المواضيع الأخيرة
لا تنسوا أن تتصفحوا أيضا بعض أقسام المنتدى:
بوابة الخواطر الأدبية للكاتب ش ق بن عليةبحـث
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 41 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 41 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 634 بتاريخ الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 22:39
أهلا وسهلا ومرحبا بكم في رحاب سيدي الشيخ
وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
+6
FIFA
djell18
ابو مروة
ولد سيدي أمحمد عبدالله
chikh
CKB
10 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
تناولتَ قُرص النوم ،، أعانتْك ذاتُ الثلاثين حَوْلاً على الجلوس ،، تَمدّدتّ ،، صدرُكَ يُصدرُ سُعالا خفيفا بين الفَينة والأخرى ،، استرختْ أطرافُك ،، استرخى هيكلُك ،، دثّرَتْكَ بغطائك المعهود حين يُسدلُ الصيفُ حرارتَه ،، هَـمّـتْ بالانصراف ،، بادرْتَـها :
ـــ ما بكِ تتعجّلين الخروج ؟
ـــ ...........................
ـــ فلتُحاولْ إحداكُنّ إيقاظي عند صلاة العصر !!
تَنـَـهّـدَتْ ،، وبعيْنيْن أعياهما سهرُ الليالي رَمَـقَـتْك ، وبصوتٍ حزين أجابتْكَ مذعوره :
ــــ سنفعلْ ،، ستفعل إحدانا !!
سماءُ الصمت تمادت في رشّ كيانك ،، في تعطيل ذهنك من أن يعيش الحاضر ،، شريط الأيام الخاليه لا يكاد يُنهي استعراض مشاهده في حناياك ،، امتدّت إلى ذاكرتك يدُ العُمر الدفين في مقبرة الدنيا تُوخزُك ،، تُغويك ،، تُشير عليك بتفقّـد يوم واحد لك فيه موقف في الوسط الاجتماعي ،، تذكرتَ تشدّدك على بناتك الأربع اللائي أنجبت ،، خيرة ، مبروكهْ ، عائشه ، فـتيحه ،، لم تغفل عن حشد الرقى والتمائم لهُن ،، هنّ جميعا يأتمرن بأوامرك غير القابلة للطعن ،، وَلَـدَاكَ المُتعلمان لا رأي لهما عندك ،، طردتّهما ،، والدةُ هذا الجيل لا تفـتأ تشكو في عقر دارك ضعف القوهْ ، وقلة الحيلهْ ،، جذبْتَ الوسادهْ ،، ثبّـتّـها تحت رأسك المليئة بالتناقضات ،، أخفيْتَ جسدَك من أسفله إلى أعلاه ،، قُرصُ " البيرياكـتين " فعل في دماغك فَعلـتهْ ،، رأيتَ رؤيا ،، أشخاص مُلثّمون يُطاردونك أنّى حللتْ ،، قبضوا عليك ،، أحكموا وَثاقك ،، شفاههم تردد :
ــــ لماذا يا مُذنب ؟ ،، لماذا يا آثم ؟
الناس من حولك مُكتفون بالنظر ،، حَلّوا أغلالك ،، أخذوك ،، وضعوك على حافة بئر سحيقـــه ،، صرخْـتْ ،، وجدتّ نفسك قاعدا على فراش بلا غطاء ،، العرقُ يتفصد من كل مسامّ بـشرتك ،، غُددُك الدمعية على وشك إفراغ ما الــجـــعــبـــه ،، قلتَ مُخاطبا نفسك ماسحاً بكلتا يديْكَ عرقَ وجهك :
ـــ ماذا جنيْتْ ؟؟ ،، ماذا فعلتْ ،، إنه نذير شؤم هذا الذي رأيت !!
صحوْتَ من هذيانك ،، ناديْت بصرخة مُدوّيه ،، جاءتك عائشة على عجل ،، قالت والعَبَراتُ تكاد تسبقها :
ـــ أمرك أبي !!
