
3- محمد عثمان نجاتي: الإدراك الحسي، ص21
4- ابن خلدون: المقدمة، ص610
5- المصدر نفسه، ص123- 124
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 3:02 عدل 1 مرات
المحاضرة السادسة:الدوغمائية الصوفية وحركة الإصلاح السلفي في الجزائر
الدوغمائية الصوفية وحركة الإصلاح
السلفي في الجزائر: مقاربة من أجل التجديد.
أ. محفوظ رموم
جامعة بأدرار.
الملخص:السلفي في الجزائر: مقاربة من أجل التجديد.
أ. محفوظ رموم
جامعة بأدرار.
بفعل اختلاط التصوف بالمفاهيم الوراثية انحط المستوى الفلسفي والفكري للتصوف وأصبح له دورا سلبيا على الثقافة النيرة. وزاد امتداد أدوار المتصوفة داخل البنية الاجتماعية والفكرية والأدبية من تمفصلهم الكلي في بنية الفكر الديني، واستحواذهم على العقلية العلمية، مما استوجب قيام حركة إصلاح استمر وجودها إلى يومنا هذا.
من زاوية الفينومونولوجيا الدينية، فإن تصوف الحواضر يشكل بديلا لإسلام الفقهاء، بينما تصوف البوادي يقوم مقامه، بحكم أن التصور الحرفي الذي يحمله الفقهاء غير قابل للتطبيق. وأمام التوتر الحاصل بين الاتجاهين، فإن المشروعية تتحول من الكتاب والسنة إلى مشروعية بالوراثة.
بدأت حملة الفقهاء على الاتجاه الصوفي في الجزائر مبكرا، وتشكل أنصار المعسكرين من عبد الرحمن الوغليسي وابن مرزوق الحفيد من جهة، وعبد الرحمن الثعالبي ومحمد السنوسي من جهة أخرى، واستمر الاستقطاب بين الجناحين إلى أن تدعم الاتجاه السلفي بشخصية أحمد الزروق، الذي خلص إلى أن انحراف التصوف يستدرك برأب الصدع بين الحقيقة والشريعة، فصار حجة عند المتصوفة والفقهاء، وصارت مدرسته مصدرا لحركات التجديد في الجزائر.
لقد جاءت هذه المقاربة لتبحث في صيرورة إحدى حركات التجديد الديني في الجزائر من خلال الصراع بين المتصوفة والفقهاء أو ما اصطلح عليه بالصراع التاريخي بين المدرسة الصوفية والمدرسة السلفية، ودورها في ترشيد مسيرة الفكر الديني وذلك من خلال البحث في العناصر الآتية:
1- الدوغمائية الصوفية وبنية الفكر الديني المحلي.
2- الصراع بين الفقهاء والصوفية في الجزائر.
3- الحركة الإصلاحية الحديثة وأثر الفكر الوهابي عليها.
Le résume
Au moyen age le lot civilisatrice musulman fut de connaissances et de lumiers, la religion considère comme une affaire de société, donc ces limergence des rites et des écoles philosophiques de l’islam.
Pour nous il ne s’agit pas uniquement de soufisme et de salafisme, il est injuste de culpabiliser l’islam populaire ou l’islam orthodoxe, mais il s’agit dun effort spécial pour évité la décadence de niveau philosophique et moral de l’islam, et l’influence négative de la pensée religieuse sur la socite. dans ce cadre un mouvement réformiste et renaissancionel se pose. Aussi tout le monde doit sy mettre pour gagner la bataille pacifique de la coexistence pour le retour aux premières messages de l’islam.
أولا:الدوغمائية1 الصوفية وبنية الفكر الديني المحلي:
انحط المستوى الفلسفي والفكري للتصوف بفعل اختلاط التصوف بالمفاهيم الوراثية حتى أصبح له دورا سلبيا على الثقافة النيرة. وأمام تشعب وامتداد أدوار المتصوفة داخل البنية الاجتماعية والفكرية والأدبية ازداد تمفصلهم الكلي في بنية الفكر الديني، مما سمح لهم الاستحواذ على العقلية العلمية، واستوجب قيام حركة إصلاح استمر وجودها إلى يومنا هذا.
1-نشأة سلطة السلالات المبجلة2:
لقد ظلت الأسطورة تبجل دور العلماء في التأسيس والإحياء والاكتشاف من خلال الساقية الحمراء منطلقا للانتشار، وأمام التحولات في الأشكال الاجتماعية والانهيار الاقتصادي والبحث عن الخلاص سمح بانبثاق دور مهم للمرابطين...
ثم ما لبثت أن دخلت الزوايا كعنصر في البنية الدينية، حيث عملت على تطوير تراثها الخاص عن طريق إعادة إنتاج تعاليم مؤسسيها بشكل حرفي، مما أدى إلى قراءة متكررة للتراث الإسلامي، ومن ثم نشوب المحاكاتية بين رؤساء الزوايا المتنافسة، ما دام الهدف واحد، ألا وهو توسيع مجال السيطرة الدينية والسياسية.3
من زاوية الفينومونولوجيا الدينية، فإن تصوف الحواضر يشكل بديلا لإسلام الفقهاء، بينما تصوف البوادي يقوم مقامه، بحكم أن التصور الحرفي الذي يحمله الفقهاء غير قابل للتطبيق. وأمام التوتر الحاصل بين الاتجاهين، فإن المشروعية تتحول من الكتاب والسنة إلى مشروعية بالوراثة. ولم تكن الجزائر بعيدة عن دلك، فخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين جاء المد الصوفي من البوادي كدليل عن تحول هام في الحياة الاجتماعية، وليتحول التصوف بذلك إلى كيانات قبلية.4
لقد كان لسيطرة الذهنية الخرافية على عقلية السلطة السياسية دورا في توجيه الثقافة، فأركون مثلا يرى أنه من سمات التقليد في التراث أن تضامنا قائما بين السلطة والتراث والثقافة الرسمية التي تدعمها. بل كثيرا ما تكون السلالات المرابطية والدينية(الزوايا) جزء من ثقافة السلطة. ولذلك يرى البعض أن محاولة إحياء الإسلام لدى الطرق والزوايا لم تكن تهدف إلى تعويض السياسة بالإسلام،5 بقدر ما كانت تبحث عن مصالح آنية، وولاء ذاتي، على حساب المصلحة العامة.
إن هذا التداخل بين مصالح دينية ثقافية، وأخرى سياسية مصلحية تفككها بن سالم بكون"سلطة الولي تقوم على البركة وتحظى بقيمة رمزية وبفعالية على مستوى الممارسات الاجتماعية الماورائية. بيما يرى كلينر ضرورة الفصل بين الولي الفعلي(الحاكم السياسي) والولي الكامل(الولي الصالح)، إذ لا يحظى بالبركة في وقت معين إلا ولي واحد من بين أبناء الجد الصالح".6 وهذا ما يفسر ظاهرة التقارب والتنافر بين السلطتين الدينية والزمنية، ولذلك فإن لجوء الثانية إلى الأولى نابع من اعتبارها المرابط الممثل لثقافة المجتمع(الثقافة الشعبية) من جهة، ومعرفتها الدقيقة بأن العلاقات الضمنية للإسلام كدين والخلافة كسلطة كانت تقوي مبدأ الاستقرار في مفهوم الدولة، ومن ثم لم يكن اعتقادها في الأولياء "إلا من باب طقوس العبور لتسهيل الوصول إلى أهداف سياسية".7
2-المؤثرات في التصوف الجزائري:
مع حلول القرن السادس عشر الميلادي، ودخول الجزائر مرحلة الصراع مع الغرب المسيحي، وتفسخ منظومة السياسة الجزائرية، انفتح المجال أمام الطرق الصوفية لتعويض السلطة المترهلة، فكان تحالفها مع العثمانيين، وكان رد الجميل أن شجعت الأخيرة الحركة الصوفية والطرق كحلفاء ومؤيدين، حتى وصل التصوف الشعبي-كحركة جماهيرية منظمة في نقابات وجمعيات إخوانية- قمة نضجه، وفتح الباب أمام اللافكر والضعف الاجتماعي باطراد.8
لقد كان التصوف الجزائري، في معظمه، خاضعا لمؤثرات خارجية بحكم ظاهرة الهجرة. فكان للطريقة القادرية تأثيراتها الواضحة، حيث دخلت الجزائر على يد أبي مدين الغوث(1126-1198ه)، لتصل إفريقيا جنوب الصحراء لاحقا، وكان الشيخ عبد الكريم المغيلي أحد أتباعها...9
أما الطريقة الشاذلية التي نشأت في فاس، وذات الفلسفة الصوفية الإشراقية، والتي لم تطلب من أتباعها نظاما خاصا وأورادا معينة، فقد سمح لأتباعها بإنشاء طرق أخرى كالطيبية والجزولية والدرقاوية، والمليانية التي أخذ شيخها الطريقة على الشيخ أحمد الزروق الشاذلي، مما جعل فلسفتها في اعتماد الذكر والرقص الصوفي ومخالطة الأمراء وتقبل الهدايا على الطريقة الشاذلية، وقد كان تأثيرها كبيرا في الجزائر...10
أما النقشبندية والبكتاشية اللتتين لم تتحدث المصادر كثيرا عن تأثيراتهما في الجزائر، فإننا لا نشك في دخولهما مع دخول العثمانيين، كما أن موقعها في التكوين العقدي للجيش الإنكشاري يجعلنا لا نستبعد أن تكون قد دخلت معهم، كتنظيم جمعوي...
أفي حين لعبت الطريقة الشابية التونسية دورا فكريا غلب عليه الجانب السياسي في شرق البلاد، حيث قادت ثورات عدة ضد الوجود التركي.11أما منطقة الغرب فزواياها وطرقها كثيرة لقربها من مصدر التصوف بالمغرب الأقصى، واستمرار حركة الجهاد ضد الوجود الإسباني بالمنطقة والتي امتد إلى غاية 1792م.
لقد كانت الجزائر إذن مفتوحة على كل المؤثرات الثقافية المشرقية والمغربية من خلال حركة العلماء االمهاجرين أو الوافدين الدين استقر معظمهم نهائيا بالجزائر، وبذلك أصبحت خريطة الانتشار الصوفي كالأتي: الشرق تتقاسمه الطريقة التيجانية والرحمانية والحنصالية، والغرب تسيطر عليه الطريقة العيساوية والشيخية والقادرية والدرقاوية والزيانية، ومعظمها تأسس بطريقة انتشارية عن أصول أهمها الشاذلية والقادرية،12 مع الإشارة إلى أن خط سيرها من الغرب إلى الشرق، عدا الرحمانية والحنصالية، ودلك بسبب أن إدعاء الانتساب الشريفي كان مقطوعا إلا من جهة الغرب.
ثانيا:الصراع بين الفقهاء والصوفية في الجزائر:
مع مطلع القرن الخامس عشر الميلادي تحول الزهد من سلوك تهذيبي إلى ملجأ حماية وهروب من الواقع الاجتماعي المر. ورغم وقوف الفكر الشرعي الصارم(الفقهاء) بقوة ضد هذه الحركة، إلا أنه فشل في استئصال الظاهرة الصوفية بسبب المنطلقات التجريدية والروحية للفكر والثقافة الصوفيين.
1- أثر تقديس الأولياء على الذهنية العامة:
من الصعوبة بمكان رصد البدايات التي تظهر فيه آثار الانحراف، والذي قد يكون ثمرة لأعمال سابقة على العصر، ولكن ذلك لا ينفي تحمل الإنسان مسؤولياته في محيطه الزمكاني وفق قاعدة السببية التي اعتمدنا عليها في تحليل ظاهرة الانحراف الصوفي.
لقد كثر أدعياء التصوف وغلوا فيه واتخذوا من المشيخة وسيلة للكسب واللعب بعقول العامة. وإذا كان دور الشيوخ-بما أحاطوا به أنفسهم من العظمة والولاية، ومما جعلوه لأنفسهم من سلطان على العقول والنفوس- كبيرا في انتصابهم مرجعا على مستوى التفكير الشعبي، فإن العامة تتحمل شيوع الخرافة وتأكيدها والارتهان لها، حتى وصل الانحراف مداه حينما فصل بين الحقيقة والشريعة، وألحق الفقراء بطرق إخوانية، تحولت مع الوقت إلى جماعات ومؤسسات ضغط اتخذت من الرقص والحضرة عبادة، وقدست الشيخ وجعلته في مصاف المعصومين.13
2-الصراع بين أهل الشريعة وأنصار الحقيقة:
بدأت حملة الفقهاء على الاتجاه الصوفي مبكرا حتى كاد يختفي، لولا حركة التوفيق التي تزعمها أبو حامد الغزالي في القرن الثالث عشر الميلادي، فخفت الصراع إلى حين. ثم استعاد الاتجاه السلفي ببلاد المغرب تفوقه بقيادة الفقيه أبو الحسن الزرويلي، وبذلك تشكل أنصار المعسكرين في الجزائر من جديد، حيث مثل عبد الرحمن الوغليسي وابن مرزوق الحفيد مدرسة الفقهاء، وعبد الرحمن الثعالبي ومحمد السنوسي مدرسة التصوف.14
استمر الاستقطاب بين الجناحين إلى أن تدعم الاتجاه السلفي بشخصية أحمد الزروق، الذي خلص إلى أن انحراف التصوف يستدرك برأب الصدع بين الحقيقة والشريعة، فصار حجة عند المتصوفة والفقهاء على حد سواء،15 وصارت مدرسته مصدر إلهام لكثير من حركات التجديد في الجزائر، ومثلت بذلك موقفا وسطا. فتأثر بها في الجزائر كل من محمد الخروبي وعبد الرحمن الأخضري وعبد الكريم الفكون كما سنرى، إذ عملوا على نشر المذهب الجديد، الذي دخل حلبة المواجهة مع الصوفية بآليات وأفكار جديدة، تراجعت خلالها المدرسة السلفية لحساب مقربيها من التوفيقيين أو ما نسميهم بأصحاب التصوف السني، إن شئت، كمحاولة أخيرة لصد التيار الصوفي المنحرف، وتتجلى حدة هذا الصراع بين الفريقين من عناوين مؤلفاتهم التي ردوا بها على بعضهم البعض، والتي أوردها المازوني في نوازله، والونشريسي في كتابه المعيار، والتي حملت مصطلحات "المنشور-المحدد- السيف" وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على شراسة السجالات المتبادلة بين الطرفين. مع دلك كان هذا الصراع علة الانهيار الذي لحق المجتمع، حيث لم يتمكن "الزروقيون"، إن صح التعبير، من ترشيد مسيرة الفكر والثقافة.
ثالثا: الحركة الإصلاحية الحديثة وأثر الوهابية عليها:
انطلقت حركة التجديد في الجزائر بالقوة في الأداء والسطحية في الطرح، حيث اقتصرت في نقدها لتصوف العصر باعتباره المسؤول عن تضعضع المستوى الأخلاقي والفكري للمجتمع بدل نقد الأسس العقائدية التي قامت عليها ظاهرة التصوف.
1-حركة نقد المبجلين أو حركة التصوف الإيجابي:
لقد كان بالإمكان تعميق الأفكار التي طرحها أحمد الزروق، إلا أن استمرارها في اتجاه أفقي جعل الحركة تبدو وكأنها محاولات فردية لا تواصلية. مع ذلك أمكننا الترتيب الكرونولوجي من إيجاد سلسلة قادت حركة التجديد بشكل يبدو متواصلا على الأقل تاريخيا.
لقد كان عبد الكريم المغيلي(ت909ه/1503م) أحد أكبر فقهاء عصره فاتحة العهد بمواقفه الاجتهادية، إلا أن عبد الرحمن الأخضري في قصيدته "القدسية" يعتبر مرجعا للمدرسة الزروقية السلفية في الجزائر، وإلى ذلك يشير ويوثق آرائه:
ومن يرد معرفة بالبدع ***** وما أسا عليه أصل المدع
ففي كتاب شيخنا الزروق********فوائد بديعة الفتوق.
ويصف التصوف الذي اختلط بالدجل متأسفا:
وأسفا على الطريقة السابلة*****أفسدها طائفة الدجاجلة.
وبعد أن يشنع بمتصوفة زمانه يؤكد على الطريقة الصحيحة التي عليها مدار التصوف الحق:
من ادعى مراتب الجمال***ولم يقم بأدب الجلال
فأرفضه إنما الفتى دجال**** ليس له التحقيق والكمال.16
ولم يتوان الأخضري تحميل الفقهاء مسؤولية الانحراف بما أصبحوا عليه من تكالب على الدنيا، وعدم اضطلاعهم بمهمتهم ففسحوا المجال للرداءة فهم:
لا يكسبون العلم سوى****لرياء الناس وللجدل
طمس الأقوال تملقه****لولاة السوء دوي الخلل.17
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 3:04 عدل 1 مرات
تابع...الدوغمائية الصوفية وحركة الإصلاح السلفي في الجزائر
لقد كان للصراع بين الاتجاهين أثرا بالغا على الفكر الفلسفي الديني والكتابات العلمية، وأصبحت المناقشات والمساجلات جزء من الحياة العلمية، وهنا لا يمكن أن نتجاوز منشور الهداية الذي جاء به عبد الكريم الفكون في صورة منهجية، حاول من خلاله تصنيف الفئات الاجتماعية والدينية إلى من أسماهم بأدعياء الولاية وأصحاب المعرفة، فأشاد بالصنف الأول، وكشف الصنف الثاني، فاضحا أخلاقهم وصراعاتهم واتخاذهم من القصص الخرافية، واستغلال الأتباع للدعاية، والتحالف مع المتلصصة،وسائل لتنفيذ مخططاتهم.
حاول الفكون من كل هذا الخروج برأي شرعي واضح في هؤلاء، ولذلك وجدناه يرصد أقوال من سبقه من أهل التصوف الإيجابي ليعطي بذلك مقاربة ممكنة ذات مصداقية، لا على المستوى التاريخي فحسب، بل على المستوى الجغرافي، حين انتقد المشارقة وعلمائهم، وعلى المستوى المعرفي، حينما انتقد الجمود وظاهرة الحفظ.
إن كتاب"المنشور" إضافة إلى كتاب"محدد السنان" يعبران بحق عن خلاصة أفكار الفكون الإصلاحية التي لم يكتب لها إلا نجاحا محدودا. ذلك أن النقد كان على متصوفة زمانه لا على التصوف في ذاته. فقراءة لما بين سطور الكتابين نلمس محاولات الفكون تجنب مناقشة أراء جهابذة التصوف الأوائل، في نفس الوقت كان يتألم لواقع مر سيطر عليه الفكر الخرافي. من هنا نفهم تموقع أفكار الفكون ومن سبقه وسطا، بدعوته إلى التصوف الإيجابي، فكان بدلك واقعيا، ذلك أن البيئة والمنظومة الفكرية التي تشرب منها الفكون تركت آثارها بوضوح، ومارست عليه جذبا سيكولاستيكيا غير محسوس، فهو نفسه لم يسلم من الخرافة.18
لم يكن الفكون الوحيد في نقد عصره كما يذهب إلى ذلك فايسات، فقد كللت هذه المجهودات بظهور أحمد المقري(ت1041ه) وسعيد قدورة(ت1066ه) وعيسى الثعالبي(ت 1080) ويحي الشاوي(ت1096ه)- وهم أقران الفكون- الدين كونوا قطبا واحدا، فهل كان ذلك صدفة أم خلاصة تنسيق فعلية جمعت هؤلاء العمالقة؟ من الصعوبة بمكان الخروج بتفسير واضح سوى أن هذه الشخصيات جمعها علمها الغزير، وذكاءها الحاد، وطموحها السياسي.
لقد تدعم تيار التجديد في القرن الثامن عشر الميلادي بشخصية عبد الله بن عزوز(ت1205ه) حيث تميزت أفكاره بالتحرر والعمق، فتحالف عليه القضاة ومدعي الولاية وفقراء الوقت مما زاد في تراجع الفكر الصحيح بشكل أكبر.19
2-حركة التجديد والدعوة الوهابية:
لم تتمكن حركة التصوف الإيجابي من الصمود طويلا، حيث انحنت أمام المد الجارف للتصوف بسبب غياب علماء كبار مثلما تجمع في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وكدا جنوح أنصار المدرسة الفقهية نحو الآراء التوفيقية التي كثيرا ما كانت حلولا مؤقتة لظواهر متأصلة.
كان على حركة نقد التصوف أن تنتظر القرن الثامن عشر الميلادي وقيام الدعوة الوهابية بالمشرق لتتزود بنفس جديد. ويبدو أن الرسالة20 التي وجهها محمد ابن عبد الوهاب إلى علماء تونس والتي وصلت إلى المغرب- وإن لم تشر المصادر إلى موقف علماء الجزائر منها- فإننا لا نشك في أنها بلغتهم، إذ أن الرسالة وجهت مع ركب الحج المختلط، إضافة إلى الجدل الواسع الذي خلفته بمنطقة المغرب.21
لقد دخلت أفكار الوهابيين على يد أبي راس الناصر(ت1238ه) الذي جاوز المدرسة الزروقية إلى الظاهرية الوهابية، حيث التقى بالشيخ ابن عبد الوهاب في حجته سنة 1226ه، وتذاكر معه بحضور الوفد المغربي أنذاك، خلاف محمد الأزهري مؤسس الطريقة الرحمانية، الذي رغم تواجده بالمشرق، ومعاصرته لابن عبد الوهاب، إلا أننا لم نعثر لأي أثر لهذه الدعوة قي تكوين الرجل.
أما أبو راس الناصر فقد كان من المؤيدين والمقتنعين بضرورة التجديد والإصلاح بسبب زخم الحياة السياسية في عصره.22 ولو أننا نأخذ عليه نظرته السلبية وثفافته العامية الأدبية، مما لم يسمح له بتعميق أفكار المدرسة الزروقية، ولا بتصدير الأفكار الوهابية إلى المنطقة.
في حين تأثر حمدان خوجه23 بأفكار الثورة الفرنسية، مما ساعده على تكوين أراء متفتحه على الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية واحترام القانون والدعوة للإصلاح الاقتصادي، وهي حركة تجديد مغايرة لمن سبقوه، فكانت موجهة ضد التيارات الدينية على السواء، لكن لم يكتب لها النجاح والاستمرار
الخاتمة:
لم تتمكن حركة التصوف الإيجابي من تطوير ذاتها، وتكوين اتجاه عقلاني يعوض الاتجاه السلفي في صد الانحدار الحضاري، رغم محاولتها استغلال ارتباطاتها مع السلطة في شرق البلاد، لغياب الفعالية، ووجود تحالف سلطوي مرابطي قوي في غرب البلاد، وبالتالي اقتصر الإصلاح على محاولات أبي راس التاصر وابن حمادوش الدين عملا على إحياء بعض العلوم العقلية، أو على دعاة التجديد كابن العنابي وحمدان خوجه الدين ظلت أفكارهم معزولة لم تسندها السلطة، ولم تتجاوب معها الحركة الشعبية، ومن ثم ظلت حبيسة الأطر التي تفرضها الأنماط السائدة. إن المنطق المقارن الذي ميز الإصلاح كان خطأ، حيث انكب المصلحون على إظهار نماذج تمجد الماضي مقابل استهجان الواقع، فكانت كتاباتهم لعنا للحاضر، ومقارنته بالماضي تحصرا، دون التوجه نحو المستقبل، مما أنتج صورة مثالية، وأخرى واقعية، أثرت على التوازن الفكري والنفسي لدعاة الإصلاح.
كان من الصعب نجاح هذه الحركة كون القائميين عليها يتجاذبهم بريق التغيير، والارتهان للواقع. ففي الوقت الذي نجد فيه الأخضري والفكون والشاوي ينتقدون أدعياء التصوف في كتاباتهم وخطبهم، نجدهم منغمسون في ممارسات صوفية وانتماءات شاذلية أو زروقية، مما يعني أنهم يرفضون ما يسمى بالعقلانية الماورائية.
إن أفكار الإصلاح ذات تبعات ثقيلة، حيث تلقت معارضة شرسة من النخب المثقفة ذاتها، يؤكد ذلك الكتابات السجالية المعاصرة. ثم إن رجال الإصلاح أنفسهم قد غلب عليهم طابع النقد دون عمق، ومن ثم لم تكن أفكارهم تؤسس لمدرسة نهضوية، بقدر ما كانت حركة زهد إيجابية(الفكون) أو إعجاب وتقليد للآخر (حمدان خوجه).
مع ذلك فقد كان لصراع الفرق الدينية أثره البالغ في التاريخ الثقافي للجزائر، حيث وجه الثقافة الدينية وكتاباتها، وأثرى الفكر الفلسفي الديني والكتابات العلمية الأخرى، وأصبحت المنازعات الكلامية الشغل الشاغل بين مختلف الأطراف النخبوية
1 الدوغمائية نظام من العقائد ترتكز على ثنائية ضدية حادة، أي ترتبط بصرامة بمجموعة من المبادئ والعقائد وترفض أخرى بنفس الصرامة، حيث تدخلها في دائرة اللامفكر فيه.
2 ارتئينا استخدام مصطلح السلالات المبجلة لأن اصطفائهم وراثي دون اعتبار للصفاء الديني، ثم إن حاجة العامة لهم كانت لأغراض دنيوية، حتى أنهم كانوا مبجلين أكثر من الفقهاء(الأقرب للشرع)، فهم إذن ليسوا صلحاء بقدر ما كانوا سلالات مبجلة.
3 محمد أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت ط1987، ص79.
4 حول الطرق ككيان محلي قبلي أنظر: جاك بارك، في مدلول القبيلة بشمال إفريقيا، بحث نشر في الأنثربولوجيا والتاريخ:حالة المغرب العربي، دار توبقال، المغرب 1982، ص124.
5 Matin , Heper, state and religion in the ottoman turkish politic, in revue dhistoire maghrebin, N59-60/ 1990, p.90.
6 ليليا بن سالم، المقاربة الانقسامية لمجتمعات المغرب الكبير حصيلة وتقييم، بحث نشر في الأنثربولوجيا والتاريخ، مرجع سابق، ص26. وكلينر، السلطة السياسية والوظيفة الدينية، بحث نشر في الأنثروبولوجيا، المرجع السابق، ص450.
7 لوسي مير، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، ترجمة علياء شكري وآخر، دار المعرفة، مصر ط1994، ص288.
8 هاملتون جيب، دراسات في حضارة الإسلام، ترجمة إحسان عباس وآخرون، دار العلم للملايين، بيروت1964، ص282.
9 عبد الله عبد الرزاق إبراهيم، أضواء على الطرق الصوفية في القارة الإفريقية، مكتبة مدبولي، القاهرة دت، ص36. ومؤسس القادرية هو عبد القادر الجيلاني الصوفي(1078-1166ه) أنظر الزركلي، الأعلام، م4، ص47.
10 أبو سالم العياشي، الرحلة،الطبعة الحجرية،فاس 1316ه،ج1،ص207. وتنسب الشاذلية إلى أبو الحسن الشاذلي(1195-1258ه)أنظر الزركلي،الأعلام،م4، ص305. وحول الشاذلية أنظر:
Joly, etude sur les chadouliyas, in revue Algerienne, N 50/1906, p.344.
11 علي الشابي،"مصادر جديدة لدراسة تاريخ الشابية"، المجلة التاريخية المغاربية، ع خاص، جانفي1979، ص63.
12 Louis, Rinn, Marabouts et khouanne , i ;p adolphe, alger, 1884, p.333 et suit.
13 عد الفكون في فصل مدعي الولاية 17 شيخا على رأسهم قاسم بن أم هانئ وسليمان المجدوب وغيرهما. أنظر: عبد الكريم الفكون، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، تحقيق أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1987، ص، ص،117،165،197.
14 والزرويلي هو علي بن عبد الحق الشهير بالصغير(ت719ه/1319م) والوغليسي عالم فقيه متكلم من بجاية(ت786ه/1384م) ومحمد ابن مرزوق محدث فقيه (766-842ه) أما الثعالبي(785-875ه) فكان وليا مفسرا وكان السنوسي(ت895ه/1489م) متصوفا متكلما أنظر الكتاني، فهرس الفهارس، ج1، ص524. والزركلي، الأعلام، م3، ص331 وم7، ص154.
15 المهدي البوعبدلي"عبد الرحمن الأخضري وأطوار السلفية في الجزائر"، مجلة الأصالة، ع53، 1978، ص-ص،24-25. والزروق(846-899ه) كان فقيها صوفيا.
16 اعتمدنا في إيراد أبيات القدسية على ما أورده الفكون في منشور الهداية، المرجع السابق، ص-ص 122-140.
17 هاذين البيتين أخذنهما من مقال المهدي البوعبدلي، المرجع سابق، ص28.
18 كان للفكون -داعية السلفية في الجزائر كما يسميه أبو القاسم سعد الله -إعتقاد في الشيخ القشاش، وأن اسم النبي صلعم في الجنة موافق لاسمه، وأنه لم يهتم بالنحو إلا بعد رؤية رآها. أنظر: المنشور، مرجع سابق، ص،ص، 52، 163، 200.
19 عبد الله بن عزوز المراكشي، إظهار البدع وإرهاط المبتدعة، مخطوط بالمكتبة الوطنية، رقم2146، مجموع من الورقة1-18، أنظر الورقة 1 ظهر.
20 أنظر النص الكامل للرسالة في: أبو القاسم الزياني، الترجمانة الكبرى في أخبار المعمورة برا وبحرا، تعليق عبد الكريم الفيلالي، ط1967، ص-ص 394-396.
21 حول الردود التي تركتها دعوة الوهابيين بالمغرب الإسلامي أنظر: عباس المرااكشي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام،، مطبعة فاس، ط1،1937،ج1، ص، ص129،196.
22 حول أراء أبو راس أنظر: أبو القاسم سعد الله، " الحملة الفرنسية على مصر والشام في رأي المؤرخ أبي رأس الناصر الجزائري"، المجلة التاريخية المغاربية، ع21-22، 1981، ص45 وما يليها.
23 Tamimi, abdeldjalil, sidi hamadan bin khuja 1773- 1842, in revue historique maghribinne, N 25-26, A1982, p.83 et suit.
حاول الفكون من كل هذا الخروج برأي شرعي واضح في هؤلاء، ولذلك وجدناه يرصد أقوال من سبقه من أهل التصوف الإيجابي ليعطي بذلك مقاربة ممكنة ذات مصداقية، لا على المستوى التاريخي فحسب، بل على المستوى الجغرافي، حين انتقد المشارقة وعلمائهم، وعلى المستوى المعرفي، حينما انتقد الجمود وظاهرة الحفظ.
إن كتاب"المنشور" إضافة إلى كتاب"محدد السنان" يعبران بحق عن خلاصة أفكار الفكون الإصلاحية التي لم يكتب لها إلا نجاحا محدودا. ذلك أن النقد كان على متصوفة زمانه لا على التصوف في ذاته. فقراءة لما بين سطور الكتابين نلمس محاولات الفكون تجنب مناقشة أراء جهابذة التصوف الأوائل، في نفس الوقت كان يتألم لواقع مر سيطر عليه الفكر الخرافي. من هنا نفهم تموقع أفكار الفكون ومن سبقه وسطا، بدعوته إلى التصوف الإيجابي، فكان بدلك واقعيا، ذلك أن البيئة والمنظومة الفكرية التي تشرب منها الفكون تركت آثارها بوضوح، ومارست عليه جذبا سيكولاستيكيا غير محسوس، فهو نفسه لم يسلم من الخرافة.18
لم يكن الفكون الوحيد في نقد عصره كما يذهب إلى ذلك فايسات، فقد كللت هذه المجهودات بظهور أحمد المقري(ت1041ه) وسعيد قدورة(ت1066ه) وعيسى الثعالبي(ت 1080) ويحي الشاوي(ت1096ه)- وهم أقران الفكون- الدين كونوا قطبا واحدا، فهل كان ذلك صدفة أم خلاصة تنسيق فعلية جمعت هؤلاء العمالقة؟ من الصعوبة بمكان الخروج بتفسير واضح سوى أن هذه الشخصيات جمعها علمها الغزير، وذكاءها الحاد، وطموحها السياسي.
لقد تدعم تيار التجديد في القرن الثامن عشر الميلادي بشخصية عبد الله بن عزوز(ت1205ه) حيث تميزت أفكاره بالتحرر والعمق، فتحالف عليه القضاة ومدعي الولاية وفقراء الوقت مما زاد في تراجع الفكر الصحيح بشكل أكبر.19
2-حركة التجديد والدعوة الوهابية:
لم تتمكن حركة التصوف الإيجابي من الصمود طويلا، حيث انحنت أمام المد الجارف للتصوف بسبب غياب علماء كبار مثلما تجمع في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وكدا جنوح أنصار المدرسة الفقهية نحو الآراء التوفيقية التي كثيرا ما كانت حلولا مؤقتة لظواهر متأصلة.
كان على حركة نقد التصوف أن تنتظر القرن الثامن عشر الميلادي وقيام الدعوة الوهابية بالمشرق لتتزود بنفس جديد. ويبدو أن الرسالة20 التي وجهها محمد ابن عبد الوهاب إلى علماء تونس والتي وصلت إلى المغرب- وإن لم تشر المصادر إلى موقف علماء الجزائر منها- فإننا لا نشك في أنها بلغتهم، إذ أن الرسالة وجهت مع ركب الحج المختلط، إضافة إلى الجدل الواسع الذي خلفته بمنطقة المغرب.21
لقد دخلت أفكار الوهابيين على يد أبي راس الناصر(ت1238ه) الذي جاوز المدرسة الزروقية إلى الظاهرية الوهابية، حيث التقى بالشيخ ابن عبد الوهاب في حجته سنة 1226ه، وتذاكر معه بحضور الوفد المغربي أنذاك، خلاف محمد الأزهري مؤسس الطريقة الرحمانية، الذي رغم تواجده بالمشرق، ومعاصرته لابن عبد الوهاب، إلا أننا لم نعثر لأي أثر لهذه الدعوة قي تكوين الرجل.
أما أبو راس الناصر فقد كان من المؤيدين والمقتنعين بضرورة التجديد والإصلاح بسبب زخم الحياة السياسية في عصره.22 ولو أننا نأخذ عليه نظرته السلبية وثفافته العامية الأدبية، مما لم يسمح له بتعميق أفكار المدرسة الزروقية، ولا بتصدير الأفكار الوهابية إلى المنطقة.
في حين تأثر حمدان خوجه23 بأفكار الثورة الفرنسية، مما ساعده على تكوين أراء متفتحه على الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية واحترام القانون والدعوة للإصلاح الاقتصادي، وهي حركة تجديد مغايرة لمن سبقوه، فكانت موجهة ضد التيارات الدينية على السواء، لكن لم يكتب لها النجاح والاستمرار
الخاتمة:
لم تتمكن حركة التصوف الإيجابي من تطوير ذاتها، وتكوين اتجاه عقلاني يعوض الاتجاه السلفي في صد الانحدار الحضاري، رغم محاولتها استغلال ارتباطاتها مع السلطة في شرق البلاد، لغياب الفعالية، ووجود تحالف سلطوي مرابطي قوي في غرب البلاد، وبالتالي اقتصر الإصلاح على محاولات أبي راس التاصر وابن حمادوش الدين عملا على إحياء بعض العلوم العقلية، أو على دعاة التجديد كابن العنابي وحمدان خوجه الدين ظلت أفكارهم معزولة لم تسندها السلطة، ولم تتجاوب معها الحركة الشعبية، ومن ثم ظلت حبيسة الأطر التي تفرضها الأنماط السائدة. إن المنطق المقارن الذي ميز الإصلاح كان خطأ، حيث انكب المصلحون على إظهار نماذج تمجد الماضي مقابل استهجان الواقع، فكانت كتاباتهم لعنا للحاضر، ومقارنته بالماضي تحصرا، دون التوجه نحو المستقبل، مما أنتج صورة مثالية، وأخرى واقعية، أثرت على التوازن الفكري والنفسي لدعاة الإصلاح.
كان من الصعب نجاح هذه الحركة كون القائميين عليها يتجاذبهم بريق التغيير، والارتهان للواقع. ففي الوقت الذي نجد فيه الأخضري والفكون والشاوي ينتقدون أدعياء التصوف في كتاباتهم وخطبهم، نجدهم منغمسون في ممارسات صوفية وانتماءات شاذلية أو زروقية، مما يعني أنهم يرفضون ما يسمى بالعقلانية الماورائية.
إن أفكار الإصلاح ذات تبعات ثقيلة، حيث تلقت معارضة شرسة من النخب المثقفة ذاتها، يؤكد ذلك الكتابات السجالية المعاصرة. ثم إن رجال الإصلاح أنفسهم قد غلب عليهم طابع النقد دون عمق، ومن ثم لم تكن أفكارهم تؤسس لمدرسة نهضوية، بقدر ما كانت حركة زهد إيجابية(الفكون) أو إعجاب وتقليد للآخر (حمدان خوجه).
مع ذلك فقد كان لصراع الفرق الدينية أثره البالغ في التاريخ الثقافي للجزائر، حيث وجه الثقافة الدينية وكتاباتها، وأثرى الفكر الفلسفي الديني والكتابات العلمية الأخرى، وأصبحت المنازعات الكلامية الشغل الشاغل بين مختلف الأطراف النخبوية
1 الدوغمائية نظام من العقائد ترتكز على ثنائية ضدية حادة، أي ترتبط بصرامة بمجموعة من المبادئ والعقائد وترفض أخرى بنفس الصرامة، حيث تدخلها في دائرة اللامفكر فيه.