أشرْتَ إلى عُلبة الأقراص ،، شفـــــتاك تُلحّان في الطلب :
ـــ هـاتِ قُرصيْن !! ما لك مشدوهــه !! ،، أين المــاء ؟؟
أخذ القُرصان طريقهما إلى أمعائك ،، تقلبتَ يَـمْــنـَــة و يَـســره ، ودّعت حالة اليقظـه ،، زغاريدُ مُـتــتاليه تخترق أجواء حُجرتك ،، أصواتُ أبواق السيارات تسللت إلى مخدعك ،، أحاديث مُتداخله تُـــقـــض مضجعك ، لم تـــتبـيـــّن منها غيرَ قول أحدهم وهو يُخاطبُ غيرَه :
ـــ أطلب من سائقي السيارات أن يتقدّموا ،، قد يُدركُنا وقت المغيب !!
استيقظتَ كُليّة ،، أزحتَ الغطاءَ من على رأسك ،، سحبتَ رجليْك ،، يُمناك تُحاول أخذ رفيق الأيام الأخيرة من عُمرك ،، أمسكتَ بالعُـكّاز ، و رغم انحناء الظهر اعتدلتَ واقفا ، وكالساري في حالة نـَـوم ، رُحت صَوْبَ الباب الحديدي ،، فتحت ،، اندهشت عيناك ،، الشارعُ يعجّ بالوجوه الضاحكة المستبشره ،، سيارات مُـصـطـفّـه ،،فتيات في عمر الربيع يمتطين الكراسي الخلفيه ،، يتغامزنْ ،، يتضاحكنْ ،، سألتَ الواقفَ حِـذاء بابك :
ـــ أهُوَ عرس جارنا ؟؟
أجابكَ بنوع من اللامبالاة :
ـــ إنه عرس إحدى بناتِــه ،، أظنها الأخيرة لديْه ،، هل كنت غائبا عن الـــبَلْده ؟؟
لم تُجبه ،، شعرتَ بما يُشبهُ الإرهاق يسري في أوصالك ،، تراجعتَ إلى الوراء ،، دخلتَ منزلك ،، حالــتُك أنستْك إحكام غلق الباب كما العاده ،، وبخُطًى حائره ، سارعت إلى حُجرة نـَوْمِك ،، دَلَفْتَ إلى عُمقها ،، فـتّـشـت ،، تمرّدتْ أنفاسُك عن رئـتيْك ،، توقّفت ،، أعدتّ التفـتيش ،، تناثرت أوراق أرشيفك ،، حُجرتُك استحالت إلى مكتب إداري مُهمَل ،، واصلتَ الـتنقيب ،، اهتديْت إلى دَفتركَ العائلي ،، تأمّلْتَ ظاهِره ،، تصفّحتَ وُرَيْـقَـاتِـه ، أذُناك لاتستطيعان صَــدَّ زغاريد السيارات والحناجر ،، العَرَقُ لم يَـسْـتَحِ من تجاعيد وجهِـك ،، التهمتْ عيناك تواريخ ميلادِهن ،، ارتعشتْ يداك ،، سَـهَــتْ أناملُك ،، سقط الدفتر ، وفاضتْ عيناك بعدما اعــتــلـى صــدأ الــبَــوار قلوبَ من أنجبتَ ذاتَ زمـــن .
بقلم/ الشيخ قدور بن علية
الأبيض سيدي الشيخ في: أوت1987
ـــ ما بكِ تتعجّلين الخروج ؟
ـــ ...........................
ـــ فلتُحاولْ إحداكُنّ إيقاظي عند صلاة العصر !!
تَنـَـهّـدَتْ ،، وبعيْنيْن أعياهما سهرُ الليالي رَمَـقَـتْك ، وبصوتٍ حزين أجابتْكَ مذعوره :
ــــ سنفعلْ ،، ستفعل إحدانا !!