2 ارتئينا استخدام مصطلح السلالات المبجلة لأن اصطفائهم وراثي دون اعتبار للصفاء الديني، ثم إن حاجة العامة لهم كانت لأغراض دنيوية، حتى أنهم كانوا مبجلين أكثر من الفقهاء(الأقرب للشرع)، فهم إذن ليسوا صلحاء بقدر ما كانوا سلالات مبجلة.
3 محمد أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت ط1987، ص79.
4 حول الطرق ككيان محلي قبلي أنظر: جاك بارك، في مدلول القبيلة بشمال إفريقيا، بحث نشر في الأنثربولوجيا والتاريخ:حالة المغرب العربي، دار توبقال، المغرب 1982، ص124.
5 Matin , Heper, state and religion in the ottoman turkish politic, in revue dhistoire maghrebin, N59-60/ 1990, p.90.
6 ليليا بن سالم، المقاربة الانقسامية لمجتمعات المغرب الكبير حصيلة وتقييم، بحث نشر في الأنثربولوجيا والتاريخ، مرجع سابق، ص26. وكلينر، السلطة السياسية والوظيفة الدينية، بحث نشر في الأنثروبولوجيا، المرجع السابق، ص450.
7 لوسي مير، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، ترجمة علياء شكري وآخر، دار المعرفة، مصر ط1994، ص288.
8 هاملتون جيب، دراسات في حضارة الإسلام، ترجمة إحسان عباس وآخرون، دار العلم للملايين، بيروت1964، ص282.
9 عبد الله عبد الرزاق إبراهيم، أضواء على الطرق الصوفية في القارة الإفريقية، مكتبة مدبولي، القاهرة دت، ص36. ومؤسس القادرية هو عبد القادر الجيلاني الصوفي(1078-1166ه) أنظر الزركلي، الأعلام، م4، ص47.
10 أبو سالم العياشي، الرحلة،الطبعة الحجرية،فاس 1316ه،ج1،ص207. وتنسب الشاذلية إلى أبو الحسن الشاذلي(1195-1258ه)أنظر الزركلي،الأعلام،م4، ص305. وحول الشاذلية أنظر:
Joly, etude sur les chadouliyas, in revue Algerienne, N 50/1906, p.344.
11 علي الشابي،"مصادر جديدة لدراسة تاريخ الشابية"، المجلة التاريخية المغاربية، ع خاص، جانفي1979، ص63.
12 Louis, Rinn, Marabouts et khouanne , i ;p adolphe, alger, 1884, p.333 et suit.
13 عد الفكون في فصل مدعي الولاية 17 شيخا على رأسهم قاسم بن أم هانئ وسليمان المجدوب وغيرهما. أنظر: عبد الكريم الفكون، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، تحقيق أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1987، ص، ص،117،165،197.
14 والزرويلي هو علي بن عبد الحق الشهير بالصغير(ت719ه/1319م) والوغليسي عالم فقيه متكلم من بجاية(ت786ه/1384م) ومحمد ابن مرزوق محدث فقيه (766-842ه) أما الثعالبي(785-875ه) فكان وليا مفسرا وكان السنوسي(ت895ه/1489م) متصوفا متكلما أنظر الكتاني، فهرس الفهارس، ج1، ص524. والزركلي، الأعلام، م3، ص331 وم7، ص154.
15 المهدي البوعبدلي"عبد الرحمن الأخضري وأطوار السلفية في الجزائر"، مجلة الأصالة، ع53، 1978، ص-ص،24-25. والزروق(846-899ه) كان فقيها صوفيا.
16 اعتمدنا في إيراد أبيات القدسية على ما أورده الفكون في منشور الهداية، المرجع السابق، ص-ص 122-140.
17 هاذين البيتين أخذنهما من مقال المهدي البوعبدلي، المرجع سابق، ص28.
18 كان للفكون -داعية السلفية في الجزائر كما يسميه أبو القاسم سعد الله -إعتقاد في الشيخ القشاش، وأن اسم النبي صلعم في الجنة موافق لاسمه، وأنه لم يهتم بالنحو إلا بعد رؤية رآها. أنظر: المنشور، مرجع سابق، ص،ص، 52، 163، 200.
19 عبد الله بن عزوز المراكشي، إظهار البدع وإرهاط المبتدعة، مخطوط بالمكتبة الوطنية، رقم2146، مجموع من الورقة1-18، أنظر الورقة 1 ظهر.
20 أنظر النص الكامل للرسالة في: أبو القاسم الزياني، الترجمانة الكبرى في أخبار المعمورة برا وبحرا، تعليق عبد الكريم الفيلالي، ط1967، ص-ص 394-396.
21 حول الردود التي تركتها دعوة الوهابيين بالمغرب الإسلامي أنظر: عباس المرااكشي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام،، مطبعة فاس، ط1،1937،ج1، ص، ص129،196.
22 حول أراء أبو راس أنظر: أبو القاسم سعد الله، " الحملة الفرنسية على مصر والشام في رأي المؤرخ أبي رأس الناصر الجزائري"، المجلة التاريخية المغاربية، ع21-22، 1981، ص45 وما يليها.
23 Tamimi, abdeldjalil, sidi hamadan bin khuja 1773- 1842, in revue historique maghribinne, N 25-26, A1982, p.83 et suit.
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:43 عدل 1 مرات
المحاضرة السابعة :دور التصوف في ظهور حركات الإصلاح والتجديد في الإسلام
دور التصوف في ظهور حركات الإصلاح
والتجديد في الإسلام
د.صالح نعمان
جــامعة قسنطينة
والتجديد في الإسلام
د.صالح نعمان
جــامعة قسنطينة
الملخص:
إن الدارس لتاريخ الإصلاح والتجديد في الإسلام والمتتبع لحوادثه وشخصياته لا يكاد يعرف عهدا قصيرا ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي، وخبت مصابيح الإصلاح وخفتت أصوات الحق ومات الضمير الإسلامي وتبلد الشعور، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل.
ذلك أن الله تعالى يقيض لهذه الأمة في كل قرن من يجيد لها دينها، فظهر مجددون ومصلحون حافظوا على الإسلام جدته وشبابه وحيويته وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات، فكان تاريخ الإصلاح والتجديد في الإسلام متصلا.
والسر في ذلك حيوية الدين الإسلامي وقوة توليده وإنتاجه للعارفين وأصحاب اليقين والمصلحين والمجددين، والسر في حيوية هذا الدين بناءه الروحي لشخصية المسلم التي يجعلها أساس الحياة الإنسانية كلها ومصدر قوته الثائرة والمصلحة المتمثلة في تزكية النفس، حيث لا نكاد نجد شخصية إصلاحية مجددة في التاريخ الإسلامي إلا ونجد أساس بناء حركته وفكره البناء الروحي الذي اختصت مدرسة التصوف بالاعتناء به وتربية الأجيال عليه.
الدكتور صالح نعمان
Résumé:
Le rôle du soufisme dans l'émergence de mouvements de réforme Et de renouvellement en islam.
Les étudiants de l'histoire de la réforme et le renouvellement dans l'islam, et qui suivent ses événements et ses personnages ne Save guère y avait une brève période d'obscurité dans le monde islamique, ou l'éteinte des lampes de la réforme et caché la voix du vérité et la mort de conscience islamique et un sentiment d'indifférence, ou la renonce de la pensée islamique au travaille.
ceci parce que Dieu a met dans cette nation ce qui Renouvelle Chaque siècles sa religion, est réapparu des Réformateurs et des Rénovateurs qui ont conserver les intérêts de l'islam, maintenu sa nouveauté et sa jeunesse et sa vitalité et réduit à néant beaucoup de séditions et des engouements passagers et des complots et des distorsions, comme si l'histoire de renouvellement et de réforme dans l'Islam est continue.
Le secret de tous ceci est la vitalité de la religion islamique, et sa puissance productive des connaisseur et propriétaires de certitude et les réformateurs et les innovateurs, et le secret de la vitalité de cette religion sa construction spirituelle de la personnalité musulmane qui est la base de toute la vie humaine et la source de sa puissance rebelles et réformatrice qui est la purification de l'âme, où on trouve un personnage de renouvellement- dans l'histoire islamique- on trouve cette construction et éducation spirituelle la base de son mouvement et de sa pensé ce qui est la spécialité de l'école de soufisme qui a construit et éduquer des générations.
أولا تمهيد:
إن الدارس لتاريخ الإصلاح والتجديد في الإسلام والمتتبع لحوادثه وشخصياته لا يكاد يعرف عهدا قصيرا ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي، وخبت مصابيح الإصلاح وخفتت أصوات الحق ومات الضمير الإسلامي وتبلد الشعور، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل.
ذلك أن الله تعالى يقيض لهذه الأمة في كل قرن من يجيد لها دينها، فظهر مجددون ومصلحون حافظوا على الإسلام جدته وشبابه وحيويته وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات، فكان تاريخ الإصلاح والتجديد في الإسلام متصلا.
والسر في ذلك حيوية الدين الإسلامي وقوة توليده وإنتاجه للعارفين وأصحاب اليقين والمصلحين والمجددين، والسر في حيوية هذا الدين بناءه الروحي لشخصية المسلم التي يجعلها أساس الحياة الإنسانية كلها ومصدر قوته الثائرة والمصلحة المتمثلة في تزكية النفس، حيث لا نكاد نجد شخصية إصلاحية مجددة في التاريخ الإسلامي إلا ونجد أساس بناء حركته وفكره البناء الروحي الذي اختصت مدرسة التصوف بالاعتناء به وتربية الأجيال عليه.
و لما لابست كثير من الطرق الصوفية أخطاء فكرية وسلوكية أضرت بها وأبعدتها عن هدي الإسلام كان منهجنا في هذا البحث التعامل مع الطرق الصوفية القديمة والحاضرة بموضوعية وتجرد فنكشف عن مشاركة بعضها في خدمة الإسلام من حيث قيامها بتأطير الناس دينيا ومن حيث قيامها بحماية وجود الإسلام وبمشاركتها في حركة الجهاد ضد كل أشكال الغزو.
كما نكشف على رجالها الربانيين عظماء الإسلام المصلحين المجددين، قديما وحديثا وحاضرا، كابن تيمية الشامي ومحمد بن السنوسي المجاهدي الحسني الإدريسي المغاربي وحسن البنا المصري، ممثلين الطرق لقادرية والسنوسية والشاذلية في تطورها.
ذلك أن عظماء أمتنا الذين انفعل الزمان لسِيَرِهم، يتميزون بأنهم جمعوا من معين دين الإسلام أمورًا ثلاثة:
العلم الواسع القابل للتطبيق العملي.
والدعوة المتدفقة بحيويتها وحركتها.
والتصوف المحرق الذي ينفخ الروح في العلم والدعوة.
ونماذجنا من أولئك العظماء، الذين جمعوا تلك المضمونات، ومزجوها في وعاءٍ واحدٍ، حتى إنه يكادُ غير المستبصر لا يميز بين تلك المضمونات الثلاثة في حياتهم ومؤلفاتهم.
ثانيا: الدور العملي للتصوف والصوفية
(أو أثر التزكية (التربية الروحية) في الدعوة إلى الإصلاح):
فلما أغرق الناس في ماديات الحياة وسيطرت الرفاهية عليهم دون توجيه لها، انطلقت صيحات الزهاد والمصلحين طلبا لتوازن في الحياة، فجاءت دعوتهم إلى الزهد وتقليلهم من الاهتمام بالدنيا في موضعها اللائق وأوجدت جماعة من الناس يتبنون هذا الاتجاه ويجدون جذوره في حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الأطهار (رضي الله عنهم) غير تاركين واجباتهم المنوطة بهم في مجال إصلاح المجتمع بالدعوة على الجهاد الأكبر والأصغر ونشر الدين الإسلامي.
و هؤلاء هم الصوفية الذين خلصوا أنفسهم لله تعالى وفهموا دورهم في هذا الكون الذي يبذلون الروح في سبيل الله حين يدعو داعي الجهاد وتقتضيه حراسة الدعوة الإسلامية.
و أثر الطرق الصوفية في نشر الإسلام في بقاع كثيرة في العالم الإسلامي حقيقة تاريخية لا يختلف فيها اثنان، إلا بعضها الذي انحرف وتخلف عن الركب لظروف عدة، حيث يرتبط انتشار الإسلام في إفريقيا السوداء جنوب الصحراء والهند بكثير من الطرق والزوايا وشيوخها بما يبذلون من جهاد في هذا الصدد، إذ لم ينتشر الإسلام في كثير من هذه المناطق بواسطة الحروب، ذلك لأن التوافق الاجتماعي بين الكافرين والمسلمين لا يتم إلا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا يطلبون ويقرضون ولا يأملون في شيء .
كما لا ينكر أحد الدور الذي أدته الزوايا السنوسية في الجهاد والأعمال الحربية التيكان لها أثرها في تونس وليبيا والجزائر والزوايا القادرية والرحمانية وغيرها ودورها في مقاومة الاحتلال الغربي بالجزائر احتضان ثورة التحرير.
وحين تمزقت الشخصية المسلمة ووجدت تيارات فصلت الإنسان المسلم عن حقيقة تكامله وانفصل العمل عن النقل (النص) والحقيقة على الشريعة، ومات الوجدان الذي كان يرهقه أن يرى المنكر ولا يغيره، كما كان الأمر مع السلف الصالح ومن تبعهم، فحين حدث هذا وجد في مجتمع المسلمين علماء مصلحون حققوا التوازن حين دعوا إلى الزهد واعتزال المظالم، كما أسهموا بجهد طيب في تغيير المنكر الذي كان واقعا آنذاك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
كان هذا في صورة علماء لهم مجالس وحلقات في القرنين 3 و4الهجريين كما كان في القرن 6 الهجري حيث تكونت ما يسمى بالطرق الصوفية، فولدت لنا عبر التاريخ الإسلامي وإلى يومنا هذا علماء مصلحين ومجددين انتفضوا وأبى وعيهم الانسياق في تيار بدعة الترهب والاختفاء عن الناس فوقفوا ينادون الأمة ويدلانها على الأمراض التي تتهددها .
و لما كان رصد كل حركات الإصلاح والتجديد مع بيان بالمقارنة أثر التربية الروحية في شخصية ودعوة الداعية، غير ممكن في مثل هذا المقال، حسبنا أن نشير إلى بعض الأمثلة ممن لا أثر فيهم جو الزهد وسلوك الطريق وتربيته، فأضافوا بذلك إلى دعواتهم ونصوصها بعدا روحيا عميقا مكنهم من الوصول إلى المدعوين والمطالبين بتغير أنفسهم وعصرهم، رجوعا إلى كتاب الله وسنة رسوله وسلوك السلف الصالح.
ثالثا: رجال الإصلاح الربانيون
1-شيخ الإسلام عبد الحليم أحمد بن تيمية
بطل الإصلاح الديني (661هـ)
عرف كعالم متكلم وفقيه جدلي، محدث كبير والكثير يعرف عنه أنه محدث جاف وعلم متبحر في العلوم الظاهرة.
أما ما ذكره الحافظ ابن القيم الجوزية في مدارج السالكين من أحواله وأقواله بمناسبات شتى وكذلك ما ذكره العلامة الذهبي وأمثاله في ترجمته من أخلاقه وأذواقه، وعاداته وشمائله، فيدل دلالة واضحة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية يستحق بكل جدارة أن يعد من العارفين ورجال الله في هذه الأمة، وقد شهد على ذلك مواقفه وكتبه وحياته كلها.
و الأحوال التي عاش فيها شيخ الإسلام تشهد بأنه كان متحليا باليقين والمشاهدة التي بعثت فيه صفة من الافتقار والاضطرار والعبودية والإنابة وقد روى أنه إذا أشكلت عليه مسألة أو صعب لهم آية التجأ إلى جامع أو مكان موحش ووضع جبهته على التراب وردد قوله: "يا معلم ابراهيم فهمني" ويقول عنه: "لم أر مثله واستغاثته وكثرة توجهه" ويقول: "له أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية" .
فقد كان يتذوق العبادة وينهمك فيها وزاهدا في الدنيا يزدريها، كما اتصف بالسخاء والإيثار وهي مما يتصف به رجال الله وأولياؤه والعاملون بالسنة النبوية بصفة عامة، وأسمى ما ترتقي إليه هذه السمات التواضع وإنكار الذات التي تحلى بها الشيخ حيث كثيرا ما كان يقول: "مالي شيء ولا مني شيء ولا في شيء" إلى جانب ذلك كان الفارس المجاهد ضد أصحاب البدع من الصوفية والغالين من أصحاب الفرق الكلامية، من جهة ومن جهة أخرى المجاهد الجريء الشجاع الذي قابل القائد التتاري قازان يوم أقبل بمجموعه ليغزو البلاد، فأنذره وتوعده حتى أقنعه بالانسحاب فانسحب، وحارب في جبهات القتال عندما عاود التتار الكرة على بلاد الشام.
و قد قال فيه وفي تلميذه ابن القيم الجوزية العلامة علي بن سلطان محمد القاري الهروي (1014هـ) "من طالع روح السائرين تبين له أنهما كانا من أكابر أهل السنة والجماعة، ومن أولياء هذه الأمة" .
1.1-موقفه من التصوف:
نورد موقفه كما جاء على لسانه حين سُئِلَ رحمه الله عن (الصوفية) في كتاب التصوف، الذي اتسم بالعلم والخبرة والإنصاف مما يدل على أنه لم يكن ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أو يُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِه، بل كان من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع الفتاوى، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها: مدارج السالكين وشرح منازل السائرين إلى مقامات "إيّاكَ نعبُد وإيّاك نستعين".
فقد استهدف شيخ الإسلام إبراز كنه التصوف كمدرسة تربوية هدفها الأساسي تهذيب النفس وتطهيرها من أخلاقها الذميمة، ولذلك عارض كل انحراف طرأ على التصوف. وانطلاقا من هذه القاعدة أظهر احتراما كبيرا لرواد الزهد والتصوف الملتزمين أمثال: الجنيد، الفضيل بن عياض،إبراهيم بن أدهم... وعموما اتخذ ابن تيمية موقفا يتميز بأمرين:
يرى أن شيوخ التصوف الأوائل قيدوا علومهم وتربيتهم بالكتاب والسنة، أما المتأخرون فقد ضل كثير منهم، وهذا ما تجده في قوله: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ حماد والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم).
كما أنه لم يرفض التصوف جملة، بل انتقد ما طرأ عليه من خروج عن الأهداف الأولى ومناهج التربية والسلوك الأولى وفي ذلك قوله: ( الصوفية بنوا أمرهم على الإرادة ولابد منها لكن يشترط أن تكون إرادة الله وحده). ، وفي آخر يقول ( الصوفي من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر. والتصوف كتمان المعاني وترك الدعاوى وأشباه ذلك، وهم يسيرون بالتصوف إلى معنى الصديق.) وتجلى موقفه المنصف في قوله والصواب انهم مجتهدون في طاعة الله) ولم يعب عليهم الانتساب لشيخ بل يرى أن ذلك ضرورة علمية: ( وأما انتساب الطائفة إلى شيخ معين فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان والقرآن كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان، فكما أن المرء له من يعلمه القرآن والنحو فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر).
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 3:05 عدل 1 مرات
تابع...دور التصوف في ظهور حركات الإصلاح والتجديد في الإسلام
ففي المجلد الحادي عشر من مجموع فتاويه يقول: { (التصوف) عندهم له حقائق وأحوال معروفة قد تكلموا في حدوده وسيرته وأخلاقه، كقول بعضهم: (الصوفي) من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر. التصوف كتمان المعاني، وترك الدعاوي. وأشباه ذلك: وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق، وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون. كما قال اللّــه تعالى: {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفي؛ لكن هو في الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه، فكان الصديق من أهل هذه الطريق، كما يقال: صديقوا العلماء، وصديقوا الأمراء، فهو أخص من الصديق المطلق، ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين: إنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضًا، كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة اللّه ورسوله بحسب اجتهاده وقد يكونون من أجلِّ الصديقين بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقي زمانهم، والصديق في العصر الأول أكمل منهم، والصديقون درجات وأنواع؛ ولهذا يوجد لك منهم صنف من الأحوال والعبادات، حققه وأحكمه وغلب عليه، وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه.
ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت (الصوفية والتصوف). وقالوا: إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.
وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.
و(الصواب) أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب.
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه.
...وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق. مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره. كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي؛ في (طبقات الصوفية) وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد.
فهذا أصل التصوف. ثم أنه بعد ذلك تشعب وتنوع، وصارت الصوفية (ثلاثة أصناف): صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم.
فأما (صوفية الحقائق): فهم الذين وصفناهم.وأما (صوفية الأرزاق) فهم الذين وقفت عليهم الوقوف. كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق.فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط:
(أحدها): العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم.
و(الثاني): التأدب بآداب أهل الطريق،وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها.
و(الثالث): أن لا يكون أحدهم متمسكًا بفضول الدنيا، فأما من كان جماعا للمال، أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة، ولا يتأدب بالآداب الشرعية، أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك.
وأما صوفية الرسم: فهم المقتصرون على النسبة،فهمهم في اللباس والآداب الوضعية، ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع مَّا من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم.
وأولياء اللّه هم المؤمنون المتقون، سواء سمى أحدهم فقيرًا أو صوفيًا أو فقيهًا أو عالمًا أو تاجرًا أو جنديًا أو صانعًا أو أميرًا أو حاكمًا أو غير ذلك.
قال اللّه تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول اللّه تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه). وهذا الحديث قد بين فيه أولياء اللّه المقتصدين، أصحاب اليمين والمقربين السابقين.
فالصنف الأول: الذين تقربوا إلى اللّه بالفرائض. والصنف الثاني: الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم، كما قال تعالى.
وهذان الصنفان قد ذكرهم اللّه في غير موضع من كتابه كما قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] وكما قال اللّه تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22-28] قال ابن عباس: يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا.
وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 17، 18] وقال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 8-11] وقال تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 88-91].}
2.1- العارف الصوفي العابد:
كما تجدر الإشارة إلى أن ابن تيمية في كلامه عن المصطلحات الصوفية كان أدق تعبيرا وأكثر تفصيلا من الصوفية الذين كتبوا في هذه الموضوعات. ففي حديثه عن المقامات والأحوال على سبيل المثال يقول: (أما بعد: فهذه كلمات مختصرات في أعمال القلوب ـ التي قد تسمى [المقامات والأحوال]ـ وهي من أصول الإيمان، وقواعد الدين، مثل / محبة اللّه ورسوله، والتوكل على اللّه، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك.) ثم يبين مراتب القلوب فيما يعرض لها من أحوال تختلف باختلاف منازلها.
أما عبادته يقول عنها تلميذه ابن القيم مبينا تذوقه للعبادة والإنهماك فيها: (...ومن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة: أن من أدمن يا حي ياقيوم لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جدا وقال لي يوما: لهذين الاسمين وهما الحي القيوم تأثير عظيم في حياة القلب وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر ياحي ياقيوم لاإله إلا أنت برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها وسر ارتباطها بالخلق والأمر وبمطالب العبد وحاجاته عرف ذلك وتحققه فإن كل مطلوب يسأل بالمناسب له فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك.)
وبلغ المراتب العليا من العبودية بانكاره لذاته وتواضعه الشديد اذ هما من خصائص رجال الله الخاصة وهو المنصب الأعلى في الدين, يحدث عنه ابن القيم يصف تواضع العارفين) أنه يخفي أحواله عن الخلق جهده كخشوعه وذله وانكساره لئلا يراها الناس فيعجبه اطلاعهم عليها ورؤيتهم لها فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله وكم قد اقتطع في هذه المفازة من سالك والمعصوم من عصمه الله فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل وأنه لا شيء وأنه ممن لم يصح له بعد الإسلام حتى يدعي الشرف فيه ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرا لم أشاهده من غيره وكان يقول كثيرا: ما لي شيء ولا مني شيء ولا في شيء وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت: أنا المكدى وابن المكدى وهكذا كان أبي وجدي وكان إذا أثنى عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا وبعث إلي في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه )
وقال(وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: العارف لا يرى له على أحد حقا ولا يشهد له على غيره فضلا ولذلك لا يعاتب ولا يطالب ولا يضارب وأما تنسم نسيم الفناء: فلما كان الفناء عنده غاية جعل هذه الدرجة كالنسيم) ، ويعلم المطلعون على احواله أنه في ذلك إنما يتحدث عن نفسه ويحكي حاله.
ومما تقدم يتبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية سليم من الغلو الذي وقعت فيه الوهابية الذين فسروا ابن تيمية بتفسيرهم الخاص.
كما نجده - في مجلده العاشر من الفتاوى والمسمى كتاب علم السلوك- يسير على نهج الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه <فتوح الغيب> إن لم نقل أنه يشرح هذا الكتاب كما شرح تلميذه ابن القيم كتاب الصوفي الهروي، إذ كان يكن للشيخ عبد القادر الجيلاني احتراما كبيرا ويقول في حقه: قطب العارفين، شيخنا قدس الله سره، أعظم شيوخ زمانه… هذا إضافة إلى كثرة استشهاده بكلامه.
2- السنوسي وأثر الطرق السنوسية:
هو محمد علي السنوسي (1787-1859م) تربى في بيت علم ودين ولديه منذ حداثته ترعة العزلة والتأمل، كما عرف عن سلوكه التقوى وعمد في أثناء رحلاته إلى زيارة الزوايا والاجتماع بالإخوان ومعرفة مختلف الطرق .
هذه التربية الروحية التي نعم بها السنوسي الكبير جعلته يخطط لدعوته في الإصلاح بما يكفل نجاحها إذ أدرك:
- قيمة الزوايا في الدعوات السابقة.
- قيمة البساطة واليسر في تقديم المعلومات الدينية للمريدين.
- رأى أن خير هذه الأمة في وقته يكمن في توحيد صفوفها مما جعله يتحالف مع الطرق الصوفية الموجودة في عصره ويدعوها إلى إصلاح نفسها ودعوتها على بث روح الجهاد بين أتباعها (السنوسية دين ودولة).
فسعى على إنشاء دولة إسلامية ذات منطلقات سلفية صوفية.
2. 1 انتشارها
امتدت الزوايا السنوسية في شمال إفريقيا حتى غدت على مدى ثمانين عاماً عاملاً كبيراً في تيـار الحركة الإسلامية، وبات لها أتباع في كل قطر إسـلامي، حتى كان لها (12) زاوية في الحجاز، ووصل عدد الزوايا في ليبيا والسـودان وحولهما إلى (130) زاوية . وتغلغلت في إقريقيا مبشرة بالإسلام بين الوثنيين حيث بلغ مجموع زواياها (300) زاوية.
وكانت الزاوية وحدة متكاملة مهمتها الأولى التربيـة وإعداد الدعـاة، ثم إرسالهم للعالم الإسلامي ينشرون الدعوة الإسلامية، كما أن الزاوية معـدة ومدربـة للدفاع عن نفسها ضد العدو فكانت ومركزاً للحياة الروحية ومركزا للجهاد.
2.2 جهاد الاحتلال
كانت الزاوية كما أسلفنا مركزاً للجهاد لها تنظيم عسكري، إذ غالباً ما يختار مكانها في موقع حصين، عند ملتقى طرق، لتأمين الغايتين الحربية والتجارية، وكان أفرادها مسلحين، منظمين تنظيماً عسكرياً، فلما انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، دعا السنوسيون إلى تأليف حكومة وطنية، قادت المسلمين في ليبيا مدة عشرين سنة ضد الطليان الذين احتلوا ليبيا.
ومن ألمع قادة السنوسيين البطل ( عمر المختار ) يرحمه الله, الذي كان شيخاً على زاوية القصور في الجبل الأخضر، وتولى قيادة المجاهدين السنوسيين في الجبل الأخضر، وصار القائد العام للمجاهدين السنوسيين في ليبيا.
وقف عمر المختار في وجه الفاشست بقيادة موسوليني الذي عمل جاهداً على انقراض الإسلام من ليبيا، وقرروا أن ليبيا أرض إيطالية، وقتلوا مئات الألوف من المسلمين، كما أجلوا ثمانين ألفاً من القبائل العربية عن الجبل الأخضر إلى صحراء ( سـرت ) الجدباء فمات منهم خلق كثير جوعاً وعطشاً، ثم جندت الرجال من سن البلوغ إلى الخامسة والأربعين وساقتهم إلى الجيش، وجمعت الأحداث ( 4 ـ 12) وأرسلتهم قهراً إلى إيطاليا لتنصيرهم.
وقد جاوز عمر المختار الخمسين من عمره، وبقي حتى جاوز السبعين يرحمه الله تعالى، يقود المعارك على صهوة جواده، من عام (1329هـ) حتى (1350 هـ/ عام 1931م) حيث وأسـر، ثم أعدم يرحمه الله.
3- حسن البنا (ولد 1906)
نشأ الرجل في أحضان الطريقة (الحصافية الشاذلية) كمريد نشط أفاد منها أيما إفادة تركت أثرا في حياته وتجلت في منهجه لتربية الإخوان.
فقد أثرت الطريقة الحصافية في أبعاد شخصية الداعية حسن البنا وكان لهذا أثره وموقفه من التصوف في تربية الإخوان المسلمين.
لقد استفاد الأستاذ البَنّا من تجربته الصوفيّة، أخذ منها ما صفا، وترك ما كَدِرَ، وهو موقف كل الرجال الرَّبّانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أويُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها: مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات "إيّاكَ نعبُد وإيّاك نستعين".
فقد طبق ذلك في تربية وتدريب الإخوان من الطلاب الأزهريين على الوعظ والإرشاد الديني، الذي يسميه علوم التربية والسلوك.
إذ كون فئة من الطلاب الأزهاريين وغيرهم للتدريب على الوعض والإرشاد الديني وذلك لدعوة الناس في كل مكان في المقاهي وأماكن العمل وغيرها، فنجحت هذه التجربة أيما نجاح حيث قال واصفا احساسه بهذا النجاح: { لقد نجحت التجربة مائة في المائة...و قد وجدت في هذا المعنى بعض العزاءعن الغيبة عن الجمعية الحصافبة التي انحلت شكلا في المحمودية.
إن الإخوان المسلمين هي دعوة صوفية لأنهم يعملون على أساس التزكية وطهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظَبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحبِّ في الله، والارتباط على الخير. فهذا هو التصوّف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا.
التصوف الحقّ عند حسن البنا يتمثّل أوّلَ ما يتمثّل في:
*طهارة النفس ونقاء القلب، فتزكية النفس هي أوّل سبيلِ الفَلاح {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجورَها وتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس 7-10 والقلب هوالمُضغة التي إذا صَلُحت صَلُح الإنسان كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الإنسان كلُّه، وسلامتُه أساس النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ ولاَ بَنونَ. إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ} الشعراء 88-89 . فلابد من المجاهَدة لنقاء هذا القلب وصفائه وطهارته من معاصي القلوب وأخطارِها.
*والمواظَبة على العمل الصالح واجب على المسلم، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ.
*والإعراض عن الخلق بالإقبال على الخالق: من صفات الرَّبّانِيّين من أصحاب الرسالات {الذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ ولاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللهَ}الأحزاب39. وهم المَوصوفون في قوله تعالى {يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزّةٍ عَلَى الكَافِرينَ يُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ولاَ يَخافونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} المائدة: 54. فهم لإعراضهم عن الخلق، لا يخافون لومةَ لائم منهم، ولا يخشَون أحدًا إلا الله سبحانه؛ لأنهم يُوقنون أن الخلق لا يملِكون لهم ضَرًّا ولا نفعًا، ولا حياة ولا موتًا، وأن الأرزاق التي يطمع الناس فيها، والأعمار التي يخاف الناس عليها، كلتاهما بيد الله وحدَه، لا يملِك أحد أن يَنقُصهم لقمةً من رزقهم، ولا أن يقدِّم من أجَلهم لحظة أويؤخِّر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَقْدِمونَ} الأعراف: 34.
*والحبُّ في الله: دِعامة من الدّعائم التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، فكما تربط بينها المفاهيم المشتركة، والفكرة الواحدة، تربط بين أبنائها العواطف المشتركة. وأعظمُ هذه العواطف وأخلدها وأعمقها هوالحبُّ في الله. فهوحبٌّ لا يقوم على عرَض من الدنيا، أومال أوجاهٍ أومُتعة، أونحو ذلك، بل يقوم على الإيمان بالله تعالى، والتقرُّب إليه، والرَّغبة في نصرة الإسلام، وأوثَق عُرَى الإيمان: الحبّ في الله، والبُغض في الله.
ومن أبرز ما يتميّز به الصوفيّة الصادِقون ثلاثة أشياء: الاستقامة، والمحبّة، وطاعة الشيخ، وهذه مقوّمات أساسيّة في التربية الإخوانيّة.
وما تركيز الإمام البنا على الجانب الخلقي الذي سماه (عصا التحويل) إلاّ مظهر من مظاهر نفاذ المنهج الروحي إلى منهج الإخوان المسلمين في التربية.
الخاتمة:
فيما قدمناه إشارات دالة على أثر التربية الروحية في الحركات الإسلامية، وهو أثر اجتماعي ولا شك حيث أن أثار هذه الدعوات والحركات إنما تتطلب على المجتمع إيجابا وسلبا.
ثم أن ما أقدمته لا يمثل فخرا تجتره الطرق الصوفية اليوم، وهي أبعد ما تكون عن تمثله بقدر ما يمثل ردا على سلبية الكثيرين منهم، وفهمهم أن العبادة شيء والجهاد والحركة شيء آخر إذ ما قدمناه نموذج ومثال واقعي لما يجب أن يكون عليه العابد الزاهد المتعالي عن مغريات الحياة وفتن الدنيا، من حيث الإسهام والفاعلية في أحداث الحياة وتغيير المنكر فيها طلبا للإصلاح والعودة إلى الحياة الإسلامية كما رسمها الكتاب والسنة.
ولابد أن نعرف أن مؤسسات التصوف واقع لا يمكن الاستهانة بوجوده ولا يجدي التفرغ لمواجهته وإنما يتعين إصلاحه من الداخل وذلك بتصحيح أخطائه وتقويم مقولاته وآرائه المخالفة لمنطق الشريعة، وبوضعه أخيرا في صف القوى الحامية للإسلام مستفيدين من تلك التجارب السابقة
فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين: إنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضًا، كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة اللّه ورسوله بحسب اجتهاده وقد يكونون من أجلِّ الصديقين بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقي زمانهم، والصديق في العصر الأول أكمل منهم، والصديقون درجات وأنواع؛ ولهذا يوجد لك منهم صنف من الأحوال والعبادات، حققه وأحكمه وغلب عليه، وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه.
ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت (الصوفية والتصوف). وقالوا: إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.
وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.
و(الصواب) أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب.
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه.
...وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق. مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره. كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي؛ في (طبقات الصوفية) وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد.
فهذا أصل التصوف. ثم أنه بعد ذلك تشعب وتنوع، وصارت الصوفية (ثلاثة أصناف): صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم.
فأما (صوفية الحقائق): فهم الذين وصفناهم.وأما (صوفية الأرزاق) فهم الذين وقفت عليهم الوقوف. كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق.فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط:
(أحدها): العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم.
و(الثاني): التأدب بآداب أهل الطريق،وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها.
و(الثالث): أن لا يكون أحدهم متمسكًا بفضول الدنيا، فأما من كان جماعا للمال، أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة، ولا يتأدب بالآداب الشرعية، أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك.
وأما صوفية الرسم: فهم المقتصرون على النسبة،فهمهم في اللباس والآداب الوضعية، ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع مَّا من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم.
وأولياء اللّه هم المؤمنون المتقون، سواء سمى أحدهم فقيرًا أو صوفيًا أو فقيهًا أو عالمًا أو تاجرًا أو جنديًا أو صانعًا أو أميرًا أو حاكمًا أو غير ذلك.
قال اللّه تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول اللّه تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه). وهذا الحديث قد بين فيه أولياء اللّه المقتصدين، أصحاب اليمين والمقربين السابقين.
فالصنف الأول: الذين تقربوا إلى اللّه بالفرائض. والصنف الثاني: الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم، كما قال تعالى.
وهذان الصنفان قد ذكرهم اللّه في غير موضع من كتابه كما قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] وكما قال اللّه تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22-28] قال ابن عباس: يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا.
وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 17، 18] وقال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 8-11] وقال تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 88-91].}
2.1- العارف الصوفي العابد:
كما تجدر الإشارة إلى أن ابن تيمية في كلامه عن المصطلحات الصوفية كان أدق تعبيرا وأكثر تفصيلا من الصوفية الذين كتبوا في هذه الموضوعات. ففي حديثه عن المقامات والأحوال على سبيل المثال يقول: (أما بعد: فهذه كلمات مختصرات في أعمال القلوب ـ التي قد تسمى [المقامات والأحوال]ـ وهي من أصول الإيمان، وقواعد الدين، مثل / محبة اللّه ورسوله، والتوكل على اللّه، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك.) ثم يبين مراتب القلوب فيما يعرض لها من أحوال تختلف باختلاف منازلها.