سماءُ الصمت تمادت في رشّ كيانك ،، في تعطيل ذهنك من أن يعيش الحاضر ،، شريط الأيام الخاليه لا يكاد يُنهي استعراض مشاهده في حناياك ،، امتدّت إلى ذاكرتك يدُ العُمر الدفين في مقبرة الدنيا تُوخزُك ،، تُغويك ،، تُشير عليك بتفقّـد يوم واحد لك فيه موقف في الوسط الاجتماعي ،، تذكرتَ تشدّدك على بناتك الأربع اللائي أنجبت ،، خيرة ، مبروكهْ ، عائشه ، فـتيحه ،، لم تغفل عن حشد الرقى والتمائم لهُن ،، هنّ جميعا يأتمرن بأوامرك غير القابلة للطعن ،، وَلَـدَاكَ المُتعلمان لا رأي لهما عندك ،، طردتّهما ،، والدةُ هذا الجيل لا تفـتأ تشكو في عقر دارك ضعف القوهْ ، وقلة الحيلهْ ،، جذبْتَ الوسادهْ ،، ثبّـتّـها تحت رأسك المليئة بالتناقضات ،، أخفيْتَ جسدَك من أسفله إلى أعلاه ،، قُرصُ " البيرياكـتين " فعل في دماغك فَعلـتهْ ،، رأيتَ رؤيا ،، أشخاص مُلثّمون يُطاردونك أنّى حللتْ ،، قبضوا عليك ،، أحكموا وَثاقك ،، شفاههم تردد :
ــــ لماذا يا مُذنب ؟ ،، لماذا يا آثم ؟
الناس من حولك مُكتفون بالنظر ،، حَلّوا أغلالك ،، أخذوك ،، وضعوك على حافة بئر سحيقـــه ،، صرخْـتْ ،، وجدتّ نفسك قاعدا على فراش بلا غطاء ،، العرقُ يتفصد من كل مسامّ بـشرتك ،، غُددُك الدمعية على وشك إفراغ ما الــجـــعــبـــه ،، قلتَ مُخاطبا نفسك ماسحاً بكلتا يديْكَ عرقَ وجهك :
ـــ ماذا جنيْتْ ؟؟ ،، ماذا فعلتْ ،، إنه نذير شؤم هذا الذي رأيت !!
صحوْتَ من هذيانك ،، ناديْت بصرخة مُدوّيه ،، جاءتك عائشة على عجل ،، قالت والعَبَراتُ تكاد تسبقها :
ـــ أمرك أبي !!
أشرْتَ إلى عُلبة الأقراص ،، شفـــــتاك تُلحّان في الطلب :
ـــ هـاتِ قُرصيْن !! ما لك مشدوهــه !! ،، أين المــاء ؟؟
أخذ القُرصان طريقهما إلى أمعائك ،، تقلبتَ يَـمْــنـَــة و يَـســره ، ودّعت حالة اليقظـه ،، زغاريدُ مُـتــتاليه تخترق أجواء حُجرتك ،، أصواتُ أبواق السيارات تسللت إلى مخدعك ،، أحاديث مُتداخله تُـــقـــض مضجعك ، لم تـــتبـيـــّن منها غيرَ قول أحدهم وهو يُخاطبُ غيرَه :
ـــ أطلب من سائقي السيارات أن يتقدّموا ،، قد يُدركُنا وقت المغيب !!