أما عبادته يقول عنها تلميذه ابن القيم مبينا تذوقه للعبادة والإنهماك فيها: (...ومن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة: أن من أدمن يا حي ياقيوم لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جدا وقال لي يوما: لهذين الاسمين وهما الحي القيوم تأثير عظيم في حياة القلب وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر ياحي ياقيوم لاإله إلا أنت برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها وسر ارتباطها بالخلق والأمر وبمطالب العبد وحاجاته عرف ذلك وتحققه فإن كل مطلوب يسأل بالمناسب له فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك.)
وبلغ المراتب العليا من العبودية بانكاره لذاته وتواضعه الشديد اذ هما من خصائص رجال الله الخاصة وهو المنصب الأعلى في الدين, يحدث عنه ابن القيم يصف تواضع العارفين) أنه يخفي أحواله عن الخلق جهده كخشوعه وذله وانكساره لئلا يراها الناس فيعجبه اطلاعهم عليها ورؤيتهم لها فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله وكم قد اقتطع في هذه المفازة من سالك والمعصوم من عصمه الله فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل وأنه لا شيء وأنه ممن لم يصح له بعد الإسلام حتى يدعي الشرف فيه ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرا لم أشاهده من غيره وكان يقول كثيرا: ما لي شيء ولا مني شيء ولا في شيء وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت: أنا المكدى وابن المكدى وهكذا كان أبي وجدي وكان إذا أثنى عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا وبعث إلي في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه )
وقال(وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: العارف لا يرى له على أحد حقا ولا يشهد له على غيره فضلا ولذلك لا يعاتب ولا يطالب ولا يضارب وأما تنسم نسيم الفناء: فلما كان الفناء عنده غاية جعل هذه الدرجة كالنسيم) ، ويعلم المطلعون على احواله أنه في ذلك إنما يتحدث عن نفسه ويحكي حاله.
ومما تقدم يتبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية سليم من الغلو الذي وقعت فيه الوهابية الذين فسروا ابن تيمية بتفسيرهم الخاص.
كما نجده - في مجلده العاشر من الفتاوى والمسمى كتاب علم السلوك- يسير على نهج الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه <فتوح الغيب> إن لم نقل أنه يشرح هذا الكتاب كما شرح تلميذه ابن القيم كتاب الصوفي الهروي، إذ كان يكن للشيخ عبد القادر الجيلاني احتراما كبيرا ويقول في حقه: قطب العارفين، شيخنا قدس الله سره، أعظم شيوخ زمانه… هذا إضافة إلى كثرة استشهاده بكلامه.
2- السنوسي وأثر الطرق السنوسية:
هو محمد علي السنوسي (1787-1859م) تربى في بيت علم ودين ولديه منذ حداثته ترعة العزلة والتأمل، كما عرف عن سلوكه التقوى وعمد في أثناء رحلاته إلى زيارة الزوايا والاجتماع بالإخوان ومعرفة مختلف الطرق .
هذه التربية الروحية التي نعم بها السنوسي الكبير جعلته يخطط لدعوته في الإصلاح بما يكفل نجاحها إذ أدرك:
- قيمة الزوايا في الدعوات السابقة.
- قيمة البساطة واليسر في تقديم المعلومات الدينية للمريدين.
- رأى أن خير هذه الأمة في وقته يكمن في توحيد صفوفها مما جعله يتحالف مع الطرق الصوفية الموجودة في عصره ويدعوها إلى إصلاح نفسها ودعوتها على بث روح الجهاد بين أتباعها (السنوسية دين ودولة).
فسعى على إنشاء دولة إسلامية ذات منطلقات سلفية صوفية.
2. 1 انتشارها
امتدت الزوايا السنوسية في شمال إفريقيا حتى غدت على مدى ثمانين عاماً عاملاً كبيراً في تيـار الحركة الإسلامية، وبات لها أتباع في كل قطر إسـلامي، حتى كان لها (12) زاوية في الحجاز، ووصل عدد الزوايا في ليبيا والسـودان وحولهما إلى (130) زاوية . وتغلغلت في إقريقيا مبشرة بالإسلام بين الوثنيين حيث بلغ مجموع زواياها (300) زاوية.
وكانت الزاوية وحدة متكاملة مهمتها الأولى التربيـة وإعداد الدعـاة، ثم إرسالهم للعالم الإسلامي ينشرون الدعوة الإسلامية، كما أن الزاوية معـدة ومدربـة للدفاع عن نفسها ضد العدو فكانت ومركزاً للحياة الروحية ومركزا للجهاد.
2.2 جهاد الاحتلال
كانت الزاوية كما أسلفنا مركزاً للجهاد لها تنظيم عسكري، إذ غالباً ما يختار مكانها في موقع حصين، عند ملتقى طرق، لتأمين الغايتين الحربية والتجارية، وكان أفرادها مسلحين، منظمين تنظيماً عسكرياً، فلما انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، دعا السنوسيون إلى تأليف حكومة وطنية، قادت المسلمين في ليبيا مدة عشرين سنة ضد الطليان الذين احتلوا ليبيا.
ومن ألمع قادة السنوسيين البطل ( عمر المختار ) يرحمه الله, الذي كان شيخاً على زاوية القصور في الجبل الأخضر، وتولى قيادة المجاهدين السنوسيين في الجبل الأخضر، وصار القائد العام للمجاهدين السنوسيين في ليبيا.
وقف عمر المختار في وجه الفاشست بقيادة موسوليني الذي عمل جاهداً على انقراض الإسلام من ليبيا، وقرروا أن ليبيا أرض إيطالية، وقتلوا مئات الألوف من المسلمين، كما أجلوا ثمانين ألفاً من القبائل العربية عن الجبل الأخضر إلى صحراء ( سـرت ) الجدباء فمات منهم خلق كثير جوعاً وعطشاً، ثم جندت الرجال من سن البلوغ إلى الخامسة والأربعين وساقتهم إلى الجيش، وجمعت الأحداث ( 4 ـ 12) وأرسلتهم قهراً إلى إيطاليا لتنصيرهم.
وقد جاوز عمر المختار الخمسين من عمره، وبقي حتى جاوز السبعين يرحمه الله تعالى، يقود المعارك على صهوة جواده، من عام (1329هـ) حتى (1350 هـ/ عام 1931م) حيث وأسـر، ثم أعدم يرحمه الله.
3- حسن البنا (ولد 1906)
نشأ الرجل في أحضان الطريقة (الحصافية الشاذلية) كمريد نشط أفاد منها أيما إفادة تركت أثرا في حياته وتجلت في منهجه لتربية الإخوان.
فقد أثرت الطريقة الحصافية في أبعاد شخصية الداعية حسن البنا وكان لهذا أثره وموقفه من التصوف في تربية الإخوان المسلمين.
لقد استفاد الأستاذ البَنّا من تجربته الصوفيّة، أخذ منها ما صفا، وترك ما كَدِرَ، وهو موقف كل الرجال الرَّبّانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أويُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها: مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات "إيّاكَ نعبُد وإيّاك نستعين".
فقد طبق ذلك في تربية وتدريب الإخوان من الطلاب الأزهريين على الوعظ والإرشاد الديني، الذي يسميه علوم التربية والسلوك.
إذ كون فئة من الطلاب الأزهاريين وغيرهم للتدريب على الوعض والإرشاد الديني وذلك لدعوة الناس في كل مكان في المقاهي وأماكن العمل وغيرها، فنجحت هذه التجربة أيما نجاح حيث قال واصفا احساسه بهذا النجاح: { لقد نجحت التجربة مائة في المائة...و قد وجدت في هذا المعنى بعض العزاءعن الغيبة عن الجمعية الحصافبة التي انحلت شكلا في المحمودية.
إن الإخوان المسلمين هي دعوة صوفية لأنهم يعملون على أساس التزكية وطهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظَبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحبِّ في الله، والارتباط على الخير. فهذا هو التصوّف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا.
التصوف الحقّ عند حسن البنا يتمثّل أوّلَ ما يتمثّل في:
*طهارة النفس ونقاء القلب، فتزكية النفس هي أوّل سبيلِ الفَلاح {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجورَها وتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس 7-10 والقلب هوالمُضغة التي إذا صَلُحت صَلُح الإنسان كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الإنسان كلُّه، وسلامتُه أساس النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ ولاَ بَنونَ. إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ} الشعراء 88-89 . فلابد من المجاهَدة لنقاء هذا القلب وصفائه وطهارته من معاصي القلوب وأخطارِها.
*والمواظَبة على العمل الصالح واجب على المسلم، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ.
*والإعراض عن الخلق بالإقبال على الخالق: من صفات الرَّبّانِيّين من أصحاب الرسالات {الذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ ولاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللهَ}الأحزاب39. وهم المَوصوفون في قوله تعالى {يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزّةٍ عَلَى الكَافِرينَ يُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ولاَ يَخافونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} المائدة: 54. فهم لإعراضهم عن الخلق، لا يخافون لومةَ لائم منهم، ولا يخشَون أحدًا إلا الله سبحانه؛ لأنهم يُوقنون أن الخلق لا يملِكون لهم ضَرًّا ولا نفعًا، ولا حياة ولا موتًا، وأن الأرزاق التي يطمع الناس فيها، والأعمار التي يخاف الناس عليها، كلتاهما بيد الله وحدَه، لا يملِك أحد أن يَنقُصهم لقمةً من رزقهم، ولا أن يقدِّم من أجَلهم لحظة أويؤخِّر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَقْدِمونَ} الأعراف: 34.
*والحبُّ في الله: دِعامة من الدّعائم التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، فكما تربط بينها المفاهيم المشتركة، والفكرة الواحدة، تربط بين أبنائها العواطف المشتركة. وأعظمُ هذه العواطف وأخلدها وأعمقها هوالحبُّ في الله. فهوحبٌّ لا يقوم على عرَض من الدنيا، أومال أوجاهٍ أومُتعة، أونحو ذلك، بل يقوم على الإيمان بالله تعالى، والتقرُّب إليه، والرَّغبة في نصرة الإسلام، وأوثَق عُرَى الإيمان: الحبّ في الله، والبُغض في الله.
ومن أبرز ما يتميّز به الصوفيّة الصادِقون ثلاثة أشياء: الاستقامة، والمحبّة، وطاعة الشيخ، وهذه مقوّمات أساسيّة في التربية الإخوانيّة.
وما تركيز الإمام البنا على الجانب الخلقي الذي سماه (عصا التحويل) إلاّ مظهر من مظاهر نفاذ المنهج الروحي إلى منهج الإخوان المسلمين في التربية.
الخاتمة:
فيما قدمناه إشارات دالة على أثر التربية الروحية في الحركات الإسلامية، وهو أثر اجتماعي ولا شك حيث أن أثار هذه الدعوات والحركات إنما تتطلب على المجتمع إيجابا وسلبا.
ثم أن ما أقدمته لا يمثل فخرا تجتره الطرق الصوفية اليوم، وهي أبعد ما تكون عن تمثله بقدر ما يمثل ردا على سلبية الكثيرين منهم، وفهمهم أن العبادة شيء والجهاد والحركة شيء آخر إذ ما قدمناه نموذج ومثال واقعي لما يجب أن يكون عليه العابد الزاهد المتعالي عن مغريات الحياة وفتن الدنيا، من حيث الإسهام والفاعلية في أحداث الحياة وتغيير المنكر فيها طلبا للإصلاح والعودة إلى الحياة الإسلامية كما رسمها الكتاب والسنة.
ولابد أن نعرف أن مؤسسات التصوف واقع لا يمكن الاستهانة بوجوده ولا يجدي التفرغ لمواجهته وإنما يتعين إصلاحه من الداخل وذلك بتصحيح أخطائه وتقويم مقولاته وآرائه المخالفة لمنطق الشريعة، وبوضعه أخيرا في صف القوى الحامية للإسلام مستفيدين من تلك التجارب السابقة
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 2:41 عدل 1 مرات
المحاضرة الثامنة:التوجهات السياسية للحركات الصوفية
التوجهات السياسية للحركات الصوفية
الحركات الصوفية كجماعات ضغط
د. حسن الدعجه
أستاذ المساعد
قسم الاعلام والدراسات الاستراتيجية
جامعة الحسين بن طلال
الحركات الصوفية كجماعات ضغط
د. حسن الدعجه
أستاذ المساعد
قسم الاعلام والدراسات الاستراتيجية
جامعة الحسين بن طلال
الملخص:
الحركة الصوفية مثل غيرها من الحركات الاجتماعية، تخضع للطبيعة المتغيرة في الكون ودورانه، فإن أحسنت قراءة النواميس، وتخلصت من الغرور والإعجاب بالذات، ورجعت للقيام بوظائفها الأصلية والأساسية، وتكوين أجيال جديدة، على المستوى الشعبي والجماهيري في المجتمع، إذا قامت بكل هذا وغيره ضمن خطط واضحة، فإنها ستستمر في أداء مهمتها بنجاح، وإذا تراخت وتهاونت في المراجعات والتقويم، والقيام بما ينبغي القيام به، فإنها ستقرب أجلها بنفسها.
ويذهب دالبعض إلى أن الحركات الإسلامية تراخت وتهاونت في المراجعات والتقويم، والقيام بما ينبغي القيام به، وفي الحوار قضايا أخرى حول آفاق العمل الإسلامي الحركي وعلاقته بالحركات الصوفية، والملفات الكبرى المطروحة على العمل الإسلامي.
الحركات والعمل السياسي إن وجود الحركة الإسلامية كوسيلة ضغط يجب ألا يزعجنا، لكن المهم هو كيف يكون هذا الضغط؟ هل لتحقيق مصالح للأمة؟ فهذا أمر جميل ومحمود، أم هو لتحقيق مصالح ذاتية شخصية؟ فهذا أمر آخر، لا يقبله الإسلام ولا المنطق السليم.
ولكن أن تكون الحركة الإسلامية حركة اجتماعية ضاغطة من أجل مصالح الأمة وشعوبها، فهذا ليس فيه أي عيب أو ضرر، وهنا أستحضر ما حدثني به بعض المفكرين من الشرق، وهو أن الحركات الإسلامية يحسن بها أن تبقى جماعات ضغط، تطالب بتطبيق الشريعة والحفاظ على الأخلاق والقيم، وهذا أفضل لها من أن تدخل إلى الحكم، وهذا رأي يناقش أيضا مثل الرأي السابق، فإذا كان الضغط إيجابيا فلا حرج شرعا وعقلا، وإذا كانت جماعة ضغط من أجل مصالح فئوية ضيقة، فهذا هو الإشكال؛ وينبغي إصلاحه.
مقدمة:
بالإطلاع على عدد من تعريفات جماعات الضغط نجد ان لا اختلافات كبيرة بينها وبين تعريف الحزب السياسي، إذ نستطيع التوصل إلى انها تعني ايضاً وجود مجموعة من الأفراد مجتمعين في تنظيمٍ معين على اساس مبادئ وقد تكون مصالح مشتركة لأجل تحقيق اهداف مشتركة في إطار قانوني، في هذا التعريف يُلاحظ ان لا فرق بين جماعات الضغط والحزب السياسي سوى من ناحية سعي الحزب إلى السلطة وعدم سعي الجماعة لها، بدلاً عن ذلك تسعى الجماعة للضغط على السلطة التي وصلها الحزب، وبتعبير ادق تسعى للضغط على الحكومة. علماً ان بعض البلدان تحوي جماعات اكثر تأثيراً من الأحزاب السياسية.
برجوع سريع إلى التاريخ نرى ان الجماعات الضاغطة غالباً مالم تكن تحمل صفة القانونية، بسبب انظمة الحكم الشمولية والطريقة التي كانت تعالج بها معارضة تلك الجماعات من خلال البطش والتنكيل، ماكان يدفعها مظطرةً للعمل السري واستخدام البعض منهم للعنف لتحقيق غايات سياسية وإن تسترت بألبسة مختلفة كل حسب رقعة عمله الجغرافية.
من اشهر هذه الجماعات واكثرها جدلاً في التاريخ الإسلامي في الشرق الأوسط هي الإسماعيلية الذي تسمى في مصادر المستشرقين بالحشاشة.
بعض المطلعين على الأغتيالات والعمليات التي كانت الاسماعلية تنفذها قد يصنفونها ضمن الجماعات الدينية لا السياسية، وما اشبه اليوم بالبارحة عندما نقارن بين المخطط والمنفذ.
كانت اوربا والصين، مصر واليونان تحوي ايضاً على جماعات ضغط عديدة على اشكال مختلفة من عوائل وقبائل او جماعات تجارية ودينية كانوا دائماً يسعون للحصول على مزايا خاصة على حساب الأخرين، رغم اننا لا نستطيع ان ننسبهم إلى الجماعات الضاغطة حسب مفهومنا الحالي لها، إلا انهم كانوا جماعات تضغط لأجل أهداف تجمعها ببعضها البعض.
تعريف الصوفية والتصوف:
قبل الولوج في حقيقة التصوف لابد من تعريفه باعتباره نزعة وجدانية وأنبل الوسائل في التقرب إلى الله. وقد أشار العلماء ورجال الدين إلى أن التصوف«طريقة»شخصية بحتة يتعبد فيها الإنسان على غير مثال يحتذى به إلا قليلاً، ولامذهب يأخذ به إلا لماماً، إذ إن لكل متصوف أسلوباً خاصاً يزعم أنه يقترب به من الله. وأصل التصوف "العكوف على العبادة الانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلو في الخلوة والعبادة".
وشاع التصوف في أديان الأمم كلها: في الوثنية والمجوسية واليهودية والمسيحية والإسلام، وقد عرفه في بعض أشكاله البابليون واليونانيون والرومان والهنود والصينيون والعرب والعجم.
وقد بدأت الحياة الصوفية في الإسلام بأفراد يسلكون في عبادتهم ومجاهدتهم طريقاً شخصيةخاصة، ولم يكن لهم حتى نهاية القرن الثاني الهجري حياة منظمة عامة. ولكن سرعان ما ظهرت في صفوفهم حلقات واجتماعات في المساجد أولاً، ومن ثم في الخانقاهات والرّبط، حيث اجتمع المشايخ وحولهم جماعات منتظمة من طالبي التصوف. والطريقة، هي الأسلوب الخاص الذي يعيش الصوفي بمقتضاه في ظل جماعة من جماعات الصوفية تابعة لأحد كبار المشايخ. أو هي مجموعة التعاليم والآداب والتقاليد التي تختص بها جماعة من هذه الجماعات. وهي أيضاً الحياة الروحية التي يحياها السالك إلى الله أياً كان سواء أكان منتسباً إلى فرقة من فرق التصوف أم غير منتسب وتابع لشيخ أم غير تابع، فالطريقة بهذا المعنى «فردية» إذ لكل سالك إلى الله حياته الشخصية وعالمه الروحي الذي يعيش فيه وحده، قديماً قال بعض العارفين: «إن الطرق إلى الله بعدد السالكين إليه».
ويطلق على هذه الطريقة أسماء وأوصاف وعديدة فهي «السفر» و«السلوك» و«المعراج» و«الحج» وماإن أخذ التصوف يتبلورفي شبه مدرسة روحية ويتميز بشعائر خاصة، حتى أخذ أتباعه يجتمعون في أماكن خاصة لعبادتهم عرف واحدها بالرباط أو التكية، كانوا ينقطعون إليه ويعتزلون فيه المجتمع. يقضون نهارهم بالقراءة وليلهم بالتهجد، يقيمون حلقات الذكر ويتناولون شيئاً يسيراً من الطعام والشراب يلبسون قميصاً من خشن الصوف ويفترشون الحصير الصلب، وبعد أن يلتحق الطالب بالحياة الصوفية، يعيّن له شيخ يدربه، حتى أثبت تغلبه على نزواته وارتاض بالنهج الصوفي، يجري بعد ذلك تكريسه متصوفاً فيلبس الخرقة الزرقاء رمزاً... ويمّر بعد ذلك في أربع درجات:
أولها: درجة المريد وهو طالب الانتساب.
ثانيها: درجة السالك وهو الذي استكمل تدريبه على يد أحد المشايخ.
ثالثها: درجة المجذوب وهو الذي انجذب إلى الطريق الصوفي بكل جوارحه.
رابعها: درجة المتدارك وهو الذي نجت نفسه من غرور الدنيا.
وللصوفية معتقدات عديدة منها ما هو مأخوذ عن الفلسفة التي شاعت في الإسلام، ومنه ما هو توسع في تعاليم القرآن، ومنها ما هو نتيجة لاختبارات شخصية، ولكن مهما تعددت المذاهب، ومهما اتسعت الفرق الصوفية وكثرت طرقها فالغاية واحدة: "الاتصال بالله والاتحاد به.
وأهم الأفكار والمعتقدات المشتركة بين المتصوفة.
تعريفات جماعة الضغط:
يعرفون بجماعات الضغط لأنهم يستخدمون الضغط كوسيلة لحمل الحكومات على تلبية مطالبهم، وهنالك اكثر من تعريف لهم، كنا قد اشرنا في المقدمة إلى تعريف نعتقد به وهنا نرغب في ان نستعرض عدداً اخر من التعريفات، منها مايقول "انها تمثل مجموعة كبيرة من الجماعات العرقية ووجهات النظر السياسية وهي مؤسسات طوعية" ويعرف الدكتور صادق الأسود جماعة الضغط على انها "جماعة من الاشخاص تربطهم علاقات اجتماعية خاصة ذات صفة دائمة او مؤقتة بحيث تفرض على اعضائها نمطاً معينا في السلوك الجماعي، وقد يجتمعوا على اساس وجود هدف مشترك او مصلحة مشتركة بينهم يدافعون عنها بالوسائل المتيسرة لديهم" قد تكون لهم مصالح يدافعون عنها وقد تكون اهداف يسعون إلى تحقيقها، والغالبية الفعالة المؤثرة من هذه الجماعات هي تلك التي تتشكل من افراد لديهم اهداف مشتركة يسعون إلى تحقيقها كالمنظمات الغير حكومية وتجمع الشركات التجارية (شركات الضغط) وسنورد فقرة خاصة فيما يعد عن دور هذه الشركات في الضغط على السياسات العامة.
يعرف (ن. هنت) جماعة الضغط على انها "اية منظمة تسعى إلى التأثير على سياسة الحكومة بينما ترفض تحمل مسؤولية الحكم" هذا التعريف يجعل من الممكن ان تكون إحدى الجماعات هي الحاكم الفعلي في تسيير السياسات العامة في دولةٍ ما دون ان يعي الجميع ذلك.
اما جان دانيل "فيعرفها على انها كل الجماعات التي تضغط للتأثير على السياسات العامة على الصعيد السياسي" بذلك تكون الجماعات الضاغطة هي فقط الجماعات التي تعمل على الساحة السياسية وهم يختارون ان يعملوا في السياسة خارج نطاق الأحزاب والحركات السياسية للفروقات العديدة الموجودة بين الحزب والمنظمة او المؤسسة ابتداءً من هيكلية التنظيم وحجمه مروراً بأليات العمل فأنتهاءً بالقاعدة الجماهيرية التي يحتاجها الحزب لأجل تحقيق اهدافها.
يعتبر اللوبي من اكبر جماعات الضغط في العالم، يعرفها جيمس برايس(5) "على انها إغراء البرلمان للتصويت مع او ضد مشروع قانون ما" اما ادكار لاني(6) فيقول "هم افراد يعملون في سبيل التأثير على قرارات الحكومة".
نفهم من هذين التعريفين ان اللوبي هي جماعة تعمل على التأثير على مصدر القرارات التي تتوزع على السلطتين التشريعية والتنفيذية الحاكمة في البلاد والتي تحدد صلاحياتهما من قبل دساتيرهما فيحدد اللوبي نقطة تركيزه اعتماداً على مصدر اتخاذ القرار.
مهما تبدلت الأسماء وتعددت فهي في النهاية يجب ان تضم العناصر أدناه.
نظرية المجموعة أو "الجماعة":
وصف ابن خلدون الإنسان بأنه مدني بطبيعته ولا يستطيع العيش منعزلا، ولا بد من العيش مع الجماعة التي تكون التجمعات البشرية. والجماعة حسب ما يعرفها "توماس داي" “Thomas Dye” هي "مؤسسة اجتماعية، مكونة من عدد من الأفراد تجمعهم مصالح مشتركة متماثلة، يقومون بطريقة رسمية أو غير رسمية بالضغط على النظام السياسي ليحققوا مطالبهم أو أكبر جزء من مطالبهم على الأقل .
كما تؤثر الجماعة على اتجاهات وسلوك أعضائها، وتمارس تأثيراً مهماً من خلال الجماعات: الأسرة وجماعات الصحبة والمدرسة والحزب. وهذه الجماعات تغرس في عقل الفرد قيماً واتجاهات وتصورات منها ما هو اجتماعي له دلالة سياسية، ومنها ما هو سياسي وهذا يتوقف على قوة ارتباط الفرد بالجماعة. ويزداد تأثير الجماعة على الاتجاه السياسي لأعضائها إذا كانت لها علاقة مباشرة بالعملية السياسية .
وللجماعة دور إيجابي غير مباشر في خدمة الصالح العام، حيث تقوم بتقديم المشورة والمعلومات للمؤسسات الحكومية، لأنها أدرى بها من الحكومة لأن هذه الجماعة أو المجموعة متواجدة بين صفوف المجتمع مما يساعد الحكومة على اتخاذ القرارات المناسبة وتنفيذها، مما يؤدي إلى استتباب الأمن، وهي تعمل على المحافظة على مكتسباتها، ومصالحها وتوتر العلاقة مع السلطة إذ اختلفت مصالح الجماعة مع المصلحة العامة أو تأثرت مصالح الجماعة بشكل مباشر.
عوامل نجاح الجماعة :
1- القيادة والتنظيم: إن من أهم عوامل النجاح وجود قيادة تتحمل المسؤولية وقيادة الجماعة والتخطيط والتنظيم. فالقيادة تقوم بدور مهم في توجيه الجماعة.
2- تماسك الجماعة: أو وحدة الجماعة يعزز قوتها ويقوي الانتماء تجاهها .
3- نوعية العضوية وتجانسها: فالجماعة يجب أن تكون متجانسة كنقابة المحامين مثلاً، فالقواسم والمصالح مشتركة بين أعضائها .
4- نشاط الجماعة: دراسة قرارات الحكومة مسبقا ومتابعة كل جديد في السياسات الحكومية، والاتصال بالمؤسسات الحكومية مسبقاً لثنيها عن هذه السياسات إذا تعارضت مع مصلحة الجماعة.
5- انفتاح المؤسسات الحكومية الديمقراطية يعطي الجماعة دور وتأثير أكبر كما هو الحال في دول أوروبا الغربية.
6- نوعية القرارات الحكومية ومدى علاقتها بأعضاء الجماعة وبمصالح الجماعة، كاصدار قرار يتعلق بالزراعة فإذا كان القرار يهم هذا القطاع وجماعة المصالح في هذا القطاع، فقد تقوم بمحاولة تعديل القرارات أو التقليل من آثاره الضارة.
7- حجم الجماعة ومرونتها: يلعب حجم الجماعة دوراً بارزاً في قوتها وتماسكهاً وتأثيرها على السياسات الحكومية فكلما كان حجمها كبيراً زاد ذلك من تأثيرها وقوتها .
أنواع التفاعلات التي تدور بين الجماعات وبين المؤسسات الحكومية .
1- تفاعلات رسمية أو مشروعة: وتبدأ في المراحل التحضيرية للقرارات والمشاريع.
2- التفاعلات التكافلية: تقوم بعض المؤسسات الحكومية باختيار جماعات مصالح معينة في المجتمع لتقديم المشورة والمعلومات التمهيدية للقرارات وتطبيقها، مع مراعاة مصالح الجماعة والوصول إلى حلول وسط.
3- التفاعلات التلازمية: وهي التفاعلات التي تنشأ بين مؤسسة حكومية ومؤسسة أهلية، فتكون العلاقة تلازمية بين الطرفين لحاجتهما المشتركة، وخير مثال على ذلك مؤتمر النقابات المهنية في بريطانيا والذي قام بإنشاء حزب العمال البريطاني، مما أدى إلى تلازم بينهما. ويعطي مؤتمر النقابات المهنية فرصة كبيرة للتأثير على القرارات من خلال الحزب السياسي الحاكم أو المعارض أحياناً.
4- التفاعلات غير المشروعة: وتأتي نتيجة لعزل النظام السياسي لبعض جماعات المصالح، وتكون على شكل وسائل غير مشروعة كالعنف والمظاهرات.
ومما سبق نجد أن السياسة هي التنافس والصراع القائم بين جماعات المصالح والمؤسسات الحكومية التي يحاول كل منها التأثير على الآخر.
وخلاصة القول أن الفرد بمفرده يكون ضعيفاً تجاه آلة صنع القرارات الحكومية، ولكن بوجود جماعة تمثله وتعمل نيابة عنه، فانه يكون في موقف سياسي أقوى، كما تضعف قوة الحكومة أمام مطالبه حسب رأي بيتر غيل وجفري يونتون .
عدل سابقا من قبل chikh في الجمعة 21 نوفمبر 2008 - 3:07 عدل 2 مرات
تابع ...التوجهات السياسية للحركات الصوفية
جماعات الضغط كقنة للتنشئة:
تعمل هذه الجماعات على اختلاف أنواعها دوراً بارزاً في تشكيل اتجاهات فئات المجتمع، وخصوصاً الجماعات المتخصصة مثل جماعات الضغط الاقتصادية أو العمالية أو التجارية والصناعية والزراعية فهي أيضاً تعتبر من قنوات التنشئة السياسية المهمة، كما تلعب الطوائف الاثنية والحركات الدينية دور فاعل في التنشئة السياسية .
الجماعة Group Theory
برزت نظرية الجماعة رداً على التحليل المؤسسي، علاوة على أنها تمثل أحد جوانب حركة قوية أرادت تحويل اهتمام علم السياسية إلى التحليل الواقعي اللامعياري بعيد عن التحليل القيمي المعياري.
وبهذا الإطار فإن الجماعة تمثل أساس نظرية عامة في السياسة؛ ما دامت كل الأنشطة السياسية هي أنشطة جماعات، ولا توجد ظواهر غيرها، ويحقق التركيز على الجماعة مزية الابتعاد بالبحوث السياسية عن الأشياء غير الواقعية أو " الأفكار المجردة " كالسيادة والدولة.
أولاً : أسس إطار الجماعة (جماعات الضغط)
لإطار الجماعة مجموعة من الأسس وهي حسب الآتي :
1- تمثل الجماعة وحدة التحليل السياسي، فتركيز الباحث ينتهي على الجماعة وليس الفرد، طالما أنها تؤثر في الحياة السياسية أكثر منه، ولكن في بعض المجتمعات يكون الفرد الحاكم أكثر تأثيراً منها، وبهذا يمثل الفرد وحدة التحليل.......
2- يحتوي النظام السياسي على شبكة معقدة من الجماعات تتفاعل وتتضاغط فيما بينها باستمرار فالضغوط والضغوط المضادة في النظام عبارة عن الصراع بين هذه الجماعات وهذا الصراع هو الذي يقرر من يحكم، ويتوقف التغير في النظام السياسي على التغير في تكوين الجماعات.
3- تؤثر الجماعات على اتجاهات وسلوك أعضائها فقد أظهرت الدراسات الخاصة بالتنشئة السياسية أن الجماعات المرجعية Reference Group تمارس تأثيراً مهماً بهذا الصدد ومن الأمثلة على ذلك : الأسرة وجماعات الرفاق والمدرسة والحزب.... فهذه الجماعات تغرس القيم الخاصة بها في عقول أعضائها...
4- تمارس الجماعات تأثيراً على النظام السياسي، ويرتكز اهتمام الباحثين على الدور السياسي للجماعات المصلحة وهي منظمات تطوعية تهدف إلى التأثير في رسم السياسيات العامة وبنفس الوقت تحجم من مسؤولية المشاركة المباشرة في الحكم وتأثيرها يتوقف على قوتها نفوذها حجمها تماسكها موارد المالية وتستخدم الجماعات في مسعاها للوصول إلى أهدافها مجموعة من الطرق والأساليب وهي المساواة التحتية، الداعية، المساندة الانتخابية، تمتين الروابط مع الأحزاب، العنف والرضا فاعلية العلاقات الشخصية مع النواب والمسؤولين العامين.
كما وتعلب الجماعات وظائف مثل زيادة مشاركة وفاعلية الأفراد والمساهمة في الاستقرار السياسي.
سلبيات وإيجابيات جماعات الضغط
اهم سلبياتها:
1- تقوم على اساس تحقيق مصالح فئوية، مما يتعارض والمصلحة العامة.
2- غالباً ما تفرض على اعضائها الولاء لها، وهذا ينافي مع ولاء العضو للجماعة الكبرى وهي الدولة.
3- تتبع معظم جماعات الضغط اساليب ملتوية في سبيل تحقيق اغراضها.
4- جماعات الضغط لاتمثل المصالح المتعارضة لجميع فئات المجتمع، فبينما توجد جماعات ضغط للمنتجين مثلا لاتوجد جماعات تقابلها للمستهلكين (بداءت تتأسس الأن في بعض البلدان). اوردت هذه الفقرة بسبب ماتم ذكره سابقاً من ان اهمية الجماعة تحدد من خلال مدى فاعليتها وتأثيرها والواضح ان فاعلية وتأثير جماعات المنتجين الضاغطة غير فاعلية وتأثير جماعات المستهلكين.
قد يحدث ان تحقق جماعات الضغط اهدافها على حساب فئة او فئات اخرى من الشعب وإن كانت اكثر منها عدداً.
اهم الإيجابيات:
1. إن جماعة المصلحين الذين ينددون بمساوئ جماعات الضغط هم انفسهم في حاجة الى ان ينظموا في جماعات كي يمكنهم التغلب على هذه المساوئ.
2. نمو الجهاز الحكومي وازدياد عدد موظفيه يهدد بالقضاء على حريات الافراد، مالم ينظم هؤلاء الافراد في جماعات قوية تستطيع ان تكون ندا لهذا الجهاز عند الضرورة، وان تحمي حرياتهم من استفحال نموه.
3. تقوم جماعات الضغط بالتاثير في الحكومة طوال الفترات بين الانتخابات العامة، بينما يكون الفرد في هذه الفترات عاجزا عن احداث اي تاثير يقابله.
4. تملك هذه الجماعات بحكم تخصصها وتمارسها بمهامها وسائل الوقوف على البيانات والاتصال بالجهات الموثوق بها واهل الخبرة في مختلف الوان المعرفة، من ثم يسهل على الحكومة دراسة مشروعات القوانين المقترحة واحسن الطرق لتنفيذها يضاف الى ذلك ان الجماعات اكثر تاثرا بالقرارات الحكومية من الافراد واقدر منهم على استثارة المعارضة السريعة الفعالة تجاه القرارات الحكومية المجحفة بحقوق الافراد والضارة بالمصلحة العامة.
الإتصال واحدة من اليات تحقيق اهداف جماعات الضغط:
تتصل جماعات الضغط بالجبهات الرسمية وغير الرسمية بطرق مختلفة منها:
- الاْتصال بالوسائل المباشرة.
- الاتصال عن طريق الصحف التي تؤثر عليها هذه الجماعات، او التي تملكها بشكل غير رسمي والتاْثير على وسائل الاْعلام الاْخرى التي تمتلكها شركات اهلية وتخضع للاْغراءات المادية عادة، وهذا يقودنا إلى الحديث عن تكتيكات تحقيق الأهداف لدى جماعات الضغط والذي بدوره يرتبط بمدى فاعلية الجماعة التي ترتبط بشكلٍ او بأخر بإمكانياتها المادية.
- تعمل جماعات الضغط على التاْثير بوسائل مختلفة على سياسة الدولة، من بينها السياسة الخارجية. فقد تتصل اتصالا شخصيا عن طريق رؤسائها بالمسؤلين لتنفيذ ارائها وتدافع عن مصالحها، وقد تتصل عن طريق الرسائل الخاصة مهددة او واعدة او مغرية.
اخطر صورة تظهر فيها جماعات الضغط هي تلك الصورة المضللة التي تكون فيها مواقفها اوسع من اهدافها. وهذه الصورة تضليل للراي العام وسلوك تستغل فيه المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة ومن اشهر جماعات الضغط والمصالح جماعة الصهيوني وجماعة الفلاحين والجماعة الكاثوليكية وجماعة رجال الاْعمال وجماعة اتحاد العمال.
ولاريب في ان الوسائل التي تستخدمها جماعات الضغط في عملها لغرض التاثير على السلطة من التعدد والتنوع بحيث يصعب بيان تفاصليها جميعا، فهي مختلفة باختلاف ظروف المجتمعات والنظم السياسية فضلا عن اختلاف جماعات الضغط ذاتها.
اعتقد ان في احيان كثيرة يكون التركيز على الجماعات الإجتماعية المهمشة من افضل الوسائل لأجل الضغط على السلطة، وخاصة الضغط على المستوى الطويل الأمد.