استيقظتَ كُليّة ،، أزحتَ الغطاءَ من على رأسك ،، سحبتَ رجليْك ،، يُمناك تُحاول أخذ رفيق الأيام الأخيرة من عُمرك ،، أمسكتَ بالعُـكّاز ، و رغم انحناء الظهر اعتدلتَ واقفا ، وكالساري في حالة نـَـوم ، رُحت صَوْبَ الباب الحديدي ،، فتحت ،، اندهشت عيناك ،، الشارعُ يعجّ بالوجوه الضاحكة المستبشره ،، سيارات مُـصـطـفّـه ،،فتيات في عمر الربيع يمتطين الكراسي الخلفيه ،، يتغامزنْ ،، يتضاحكنْ ،، سألتَ الواقفَ حِـذاء بابك :
ـــ أهُوَ عرس جارنا ؟؟
أجابكَ بنوع من اللامبالاة :
ـــ إنه عرس إحدى بناتِــه ،، أظنها الأخيرة لديْه ،، هل كنت غائبا عن الـــبَلْده ؟؟
لم تُجبه ،، شعرتَ بما يُشبهُ الإرهاق يسري في أوصالك ،، تراجعتَ إلى الوراء ،، دخلتَ منزلك ،، حالــتُك أنستْك إحكام غلق الباب كما العاده ،، وبخُطًى حائره ، سارعت إلى حُجرة نـَوْمِك ،، دَلَفْتَ إلى عُمقها ،، فـتّـشـت ،، تمرّدتْ أنفاسُك عن رئـتيْك ،، توقّفت ،، أعدتّ التفـتيش ،، تناثرت أوراق أرشيفك ،، حُجرتُك استحالت إلى مكتب إداري مُهمَل ،، واصلتَ الـتنقيب ،، اهتديْت إلى دَفتركَ العائلي ،، تأمّلْتَ ظاهِره ،، تصفّحتَ وُرَيْـقَـاتِـه ، أذُناك لاتستطيعان صَــدَّ زغاريد السيارات والحناجر ،، العَرَقُ لم يَـسْـتَحِ من تجاعيد وجهِـك ،، التهمتْ عيناك تواريخ ميلادِهن ،، ارتعشتْ يداك ،، سَـهَــتْ أناملُك ،، سقط الدفتر ، وفاضتْ عيناك بعدما اعــتــلـى صــدأ الــبَــوار قلوبَ من أنجبتَ ذاتَ زمـــن .
بقلم/ الشيخ قدور بن علية
الأبيض سيدي الشيخ في: أوت1987
عدل سابقا من قبل CKB في الأحد 29 يونيو 2008 - 22:48 عدل 1 مرات
CKB- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 328
الموقع : الأبيض سيدي الشيخ - الجزائر -
نقاط : 6078
تاريخ التسجيل : 17/05/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
مواضيعك جد رائعة ، بأسلوب متناسق ، مملوء بالتشويق ، لكنني لا أستطيع قرائتها أقل من مرتين...... لقد أبدعت............
عدل سابقا من قبل chikh في الإثنين 30 يونيو 2008 - 0:54 عدل 1 مرات
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
بارك الله في بنانك و في بنات أفكارك و مزيدا من هذه اللآلىء و الدرر و فقك الله و شكرا و دمت للإبداع يأخي المحترم و رحم الله أخاك الطالب أمعمر مسك القرآن و رحم أباك الذي أطعمكم من الحلال تحياتي
ولد سيدي أمحمد عبدالله- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 141
الموقع : https://sidicheikh.yoo7.com
نقاط : 5811
تاريخ التسجيل : 19/06/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
شكرا على التشجيع .. سأحاول إن وجدت في نفسي استعدادا للسير عبر هذا الدرب الطويل .. لولا الفقيد أخي رحمه الله و كوكبة من الأساتذة الجادّين ، ما خطّتْ يميني حرفا .. فرحم المولى والدي وأخي والأحياء والأموات ممن علموني هذه القطرة من بحر المعرفة المترامي ، العميق الأغوار، المتعدد المسالك.. وإنني أتوقع أنك واحد من تلامذته بمسجد الحي الغربي .. فلا بارك الله في الشبكة العنكبوتية التي حرمتني من معرفتك عن قرب ،، فإلى متى تظل غامضا أتتبع كتاباتك وأعجز عن معرفة مصدرها ، معرفتك أنت .. شكرا لك مرة أخرى على هذه الحُـقنة التشجيعية ، وشكرا للساهر على منتدانا الذي أحْيـَانـَا بعدما أمَاتــَنا ــ ثقافيا ــ الكسلُ والخمولُ . إمضاء/ الشيخ قدور بن علية .
CKB- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 328
الموقع : الأبيض سيدي الشيخ - الجزائر -
نقاط : 6078
تاريخ التسجيل : 17/05/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
الشكر يا أخي ولكم هذه القصة
أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية:
لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ....
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..... الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي... خاصة أنّها في شهرها التاسع .
حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة... جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.
بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب ..... والرضى بالأقدار . ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً.
مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء . عمل ونوم وطعام وسهر.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت .... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
قال: نعم ..
نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: أكيد عمر ..... لكنه يتأخر دائماً ..
قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة .... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت... دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ..... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله
كثيراً على نعمه.