تكتيكات جماعات الضغط لأجل تحقيق أهدافها:
1. المساواة المستترة:
يستخدم هذا التكتيك لسببين :
• الخوف من ان تؤدي العلانية إلى تفاقم التناقض
• الطبيعة السرية للنشاط الأقتصادي الخاص
2. الدعاية والمعلومات:
توجه الجماعات حملات دعائية إلى الجماهير على اعتبار ان اقناعها او اثارة اهتمامها بفكرة سوف يدفعها الى التأثير على جهاز صنع القرار.
3. المساندة الانتخابية:
مساعدة مرشح على الفوز بعد ان تم إبرام اتفاق مسبق معه سيتم تنفيذه بعد فوز المرشح على حساب اخر.
4. خلق علاقات خاصة مع الأحزاب السياسية:
خلق كتل تشريعية داخل حزب او اكثر.
5. العنف:
تستخدم بعض الجماعات العنف لتحقيق اهدافها بعد ان تفشل في تحقيقها من خلال القنوات الشرعية.
6. التمثيل المباشر:
يكون من خلال التمثيل المباشر في البرلمان.
نلاحظ من هذه التكتيكات ان الجماعة لتكون فاعلة، اي تملك القدرة على تحقيق اهدافها عليها ان تملك اقتصاداً فاعلاً، حتى في الفقرة السادسة في التمثيل المباشر في البرلمان، التي تعتبر من بين إحدى المآخذ على الديمقراطية التي لا تعتبر في احيان كثيرة مساواة في الوصول إلى السلطة بين عامة الشعب بقدر ماهي مساواة بين مالكي الإقتصاد بسبب كلفة الحملة الأنتخابية والتعبيئة الجماهيرية، وفقرة الدعاية والإعلان تعطي الأفضلية لمن يمول اكثر. بذلك فاستمرارية غالبية جماعات الضغط بفاعلية تعتمد على قوة الجماعة الإقتصادية.
دارفور والصوفية نموذجا:
تقول د. إجلال رأفت الخبيرة في الشأن الإفريقي وأستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة-: " أن اسم "دارفور" هو نسبة إلى "موطن" أي "دار" قبائل "الفور"، التي وفدت منذ مئات السنين إلى غرب السودان من بلدان الجوار الإفريقية: تشاد والنيجر ونيجيريا، وسبق مجيئها إلى غرب السودان مجيء العرب المسلمين، ولكن قبائل الفور دخلت الإسلام أسوة بملايين الأفارقة جنوب الصحراء.
وعن دخولهم الإسلام أوضحت "الدكتورة إجلال" أنه تم بلا فتوح عسكرية، وذلك على أيدي التجار و(الطرق الصوفية).
واحتفظ بعضهم لقرون أخرى بعد الإسلام بلغاتهم الإفريقية الزنجية، بينما استعرب البعض الآخر".
وإقليم دارفور تقدر مساحته بـ(510) ألف كيلو متر وعلى بعد (1200) كيلو متر من العاصمة الخرطوم وهم يدينون بالإسلام بنسبة (100%).
وأهل دارفور يتبعون مذهب الإمام مالك – فقهياً - ويوجد بدارفور مجموعة كبيرة من الأضرحة أشهرها ضريح (السلطان علي دينار)، ويشتهر أهل دارفور باتباعهم الطرق الصوفية ومنها الطريقة التيجانية والأنصارية والختمية والإسماعيلية والسمانية والبرهانية والقادرية والدسوقية، إلا أن معظم أهالي دارفور تقريباً يتبعون الطريقة التيجانية التي ينتشر أفرادها من السنغال حتى السودان.
ويعتبر "محمد سلامون" في قرية "مليط " هو الذي نشر الطريقة التيجانية في دارفور، والطريقة التيجانية أسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد سالم التيجاني، والذي ولد في قرية عين ماضي من قرى الصحراء بالجزائر، وعاش في الفترة ما بين (1150-1230هـ) (1737 ـ 1815م).
وهذه الطريقة هي فرقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بإمكانية مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم، مقابلة مادية واللقاء به لقاءً حسيًّا في هذه الدنيا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصهم بصلاة (الفاتح لما أُغلق) التي تحتل لديهم مكانة عظيمة، ويدعون افتراءً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر شيخ طريقتهم "التيجاني" بأن هذه الصلاة تعادل قراءة القرآن الكريم ست مرات، ويزيدون على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى شيخهم مرة أخرى.
وأخبره أن المرة الواحدة من هذه الصلاة تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة، ويعتقدون أن من تلا صلاة الفاتح عشر مرات كان أكثر ثواباً من العارف الذي لم يذكرها، ولو عاش مليون سنة.
وأن من قرأها مرة كُفِّرت بها ذنوبه، ووزنت له ستة آلاف من كل تسبيح ودعاء وذكر وقع في الكون، كما يؤكد شيخها لأتباعه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذاته قد ضمن له ولهم الجنة يدخلونها بغير حساب ولا عقاب - تعالى الله عما يصفون علواً كبيرا-.
وينتشر التكاسل الشديد بين أفراد هذه الطريقة والتقاعس في أداء العبادات والتهاون فيها، وهذا راجع لما يعتقدونه من إحراز الأجر والثواب العظيمين على أقل عمل يقوم به الواحد منهم.
ومن المشاهدات الملفتة بدارفور ما ذكره الكاتب السوداني المنحدر من قبائل دارفور "أحمد عبد القادر أرباب" -وهو عميد مهندس- وذلك في كتابه "تاريخ دارفور عبر العصور" الصادر في العام (1998) بالخرطوم حيث تحدث المؤلف في الفصل السادس من الكتاب عن طريقة تفرد بها أبناء الفور في دارفور وهي التي عرفت بـ"حبال الفور"، وهي طريقة متفردة يستعين الحافظ فيها بالحبال لحفظ الآيات القرآنية، وفي هذه المرحلة يعرف الحافظ أعداد حروف القرآن، ولا يعتبر الحافظ حافظاً عند الفور إلا إذا كان عارفاً بفن الحبال والحروف، وهو قمة المعرفة عند أبناء الفور.
وعن دور الطرق الصوفية في التعامل مع أزمة دارفور ومحاولة ادماج تلك الطرق في منظومة قوى المجتمع المدني كفكرة يطرحها الغرب لتشكل جماعات ضغط داخل مجتمعاتها يوضح الباحث "أبو بكر القاضي" في دراسة له بعنوان "دور مؤسسات المجتمع المدني بعد سلام دارفور" أنه يجب أن يتسع المفهوم الغربي للمجتمع المدني ليشمل الطرق الصوفية.
وأرجع الباحث طرحه هذا لعدة أسباب منها:
1- أنه يتم استبعاد الطرق الصوفية من منظومة المجتمع المدني؛ لأن هناك مأخذ على شيخ الطريقة وهو أن هذا الشيخ لم ينتخب انتخاباً حراً مباشراً، ويرى الباحث أن هذا المأخذ هو إجرائي شكلي تجاهل الجوهر والدور الوظيفي الاجتماعي الأهلي لشيخ الطريقة حسب الحال.
2- يدفع الباحث بأن الطريقة هي مؤسسة متقدمة جداً على القبيلة بل هي بوتقة لانصهار القبائل تحت ما وصفه بـ"أخوة" الطريقة.
والقاسم المشترك بين الطائفة والقبيلة من الناحية الجوهرية وبغض النظر عن طريقة وصول الشيخ لكرسي الزعامة، هو التراضي والطوعية داخل المؤسسة، ثم العمل المشترك لحماية المصالح وجلب المكاسب.
وهذا الطرح البحثي المحسوب على الإسلام انطلق من قاعدة مبتورة عقدياً ممثلة في فكر وطقوسات صوفية أفاض العلماء في خللها ليستعطف الغرب في الاستظلال بمظلة عولمية وهي "المجتمع المدني" طرحها الغرب في الأساس لتناهض الإسلام ولتذيب مؤسساته في حقيبته ولينزع عن المؤسسات الإسلامية خصوصياتها وتفردها المنهجي الرباني لتتحول إلى مجرد أداة تسيرها شبكة من الطروحات العلمانية.
ولعل هذه المبادرات البحثية هي ما دفعت الأمم المتحدة لتعيد التفكير في توظيف الطرق الصوفية في دارفور ليتم بذلك عملية الموازنة داخل الإقليم من حيث الثبات على المعتقدات الفاسدة والتصدي لأية محاولات تصحيحية لمسار عقائد الدارفوريين من قبل المؤسسات الدعوية والإغاثة الإسلامية ذات المنهج الصحيح.
ومن ذلك ما قامت به الأمم المتحدة بالتعـاون مع مركز دراسات السلام وتنمية المجتمع بجـامعة نيـالا بولاية دارفـور بغرب السودان بدعوة الطرق الصوفية بجمـهورية السودان للقيام بورشة عمل مشتـركة للبحـث عن حلول لما وصف بمشكلة النزاع المسلح بين أهالي دارفور، حيث استجابت الطرق الصوفية بإرسال ممـثلين عن مشايخها، وحضرت وفود من الطرق التيجانية والسمانية والمكاشفية والعركية والرفاعية والبدوية والبرهانية والدسوقية والشاذلية.
وقد استمر انعقاد الورشة التي تم تمويلها أجنبياً من قبل الأمم المتحدة ثلاثة أيام متتالية داخل جامعة نيال.
حيث شهدت الورشة مجموعة من الحوارات حول أوراق عمل قدمت من كل الأطراف وتمحورت في دور ذاكري الصوفية للدخول في مناطق النزاع لنشر ثقـافة الذكر الصوفي والصلاة على رسول الله صلى عليه وسلم وفق رؤية ومعتقد الطرق الصوفية في الصلاة كطرح مهم على أنه حل أكيد لنزع الحقد والكراهية قبل نزع السلاح، وزراعة الحب في القلوب والألفة بين الناس ليلقوا السلاح.
وقد تم طرح أوراق عمل الورشة لمناقشة ما ورد فيها من عرض للمشكلة والحلول المترتبة عليها وكيفية اتخاذ الخطوات العملية من قبل الطرق، الصوفية والتي عرضت بعد ذلك على الوفود المجتمعة في "أبوجا" للاستنارة بما ورد فيها للوصول إلى أيسر الطرق لجمع شمل أهل دارفور على المائدة الصوفية.
وهنا وقفة فإن المأساة التي مر بها الشعب السوداني من خلال أزمة دارفور ودعوة المنظمات الخيرية لإغاثة هذا الإقليم المنكوب وعلى الرغم من الصيت الإعلامي عن الدارفوريين بأنهم أهل القرآن وهذا فخر إسلامي فإن كل ذلك يجب ألا ينسينا البعد العقدي في علاج الأزمة، فالأمر ليس مجرد غذاء أو كساء، وإنما هو بعد عقدي توحيدي يأتي قبل إشباع أية احتياجات غريزية، ولربما انفجرت أزمة دارفور لتلفت الانتباه إلى الدولة التي يؤمن الكثير من متعلميها بتلك الشركيات العقدية المصاحبة للطرق الصوفية والتي عرجنا عليها بصورة سريعة في هذا المقال وضرورة إحلال تلك المعتقدات بالعقيدة الإسلامية الصحيحة.
تعمل هذه الجماعات على اختلاف أنواعها دوراً بارزاً في تشكيل اتجاهات فئات المجتمع، وخصوصاً الجماعات المتخصصة مثل جماعات الضغط الاقتصادية أو العمالية أو التجارية والصناعية والزراعية فهي أيضاً تعتبر من قنوات التنشئة السياسية المهمة، كما تلعب الطوائف الاثنية والحركات الدينية دور فاعل في التنشئة السياسية .
الجماعة Group Theory
برزت نظرية الجماعة رداً على التحليل المؤسسي، علاوة على أنها تمثل أحد جوانب حركة قوية أرادت تحويل اهتمام علم السياسية إلى التحليل الواقعي اللامعياري بعيد عن التحليل القيمي المعياري.
وبهذا الإطار فإن الجماعة تمثل أساس نظرية عامة في السياسة؛ ما دامت كل الأنشطة السياسية هي أنشطة جماعات، ولا توجد ظواهر غيرها، ويحقق التركيز على الجماعة مزية الابتعاد بالبحوث السياسية عن الأشياء غير الواقعية أو " الأفكار المجردة " كالسيادة والدولة.
أولاً : أسس إطار الجماعة (جماعات الضغط)
لإطار الجماعة مجموعة من الأسس وهي حسب الآتي :
1- تمثل الجماعة وحدة التحليل السياسي، فتركيز الباحث ينتهي على الجماعة وليس الفرد، طالما أنها تؤثر في الحياة السياسية أكثر منه، ولكن في بعض المجتمعات يكون الفرد الحاكم أكثر تأثيراً منها، وبهذا يمثل الفرد وحدة التحليل.......
2- يحتوي النظام السياسي على شبكة معقدة من الجماعات تتفاعل وتتضاغط فيما بينها باستمرار فالضغوط والضغوط المضادة في النظام عبارة عن الصراع بين هذه الجماعات وهذا الصراع هو الذي يقرر من يحكم، ويتوقف التغير في النظام السياسي على التغير في تكوين الجماعات.
3- تؤثر الجماعات على اتجاهات وسلوك أعضائها فقد أظهرت الدراسات الخاصة بالتنشئة السياسية أن الجماعات المرجعية Reference Group تمارس تأثيراً مهماً بهذا الصدد ومن الأمثلة على ذلك : الأسرة وجماعات الرفاق والمدرسة والحزب.... فهذه الجماعات تغرس القيم الخاصة بها في عقول أعضائها...
4- تمارس الجماعات تأثيراً على النظام السياسي، ويرتكز اهتمام الباحثين على الدور السياسي للجماعات المصلحة وهي منظمات تطوعية تهدف إلى التأثير في رسم السياسيات العامة وبنفس الوقت تحجم من مسؤولية المشاركة المباشرة في الحكم وتأثيرها يتوقف على قوتها نفوذها حجمها تماسكها موارد المالية وتستخدم الجماعات في مسعاها للوصول إلى أهدافها مجموعة من الطرق والأساليب وهي المساواة التحتية، الداعية، المساندة الانتخابية، تمتين الروابط مع الأحزاب، العنف والرضا فاعلية العلاقات الشخصية مع النواب والمسؤولين العامين.
كما وتعلب الجماعات وظائف مثل زيادة مشاركة وفاعلية الأفراد والمساهمة في الاستقرار السياسي.
سلبيات وإيجابيات جماعات الضغط
اهم سلبياتها:
1- تقوم على اساس تحقيق مصالح فئوية، مما يتعارض والمصلحة العامة.
2- غالباً ما تفرض على اعضائها الولاء لها، وهذا ينافي مع ولاء العضو للجماعة الكبرى وهي الدولة.
3- تتبع معظم جماعات الضغط اساليب ملتوية في سبيل تحقيق اغراضها.
4- جماعات الضغط لاتمثل المصالح المتعارضة لجميع فئات المجتمع، فبينما توجد جماعات ضغط للمنتجين مثلا لاتوجد جماعات تقابلها للمستهلكين (بداءت تتأسس الأن في بعض البلدان). اوردت هذه الفقرة بسبب ماتم ذكره سابقاً من ان اهمية الجماعة تحدد من خلال مدى فاعليتها وتأثيرها والواضح ان فاعلية وتأثير جماعات المنتجين الضاغطة غير فاعلية وتأثير جماعات المستهلكين.
قد يحدث ان تحقق جماعات الضغط اهدافها على حساب فئة او فئات اخرى من الشعب وإن كانت اكثر منها عدداً.
اهم الإيجابيات:
1. إن جماعة المصلحين الذين ينددون بمساوئ جماعات الضغط هم انفسهم في حاجة الى ان ينظموا في جماعات كي يمكنهم التغلب على هذه المساوئ.
2. نمو الجهاز الحكومي وازدياد عدد موظفيه يهدد بالقضاء على حريات الافراد، مالم ينظم هؤلاء الافراد في جماعات قوية تستطيع ان تكون ندا لهذا الجهاز عند الضرورة، وان تحمي حرياتهم من استفحال نموه.
3. تقوم جماعات الضغط بالتاثير في الحكومة طوال الفترات بين الانتخابات العامة، بينما يكون الفرد في هذه الفترات عاجزا عن احداث اي تاثير يقابله.
4. تملك هذه الجماعات بحكم تخصصها وتمارسها بمهامها وسائل الوقوف على البيانات والاتصال بالجهات الموثوق بها واهل الخبرة في مختلف الوان المعرفة، من ثم يسهل على الحكومة دراسة مشروعات القوانين المقترحة واحسن الطرق لتنفيذها يضاف الى ذلك ان الجماعات اكثر تاثرا بالقرارات الحكومية من الافراد واقدر منهم على استثارة المعارضة السريعة الفعالة تجاه القرارات الحكومية المجحفة بحقوق الافراد والضارة بالمصلحة العامة.
الإتصال واحدة من اليات تحقيق اهداف جماعات الضغط:
تتصل جماعات الضغط بالجبهات الرسمية وغير الرسمية بطرق مختلفة منها:
- الاْتصال بالوسائل المباشرة.
- الاتصال عن طريق الصحف التي تؤثر عليها هذه الجماعات، او التي تملكها بشكل غير رسمي والتاْثير على وسائل الاْعلام الاْخرى التي تمتلكها شركات اهلية وتخضع للاْغراءات المادية عادة، وهذا يقودنا إلى الحديث عن تكتيكات تحقيق الأهداف لدى جماعات الضغط والذي بدوره يرتبط بمدى فاعلية الجماعة التي ترتبط بشكلٍ او بأخر بإمكانياتها المادية.
- تعمل جماعات الضغط على التاْثير بوسائل مختلفة على سياسة الدولة، من بينها السياسة الخارجية. فقد تتصل اتصالا شخصيا عن طريق رؤسائها بالمسؤلين لتنفيذ ارائها وتدافع عن مصالحها، وقد تتصل عن طريق الرسائل الخاصة مهددة او واعدة او مغرية.
اخطر صورة تظهر فيها جماعات الضغط هي تلك الصورة المضللة التي تكون فيها مواقفها اوسع من اهدافها. وهذه الصورة تضليل للراي العام وسلوك تستغل فيه المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة ومن اشهر جماعات الضغط والمصالح جماعة الصهيوني وجماعة الفلاحين والجماعة الكاثوليكية وجماعة رجال الاْعمال وجماعة اتحاد العمال.
ولاريب في ان الوسائل التي تستخدمها جماعات الضغط في عملها لغرض التاثير على السلطة من التعدد والتنوع بحيث يصعب بيان تفاصليها جميعا، فهي مختلفة باختلاف ظروف المجتمعات والنظم السياسية فضلا عن اختلاف جماعات الضغط ذاتها.