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.
توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ..... آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
قالت: لا شيء .
فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...
صرخت بها ... سالم! أين سالم .؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...
لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يهدي والد سالم على يد سالم قبل موت سالم
فيا الله ما ارحمك
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية:
لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ....
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..... الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي... خاصة أنّها في شهرها التاسع .
حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة... جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.
بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب ..... والرضى بالأقدار . ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً.
مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء . عمل ونوم وطعام وسهر.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت .... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
قال: نعم ..
نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: أكيد عمر ..... لكنه يتأخر دائماً ..
قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة .... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت... دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ..... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله
كثيراً على نعمه.
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.
توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ..... آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
قالت: لا شيء .
فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...
صرخت بها ... سالم! أين سالم .؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...
لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يهدي والد سالم على يد سالم قبل موت سالم
فيا الله ما ارحمك
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
ابو مروة- عضو جديد
- عدد الرسائل : 66
الموقع : WWW.STARTIMES2.COM
نقاط : 5808
تاريخ التسجيل : 19/05/2008
تنويه
أشكركم ــ أخي أبا مروة ــ على انتقائك هذه القصة المؤثرة جدا ، ليتنا نعتبر ، ونأخذ في اعتبارنا قوله عز من قائل " ... لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا من هن ....".. نادينا هذا جدير بهذا النوع من القصص الهادفة والنظيفة وذات البعد الإنساني والديني .. فجزاك الله عنا خير الجزاء /أخوكم/ الشيخ قدور بن علية
CKB- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 328
الموقع : الأبيض سيدي الشيخ - الجزائر -
نقاط : 6078
تاريخ التسجيل : 17/05/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
شكرا أخي القائم على المنتدى ،، ليتني كنت متقاعدا لأخصص الوقت الكافي لكل ما يمر أمام ناظريّ من كتابات في هذا النادي المتألق .. سأظل أحاول قدر الاستطاعة أن أكون في مستوى ما يقدمه مرتادو النادي من أفكار و رؤى جديرة بالتأمل ،، جديرة بالعديد من الوقفات . أخوكم /ش . ق. ب
CKB- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 328
الموقع : الأبيض سيدي الشيخ - الجزائر -
نقاط : 6078
تاريخ التسجيل : 17/05/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
مشكورين على الموضوع
djell18- عضو مميز
- عدد الرسائل : 959
نقاط : 6245
تاريخ التسجيل : 29/11/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
اقول شكراCKB والله قصة جميلة هادفة بأسلوب رائع مشوق مزيا من النجاح والابداع.
واقول شكرا ايضا ابو مروة على القصة المؤثرة جداً والتي نتمنى ان نعتبر منها
---------مشكوريـــــــــــــــــن---------
واقول شكرا ايضا ابو مروة على القصة المؤثرة جداً والتي نتمنى ان نعتبر منها
---------مشكوريـــــــــــــــــن---------
FIFA- عضو مميز
- عدد الرسائل : 1574
نقاط : 7954
تاريخ التسجيل : 16/01/2009
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
شكرا CKB ، وأبو مروة على هذه الاسهامات القصصيةالتى أنرتمونا بها ،،، نتمنى أن تمكنونا من الأغتراف أكثــر من المناهل التي حبيتم بهــا ،، فمشكورين مجــددا,,,,,
abdelfatah smahi- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 406
نقاط : 5581
تاريخ التسجيل : 05/01/2009
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
abdelfatah smahi كتب:شكرا CKB ، وأبو مروة على هذه الاسهامات القصصيةالتى أنرتمونا بها ،،، نتمنى أن تمكنونا من الأغتراف أكثــر من المناهل التي حبيتم بهــا ،، فمشكورين مجــددا,,,,,
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
و أخيرا إطلالتك الخاطفة ليلا يا سيى
CKB
تدل عن رجوعك لنا. سوف تكون الفرحة بك كبيرة إن شاء الله. شخصيا سيسعدني وجودك و قرأة مداخلة المقبلة
CKB
تدل عن رجوعك لنا. سوف تكون الفرحة بك كبيرة إن شاء الله. شخصيا سيسعدني وجودك و قرأة مداخلة المقبلة
محمد بلمعمر- مستشار المنتدى
- عدد الرسائل : 1831
نقاط : 7559
تاريخ التسجيل : 25/05/2008
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
كتبت فأبدعت كما عودتنا عودة ميمونة أخ شيخ
mamar lalmi- عضو مميز
- عدد الرسائل : 754
نقاط : 6904
تاريخ التسجيل : 22/05/2009
رد: وفاضت عـيـــنــاه " قصة قصيرة "
آل سيد الشيخ عبد الهادي كتب:لقدطالت غيبتك يا سي
CKB و أظن أن العلل قد زالت فأين أنت
محمد بلمعمر- مستشار المنتدى
- عدد الرسائل : 1831
نقاط : 7559
تاريخ التسجيل : 25/05/2008
مواضيع مماثلة
» تعليمة "الفيفا" الجديدة تلقي بظلالها على مواجهة "الخضر" ضد مصر
» " رحلة إلى بيت الله "" كم بها من ثواب "
» الطرق الصوفيـــَّـــــــــة
» " homi" .. جهاز لتنبيهك في حال الجلوس الخاطىء أمام الحاسب
» " تـيــوت " إكتشاف غابة متحجرة تعود لآلاف السنين
» " رحلة إلى بيت الله "" كم بها من ثواب "
» الطرق الصوفيـــَّـــــــــة
» " homi" .. جهاز لتنبيهك في حال الجلوس الخاطىء أمام الحاسب
» " تـيــوت " إكتشاف غابة متحجرة تعود لآلاف السنين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:36 من طرف دين نعيمي
» من يعرف لنا المكاحلية ؟؟
الخميس 21 يناير 2021 - 15:10 من طرف الدين
» من شيوخ سيدي الشيخ
الخميس 21 يناير 2021 - 8:39 من طرف الدين
» ممكن شجرة سيدي حمزة بن بوبكر قائد ثورة أولاد سيدي الشيخ ؟
الخميس 21 يناير 2021 - 6:17 من طرف الدين
» قراءة في كتاب "الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط" لأحمد الشنقيطي وبوبكرية الأقلال فقط
الأربعاء 25 نوفمبر 2020 - 18:23 من طرف chikh
» لماذا تجاهل المؤرخون هذه الفترة من حياة سيدى الشيح ؟!
السبت 4 أبريل 2020 - 22:02 من طرف mahmoudb69
» شجرة أولاد سيدي محمد بن عبد الله
السبت 4 يناير 2020 - 5:54 من طرف الدين
» من روائع محمد ولد بلخير
الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 11:30 من طرف دين نعيمي
» سيدي أحمد المجدوب
الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 15:30 من طرف Azziz
» صدور كتاب جديد.....
الأربعاء 9 أكتوبر 2019 - 14:24 من طرف Azziz
» ممكن التواصل مع الأستاذ سي بلمعمر
الإثنين 7 أكتوبر 2019 - 23:43 من طرف Azziz
» الرحال اللاجئون قديما
الجمعة 27 سبتمبر 2019 - 19:18 من طرف Azziz
» المرحوم / الحاج محمد عدناني في سطور
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 11:59 من طرف محمد بلمعمر
» كيف أتأكد من أنني أنتمي إلى قبيلة سيدي الشيخ?
الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 22:00 من طرف manadh
» المنن في مناقب سيدي محمد بن عبد الرحمان
السبت 26 مايو 2018 - 5:43 من طرف الدين
» كتاب " امارة اولاد سيدي الشيخ"
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:46 من طرف محمد بلمعمر
» قصائد بوشيخية .
الجمعة 6 أبريل 2018 - 9:53 من طرف محمد بلمعمر
» القصيدة التي أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 1 أبريل 2018 - 21:17 من طرف manadh
» شهداء معركة تازينة باليض.....
الخميس 1 مارس 2018 - 22:22 من طرف manadh
» أفضل الصلاة وأزكى التسليم على إمام الانبياء
الإثنين 19 فبراير 2018 - 11:04 من طرف بكري