اعتقد ان في احيان كثيرة يكون التركيز على الجماعات الإجتماعية المهمشة من افضل الوسائل لأجل الضغط على السلطة، وخاصة الضغط على المستوى الطويل الأمد.
تكتيكات جماعات الضغط لأجل تحقيق أهدافها:
1. المساواة المستترة:
يستخدم هذا التكتيك لسببين :
• الخوف من ان تؤدي العلانية إلى تفاقم التناقض
• الطبيعة السرية للنشاط الأقتصادي الخاص
2. الدعاية والمعلومات:
توجه الجماعات حملات دعائية إلى الجماهير على اعتبار ان اقناعها او اثارة اهتمامها بفكرة سوف يدفعها الى التأثير على جهاز صنع القرار.
3. المساندة الانتخابية:
مساعدة مرشح على الفوز بعد ان تم إبرام اتفاق مسبق معه سيتم تنفيذه بعد فوز المرشح على حساب اخر.
4. خلق علاقات خاصة مع الأحزاب السياسية:
خلق كتل تشريعية داخل حزب او اكثر.
5. العنف:
تستخدم بعض الجماعات العنف لتحقيق اهدافها بعد ان تفشل في تحقيقها من خلال القنوات الشرعية.
6. التمثيل المباشر:
يكون من خلال التمثيل المباشر في البرلمان.
نلاحظ من هذه التكتيكات ان الجماعة لتكون فاعلة، اي تملك القدرة على تحقيق اهدافها عليها ان تملك اقتصاداً فاعلاً، حتى في الفقرة السادسة في التمثيل المباشر في البرلمان، التي تعتبر من بين إحدى المآخذ على الديمقراطية التي لا تعتبر في احيان كثيرة مساواة في الوصول إلى السلطة بين عامة الشعب بقدر ماهي مساواة بين مالكي الإقتصاد بسبب كلفة الحملة الأنتخابية والتعبيئة الجماهيرية، وفقرة الدعاية والإعلان تعطي الأفضلية لمن يمول اكثر. بذلك فاستمرارية غالبية جماعات الضغط بفاعلية تعتمد على قوة الجماعة الإقتصادية.
دارفور والصوفية نموذجا:
تقول د. إجلال رأفت الخبيرة في الشأن الإفريقي وأستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة-: " أن اسم "دارفور" هو نسبة إلى "موطن" أي "دار" قبائل "الفور"، التي وفدت منذ مئات السنين إلى غرب السودان من بلدان الجوار الإفريقية: تشاد والنيجر ونيجيريا، وسبق مجيئها إلى غرب السودان مجيء العرب المسلمين، ولكن قبائل الفور دخلت الإسلام أسوة بملايين الأفارقة جنوب الصحراء.
وعن دخولهم الإسلام أوضحت "الدكتورة إجلال" أنه تم بلا فتوح عسكرية، وذلك على أيدي التجار و(الطرق الصوفية).
واحتفظ بعضهم لقرون أخرى بعد الإسلام بلغاتهم الإفريقية الزنجية، بينما استعرب البعض الآخر".
وإقليم دارفور تقدر مساحته بـ(510) ألف كيلو متر وعلى بعد (1200) كيلو متر من العاصمة الخرطوم وهم يدينون بالإسلام بنسبة (100%).
وأهل دارفور يتبعون مذهب الإمام مالك – فقهياً - ويوجد بدارفور مجموعة كبيرة من الأضرحة أشهرها ضريح (السلطان علي دينار)، ويشتهر أهل دارفور باتباعهم الطرق الصوفية ومنها الطريقة التيجانية والأنصارية والختمية والإسماعيلية والسمانية والبرهانية والقادرية والدسوقية، إلا أن معظم أهالي دارفور تقريباً يتبعون الطريقة التيجانية التي ينتشر أفرادها من السنغال حتى السودان.
ويعتبر "محمد سلامون" في قرية "مليط " هو الذي نشر الطريقة التيجانية في دارفور، والطريقة التيجانية أسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد سالم التيجاني، والذي ولد في قرية عين ماضي من قرى الصحراء بالجزائر، وعاش في الفترة ما بين (1150-1230هـ) (1737 ـ 1815م).
وهذه الطريقة هي فرقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بإمكانية مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم، مقابلة مادية واللقاء به لقاءً حسيًّا في هذه الدنيا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصهم بصلاة (الفاتح لما أُغلق) التي تحتل لديهم مكانة عظيمة، ويدعون افتراءً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر شيخ طريقتهم "التيجاني" بأن هذه الصلاة تعادل قراءة القرآن الكريم ست مرات، ويزيدون على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى شيخهم مرة أخرى.
وأخبره أن المرة الواحدة من هذه الصلاة تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة، ويعتقدون أن من تلا صلاة الفاتح عشر مرات كان أكثر ثواباً من العارف الذي لم يذكرها، ولو عاش مليون سنة.
وأن من قرأها مرة كُفِّرت بها ذنوبه، ووزنت له ستة آلاف من كل تسبيح ودعاء وذكر وقع في الكون، كما يؤكد شيخها لأتباعه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذاته قد ضمن له ولهم الجنة يدخلونها بغير حساب ولا عقاب - تعالى الله عما يصفون علواً كبيرا-.
وينتشر التكاسل الشديد بين أفراد هذه الطريقة والتقاعس في أداء العبادات والتهاون فيها، وهذا راجع لما يعتقدونه من إحراز الأجر والثواب العظيمين على أقل عمل يقوم به الواحد منهم.
ومن المشاهدات الملفتة بدارفور ما ذكره الكاتب السوداني المنحدر من قبائل دارفور "أحمد عبد القادر أرباب" -وهو عميد مهندس- وذلك في كتابه "تاريخ دارفور عبر العصور" الصادر في العام (1998) بالخرطوم حيث تحدث المؤلف في الفصل السادس من الكتاب عن طريقة تفرد بها أبناء الفور في دارفور وهي التي عرفت بـ"حبال الفور"، وهي طريقة متفردة يستعين الحافظ فيها بالحبال لحفظ الآيات القرآنية، وفي هذه المرحلة يعرف الحافظ أعداد حروف القرآن، ولا يعتبر الحافظ حافظاً عند الفور إلا إذا كان عارفاً بفن الحبال والحروف، وهو قمة المعرفة عند أبناء الفور.
وعن دور الطرق الصوفية في التعامل مع أزمة دارفور ومحاولة ادماج تلك الطرق في منظومة قوى المجتمع المدني كفكرة يطرحها الغرب لتشكل جماعات ضغط داخل مجتمعاتها يوضح الباحث "أبو بكر القاضي" في دراسة له بعنوان "دور مؤسسات المجتمع المدني بعد سلام دارفور" أنه يجب أن يتسع المفهوم الغربي للمجتمع المدني ليشمل الطرق الصوفية.
وأرجع الباحث طرحه هذا لعدة أسباب منها:
1- أنه يتم استبعاد الطرق الصوفية من منظومة المجتمع المدني؛ لأن هناك مأخذ على شيخ الطريقة وهو أن هذا الشيخ لم ينتخب انتخاباً حراً مباشراً، ويرى الباحث أن هذا المأخذ هو إجرائي شكلي تجاهل الجوهر والدور الوظيفي الاجتماعي الأهلي لشيخ الطريقة حسب الحال.
2- يدفع الباحث بأن الطريقة هي مؤسسة متقدمة جداً على القبيلة بل هي بوتقة لانصهار القبائل تحت ما وصفه بـ"أخوة" الطريقة.
والقاسم المشترك بين الطائفة والقبيلة من الناحية الجوهرية وبغض النظر عن طريقة وصول الشيخ لكرسي الزعامة، هو التراضي والطوعية داخل المؤسسة، ثم العمل المشترك لحماية المصالح وجلب المكاسب.
وهذا الطرح البحثي المحسوب على الإسلام انطلق من قاعدة مبتورة عقدياً ممثلة في فكر وطقوسات صوفية أفاض العلماء في خللها ليستعطف الغرب في الاستظلال بمظلة عولمية وهي "المجتمع المدني" طرحها الغرب في الأساس لتناهض الإسلام ولتذيب مؤسساته في حقيبته ولينزع عن المؤسسات الإسلامية خصوصياتها وتفردها المنهجي الرباني لتتحول إلى مجرد أداة تسيرها شبكة من الطروحات العلمانية.
ولعل هذه المبادرات البحثية هي ما دفعت الأمم المتحدة لتعيد التفكير في توظيف الطرق الصوفية في دارفور ليتم بذلك عملية الموازنة داخل الإقليم من حيث الثبات على المعتقدات الفاسدة والتصدي لأية محاولات تصحيحية لمسار عقائد الدارفوريين من قبل المؤسسات الدعوية والإغاثة الإسلامية ذات المنهج الصحيح.
ومن ذلك ما قامت به الأمم المتحدة بالتعـاون مع مركز دراسات السلام وتنمية المجتمع بجـامعة نيـالا بولاية دارفـور بغرب السودان بدعوة الطرق الصوفية بجمـهورية السودان للقيام بورشة عمل مشتـركة للبحـث عن حلول لما وصف بمشكلة النزاع المسلح بين أهالي دارفور، حيث استجابت الطرق الصوفية بإرسال ممـثلين عن مشايخها، وحضرت وفود من الطرق التيجانية والسمانية والمكاشفية والعركية والرفاعية والبدوية والبرهانية والدسوقية والشاذلية.
وقد استمر انعقاد الورشة التي تم تمويلها أجنبياً من قبل الأمم المتحدة ثلاثة أيام متتالية داخل جامعة نيال.
حيث شهدت الورشة مجموعة من الحوارات حول أوراق عمل قدمت من كل الأطراف وتمحورت في دور ذاكري الصوفية للدخول في مناطق النزاع لنشر ثقـافة الذكر الصوفي والصلاة على رسول الله صلى عليه وسلم وفق رؤية ومعتقد الطرق الصوفية في الصلاة كطرح مهم على أنه حل أكيد لنزع الحقد والكراهية قبل نزع السلاح، وزراعة الحب في القلوب والألفة بين الناس ليلقوا السلاح.
وقد تم طرح أوراق عمل الورشة لمناقشة ما ورد فيها من عرض للمشكلة والحلول المترتبة عليها وكيفية اتخاذ الخطوات العملية من قبل الطرق، الصوفية والتي عرضت بعد ذلك على الوفود المجتمعة في "أبوجا" للاستنارة بما ورد فيها للوصول إلى أيسر الطرق لجمع شمل أهل دارفور على المائدة الصوفية.
وهنا وقفة فإن المأساة التي مر بها الشعب السوداني من خلال أزمة دارفور ودعوة المنظمات الخيرية لإغاثة هذا الإقليم المنكوب وعلى الرغم من الصيت الإعلامي عن الدارفوريين بأنهم أهل القرآن وهذا فخر إسلامي فإن كل ذلك يجب ألا ينسينا البعد العقدي في علاج الأزمة، فالأمر ليس مجرد غذاء أو كساء، وإنما هو بعد عقدي توحيدي يأتي قبل إشباع أية احتياجات غريزية، ولربما انفجرت أزمة دارفور لتلفت الانتباه إلى الدولة التي يؤمن الكثير من متعلميها بتلك الشركيات العقدية المصاحبة للطرق الصوفية والتي عرجنا عليها بصورة سريعة في هذا المقال وضرورة إحلال تلك المعتقدات بالعقيدة الإسلامية الصحيحة.
رد: العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم سيدي وأخي المشرف العام الشيخ حقيقة إستفدنا كثيرا من هذه المواضيع والعروض القيمة حول التصوف الصحيح السليم السني
إلا أنه عندي ملاحظة حول " موضوع وبحث الدكتور السيد المحترم حسن الدعجة أستاذ المساعد قسم الإعلام والدراسات الإستراتيجية جامعة الحسين بن طلال " وسامحني على كل حال
وهي حول الطريقة التجانية لأني أعرف بعض المنتسبين وكلهم أدب وأخلاق وحسب علمي المحدود والله أعلم وأحكم أن شيخهم سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه " لم يقل أن صلاة الفاتح أفضل من القرءان الكريم " والشيخ التجاني رحمه الله كان يقول لأتباعه كل ما سمعتموه عني فقسوه بميزان الشرع فما وافق فخذوه وما خالف فأتركوه ، يحتمل أن عددا كبيرا من أتباعه تمادوا وإنحرفواعن السنة المطهرة وعن تعاليم شيخهم رحمه الله
نتمنى من له علم بهذه الطريقة بأن يفيدنا وينورنا حتى نستفيد أكثر
تحياتي وإحتراماتي
فقير بوشيخي- عضو مميز
- عدد الرسائل : 1413
الموقع : www.cheikhiyya.com
نقاط : 7508
تاريخ التسجيل : 29/04/2008
رد: العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم
بالفعل سيدي المحترم ، اشاطرك الرأي في تعقيبك حول الطريقة التيجانية ، لكني رغبت أن أنشر المقالات عن مؤلفيها ، وآرائهم ، وانتقاداتهم حتى أتيح الفرصة لجميع أعضاء منتدانا الكرام للتعقيب والفحص والنقد ، وبالتالي الخروج بنتيجة حتمية (نحن متأكدون منها ، طبعا) ، يتعرف عليها ويقتنع بها كل القراء والمتصفحين.
وسأحاول نشر محاضرات أخرى حول سيدي بوعمامة ومشائخ آخرين في القريب غن شاء الله ، بالإضافة إلى مواضيع فريدة وجد متميزة حول أهل الصوفية والحركة الوهابية وأهل الشيعة ، وأوجه التقارب و/أو التباعد بينهم.
وسأحاول نشر محاضرات أخرى حول سيدي بوعمامة ومشائخ آخرين في القريب غن شاء الله ، بالإضافة إلى مواضيع فريدة وجد متميزة حول أهل الصوفية والحركة الوهابية وأهل الشيعة ، وأوجه التقارب و/أو التباعد بينهم.
عدل سابقا من قبل chikh في السبت 22 نوفمبر 2008 - 2:23 عدل 1 مرات (السبب : تصحيح)
رد: العلاقة بين أهل التصوف وغيرهم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم سيدي وأخي المشرف العام الشيخ حقيقة إستفدنا كثيرا من هذه المواضيع والعروض القيمة حول التصوف الصحيح السليم السني
نعم الرأي سيدي الكريم حتى يتوسع الموضوع كل برأيه وكل بدليله
أعجبتني كلماتكم هاته
______________________
بالفعل سيدي المحترم ، اشاطرك الرأي في تعقيبك حول الطريقة التيجانية ، لكني رغبت أن أنشر المقالات عن مؤلفيها ، وآرائهم ، وانتقاداتهم حتى أتيح الفرصة لجميع أعضاء منتدانا الكرام للتعقيب والفحص والنقد ، وبالتالي الخروج بنتيجة حتمية (نحن متأكدون منها ، طبعا) ، يتعرف عليها ويقتنع بها كل القراء والمتصفحين.
________________________________
في إنتظار بقية المواضيع وخاصة حول سيدي الشيخ بوعمامة رحمه الله دمت في رعاية الرحمن
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم سيدي وأخي المشرف العام الشيخ حقيقة إستفدنا كثيرا من هذه المواضيع والعروض القيمة حول التصوف الصحيح السليم السني
نعم الرأي سيدي الكريم حتى يتوسع الموضوع كل برأيه وكل بدليله
أعجبتني كلماتكم هاته
______________________
بالفعل سيدي المحترم ، اشاطرك الرأي في تعقيبك حول الطريقة التيجانية ، لكني رغبت أن أنشر المقالات عن مؤلفيها ، وآرائهم ، وانتقاداتهم حتى أتيح الفرصة لجميع أعضاء منتدانا الكرام للتعقيب والفحص والنقد ، وبالتالي الخروج بنتيجة حتمية (نحن متأكدون منها ، طبعا) ، يتعرف عليها ويقتنع بها كل القراء والمتصفحين.
________________________________
في إنتظار بقية المواضيع وخاصة حول سيدي الشيخ بوعمامة رحمه الله دمت في رعاية الرحمن
فقير بوشيخي- عضو مميز
- عدد الرسائل : 1413
الموقع : www.cheikhiyya.com
نقاط : 7508
تاريخ التسجيل : 29/04/2008
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» العلاقة بين التصوف والفيزياء الكمية
» علم التصوف هام جدا
» العلاقة التلازمية بين العقيدة و المنهج
» الطرق الصوفيـــَّـــــــــة
» التصوف إحسان
» علم التصوف هام جدا
» العلاقة التلازمية بين العقيدة و المنهج
» الطرق الصوفيـــَّـــــــــة
» التصوف إحسان
صفحة 1 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:36 من طرف دين نعيمي
» من يعرف لنا المكاحلية ؟؟
الخميس 21 يناير 2021 - 15:10 من طرف الدين
» من شيوخ سيدي الشيخ
الخميس 21 يناير 2021 - 8:39 من طرف الدين
» ممكن شجرة سيدي حمزة بن بوبكر قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ ؟
الخميس 21 يناير 2021 - 6:17 من طرف الدين
» قراءة في كتاب "الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط" لأحمد الشنقيطي وبوبكرية الأقلال فقط
الأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 18:23 من طرف chikh
» لماذا تجاهل المؤرخون هذه الفترة من حياة سيدى الشيح ؟!
السبت 4 أبريل 2020 - 22:02 من طرف mahmoudb69
» شجرة أولاد سيدي محمد بن عبد الله
السبت 4 يناير 2020 - 5:54 من طرف الدين
» من روائع محمد ولد بلخير
الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 11:30 من طرف دين نعيمي
» سيدي أحمد المجدوب
الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 15:30 من طرف Azziz
» صدور كتاب جديد.....
الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 14:24 من طرف Azziz
» ممكن التواصل مع الأستاذ سي بلمعمر
الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 23:43 من طرف Azziz
» الرحال اللاجئون قديما
الجمعة 27 سبتمبر 2019 - 19:18 من طرف Azziz
» المرحوم / الحاج محمد عدناني في سطور
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:59 من طرف محمد بلمعمر
» كيف أتأكد من أنني أنتمي إلى قبيلة سيدي الشيخ?
الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 22:00 من طرف manadh
» المنن في مناقب سيدي محمد بن عبد الرحمان
السبت 26 مايو 2018 - 5:43 من طرف الدين
» كتاب " امارة اولاد سيدي الشيخ"
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:46 من طرف محمد بلمعمر
» قصائد بوشيخية .
الجمعة 6 أبريل 2018 - 9:53 من طرف محمد بلمعمر
» القصيدة التي أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 1 أبريل 2018 - 21:17 من طرف manadh
» شهداء معركة تازينة باليض.....
الخميس 1 مارس 2018 - 22:22 من طرف manadh
» أفضل الصلاة وأزكى التسليم على إمام الانبياء
الإثنين 19 فبراير 2018 - 11:04 من طرف بكري